q

بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين علي (ع) عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية عن "دولة الإنسان في نهج الإمام علي (ع). يوم الخميس المصادف 30/4/2015.

وقدم حيدر الجراح مدير المركز التهنئة للعالم اجمع ومراجع الدين الشيعة بمناسبة ولادة البيان الإيماني الأول للدين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقال الجراح في مقدمته: اجتمع في الإمام علي (عليه السلام) الحكم العادل والحكمة الباهرة، فكانت دولته دولة الحكم العادل، الدولة الخادمة للإنسان. ومن هنا كان الإمام علي (ع) الوحيد الذي يرى إن قيمة القيادة في ما تتبناه من أفكار وما تنتجه من خطط. وفي هذه النقطة تمثلت قوة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في قدرته على طرح مشروع إنساني عام كفكرة ونظرية، وقدرته على طرح نموذج تطبيقي بقي حيا في نفوس الأجيال التي مضت وتستلهمه الأجيال التي ستأتي. فكان علي بن أبي طالب (ع) المشعل الدائم التوهج في تكامل المعرفة والواقع والنظرية والتطبيق.

وأضاف الجراح إن الإمام علي (ع) لم يحاول التوسل بمبررات دينية لشرعنة سلطته، رغم انه كان يملك شرعية دينية كاملة، ولا استخدم أساليب القوة أو المناورة والمؤامرة من اجل الاستحواذ على الحكم والنيل من خصومه، لأنه كان يرى ان شرعية السلطة تنطلق من أساس رضا الناس واختيارهم.

المنحى الديمقراطي في فكر الامام علي (عليه السلام) يتأسس على رؤية عميقة لمسألة الحرية الانسانية التي لم يكن يقصد بها ماكان مفهوما منها في عصره بما هي المقابل للعبودية، بل انه اعطاها مداها الاوسع واسبغ عليها معانيها النفسية والاجتماعية والسياسية. لقد كان علي (عليه السلام) يرى ان الحرية لابد ان تتحقق اولا في الذات، ليمكنها ان تنطلق بعد ذلك نحو مستويات اخرى موضوعية. فهي قبل كل شيء سيطرة على النفس، وليست خضوعا لأهوائها، وهو لذلك يقول: (الا حر يدع هذه اللماظة لاهلها؟).

الإنسان والحرية عند الإمام علي (عليه السلام)

وتناولت الحلقة النقاشية محورين مهمين وهما الإنسان والحرية عند الإمام علي (ع) للدكتور أنور سعيد الحيدري من كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد وقال فيه: تشهد سيرة علي (ع) على انه كان جنبا إلى جنب مع رسول الله (ص) في معركة تحرير الإنسان من الرجس والأوثان والانا وعبادة الهوى ونقله الى رحاب عبادة الله الواحد الأحد. فكان على(ع) رمزا للإنسان الحر في دنياه والعبد المطيع لمولاه، والمجاهد والمقاوم في سبيل الله. وإذا كان الإسلام قد قضى على عبادة الأوثان فان المشوار مازال طويلا ليقضي على عبادة الإنسان للإنسان على مدى الأزمان، فجاءت سيرة علي (ع) لتحث على طاعة الرحمن أيا كان السلطان..

 وانطلاقا من رؤيته للإنسان وحقه في الحرية أجاز الإمام علي (ع) معارضة السلطة السياسية إذا ما تجاوزت حدها في تعاملها مع الإنسان وكرامته، ذلك ان السيرة العملية للإمام خلال تجربته السياسية، تظهر انه قد أقر بالمعارضة السياسية، ولكن وفق ضوابط واقر لمعارضيه بحقوقهم ولم يقسر (ع) أحدا على بيعته إن لم يكن ذا قناعة بها (بايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين)، بل اشترط الرضا على الحكام المحليين الذين يعينهم.

وأضاف الدكتور أنور: انه فعّل لغة الحوار مع معارضيه أيا كانت درجة مجانبتهم له. وضمن لهم حقهم في الحياة إذ نهى عن الاغتيال السياسي، وحقهم في التعبير عن الرأي فضلا عن حقوقهم المالية والمعنوية. كل ذلك طالما لم يشهروا السلاح في مواجهة الدولة أو المجتمع. وحتى الذين شهروا السلاح وسعوا إلى تمزيق وحدة الدولة والمجتمع، لم يتخذ (ع) التكفير غطاء لمحاربتهم. كما حث (عليه السلام) الناس على مقارعة الحكام الظالمين الذين يستعبدون الإنسان ويسلبون حريته.

 وبين الحيدري إن نظرة الإمام علي (ع) للإنسان وحريته لاتقف عند حد معين. فهي تمتد لتشمل كل ما يخص ذلك الإنسان في جميع مرافق حياته وشؤونها ومراحلها. لترتبط حرية الإنسان بكرامته. ولا ضامن من ذلك سوى إقامة الحكم العادل. "والإنسان كيان الله ملعون من هدمه"، والإنسان إنسان، بغض النظر عن الجنس او العرق او اللون أو اللسان. من هنا نجد عليا (ع) يرفض كل شكل من أشكال التمييز بين بني الإنسان، وهو مارفضته جاهلية زمانه، وما أقرته المواثيق والمعايير المعاصرة لتثبت خلود علي (ع) ورسالته.

الدولة والسلطة عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

 من جهته قدم الدكتور جاسم محمد الشيخ زيني من جامعة بغداد ورقته الموسومة الدولة والسلطة عند امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) وقال فيها: وردت في الحكم السياسية القصار للإمام علي (ع) مفردة السياسة ومايتعلق بها من حاجة المجتمع الانساني لها ومن قيم سياسية وجمالية (العدل والعفو) وتربية نفسية للقائم على العمل السياسي (جهاد النفس) وقال عليه السلام في بعض حكمه: من ساس نفسه أدرك السياسة، حسن السياسة يستديم الرياسة، بئس السياسة الجور، ملاك السياسة العدل،.

 ومما لاشك فيه ان مفردة الدولة وردت في كلمات الإمام علي (ع) حيث قال: "الدولة كما تقبل تدبر" و"لكل دولة برهة".

وبين الشيخ أهم القيم السياسية والإدارية والإرشادية لإقبال الدولة وقيامها عند الإمام علي (ع)، وهي العدل، الحذق والمهارة، اليقظة والانتباه.

 ويحدد الإمام (ع) مرتكزات دولة الباطل بدعامتين وهما الجور والفساد حيث يقول (ع) إن دولة الأوغاد مبنية على الجور والفساد.

 وأوضح إن شكل الدولة عن الإمام علي تباين حسب قدرات أصحابه ومكانتهم لديه (ع) فقد اتبع أسلوب الإدارة المركزية مع الأشعث بن قيس وأبي موسى الأشعري واللامركزية مع مالك الاشتر (رض) عندما ولاه مصر.

 وبالنسبة إلى شرعية السلطة عند الإمام علي (ع) فلها بعدين، إلهي وشعبي فهي من جانب اصطفاء إلهي شأنها شأن النبوة، قال تعالى "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"، وهي من جانب آخر شأن شعبي تحتاج إلى بيعة الأمة لتفعيلها بالاختيار وطواعية.

 ولم ينظر الإمام علي (ع) للسلطة كمغنم إذ لم يتصارع من اجلها كما فعل الكثيرون، وإنما هي التي تصالحت معه، فالسلطة عبر التاريخ لم تتصالح مع أحد سوى مع علي (ع) وهي عنده وسيلة وليس هدف، ودوام السلطة وبقائها عند الإمام علي (ع) رهين بإقامة العدل والقسط، وحدد الإمام (ع) السلطة في أربعة وظائف وهي جباية الخراج، جهاد العدو الدفاعي، استصلاح أهل مصر من الناحية الأخلاقية والقيمية، وعمارة البلاد.

المداخلات

 أثرت مداخلات الحضور مضمون الحلقة النقاشية وكان بينها مداخلة الدكتور قحطان الحسيني من جامعة بابل وقال: إن مفهوم دولة الإنسان يثير العديد من التساؤلات منها كيف لنا أن نقتبس الأفكار من الإمام علي (ع) للوصول إلى دولة الإنسان؟ فالدولة مرتبطة بالسلطة والسلطة في أبواب كثيرة تدفع من يمسك بها إلى التنكر للقيم الإنسانية. لذلك عندما نستقرئ التاريخ ونسبر أغواره قلما نجد حاكما إنسانا بمعنى يحمل قيما إنسانية ويتبناها ويعمل على إشاعتها. أما الإمام علي (ع) فهو النموذج النادر للحاكم الإنسان.

 ووجه الحسيني تساؤله إلى الدكتور أنور: لماذا يصف البعض إن مدة خلافة الإمام علي كانت حافلة بالفتن وحالات التمرد؟ ما سبب ذلك وهل إن المجتمع الإنساني غير مهيأ لحاكم عادل أم هناك تفسير آخر؟.

