حدث مع الإمام الحسن كما حدث مع والده أمير المؤمنين حيث إن القوم تخاذلوا عنه، ولم يرفع السلاح للمطالبة بحقه، ليس ضعفا في شجاعة وبطولة الإمام علي ولكن هناك وصية من رسول الله له بانه سيتعرض للظلم فلا يرفع سلاحا للمطالبة بحقه إلا إذا وجد النصرة...
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) الولي والحجة والخليفة والحاكم بعد أبيه أمير المؤمنين الإمام علي (عليهم السلام)، ورث عن أبيه كل الصفات ومنها الشجاعة والحكمة والحلم والصبر..، وكذلك انقلاب وتخاذل القوم، وعدم وجود الناصر المؤمن الموالي الواعي المضحي. الإمام علي (ع) أول مظلوم والإمام الحسن (ع) هو الثاني، وهو المظلوم حتى من شيعته والتقصير بالدفاع عن مظلوميته لغاية اليوم!.
الأئمة و وحدة المصير
الحق واحد واضح لا يتغير حسب الزمن والظروف والسياسة، وأئمتنا جميعا مع الحق والعدل ونصرة المظلوم ومع الحرية والكرامة والعزة لكل البشر، ورفض الظالمين والطغاة والمستبدين، فهم حجج الله الواضحة على الخلق، لم يتنازل أي منهم عن نصرة الحق ونصرة المظلومين، ولم يستسلم أي منهم لظالم أو مدح فاسدا أو طاغية، ولهذا لم يسلموا من الإعتقال والسجن والتعذيب والقتل ظلما فجميعهم شهداء.
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هو السبط الأكبر وهو من عاش أطول فترة زمنية مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو إمام وقائد وزعيم وحكيم وحجة الله على العالمين..، وذلك منذ صغره حسب مقاييس السماء إذ قال من لا ينطق عن الهوى الرسول الأعظم محمد (ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" وقال أيضا (ص):"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".، وله مكانة عالية عند الخالق -عز وجل- وعند رسول الله جده المصطفى محمد(صلى الله عليه واله وسلم)، نزلت بحقه مع أخيه الإمام الحسين..، آيات قرآنية منها: آية التطهير، وآية المودة، وآية المباهلة، وآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا)، وآية (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وغيرها، وهو من أصحاب أهل الكساء، وهناك الكثير من الروايات التي تشهد بإمامة وسيادة وقيادة وزعامة وعظمة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وان محبته وطاعته والسير على منهجه فيه محبة ورضاء الله -سبحانه وتعالى- ورسوله الأعظم (ص) والحصول على الجنان.
إن كل ما قام به الإمام المجتبى (ع) باستلام زمام الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) هو بعين الله ولطفه وهو حجة علينا وعلى كل عباده.
لقد حدث مع الإمام الحسن (عليه السلام)، كما حدث مع والده أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث إن القوم تخاذلوا عنه، ولم يرفع السلاح للمطالبة بحقه، ليس ضعفا في شجاعة وبطولة الإمام علي (ع) ولكن هناك وصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له بانه سيتعرض للظلم فلا يرفع سلاحا للمطالبة بحقه إلا إذا وجد النصرة من القوم، ولكن الإمام لم يجد تلك النصرة، كما ان الظروف الاجتماعية والسياسية في عصر الإمام الحسن لا تقل خطورة مع التخاذل والتخوين والاضطرابات الشديدة في الجيش والقوم وأصبح الدرهم والدينار هو دين الأكثرية.
الإمام علي (ع) لم يرفع السلاح ولم يخض الحرب مع الانقلابيين بعد شهادة رسول الله (ص) رغم انه شجاع وبطل، وكذلك الإمام الحسن (ع) لم يواصل الجهاد ضد معاوية، وذلك لعلمهم بالمصلحة الأكبر في ظل غياب النصرة من القوم رغم ما يملكونه من شجاعته الفذة، فهو جمع بين شجاعة والده أمير المؤمنين وشجاعة جده المصطفى (ص)، فالإمام الحسن (ع) هو أشجع الناس بعد والده وهو اليد اليمنى والمساعد الأول والممثل لوالده تنقل كتب التاريخ "من مواقفه الجريئة التي اتخذها مع أبيه(ع) أنه عندما أُبعد أبو ذر الغفاري إلى الربذة أصدر عثمان أمراً بعدم توديعه، غير أن الإمام علياً وولديه الحسن والحسين (ع) خرجوا إلى توديعه بكل حرارة مستنكرين بذلك حكم عثمان عليه، وكان في هذا السلوك رسالة واضحة إلى الخليفة الثالث"، ومخالفة لرأي الحكم الجائر.
كما ان الإمام الحسن(ع) "شارك أباه في حرب الجمل سنة 36 للهجرة بعد أن ذهب إلى الكوفة برفقة عمار لتحريض الناس على القتال الذين أتوا برفقته إلى البصرة من أجل القتال، وقد فضح الإمام الحسن (ع) أكاذيب عبد الله بن الزبير بتلك الخطابات التي كان يلقيها أمام الناس، وقد كان للإمام الحسن(ع) دور بارز في تلك المعركة الكبيرة".
