يمثل (المنهاج الوزاري) رؤية رئيس مجلس الوزراء المكلف لإدارة الدولة ومؤسساتها في المرحلة المقبلة. سواء كانت رؤيته الخاصة، أم رؤيته بعد التشاور مع الكتل النيابية. فمنح الثقة للمنهاج الوزاري على وفق المادة (76) من الدستور، يتطلب من رئيس الوزراء المكلف أن يراعي رؤية الكتل النيابية للمرحلة المقبلة، وسياساتها...
عرض رئيس مجلس الوزراء المكلف محمد السوداني (المنهاج الحكومي) أمام مجلس النواب العراقي، يوم الخميس (27 تشرين الأول 2022) بينما صوت مجلس الوزراء بالإجماع على إقرار (البرنامج الحكومي) يوم الاثنين (12 كانون الأول 2022) في جلسة خاصة عقدها لهذا الغرض.
في أثناء ذلك؛ يتساءل الكثير من المواطنين والمتابعين لأداء الحكومة الجديدة عن الفرق ما بين (المناهج الوزاري) الذي عُرض على مجلس النواب و(البرنامج الحكومي) الذي أقرته الحكومة، بعد نحو شهرين من موافقة مجلس النواب على الكابينة الوزارية؟ وما هو الأساس الدستوري والقانوني لهما؟ وكيف يمكن متابعتهما؟ وماهي الجزاءات السياسية والإدارية والقضائية في حال عدم تطبيق بنودهما؟
جرى العرف الدستوري والقانوني في بعض الدول أن يقدم رئيس الجمهورية المنتخب في النظام الرئاسي، أو رئيس الوزراء المكلف في النظام البرلماني رؤيته لمستقبل إدارة البلاد، في الأربع أو الخمس سنوات القادمة، من خلال وثيقة، تُعرف غالبا باسم (البرنامج الحكومي) في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والمجتمعية والصحية والتعليمية والبنى التحتية وغيرها إلى السلطة التشريعية، لغرض مناقشتها وإقرارها ومراقبتها.
في العراق يقدم رئيس الوزراء برنامجه الحكومي على مرحلتين: المرحلة الأولى يقدمه بعنوان (المنهاج الوزاري) ويمكن تعريف المنهاج الوزاري بأنه (مجموعة من الوعود السياسية التي يتعهد رئيس الوزراء المكلف بتنفيذها، ووفق الصلاحيات المخول بها دستوريا، إذا ما تم تمرير وزارته في البرلمان.) أو هو (وثيقة سياسات عامة تعتمدها الحكومة الجديدة كرؤية لما تريد تحقيقه خلال فترة توليها الحكم) أو هو (المرتكز الذي تؤدي فيه الحكومة دورها، وتلتزم بأداء واجباتها، وتنفيذ بنود برنامجها، ويمثل ذلك المعيار الأساس في تقييم أداء الحكومة.) كما جاء في المنهاج الوزاري لرئيس الوزراء المكلف محمد السوداني.
ويُلزم رئيس مجلس الوزراء بتقديم منهاجه الوزاري لمجلس النواب استنادا لنص المادة (76 -رابعا) من الدستور العراقي (يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة)
وفي الواقع؛ يمثل (المنهاج الوزاري) رؤية رئيس مجلس الوزراء المكلف لإدارة الدولة ومؤسساتها في المرحلة المقبلة. سواء كانت رؤيته الخاصة، أم رؤيته بعد التشاور مع الكتل النيابية. فمنح الثقة للمنهاج الوزاري على وفق المادة (76) من الدستور، يتطلب من رئيس الوزراء المكلف أن يراعي رؤية الكتل النيابية للمرحلة المقبلة، وسياساتها ومشروعاتها، لاسيما الكتلة الأكبر التي رشحته للمنصب.