 وقال الباحث احمد المسعودي من مركز الفرات للتنمية والدراسات: إن منهج السلطة عند الإمام علي (ع) ركز على دولة الإنسان والتي ترشح منها مفهوم الحرية وحكم الديمقراطية هكذا أراد الإمام علي إن يؤسس منهج الدولة. وأضاف المسعودي: وحسب قراءتي المتواضعة لنهج البلاغة ان الإمام علي (ع) أراد أن يكون كل إنسان هو خليفة الله في أرضه فيرسخ السلوك الأرضي الذي أراده الله تعالى على ارض الواقع وحيث تستخرج دولة الإنسان نظاما عاما منبثقا عن نزعة تفكيرية يسميها العلماء نزعة الأنسنة في الفكر الإسلامي وتؤسس لبناء معرفي وإيديولوجي. ومن هنا يتمتع هذا المفهوم " دولة الإنسان " بقوة تأصيلية في نهج البلاغة.

 محمد الصافي من مركز الإمام الشيرازي قال انه تصادف هذه الأيام مرور 1400 عام على تولي الإمام علي للسلطة وبعد هذه الأعوام لازلنا نجد إشكالية كبيرة في نهج الحكم اليوم وكثير من الحكومات والشخصيات تدعي السير على نهج الإمام علي (ع) في الحكم او في زهده وتقواه لكنها بالعكس نجدها اليوم تمارس الظلم وإذلال المواطن وإهانة حريته وكرامته بشكل كبير.

 ومن جانب آخر تحدث الصافي عن مصدر وجوب السلطة عند الإمام (ع) وهي تجمع بين (الشرع والعقل)، والتي حسب محاضرة الدكتور جاسم الشيخ فإن الجانب الأخلاقي والجانب القيمي هو من الأمور الأساسية عند نهج الإمام علي (ع).

 من جهته تساءل محمد معاش مدير العلاقات العامة في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام: هل كان أصحاب أمير المؤمنين هم سياسيون أهلا للسياسة أم هم مؤمنون فقط؟ وهل كانت لهم قدرة على القيادة والإدارة، ام إنهم كانوا أفضل الموجود لدى الإمام (ع) في ذلك الوقت؟

 والسؤال الثاني كان إلى الدكتور جاسم وهو إن اغلب الباحثين والمؤرخين من مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية ينظرون إلى الإمام علي (ع) نظرة الرائد والمبرّز في كل ميدان، السؤال الم يكن قبله أو بعده احد مثله، أم هذا يعني أن دولة الإنسان لايقوم بها إلا إمام معصوم؟

 من جهته ابتدأ الشيخ مرتضى رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام مداخلته بسؤال إلى الدكتور أنور الذي تحدث عن الدولة الافتراضية وقال هل إن الدولة الافتراضية هي شيء مثالي لايمكن الوصول اليه؟ ام ان المام علي (عليه السلام) أراد ان يؤسس لنموذج عقلاني ناجح، فالدولة في الفكر السياسي هي التنظيم السياسي للمجتمع لتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وكحاجة لحماية حقوق افراد المجتمع وحرياته، لذلك يفترض بالدولة أن تكون قمة التنظيم العقلي لإدارة المصالح المشتركة بين أفراد المجتمع. وهذا هو النموذج الذي أراد الإمام أن يحققه من خلال تجربته لبناء دولة الإنسان، واهم صفات هذه الدولة هي أن تكون دولة الأخلاق، دولة المسؤولية، دولة الحكم الرشيد، دولة الربح للجميع، دولة العقل والعقلانية، دولة الكرامة، ودولة السلم واللاعنف، واهم صفة دولة الانصاف قبل ان تكون دولة العدالة لان الانصاف يحقق العدالة من خلال السلوك الذاتي والايمان بفكرة المجتمع المستقر، وقد قال الامام علي (عليه السلام): (وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك)، (وأنصف من خاصمك واعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك).

 وأضاف مرتضى معاش، انه لايمكن أن تبنى دولة من السلطة فقط بل هي مسؤولية مشتركة للجميع، ومن هنا جاء مفهوم تفويض السلطة عند الإمام علي (ع) لأنه أراد ان يتحمل الجميع هذه المسؤولية "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".

 وختم معاش كلامه بان الوصول الى الدولة الافتراضية النموذجية قائم على تطور المعرفة والنضج العقلاني، فالمعرفة هي أساس الحلول، كما ان الجهل هو سبب نشوء كل المشاكل.

اضف تعليق