q

تعاني باكستان كغيرها من دول المنطقة الكثير من الازمات والمشكلات المختلفة، ومنها التهديدات الإرهابية والمشكلات الأمنية التي اثرت سلبا على هذا البلد، الذي تتهمه ايضا حكومات ودول اخرى بالعمل على دعم بعض الجماعات والتنظيمات الاارهابية في المنطقة من اجل تحقيق مكاسب خاصة، وقد اكدت بعض التقارير أن باكستان اصبحت ايضا في السنوات الاخيرة، نقطة تجنيد جذابة لعديد من التنظيمات ومنها تنظيم داعش الارهابي، بحكم عدد سكانها البالغ 180 مليون نسمة وإمكانياتها النووية وموقعها الجغرافي على مقربة من أفغانستان ناهيك عن اقتصادها المتردّي والدليل الأبرز على ذلك هو التنامي الهائل الذي شهدته خلايا "داعش" في باكستان على مدى السنتين الماضيتين. فالقائمة الصادرة عن الحكومة الباكستانية بالتنظيمات الإسلامية الإرهابية تضم ما يفوق المئة تنظيم، وهذا يفتح باب التجنيد أمام "القاعدة" على مصراعيه.

وتقول الحكومة الباكستانية أن تنظيم "داعش" كما يُشار إليه هنا، ليس نشطاً في الدولة. ولكن مسؤولاً أمنياً كبيراً قال بحسب بعض المصادر، أن التنظيم يشكل تهديداً خطيراً للبلاد في ظل أنه ينسق مع جماعات مسلحة أخرى، ويكثف عمليات التجنيد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تقاسم أقارب مقاتلين باكستانيين في تنظيم داعش معلومات حول طريقة تجنيد العناصر الجديدة.

ويرى البعض ان وجود تنظيم داعش يمكن أن يشكل تهديداً أكثر خطورة على باكستان من حركة طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة، لأنه، أي التنظيم "قد اخترق صفوف الشباب المتعلمين في المناطق الحضرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ولديه موارد كافية جداً لإغرائهم للذهاب إلى سوريا وأفغانستان باسم الجهاد"، وشن تنظيم داعش الارهابي العديد من الهجمات في باكستان.

هجمات مستمرة

وفي هذا الشأن قُتل أربعة أشخاص على الأقل وجُرح 19 آخرون في هجوم انتحاري في كويتا عاصمة إقليم بلوشستان المضطرب في جنوب غرب باكستان، حسب ما عُلم من مصادر متطابقة. ولم تُعرف بعد ظروف الاعتداء الذي حصل في حي سرياب. وأشار المسؤول في الشرطة نسيب الله إلى أن الهدف كان سيارة تابعة لقوات خاصة لأمن الحدود، وهي مجموعة شبه عسكرية مكلفة حماية الحدود الغربية للبلاد.

وصرّح هذا الضابط "قتل أربعة أشخاص وجُرح 19 آخرون، من بينهم أربعة بحال حرجة". وأكد المسؤول في الاقليم أكبر هاريفال هذه الحصيلة. ومدينة كويتا هي عاصمة اقليم بلوشستان الحدودي مع ايران. ويعتبر هذا الاقليم الأفقر في البلاد، رغم أنه غني بالنفط والمعادن، الا أنه الأكثر اضطرابا. وإضافة الى الجماعات الانفصالية البلوشية، يحاول متمردون اسلاميون التسلل الى بلوشستان الذي يعتبر أحد المناطق الرئيسية التي تشهد أعمال عنف طائفية. وتتعرض اتنية الهزارة الشيعية، التي يُعرف أعضاؤها من ملامحهم الآسيوية، الى عمليات قتل بشكل متكرر في كويتا.

من جانب اخر اطلق مسلحان النار على مسجد شيعي في اسلام اباد فقتلا شخصا وجرحا اربعة على ما افاد مصدر في الشرطة، بعد يومين من انهاء اعتصام للاسلاميين اغلق طوال ثلاثة اسابيع مدخل العاصمة الباكستانية. وتزامن اطلاق النار مع خروج المصلين من مسجد باب العلم بعد صلاة العشاء. وصرح مسؤول الشرطة قاسم احمد "اقترب مسلحان من نافورة مياه خارج المسجد قرب المدخل الرئيسي، وملآ كوبيهما بالماء ثم اطلقا النار عشوائيا على الحشد الخارج من المدخل".

ووفد المسلحان سيرا وتمكنا من الفرار بعد هجومهما. ولم تتبن اي مجموعة الاعتداء حتى الساعة. ويمثل الشيعة حوالى 20% من سكان باكستان السنية التي تعد اكثر من 200 مليون نسمة. وحصدت الهجمات التي شنها متشددون اسلاميون على الاقلية الشيعية وغيرها من أعمال العنف الطائفية الآلاف في البلاد على مدى عقد.

