q
في وقت تَحولُ الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها لبنان دون تمكُّن كثّر من ابتياع الكتب، مما ترك اثره على أبرز نشاطين في هذا القطاع، حمل البحر إلى اللبنانيين اكبر معرض كتب عائم يمكن الشراء منه بأسعار مخفضة. وهذا المعرض موجود على متن سفينة لوغوس هوب التي تديرها...

في وقت تَحولُ الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها لبنان دون تمكُّن كثّر من ابتياع الكتب، مما ترك اثره على أبرز نشاطين في هذا القطاع، حمل البحر إلى اللبنانيين "اكبر معرض كتب عائم" يمكن الشراء منه بأسعار مخفضة.

وهذا المعرض موجود على متن سفينة "لوغوس هوب" التي تديرها منظمة "دجي بي اي شيبس" الالمانية، وستبقى راسية في مرفأ بيروت نحو اسبوعين.

وحظي زوار السفينة الجمعة، وبينهم وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى، باستقبال عارم من افراد طاقم السفينة البالغ عددهم نحو 400 متطوع من نحو 65 بلدا. وارتدى بعض هؤلاء زيه الوطني التقليدي، وحرصوا على مصافحة الجميع.

ويمضي المتطوعون نحو سنة او اكثر على متن السفينة، وهدفهم بحسب البيان الاعلامي "مشاركة المعرفة والمساعدة والامل مع الناس في انحاء العالم كافة".

واوضح مدير السفينة والطاقم الماليزي ادوارد ديفيد أن الهدف من حضور السفينة الى بيروت اتية من قبرص وافتتاح معرضها العائم الذي يستمر الى 31 كانون الاول/ديسمبر يتمثل في "تَشارُك المعرفة والرجاء والامل مع اللبنانيين". وتغادر السفينة متجهة الى مصر في اول اسبوع من كانون الثاني/يناير، وهي بقيادة البريطاني جيمس بيري.

وأثنى وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى على اسم السفينة "لوغوس هوب " اي الكلمةُ والأمل، وقال "الامل كلُّ ما نحتاجه لبناء الوطن (...) والكلمةَ هي المرجعيةُ الإيجابية التي تحل كل العقد، وتَخفض سقفَ التشنجاتِ والعصبيات".

وأضاف مرتضى أن "الرسالةَ التي توجهها هذه السفينة، هي أن البوارجَ وحاملاتِ الطائرات والغواصاتِ ليست هي التي تصنع الحضارة (...) لأنها تحمل (...) أدوات القتلِ والموت. أما الكتابُ فلا يحمل إلا الحياة"، واصفاً السفينة بأنها "جسر صداقةٍ بين الشعوب".

خمسة آلاف كتاب

ويضم معرض الكتب العائم نحو خمسة آلاف كتاب باللغتين العربية والانكليزية. وهذه المطبوعات مبوبة بشكل منظّم، فيها المتخصصة بعالمَي المرأة والرجل، وثمة كتب علمية واخرى تحفيزية ومجموعة من الكتب الدينية والقسم الاكبر من المعرض مخصص لكتب الاطفال.

وتُطرح هذه الكتب للبيع بأسعار مخفضة، فيما يدفع الزوار لدخول السفينة رسماً رمزياً قدره 20 الف ليرة لبنانية، اي أقل من نصف دولار.

ولم يعد شراء الكتب المستوردة في متناول معظم اللبنانيين، بفعل الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يشهدها بلدهم.

وكان ذلك سبباً في صرف النظر هذه السنة عن إقامة معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت في موقع واحد ثابت، كما درجت العادة حتى 2018، والاستعاضة عنه بمجموعة أنشطة ثقافية مجانية متنقلة في مناطق عدة شارك فيها في تشرين الأول/أكتوبر الفائت أكثر من 100 كاتب متعددي الجنسية تحت عنوان "مهرجان كتب بيروت" الفرنكوفوني الدولي، لم يكن بيع الكتب يشكّل عنصراً اساسياً فيها.

