q
هذه الفوضى السياسية والادارية سببها الاساسي هو الاستقطاب السخيف بين اليمين واليسار الذي لا يسمح بأي تشريع يحل بطريقة عقلانية قضية الهجرة، يريد الجمهوريون اغلاق الحدود امام الهجرة غير الشرعية ويرفضون منح من عبرها وعاش لسنوات في البلاد اي مسار قانوني يسمح بتطبيع وضعه والتحول الى مقيم شرعي...

لا شيء يعبر عن الفوضى السياسية والادارية في الولايات المتحدة مثل قضية الهجرة، بالنسبة لي كلاجئ من العراق, فقد احتجت ل 3 سنوات كاملة لدخول الولايات المتحدة بطريقة شرعية، لكن ما ان وطأت ارض هذه البلاد حتى اكتشفت ان ملايين وملايين من الناس دخلوها بطرق اسهل بكثير واستقروا بها بشكل غير شرعي دون اي محاسبة قانونية تذكر.

الحدود الامريكية المكسيكية التي يبلغ طولها 3145 كم يعبرها كل سنة - وبشكل قانوني - حوالي 350 مليون انسان! لكن كثيرين اخرين - 2,7 مليون بالضبط في عام 2022- يعبرون الحدود بطريقة غير شرعية لان هذه الحدود غير محروسة بالكامل.

بعضهم يتعرض للاعتقال ويعاد للمكسيك وبعضهم يسمح له بتقديم اوراقه لمحكمة هجرة ولجوء وينتظر اما في مراكز احتجاز مؤقتة او يطلق سراحه داخل الولايات المتحدة ريثما يتقرر موعد الاستماع لقضيته في المحكمة، بعد جائجة الكورونا امر الرئيس ترامب بتشديد الاجراءات على الحدود لحماية البلاد من اخطار الجائحة.

قبل اسابيع انتهى مفعول الامر التنفيذي لترامب كما انتهت حالة الطوارئ الصحية بسبب الجائحة وتسبب ذلك بموجة هجرة جديدة وعبور لاعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين من مختلف انحاء امريكا اللاتينية.

سبب هذا - وما قبله ايضا ولسنوات - ضغوطا هائلة على المدن والولايات الحدودية وخصوصا تكساس واريزونا ونيو مكسيكو وكاليفورنيا، وتعاملت هذه الولايات الحدودية بطرق متباينة للتصدي للامر. ففي تكساس مثلا التي يحكمها حاكم جمهوري بدأ هذا الحاكم بارسال المهاجرين الى ولايات ومدن اخرى - مرحبة بالمهاجرين - مثل نيويورك وشيكاغو لكي يخفف العبء عن ولايته ولكي يزيده على ولايات اخرى تختلف معه في طريقة التعامل مع ملف الهجرة.

وفي كاليفورنيا التي يحكمها حاكم ديموقراطي يختلف الامر جذريا حيث ترحب الولاية عموما بالمهاجرين الذين يشكلون ايدي عاملة رخيصة تساعد اقتصاد الولاية سواء في الزراعة او المطاعم او التنظيف...الخ. هذه القضية تحولت الى اشبه بالمسخرة في السنوات الاخيرة.

فمثلا زارت نائبة الرئيس كاميلا هاريس الحدود مع المكسيك وقالت ما معناه انه لا توجد ازمة على الحدود. وفي ضوء ذلك قرر حاكم تكساس ارسال باص مليء بالمهاجرين الى بيت نائبة الرئيس في واشنطن!

واستمرت الباصات المرسلة الى الولايات الديموقراطية بل زادت بعد ان انضمت ولاية فلوريدا ايضا التي يحكمها النجم الجمهوري الصاعد رون ديسانتس الذي ارسل قوافل من المهاجرين الى جزيرة في ولاية ماساشوستس التي يحكمها الديموقراطيون.

ادى هذا الى تفاقم ازمة المشردين في الولايات الحدودية التي لم تعد تملك اي موارد كافية لايواء هذا العدد الهائل من الناس الذي افترشوا الشوارع وعاشوا على الاعانات التي تقدمها الكنائس والمنظمات الخيرية الاخرى.

وفي المدن الديموقراطية مثل نيويورك وشيكاغو فقد اصبح الامر قضية ساخنة حيث انشأت مراكز ايواء مؤقتة في جزيرة مهجورة في نيويورك كما تحولت بعض الفنادق بما فيها فندق تاريخي شهير لمراكز ايواء واخيرا اقترح ايوائهم في صالات الرياضة في المدارس العامة وهنا ثارت ثائرة اهالي نيويورك وتظاهروا ضد هذا المقترح... وفي شيكاغو اضطر المهاجرون للمبيت في مراكز الشرطة... وفي الايام الاخيرة فوجئت مدينة ساكرامانتو وهي عاصمة ولاية كاليفورنيا بطائرات قادمة من المكسيك تحمل مهاجرين.

وبعد التدقيق في الامر اتضح ان حاكم ولاية فلوريدا ارسل موظفيه الى الحدود مع المكسيك وهناك اقنع هؤلاء المهاجرين بركوب طائرة استأجرها لهم لكي تنقلهم الى عاصمة ولاية كاليفورنيا الديموقراطية!

هذه الفوضى السياسية والادارية سببها الاساسي هو الاستقطاب السخيف بين اليمين واليسار الذي لا يسمح بأي تشريع يحل بطريقة عقلانية قضية الهجرة.

يريد الجمهوريون اغلاق الحدود امام الهجرة غير الشرعية ويرفضون منح من عبرها وعاش لسنوات في البلاد اي مسار قانوني يسمح بتطبيع وضعه والتحول الى مقيم شرعي.

ومن جهة اخرى يرفض الديموقراطيون اغلاق الحدود ويرفضون اعادة المهاجرين غير الشرعيين لاسباب اقتصادية - لانهم عمالة رخيصة - ولاسباب سياسية ايضا لانهم وفي حال تجنسهم سيصبحون على الاغلب ناخبين ديموقراطيين.

وفي النهاية ولان الولايات تتمتع باستقلالية كبيرة فلا يحق لاي جهة فدرالية ان تطرد اي مهاجر شرعي وتعيده الى بلاده الا اذا ارتكب جريمة.

ولهذا فهناك اليوم حوالي 11 مليون مقيم غير شرعي في الولايات المتحدة. حوالي 5 ملايين منهم من المكسيك والباقي من مختلف دول امريكا الوسطى والهند وغيرها. 80% منهم مقيمون لاكثر من 5 سنوات وبعضهم مقيم لاكثر من 20 سنة!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق