إنّ جوهر القضية يتجاوز المخصصات المالية أو الامتيازات المادية، ليصل إلى صميم العدالة الانتقالية، فالسجين السياسي الذي قضى زهرة عمره في الزنزانات لا يطالب بمنة، بل يطالب بحقه الدستوري الذي نصّت عليه المادة (132). أي التفاف أو تعطيل لتنفيذ هذا القانون سيكون إخلالًا بالدستور ذاته...

منذ سقوط النظام الدكتاتوري ظلّت قضية السجناء والمعتقلين السياسيين من أكثر القضايا إلحاحًا في مسار العدالة الانتقالية، وقد صدر قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة 2006 في بغداد ليكون الإطار القانوني الضامن لإنصاف هذه الشريحة، لكن هذا القانون لم يُنفَّذ بصورة عادلة على جميع العراقيين، إذْ حُرم آلاف السجناء الكورد في إقليم كردستان من حقوقهم، على الرغم أنهم عانوا من بطش النظام البعثي كسائر العراقيين.

وفي الإقليم صدر لاحقًا قانون سنة 2011 لتنظيم أوضاع السجناء السياسيين، لكنه –بدل أن يكون منصفًا– كرّس التمييز والتسويف والمماطلة وظلم شريحة واسعة من السجناء الكورد، فتحوّل هذا القانون من باب الانتظار والموت الأحمر إلى باب إضافي للمعاناة.

واليوم وبعد قرابة عقدين من الانتظار صدر التعديل الثاني لقانون مؤسسة السجناء السياسيين (قانون رقم 10 لسنة 2025)، والمنشور في الوقائع العراقية العدد (4841) في 22/9/2025 حيث جاء في المادة (5):

“يشمل بأحكام هذا القانون السجناء والمعتقلون السياسيون في إقليم كردستان العراق أو ممن طبق عليهم حكم السجن أو الاعتقال ضمن المدد الزمنية المنصوص عليها…” وبذلك حُسم الجدل القانوني نهائيًا وأُقرّ لأول مرة شمول معتقلي إقليم كردستان بنفس الحقوق التي يتمتع بها السجناء السياسيون في عموم العراق.

وهذا النص يتماشى مع المادة (132/أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، التي قررت:

“تكفل الدولة رعاية ذوي الشهداء والسجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري البائد وينظم ذلك بقانون.”

إذن الدستور قد ألزم المشرّع بتنظيم هذه الحقوق بقانون وقد جاء التعديل الأخير ليستجيب لهذا الالتزام الدستوري.

ولإزالة أي لبس فإن المشمولين بأحكام هذا القانون –وفقًا للنصوص القانونية– هم:

 1- السجين السياسي: من حُكم عليه أو أمضى مدة في السجن بسبب نشاطه السياسي أو معارضته للنظام.

 2- المعتقل السياسي: من أُودع التوقيف أو الحبس من دون حكم، لأسباب سياسية.

 3- الموقوف السياسي: من صدر بحقه قرار توقيف مؤقت بانتظار التحقيق أو المحاكمة بسبب نشاط سياسي.

وبذلك يكون القانون قد شمل كل من تعرّض للاحتجاز أو السجن أو التوقيف لأسباب سياسية أو بسبب معارضته للنظام البائد، سواء صدر بحقه حكم قضائي أو لم يصدر.

ولكن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق: فهل يُترك القانون المعدل لينفّذ بإنصاف وشفافية أم ستتدخّل مؤسسات الإقليم كما فعلت في قانون 2011 لتفرّغ النصوص من مضمونها، كما يحصل مع رواتب الموظفين؟! حيث يعانون أيّ معاناة؟!

إنّ جوهر القضية يتجاوز المخصصات المالية أو الامتيازات المادية، ليصل إلى صميم العدالة الانتقالية، فالسجين السياسي الذي قضى زهرة عمره في الزنزانات لا يطالب بمنة، بل يطالب بحقه الدستوري الذي نصّت عليه المادة (132). أي التفاف أو تعطيل لتنفيذ هذا القانون سيكون إخلالًا بالدستور ذاته، وإعادة إنتاج لظلمٍ مضاعف: ظلم النظام البائد وظلم الحاضر.

ولا يسعنا إلا أن نتقدّم بخالص الشكر والتقدير لكل من كان وراء هذا المشروع القانوني العدلي، وفي مقدمتهم مديرية الخدمات العامة للسجناء السياسيين في الإقليم (کۆمکاری زیندانە سیاسییەکان)، ورئيس وأعضاء مؤسسة الشهداء في العراق.

وكذلك أعضاء وعضوات مجلس النواب الذين بذلوا الجهود وسهروا حتى خرج هذا التعديل إلى النور، ليعيد الأمل والإنصاف إلى آلاف السجناء السياسيين الذين دفعوا أغلى الأثمان من أجل حرية العراق وكرامته.

اضف تعليق