يُضعف الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن نفوذ إسرائيل المتضائل أصلًا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة. ستواجه إسرائيل صعوبة بالغة في القيام بعمل عسكري ضد إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. حتى على المستوى السياسي في إسرائيل، هناك إجماع بشأن الحاجة إلى شن هجوم على إيران. لا يمكن اعتبار نتنياهو...
بقلم: داني سيترينوفيتش
رحّبت الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأسبابٍ عديدة، أهمها موقفه من إيران. وبدا أن إسرائيل تأمل أن يفتح انتخاب الرئيس نافذةً لشنّ ضربة عسكرية على المواقع النووية في طهران.
إن التعزيز الهائل للوجود العسكري الإقليمي لواشنطن، والتهديدات التي أطلقها كبار المسؤولين بأن طهران ستواجه عواقب وخيمة إذا لم تفكك برنامجها النووي بالكامل، أشارت إلى إسرائيل أن الولايات المتحدة جادة في استخدام القوة العسكرية وتعتزم مهاجمة إيران، أو على الأقل دعم الهجوم الإسرائيلي.
مع ذلك، فاجأ إعلان ترامب عن نيته فتح مفاوضات نووية مع إيران خلال لقائه مع نتنياهو الشهر الماضي الحكومة الإسرائيلية. علاوة على ذلك، وبعد جولات المحادثات بين طهران وواشنطن، بات واضحًا أن كلا الطرفين مهتمان بالفعل بالتوصل إلى اتفاق. في الخلفية، يبدو أن الولايات المتحدة قد تخلت عن مطلبها الأساسي بتفكيك مواقع التخصيب في طهران، وراضية بالقيود المفروضة على البرنامج الحالي.
وقد أظهرت هذه المفاوضات مع إيران انقسامًا كبيرًا بين واشنطن وحليفتها إسرائيل، وهو انقسام يُمثل أيضًا جوهر معارضة نتنياهو الشديدة للاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التوصل إليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. من وجهة النظر الإسرائيلية، يُمثل البرنامج النووي مشكلة حقيقية، لكن الحل لا يكمن فقط في مهاجمة المواقع النووية لطهران، بل في تغيير النظام. لا شيء يُهدد إسرائيل في الوقت الحالي أكثر من اتفاق كهذا، حتى لو كان من شأنه أن يُقلل بشكل كبير من قدرة طهران على تطوير قنبلة نووية، لأنه سيُوجه ضربة قاصمة لرغبة إسرائيل في رؤية النظام الإيراني يسقط.
وأرسل نتنياهو مبعوثيه عدة مرات للقاء المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وفريقه لثنيهم عن التفاوض على صفقة، لكن تلك الجهود باءت بالفشل.
من وجهة نظر واشنطن، من الضروري الحد من البرنامج النووي الإيراني لمنعه من إنتاج أسلحة نووية. وكان هذا هو الهدف الرئيسي -إن لم يكن الوحيد- للولايات المتحدة، على مدار الإدارات الديمقراطية والجمهورية، فيما يتعلق بإيران، وليس تغيير النظام بشكل كامل.
ينعكس هذا الخلاف مع الإسرائيليين فيما يتعلق بنظام العقوبات المفروضة على طهران. فمن وجهة نظر إسرائيل، تُعدّ العقوبات وسيلةً لتغيير النظام هناك، بينما سعت واشنطن إلى فرض العقوبات كأداة ضغط في المجال النووي.
وبالتالي، حتى لو انتهت المحادثات بين ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى اتفاق "جيد": اتفاق يمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية من خلال الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم إلى 3.67% من دون بند غروب الشمس (Sunset Clauses)، وإجبار طهران على تصدير مخزونها الحالي من المواد المخصبة، وإلزامها بتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها وقبول الإشراف الوثيق والمعقول "من دون بنود الخروج (exit clauses)"، فإن إسرائيل سوف تنظر إلى هذا الاتفاق باعتباره اتفاقاً خطيراً.
هذا ليس فقط لأنه اتفاق لن يتضمن قيودًا على مكونات أخرى من التهديد الإيراني، مثل منظومة صواريخها أو دعمها لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن بشكل رئيسي لأنه سيعزز النظام الحالي في طهران - بما في ذلك الإغاثة الاقتصادية الكبيرة التي سيحصل عليها النظام، بالإضافة إلى الشرعية السياسية المتجددة بعد الاتفاق مع واشنطن. بالإضافة إلى ذلك، سيسمح التحسن الاقتصادي في طهران لقيادتها بتحديث نظامها الأمني وحتى زيادة الدعم لوكلائها المنتشرين في الشرق الأوسط. من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن "الفرصة الذهبية" لإسقاط النظام، بالنظر إلى ضعفه، ستختفي.
علاوة على ذلك، يُضعف الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن نفوذ إسرائيل المتضائل أصلًا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة. ستواجه إسرائيل صعوبة بالغة في القيام بعمل عسكري ضد إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
حتى على المستوى السياسي في إسرائيل، هناك إجماع بشأن الحاجة إلى شن هجوم على إيران. لا يمكن اعتبار نتنياهو، الذي لا يستطيع أن يتجاوزه زعماء المعارضة الذين يعرضون أيضًا موقفًا متطرفًا بشأن إيران، مؤيدًا للاتفاق، حتى لو كان يفكر بشكل مختلف سرًا. والدليل على أن إسرائيل لا تريد حقًا صفقة مع إيران يتعلق بمطالبتها بتنفيذ "النموذج الليبي" في السياق الإيراني، أي تفكيك جميع البنية التحتية للتخصيب في إيران. وكما تعلم الإدارة الأمريكية أيضًا، فإن هذا الموقف خط أحمر في نظر طهران، ولا توجد فرصة لقبوله. قد تأمل إسرائيل أن تتبنى الإدارة هذا الموقف مع فهم أن إيران لن تقبله، مما يفتح الطريق أمام دراسة "خيارات أخرى" في التعامل مع البرنامج الإيراني.
في الخلفية، هناك فجوة أكثر جوهرية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا يتعلق بمسألة طموحات النظام الإيراني لبرنامجه النووي، فضلاً عن فعالية التحركات غير الحركية للتعامل مع برنامج طهران النووي. لقد رفض مسؤولو الاستخبارات الأمريكية مرارًا وتكرارًا افتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي وادعائه بأن طهران تسعى إلى إنتاج قنبلة نووية، والذين لا يقبلون هذا الادعاء ويؤكدون أنه لا يوجد دليل على أن الزعيم الإيراني قد قرر صنع أسلحة نووية. علاوة على ذلك، بينما يشيد نتنياهو بالإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية، فقد زعمت الاستخبارات الأمريكية عدة مرات أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لم تمنع إيران من إحراز تقدم في القضية النووية فحسب، بل دفعت طهران أيضًا، من نواحٍ عديدة، إلى التقدم في برنامج التخصيب بطريقة غير مسبوقة.
تُعد هذه الفجوة مهمة لأنها تُشكل الأساس الذي يدفع الإدارة الأمريكية إلى دراسة الخيار الدبلوماسي بجدية، لا سيما وأن تقديرات الاستخبارات الأمريكية تُشير إلى أن أي هجوم على إيران سيعني حربًا إقليمية، على عكس التقديرات الإسرائيلية المُختلفة التي تستند إلى ضعف طهران الحالي، وعجزها عن الرد بشكل فعّال على أي هجوم. إن حقيقة أن إيران ضعيفة اليوم، في ظل ضعف وكلائها ونتائج الهجمات الإسرائيلية في 26 أكتوبر/تشرين الأول، دقيقة. ومع ذلك، تُؤكد الاستخبارات الأمريكية أن النظام لا يزال يمتلك قدرات كافية لمهاجمة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، مما قد يدفع المنطقة إلى حملة واسعة النطاق.
خلاصة القول هي أنه من المتوقع أن تعارض إسرائيل أي اتفاق مع إيران، حتى لو كان من شأنه إبعادها عن خيار إنتاج سلاح نووي. فمن وجهة نظر تل ابيب، القضية النووية ليست سوى جزء من سلسلة مشاكل، وينبغي استغلال الوقت المتاح حاليًا للإطاحة بالنظام الإيراني. ولسوء حظ إسرائيل، من المشكوك فيه ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد وصلت إلى هذه المرحلة، وقد تُسبب هذه الفجوة توترًا خطيرًا بين واشنطن وتل ابيب. وفي ظل الوضع الراهن للمفاوضات، من المشكوك فيه ما إذا كانت إسرائيل قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك.
اضف تعليق