ونقلت كتب التاريخ أنه في حرب الجمل "دعا أمير المؤمنين (ع) محمد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له: "اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب فمنعوه بنو ضبه فلما رجع إلى والده، انتزع الإمام الحسن رمحه من يده وقصد الجمل وطعنه برمحه ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم فتمغر وجه محمد من ذلك فقال أمير المؤمنين: لا تأنف فإنه ابن النبي وأنت ابن علي".
نعم ان الإمام الحسن (عليه السلام) جمع شجاعة رسول الله (ص) وشجاعة أبيه أمير المؤمنين (ع)، فهو -الإمام الحسن- (ع) مجاهد محارب في كل الحروب التي خاضها والده (عليهم السلام). وقد سطر الإمام الحسن(ع) في وقعة صفين أروع ملاحم البطولات والتضحية في سبيل الإسلام الحنيف، وطاعة الولي والحجة والإمام أمير المؤمنين علي (ع).
جهاد الإمام الحسن الثائر
وأول عمل قام به الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) الثائر لأجل الحق، هو مواصلة طريق الجهاد حسب سياسة والده (ع) ضد (..) معاوية، ولكن حينما رأى الخيانات والجهل والشبهات وزرع الشك والتخوين في صفوف جيشه ومن بعض القيادات التي كانت مستعدة أن تقوم بعملية اغتياله وتسليم رأسه إلى معاوية لأجل المال.
وقد أوضح الإمام الحسن (ع) ذلك بقوله: ".. يزعمون انهم لي شيعة،.. ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي و أخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و أؤمن به في أهلي، خير من ان يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي وسلموني إليه، أقسم بالله إن الصلح بالعزة مع معاوية خير من أن أصبح أسيرا بيده أو أقتل أو يمُنُّ عليَّ معاوية، ويتجاوز عن قتلي، فيبقى هذا العار على بني هاشم إلى الأبد".
لقد ابتلي الإمام الحسن (عليه السلام) بقوم معظمهم يفتقدون الوعي بالإيمان بالإمامة وطاعة الحجة والتضحية بين يديه، الإمام الحسن (ع) بعد استلامه الإمامة والخلافة بعد استشهاد والده الإمام علي (ع) خطب في القوم:"فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أمّا والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكنّا كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم وكنّا لكم وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين: قتيلاً بصفّين تبكون عليهم، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم فأمّا الباكي فخاذل وأمّا الطالب فثائر، وإنّ معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله، فنادى القوم بأجمعهم، بل البقية والحياة.
ان القوم الذين كانوا حول الإمام الحسن (ع) يريدون البقية والحياة ولو مع الذل والهوان، لا يملكون الإيمان الحقيقي وطاعة الإمام الحجة القائد، اي غياب الناصر والوعي في الجيش والأمة، فوجد الإمام الحسن (ع) وهو السيد القائد الحكيم الحجة أن يسير بسيرة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلح الحديبية مع كفار قريش، وبسيرة والده أمير المؤمنين (ع) بالمسالمة حين غصبت منه الخلافة من الانقلابيين حيث قال (ع): "لأسلمنهم ما سلمت أمور المسلمين".
في ظل تخاذل الأمة وعدم وجود الناصر، وللحفاظ على بيضة الإسلام وعدم سفك دمائهم في ظروف خطيرة على وجود الإسلام من مخاطر خارجية وداخلية، مع حق قول كلمة الحق وبيان الحقائق ونصرة المظلومين والدفاع عن بيضة الإسلام والرسالة المحمدية، وتأهيل جيل جديد يحمل الإيمان الحقيقي والوعي الصحيح واحترام الحجة والإمامة والقيادة، والانقياد بالقيام والقعود الثورة والتضحية.
وقد شرح الإمام (ع) مدى توجعه من تخاذل الناس الذين حوله، وانه لو وجد منهم القلوب الصافية والنيات المخلصة لجاهد حتى يكتب الله النصر او الشهادة، ففي خطبة له قال (ع):" أيها الناس: تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكاشف الظلمة، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية وبنيّات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً ولأضيقنّ من السيوف جوانبها ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله".
تم عقد إتفاق الهدنة بين الإمام الحسن ومعاوية بشروط، أهمها: إذا مات معاوية يكون الحاكم الإمام الحسن أو الحسين (ع)، وأن يكون الشيعة في أمن وان يحصلوا على الدعم من بيت المال، إيقاف شتم أمير المؤمنين (ع)، ان لا يخاطب الإمام الحسن (ع) معاوية باسم أمير المؤمنين ولا يشهد عنده بشهادة.
وبعد عقد إتفاق الهدنة (الصلح) "جاءت مجموعة إلى الإمام الحسن(ع) يطلبون منه الإذن بقتال معاوية فأجابهم(ع) بقوله: أنتم شيعتنا وأهل مودتنا، فلو كنت بالحرام في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أركض وأنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ولا أشد شكيمة، ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلّموا الأمر له وألزموا بيوتكم وأمسكوا".
وللحديث تتمة حول جهاد وشجاعته ومظلومية الإمام الحسن المجتبى (ع) الثائر ضد الطغاة..
اضف تعليق