فعلى سبيل المثال؛ جاء في كلمة رئيس مجلس الوزراء المكلف محمد السوداني أنه (تم إعداد هذا المنهاج الوزاري على أساس ما تم الاتفاق عليه بين الكتل السياسية بـ"ورقة المنهاج الوزاري" المدرجة في أدناه، والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من هذا المنهاج) ولا يوجد نص دستوري أو قانوني يتيح للمجلس النواب مناقشة المنهاج الوزاري أو تعديله، فإما الموافقة عليه وإما عدم الموافقة.
وإذا ما حاز رئيس مجلس الوزراء على ثقة مجلس النواب على الوزراء منفردين، وعلى المنهاج الوزاري بالغالبية المطلقة، كما جاء في النص المادة (76) من الدستور العراقي، فانه يتعين على رئيس مجلس الوزراء وأعضاء حكومته ترجمة المنهاج الوزاري إلى ما يٌعرف بـ(البرنامج الحكومي) وهو (قاعدة عمل تُبنى عليها خطط وبرامج الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة) أو هو (خارطة الطريق للحكومة والوثيقة الرسمية التي تعبر عن توجهاتها وسياساتها ويحدد أولويتها في ضوء المحددات السياسية والاقتصادية والمالية) كما جاء في البرنامج الحكومي لحكومة عادل عبد المهدي.
وقد جرت العادة، أن يوعز رئيس مجلس الوزراء إلى الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات أن تضع الخطط والبرامج والمشروعات اللازمة لتنفيذ محاور المنهاج الوزاري، كل بحسب تخصصه، ثم تعرض هذه الخطط والبرامج والمشروعات على كل من وزارة التخطيط ووزارة المالية، للتأكد من انسجامها مع الرؤية الستراتيجية للدولة، وخطط التنمية الخمسية من جهة، ولضمان التخصيصات المالية اللازمة لتنفيذها من جهة ثانية.
وتتولى دائرة التنسيق الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء دورا محوريا في تنظيم البرامج والمشروعات التي تقرها الجهات الحكومية وتنسيقها، ثم تقدمها وثيقة متكاملة باسم (وثيقة البرنامج الحكومي) إلى مجلس الوزراء لغرض مناقشتها واعتمادها عن طريق صدور قرار عن مجلس الوزراء.
إذن يمكن القول إن الفرق بين (المنهاج الوزاري) و (البرنامج الحكومي) هو أن المنهاج الوزاري هو وعد دستوري وسياسي يتضمن المبادئ العامة لرؤية رئيس الحكومة لإدارة الدولة في المرحلة المقبلة، والأساس الدستوري لهذا الوعد هو نص المادة (76) من الدستور العراقي. بينما البرنامج الحكومي هو الخطط والبرنامج والمشروعات التي تضعها الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارات والمحافظات لترجمة المبادئ العامة في المنهاج الوزاري، بتوقيتات زمنية، ومؤشرات أداء واضحة، والأساس القانوني للبرنامج الحكومي هو صدور قرار عن مجلس الوزراء.
والسؤال الآتي هو كيف يمكن متابعة الأداء الحكومي في إطار البرنامج الحكومي، ما تحقق منه، وما لم يتحقق؟ وكيف يمكن مساءلة الحكومة أو إحدى الوزارات ومحاسبتها في حال تلكؤها في تنفيذ تلك المشروعات التي اعتمدتها وثيقة البرنامج الحكومي؟
في الحقيقة ليست الغاية كتابة منهاج وزاري وتقديمه إلى السلطة التشريعية للفوز بثقتها فقط، إنما الغاية الحقيقية من اشتراط ذلك على الحكومة هي أن يكون أعضاء السلطة التشريعية والشعب على علم بخطط الحكومة وأهدافها وآلية تنفيذ تلك الخطط على أرض الواقع بمدد زمنية محددة، ليتسنى لهم مراقبتها ومحاسبتها فيما لو أخلت بما ألزمت به نفسها.
