q
إن التهديد في الطغيان الكامل لتيار كراهية الأجانب على السياسة الفرنسية أصبح أكثر واقعية الآن مما كان عليه في أي وقت مضى. يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية أربعة أعوام، ولذلك يتوجب على الرئيس ماكرون في غضون ذلك السيطرة على عنف الشرطة وعلى المشاعر السائدة في الضواحي بأنهم...

لا تهدف "اندبندنت" إلى إلقاء موعظة أو إعطاء دروس للفرنسيين في شؤونهم الداخليةـ ولكن بصفتنا جيرانهم، لاحظنا بأن باريس تعاني فعلاً من مشكلة. يبدو الوضع في فرنسا أكثر خطورة من الاضطرابات الأخرى التي حدثت منذ فترة ليست ببعيدة على غرار التظاهرات التي اندلعت العام الجاري ضد إصلاح الرواتب التقاعدية وأعمال الشغب التي رافقت حركة "السترات الصفراء" gilets Jaunes منذ خمس سنوات.

بالفعل، يشبه الاضطراب السائد في البلاد بشكلٍ كبير أعمال الشغب التي استمرت ثلاثة أسابيع والتي أعقبت وفاة مراهقَين صعقاً بالكهرباء بعد اختبائهما هرباً من الشرطة عام 2005 ولكنه على الأرجح يبدو أكثر خطورة من تلك الحادثة أيضاً.

هذه المرة، تبدو الشرطة الفرنسية مذنبة أكثر أو على الأقل، العنصر الذي أطلق النار على نائل (17 سنة) وتسبب بمقتله ويبدو أنه لا يملك حجة يدافع بها عن فعلته. في المقابل، بدا رد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر مسؤولاً مما قام به وزير الداخلية حينذاك نيكولا ساركوزي منذ 18 عاماً. فقد وصف الرئيس ماكرون حادثة إطلاق النار بأمرٍ "لا يمكن تفسيره وغير المبرر"، بينما وصف ساركوزي المراهقين اللذين لقيا حتفهما باللصيَن وأجج التوترات عام 2005.

تكمن المأساة في كلتَي الحادثتين في أن المتظاهرين ومثيري الشغب يلحقون أضراراً بأحيائهم الخاصة ويقومون بإضرام النيران في المتاجر التي تستخدمها عائلاتهم ويدمرون قاطرات الترام والحافلات التي تعتمد مجتمعاتهم عليها. وفيما دعا المنتخب الفرنسي لكرة القدم الذي يتحدر معظم لاعبيه من الضواحي نفسها إلى التهدئة يوم الجمعة، انخرط المشاغبون في "عمليةٍ فعلية من التدمير الذاتي".

وأثار الغضب المعنوي مما يبدو أنه حالة واضحة من عنف الشرطة –اتهم الشرطي الذي أطلق النار على نائل بالقتل غير المتعمد – إطلاق مشاعر مكبوتة ضد الشرطة في المجتمعات والمناطق السكنية المتعددة الأعراق في مدن فرنسية كبرى. وبشكل لا يمكن تجنبه، امتزج ذلك بجرائم النهب والسياسات الثورية غير المتماسكة للمجموعات الصغيرة، بيد أن مشاعر السخط والاستياء الكامنة خلف هذا الأمر تبدو مبررة.

ولإثبات هذه النقطة ربما، نجحت نقابات الشرطة الفرنسية بصب الزيت على النار من خلال إصدار بيانٍ يوم الجمعة تصف فيه المتظاهرين بـ"الهوام" و"الرعاع الهمجيين"، محذرة بأن البلاد غارقة في وسط حرب أهلية.

وفيما نحن البريطانيون نظن أن شرطتنا لديها مشكلات مع السلوك العنصري داخل صفوفها، فالوضع في فرنسا أسوأ. مشكلة الترابط الاجتماعي أكثر سوءاً أيضاً، إذ تميل أعداد كبيرة من المواطنين الفرنسيين من أصل شمال أفريقي إلى التمركز في المدن الكبرى حيث يعتبرون الشرطة بمثابة قوة احتلال. لعل الرئيس ماكرون تصرف بشكلٍ عقلاني ومناسب في البداية ولكنه بحاجة إلى إطلاق برنامج طارئ لإصلاح الشرطة واتخاذ إجراءات اجتماعية.

تعلو في فرنسا أيضاً أصوات سياسية أكثر شراً وخبثاً. فقد رفض جان لوك ميلانشون المرشح الرئيس لما يسمى باليسار للانتخابات الرئاسية العام الماضي، الدعوات "للتهدئة"، وبدا أنه يوافق على العنف. وفي السياق نفسه، كرر إيريك زيمّور رسالته العنصرية بأن المهاجرين المنتمين إلى الجيلين الثاني والثالث ليسوا فعلاً فرنسيين وبأن هذا الأمر هو بمثابة ثورة يقودها "الأجانب". لحسن الحظ، لا يلقى رأيه انتشاراً واسعاً، فيما تستمر مارين لوبان المرشحة المعروفة لليمين المناهضة لحقوق المهاجرين سعيها إلى نيل الاحترام من خلال المحافظة على لغة معتدلة.

إن التهديد في الطغيان الكامل لتيار كراهية الأجانب على السياسة الفرنسية أصبح أكثر واقعية الآن مما كان عليه في أي وقت مضى. يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية أربعة أعوام، ولذلك يتوجب على الرئيس ماكرون في غضون ذلك السيطرة على عنف الشرطة وعلى المشاعر السائدة في الضواحي بأنهم مواطنون درجة ثانية في بلدهم. لا مجال لإضاعة الوقت.

* افتتاحية اندبندنت
© The Independent

اضف تعليق