واختُتِمت قبل ايام قليلة الدورة الرابعة والستون من معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي شاركت فيه 124 دار نشر، فيما كان العدد 240 عام 2019، قبل الأزمة.

وشرح مدير المكتبة العائمة مايك نغوارو الذي يعمل على متن السفينة منذ ستة اعوام ان لهذه المبادرة رمزيتها في تشجيع الناس ومجتمع بكامله على القراءة والثقافة. وقال الرجل المتحدر من زيمبابوي لوكالة فرانس برس "لدينا مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة للكبار والصغار".

وأضاف "نحاول ان نحصل على الاصدارات الحديثة قدر المستطاع"، ملاحظاً أن زاور السفينة يهتمون عادة بالكتب الادبية عموما وكتب الاطفال.

150 محطة

وكانت للسفينة حتى الان محطات في 150 دولة وإقليماً واستضافت 49 مليون زائر على متنها.

ودعا ديفيد اللبنانيين الى زيارة السفينة والتفاعل مع طاقمها وقال "هي ليست سفينة ومعرضا للكتاب فحسب، بل هي أبعد من ذلك، إذ تمثل رؤية تصنع فرقا وتساهم في تطور الانسان وتقدم المعرفة من خلال الكتب المعروضة".

وخلال وجود السفينة في بيروت، ستوفد إدارتها فريقا لزيارة احد المستشفيات، وستقيم مبادرات كثيرة على متنها، من بينها "أنشطة فنية وتربوية للصغار تنشر معنى الصداقة وتحمل قيماً"، على ما قال مدير ارتباط الموانىء نيدين سباستيان لوكالة فرانس برس.

معرض الكتاب انجاز ومغامرة

رغم تراجع عدد دور النشر المشاركة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي يُفتتح هذا الأسبوع، بمعدل النصف تقريباً عما كان عليه قبل العام 2019، يرى المنظمون في تمسكهم بإقامة النسخة الرابعة والستين في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان "إنجازاً ومغامرة"، مشددين على أن الحدث يشكّل أحد "معالم لبنان" الثقافية.

وافتتح المعرض الذي ينظمه كل من "النادي الثقافي العربي" و"نقابة اتحاد الناشرين" وتُشارك فيه أكثر من 124 دار نشر، في 3 كانون الاول/ديسمبر، واستمر الى الحادي عشر منه في مركز للمعارض عند واجهة بيروت البحرية دمره انفجار ضخم شهده المرفأ القريب في 4 آب/أغسطس 2020 وأسفر عن أكثر من 200 قتيل وستة آلاف جريح وتسبّب بأضرار كبيرة في أحياء عدة من العاصمة اللبنانية.

وحال الانفجار دون إقامة المعرض آنذاك، بعدما غاب أيضاً عام 2019 بسبب التظاهرات الاحتجاجية الواسعة في وسط العاصمة ومناطق لبنانية أخرى. كذلك تعذرت إقامة الحدث عام 2021 بسبب أعمال الترميم، لكنّ الدورة الثالثة والستين أقيمت للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات في آذار/مارس 2022، فور انتهاء الأشغال.

ورأت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري أن ما يميز النسخة الحالية هو الإصرار على المضي في إقامتها في ظل أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار العملة الوطنية واتساع دائرة الفقر والبطالة، ما شكّل إلى جانب جائحة كوفيد-19 وتبعات انفجار مرفأ بيروت عوامل مهمة في تراجع حركة النشر في لبنان.

إلا أنها لاحظت في تصريح لوكالة فرانس برس أن "وجود إصدارات عدة حديثة يعني أن حركة النشر لم تتوقف وكذلك حركة الكتابة"، مؤكدة أن "الفكر اللبناني متوقد ولم يتوقف ايضاً".