في الواقع، أن التحدي الأكبر دائما هو مدى تنفيذ البرامج والمشروعات التي جرى تدوينها في البرنامج الحكومي، من قبل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، فلا شك أن الحكومات المتعاقبة لم تلتزم بشكل جيد بما قدمته من خطط ومشروعات، وليس هناك تقييم حقيقي مدعم بالأدلة والبراهين للخطط والمشروعات المنفذة، ولم تستطع تلك الحكومات أن تعطي رؤية واضحة ومقنعة عن نسب الإنجاز للبرنامج الحكومي، وظل هذا الموضوع محل جدل واسع بين الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء من جهة، وبين الحكومة ومجلس النواب من جهة ثانية، وبين الشعب والحكومة ومجلس النواب من جهة ثالثة.
فعلى سبيل المثال؛ فقد أكد التقرير النصف السنوي الأول الصادر عن رئاسة الوزراء فيما يتعلق بمتابعة تنفيذ البرنامج الحكومي للفترة (2018- 2022) لغاية 30 نيسان 2019، أن هناك (11) سببا هي أهم أسباب الحيود عن تنفيذ المشروعات، وأهمها (عدم إطلاق أو تأخر التخصيصات المالية للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، ومناقلة التخصيصات المالية من موازنات الوزارات إلى المحافظات، وعدم إقرار خطط الوزارات من قبل وزارة التخطيط أو تأخرها، وعدم أو تأخر المصادقة على مشاريع القوانين من قبل السلطة التشريعية، بالإضافة إلى الوضع الأمني)
كما بينت لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي في تقريرها النصف السنوي الأول عن متابعة تنفيذ المنهاج الوزاري لحكومة السيد مصطفى الكاظمي أن نسبة الإنجاز الحكومي لفصل السنوي من 7/5/2020 إلى 7/11/ 2020، هي (17%) ومعدل الحيود (82%).
وفي كل الأحوال، فعند تتبع آليات تطبيق (المنهاج الوزاري) أو (البرنامج الحكومي) نجد أن هناك ثلاثة مستويات من المتابعة والرقابة لمدى تنفيذ الخطط والبرامج والمشروعات التي نص عليها في المنهاج الوزاري أو البرنامج الحكومي وهي:
1. المتابعة في إطار العمل الحكومي: وهي تتوزع على الآتي:
المتابعة من داخل مجلس الوزراء: حيث قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة من داخل المجلس لمتابعة تنفيذ البرنامج الحكومي.
المتابعة من داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء: تتحقق متابعة البرنامج الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء إما من خلال قسم تنمية السياسات العامة في دائرة التنسيق الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الذي يتولى متابعة نسبة الإنجاز مع جهات التنفيذ في كل وزارة بالتنسيق مع وزارة التخطيط، ووزارة المالية. ويقدم القسم تقريرا دوريا -يعرض على مجلس الوزراء- عن نسبة الإنجاز في كل الوزارة مع ذكر المشكلات والمعوقات. وإما عن طريق فريق الزيارات الميدانية في دائرة التنسيق الحكومي، وهو فريق مكلف بمتابعة مشروعات البرنامج الحكومي ميدانيا، ويقدم تقريرا عمليا ومصورا عن نسبة الإنجاز، ويرفع للأمين العام بشكل دوري.
المتابعة من داخل الوزارات: حيث جرى تأليف لجان في داخل كل وزارة أو جهة، تتولى هذه اللجان متابعة مشروعات البرنامج الحكومي التي ينبغي للوزارة تنفيذها. وتقدم هذه اللجان -للوزير أو رئيس الجهة- تقريرا دوريا عن نسبة الإنجاز، وأسباب التلكؤ، أو عدم الإنجاز، كما تقدم الحلول التي تساعد على التنفيذ.
المتابعة من داخل مكتب رئيس الوزراء: هناك فريق ميداني من داخل مكتب رئيس الوزراء مكلف بمتابعة المشروعات مع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، من خلال القيام بزيارات ميدانية للمشروعات المنفذة وتقديم تقرير بشأنها.