وجرى الهجوم بعد يومين من اتفاق تم التفاوض بشأنه بين الجيش ومجموعة دينية غامضة تسمى "حركة لبيك يا رسول الله باكستان". وقام نحو 2000 شخص من انصار هذه المجموعة منذ السادس من تشرين الثاني/نوفمبر بإغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى اسلام اباد في وجه عشرات الآلاف من المسافرين الذين يعبرونها يوميا متوجهين الى العاصمة. واسفر العنف بين المتظاهرين والشرطة التي حاولت تفريقهم عن مقتل سبعة اشخاص واصابة اكثر من 200 شخص. بحسب فرانس برس.

وسبب احتجاج الاسلاميين تعديل لصيغة القسم الذي يؤديه المرشحون للانتخابات ويؤكدون فيه ان محمد هو خاتم الانبياء. ورأى اسلاميو حركة لبيك يا رسول الله في التعديل محاولة لتخفيف القانون المثير للجدل حول التجديف ليتاح لافراد الطائفة الاحمدية غير المعترف بها رسميا، اداء القسم. ولا تؤمن هذه الطائفة بان محمدا هو خاتم الانبياء.

ضربات امريكية

الى جانب ذلك قال مسؤول باكستاني وعضوان بشبكة حقاني الإسلامية إن هجوما يعتقد أنه بطائرة أمريكية دون طيار على الحدود الباكستانية الأفغانية أسفر عن مقتل قيادي بالحركة المتحالفة مع طالبان. وقال المسؤول الباكستاني إنه لم يتضح بعد إن كان الهجوم نفذ على الجانب الأفغاني أم الباكستاني من الحدود. وقال عضوا شبكة حقاني وشاهد إن الهجوم وقع في الأراضي الباكستانية. ووقع عدد من الهجمات بطائرات أمريكية دون طيار لم يتم التحقق منها في المنطقة الجبلية الحدودية التي تفصل منطقة كورام الباكستانية عن أفغانستان منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهام منصبه في يناير كانون الثاني.

واتخذ ترامب موقفا مشددا من باكستان التي يقول إنها توفر ملاذا آمنا للإرهابيين بما في ذلك حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني التي تنفذ هجمات في أفغانستان. وقال المسؤول الباكستاني إن الهجوم استهدف مركبة قيادي متشدد اسمه جامع الدين مضيفا أن الهجوم قتل أيضا مساعده. وقال عضو كبير بشبكة حقاني ”مولاي جامع الدين كان رجلنا الأمين. كان جزءا من منظمتنا واعتاد تقديم تسهيلات لمقاتلينا خلال حركتهم داخل أفغانستان“. وأضاف أن جامع الدين كان مسافرا بسيارته في منطقة كورام الباكستانية وأنه هو فقط من لقي حتفه.

وقال عضو آخر في شبكة حقاني ”أوقف جامع الدين سيارته...ليتحدث في هاتفه المحمول عندما أطلقت الطائرة بدون طيار صاروخين وقتلته في الحال“. وأفاد شاهد آخر برؤية الضربة قرب منطقة ماتا سنغار في كورام عبر إقليم بكتيا الأفغاني. وقال الشاهد رحمن الله ”شاهدت صاروخين يصيبان المركبة وقتل من كانوا بالداخل“. بحسب رويترز.

وتكثيف الهجمات بطائرات بدون طيار داخل باكستان هي إحدى الخطوات التي قال مسؤولون أمريكيون إن من الممكن اتخاذها إن لم تضغ إسلام آباد نهاية لملاذات المتشددين الآمنة. وسعت باكستان للتقليل من أهمية الضربات بطائرات بدون طيار داخل حدودها إذ قال مسؤولون إنها وقعت على الجانب الأفغاني بينما قال سكان محليون إنها كانت على أراضيهم.

المدارس الدينية

في السياق ذاته انتقد قائد الجيش الباكستاني المدارس الدينية التي انتشرت في أنحاء البلاد لتدريس الشريعة الإسلامية فقط وقال إنه ينبغي للدولة إعادة النظر في المسألة. وتحديث التعليم الديني قضية شائكة في باكستان البلد المسلم المحافظ حيث يلقى باللوم على هذه المدارس في اتجاه النشء للتعصب لكنها في نفس الوقت الوسيلة الوحيدة المتاحة لتعليم ملايين الأطفال الفقراء.

وتصريحات الجنرال قمر جاويد باجوا، التي تبدو خروجا عن نص خطاب معد سلفا، مثال نادر على انتقاد قائد الجيش للمدارس الدينية التي تبنى في الغالب بجوار المساجد وتعد دعامة أساسية في جهود المحافظين الدينيين لنشر التعاليم الإسلامية. وقال الجنرال باجوا إن التعليم الديني في باكستان غير مناسب لأنه لا يعد الطلاب للعالم الحديث.

وأوضح يقول أمام مؤتمر للشباب في كويتا عاصمة إقليم بلوخستان ”إنني لست ضد المدارس (الدينية) لكننا فقدنا المغزى منها“. وأضاف قائلا ”إننا نحتاج للنظر فيها والنظر في مفهوم المدارس...نحتاج أن نلقنهم تعليما حديثا“. ويوجد في باكستان أكثر من 20 ألف مدرسة دينية مسجلة رغم أنه يعتقد بوجود آلاف أخرى غير مسجلة، وبعضها عبارة عن غرفة واحدة يجلس بداخلها حفنة من الطلاب يتدارسون القرآن.

واشنطن تحذر

على صعيد متصل حذر البيت الابيض من ان العلاقات الاميركية الباكستانية قد تتأثر اذا لم تقم اسلام اباد باعادة توقيف حافظ سعيد المتهم بالتخطيط لاعتداءات بومباي في 2008، ومحاكمته. ويأتي موقف البيت الابيض بعد ايام من قرار القضاء الباكستاني الافراج عن حافظ سعيد الذي يعتبر زعيم "جماعة الدعوة" التي تصنفها الامم المتحدة منظمة ارهابية.

وكانت الولايات المتحدة رصدت في 2012 مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لقاء اي معلومات تقود الى توقيفه. وجاء قرار الافراج عن سعيد رغم ضغوط مارستها واشنطن مدى اشهر على اسلام اباد على خلفية اتهامات له بدعم المتمردين. وقال المكتب الاعلامي للرئيس الاميركي دونالد ترامب إن الافراج عن سعيد "يدحض ادعاءات باكستان بانها لن تؤمن ملاذا للارهاببين".

واضاف بيان الرئاسة الاميركية "اذا لم تبادر باكستان الى اعتقال سعيد وتوجيه التهم اليه للجرائم التي ارتكبها، فان عدم تحركها سيكون له تداعيات على العلاقات الثنائية وعلى سمعتها دوليا". وكان سعيد وضع في الاقامة الجبرية منذ كانون الثاني/يناير عقب حملة للحكومة الباكستانية ضد جماعة الدعوة، الا ان متحدثا باسم حزبه قال ان الحكومة لم تقدم اي دليل ضده.

وقبل فرض الاقامة الجبرية عليه مطلع 2017، كان حافظ سعيد وهو على رأس المطلوبين لدى نيودلهي ايضا، يعيش بحرية تامة في باكستان التي يدعو منها الى الجهاد ضد الهند. وقال البيت الابيض إن الرئيس الاميركي يريد "علاقات بناءة مع باكستان، ولكنه يريد ايضا اجراءات حازمة ضد الجماعات المتمردة والارهابية في باكستان والتي تشكل تهديدا للمنطقة". واضاف البيان إن "الافراج عن سعيد يشكل خطوة في الاتجاه الخطأ".

وكانت وزارة الخارجية الاميركية اعربت عن قلقها البالغ ازاء الافراج عن سعيد وطالبت بتوقيفه وتوجيه التهم اليه. وقتل ستة اميركيين في اعتداءات بومباي 2008 التي بلغت حصيلة ضحاياها 166 قتيلا، واستمرت ثلاثة ايام قبل ان يتمكن عناصر من الكومندوس الهنود من السيطرة على الاوضاع بعد معارك مع مقاتلين وصلوا من طريق البحر. ووضعت المعارك التي تابعها العالم عبر شاشات التلفزة العدوين النوويين اللدودين الهند وباكستان على شفير الحرب. وتعتبر نيودلهي وواشنطن "جماعة الدعوة" واجهة لجماعة "عسكر طيبة" المتهمة بالوقوف وراء اعتداءات بومباي.

وكان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون اعرب في تشرين الاول/اكتوبر عن قلق بلاده من التهديد الذي تشكله الجماعات المتطرفة على "استقرار وامن" الحكومة الباكستانية. كذلك كان ترامب قد اتهم اسلام اباد بايواء "عناصر تزرع الفوضى" ويمكن ان تهاجم قوات الحلف الاطلسي التي تقودها الولايات المتحدة في افغانستان المجاورة. بحسب فرانس برس.

ولطالما اتهمت واشنطن وكابول، اسلام اباد بايواء متطرفين افغان منهم عناصر في طالبان، يعتقد انهم مرتبطون بالمؤسسة العسكرية الباكستانية التي تسعى لاستخدامهم كدرع اقليمية لمواجهة العدو اللدود الهند. وتنفي باكستان باستمرار هذه الاتهامات وتقول انها تتواصل معهم فقط سعيا لاقناعهم باجراء محادثات سلام. ويقول حزب سعيد "جماعة الدعوة" ان لا علاقة له بالارهاب، وقال المتحدث باسم الحزب انه (سعيد) وضع في الاقامة الجبرية بسبب اثارته مسألة حقوق السكان الذين يعيشون في منطقة كشمير المتنازع عليها.

اضف تعليق