وانخفض عدد دور النشر المشاركة في المعرض من أكثر من 240 من لبنان والبلدان العربية والعالم، إلى تقريباً 124هذه السنة، بعدما كان بلغ نحو 79 في الدورة السابقة في آذار/مارس الفائت.

وتستمر المشاركة العربية "خجولة"، بحسب بعاصيري، في النسخة الجديدة من المعرض التي تضم دور نشر من مصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

وشرحت أن تقلّص مساحة القاعة التي تحتضن المعرض من عشرة آلاف متر مربع قبل 2019، إلى 2200 متر مربع حالياً جعل "المطلوب أكثر من المتاح".

وأضافت "ثمة دور نشر اعتادت أن تأخذ مساحات واسعة، لكننا اضطررنا للأسف إلى مراعاة الجميع بغض النظر عن حجم كل دار، وحددنا المساحات المطلوبة، وأعطينا فرصة لدُور ناشئة تُعتبر حديثة مقارنة مع دور نشر لها عراقة تاريخية".

حياد المعرض

وفاجأت النسخة السابقة من المعرض المنظمين الذين كانوا يتخوفون من انعدام حركة البيع نظراً إلى تراجع القدرة الشرائية، ولكن تبين أن دور النشر استطاعت منذ اليوم الأول أن تستوفي التكاليف التي تحملتها للمشاركة في المعرض، بحسب بعاصيري التي لاحظت أن اللبناني لا يزال يضع شراء الكتب بين أولوياته ويسعى إلى تأمين ثمنها بفضل دعم المغتربين لأفراد عائلاتهم المقيمين في لبنان.

وإذ أقرّت رئيسة النادي المنظّم بأن "التردي الذي يشهده لبنان ترك بلا شك أثراً"، شددت على أن "اللبناني رائد في ابتداع الحلول ويستطيع ان يلتف على المشاكل".

ويصرّ المنظّمون بدورهم على "تخطي كل التعقيدات" لإقامة المعرض. وقالت بعاصيري "مهما كانت التضحيات، ومهما كانت الظروف قاسية، نحن مستمرون في هذا الحدث الثقافي الذي هو أحد معالم لبنان".

وأضافت "في هذا الظرف القاسي والصعوبات الجمة على كل الصعد والمستويات، يصبح القيام بأي عمل في الحقيقة جرأة وإنجازاً ومغامرة".

ويضم المعرض نحو 24 نشاطاً تتوزع بين مناقشة كتب لإصدارات حديثة وندوات تعنى بالتراث "وتكريم لمجموعة من الأدباء الذين رحلوا وكانت لهم اياد بيضاء على الثقافة في لبنان"، على ما قالت بعاصيري، اسوة بجبور الدويهي ووجيه فانوس وميشال جحا ويوسف سماح ادريس وسواهم.

وتقام ندوات تتناول اللغة العربية والقضايا الراهنة في لبنان كالمسألة الاقتصادية وخطط التعافي وتقييم التعديلات التي أدخلت على الدستور بعد انتهاء الحرب اللبنانية في مطلع تسعينات القرن العشرين.

وشهدت النسخة الأخيرة من المعرض ضجة سياسية، إذ أثار عرض ملصق للقائد السابق لـ"فيلق القدس" الإيراني اللواء قاسم سليماني في جناح إحدى دور النشر جدلاً واسعاً.

واعتبرت بعاصيري أن ما حدث في الدورة السابقة في هذا الشأن "لم يكن مقبولاً"، مؤكدة أن "الكل سيلتزم طبيعياً شروط الاشتراك، وهذا معرض كتب فقط ليس لملصقات ومواقف سياسية".

وشددت على "حياد المعرض" الذي يشكّل "فضاءً ثقافياً رحباً للجميع" و"يجب الاّ يتصف بلون معين"، مشيرة إلى أن الإدارة تمنت على كل دور النشر "التقيد باحترام المكان والثقافة والرأي الاخر".

اضف تعليق