2. المتابعة في إطار العمل البرلماني: وهي تتوزع على الآتي:
المتابعة من خلال لجنة التخطيط الستراتيجي والبرنامج الحكومي: حيث توجد لجنة لمتابعة البرنامج الحكومي في مجلس النواب، ومهمتها متابعة مشروعات البرنامج الحكومي مع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات مباشرة، أو من خلال المتابعة مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو مكتب السيد رئيس الوزراء.
المتابعة من خلال لجان مجلس النواب: تستطيع لجان مجلس النواب، كل لجنة بحسب تخصصها، متابعة المشروعات البرنامج الحكومي، بالإضافة إلى المشروعات غير المذكرة في البرنامج الحكومي.
3. المتابعة في إطار العمل المجتمعي: وهي تتوزع على الآتي:
المتابعة من داخل المحافظات: يمكن لسكان المحافظة الواحدة متابعة مشروعات البرنامج الحكومي مع المحافظين كونهم المسؤولين المباشرين عن الإشراف على تنفيذ مشروعات المحافظة، أو مع أعضاء مجلس النواب كونهم الممثلين الشرعيين المنتخبين عن سكان المحافظة، أو مع الجهات التنفيذية الموكل لها تنفيذ هذه المشروعات مباشرة.
المتابعة من خلال المنظمات المجتمعية: يمكن للمنظمات المجتمعية المتعددة ومراكز البحوث والدراسات ذات العلاقة أن تتولى متابعة هذه المشروعات مع الجهات الحكومية المحلية والاتحادية، ومع مجلس النواب، وتقديم الاستطلاعات والدراسات والبحوث بشأن مدى تنفيذ مشروعات البرنامج الحكومي.
والسؤال الآتي ماذا لو ثبت بالدليل القطعي أن الحكومة، سواء كانت ممثلة برئيس وزراءها، أو أحد وزراءها أو أحد مسؤوليها لم ينفذ البرنامج الحكومي كله أو جزء منه، أو أحد المشروعات التي جاءت في البرنامج الحكومي، هل سيتعرض للمساءلة والمحاسبة أم يبقى الموضوع في إطار المتابعة فقط؟
الجواب من خلال الاستقراء يمكن القول إن الحكومة أو أحد وزراءها أو أحد مسؤوليها يمكن يتعرضوا إلى إحدى الجزاءات الآتية في حال فشل أو تلكئ في تنفيذ المشروعات وهي:
1. الجزاء السياسي: يمكن أن تتعرض الحكومة إلى مساءلة من مجلس النواب أو يتعرض أحد وزراءها إلى مساءلة من اللجنة المختصة، ويترتب على هذه المساءلة طرح الثقة بالحكومة ككل، أو إقالة الوزير أو أحد المسؤولين في حال ثبت تقصيره. ويمكن أن يخرج المجتمع من خلال المظاهرات والاعتصامات للمطالبة بتنحي الحكومة ورئيسها، كما حدث مع حكومة عادل عبد المهدي.
2. الجزاء الإداري: يمكن أن يتعرض الوزير أو رئيس الجهة أو المسؤولين الآخرين إلى الاستبدال أو إلى مطالبتهم بالاستقالة أو إقالتهم من قبل رئيس الوزراء، بسبب عدم انسجامهم أو تنفيذهم المشروعات الحكومية. فعلى سبيل المثال أعطى رئيس الوزراء محمد السوداني مهلة (3) أشهر للمدراء العامين لتطبيق مشروعات البرنامج الحكومي، تبدأ من يوم التصويت على الموازنة العامة، فيما سيمنح الوزراء والوكلاء والمحافظين والمستشارين مهلة (6) أشهر ليتمَّ بعدها تقييم عملهم في ضوء تنفيذ البرنامج الحكومي والتزامهم بمحاوره الأساسية وأولوياته.
3. الجزاء الجنائي: يمكن أن يتعرض الوزير أو أحد المسؤولين إلى جزاء جنائي في حال ثبت أن عدم تنفيذ للمشروعات المذكورة في البرنامج الحكومي كان بسبب فساد مالي أو سوء إدارة.
...........................................
اضف تعليق