سياسة - تقارير

في اليمن: حكومتان وميدان مشتعل

شرع ما يسمى المجلس السياسي الأعلى في اليمن، والمشكل من الحوثيين وموالي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في تشكيل حكومة إنقاذ من صنعاء أثناء حالة تعثر للحل السياسي في اليمن وفق مراقبين.. خطوة وصفها وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي بالأحادية والتصعيدية معتبرا أنها لا تسهم في الحل.

حالة أخرى من حالات التعقيد في الأزمة اليمنية سياسيا تنضاف إلى تشابك خطوط الميدان في أشكال جديدة،، منها ما وصفه البعض بورقة استهداف الملاحة البحرية عقب تفجير سفينة سويفت الإماراتية.. فما الغرض من توجيه اليمن إلى حال حكومتين وميدان مشتعل؟ وهل تتصاعد أزمات الميدان ليصبح استهداف السفن مألوفا في القاموس اليمني؟

مع استمرار الغارات الجوية لقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، تفاقمت الازمة الانسانية في اليمن بشكل كبير اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات ووالمسسات الحقوقية العالمية، خصوصا وان هذه الغارت قد استهدفت وبشكل بشكل عشوائي الكثير من المدنيين و العديد من المنشآت المدنية والبنى التحتية، وهو ما يعد انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، وقد اكدت بعض التقارير ان العديد من الغارات الجوية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية كانت غير قانونية وتنفذ بشكل عشوائي وهو ما يعد جريمة حرب. وواكدت منظمة هيومن رايتس ووتش إن التحالف الذي تقوده السعودية قصف العديد من المدن والمساكن والمؤسسات الصحية والخدمية، وهو ما اسهم بسقوط الكثير من الضحايا المدنيين، دون وجود اهداف عسكرية واضحة.

من جانب اخر اكد بعض المراقبين ان الحصار المفروض من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية على اليمن والذي يمنع وصول المساعدات الانسانية العاجلة، كان له تأثير سلبي على الحياة العامة للمواطن اليمني، حيث اكدت بعض التقارير ان 21 مليون مواطن يمني بحاجة الى مساعدة إنسانية، ويعاني اكثر من 14 مليون منهم عدم القدرة على تأمين الغذاء الكافي، هذا بالاضافة الى المساعدات الطبية، وفي وقت سابق عبر منسق الشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماكغولدريك عن عميق القلق تجاه تزايد عدد الضحايا المدنيين في اليمن . وعبر عن انزعاجه الشديد من استمرار الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية وهو ما يتسبب في مزيد من تدمير النسيج الاجتماعي لليمن ويعمّق الاحتياجات الإنسانية لا سيما الطبية منها بينما القطاع الصحي في حالة انهيار .. مؤكداً ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان .

غارة غير مبررة

وفي ما يخص اخر تطورات الحرب في اليمن فقد خلص تحقيق اجرته منظمة اطباء بلا حدود، الى ان الغارة الدامية التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية الداعم للحكومة اليمنية، على مستشفى تدعمه في شمال البلاد في وقت سابق، كانت "غير مبررة". وطالبت المنظمة غير الحكومية، في تقرير، بحصول "تغييرات عاجلة في قواعد اشتباك التحالف بقيادة السعودية (...) لضمان سلامة الطاقم الطبي، المرضى، الممتلكات والبنى التحتية"، وذلك في اعقاب الغارة التي استهدفت مستشفى في منطقة عبس بمحافظة حجة التي يسيطر عليها المتمردون.

وافادت المنظمة ان الغارة "كانت هجوما غير مبرر من التحالف الذي تقوده السعودية"، الداعم للرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الحوثيين والموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح. وقتل في الغارة 19 شخصا واصيب 24، بحسب المنظمة التي اكدت ان هذا القصف كان خامس هجوم يطاول منشأة مدعومة منها في اليمن. واكدت المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا، ان الغارة حصلت ب"دون سابق انذار او تواصل مع بعثة اطباء بلا حدود". ورجح التحقيق ان يكون القصف قد استهدف "سيارة مدنية" بعد زهاء خمس دقائق من دخولها حرم المستشفى. واشارت المنظمة الى ان ضابط اتصال سعوديا في جيبوتي، اكد هذه المعطيات.

وكانت السيارة تنقل جرحى اصيبوا في غارات اخرى، و"تم التحقق منها عند مدخل المستشفى من قبل حارس الطوارىء" الذي اكد ان ركابها "كانوا يرتدون ملابس مدنية ولم يكن ثمة اي سلاح ظاهر في داخلها". ووقع القصف لدى احضار الطاقم الطبي حمالة لنقل الجرحى من السيارة، بحسب التقرير الذي افاد بان "الانفجار كان قويا جدا. تسبب بحفرة كبيرة وآثار في كل المستشفى حيث تشظى زجاج النوافذ". واوضح ان "13 من القتلى قضوا بسبب شظايا الانفجار، واثنين احدهما طفل قضيا حرقا في السيارة، وعثر على اشلاء اربعة اشخاص".

وادى الهجوم الى اخلاء المستشفى لمدة 11 يوما، قبل ان يستأنف العمل فيه تدريجا. ودفع الهجوم المنظمة الى اجلاء بعثاتها من ست مستشفيات في شمال اليمن، في خطوة قالت انها "اثرت بشكل سلبي على توافر ونوعية الرعاية الصحية" في اليمن. وشددت المنظمة على انها اتخذت خطوات من شأنها التعريف بالمستشفى، كوضع الاشارات وتشارك احداثياته مع اطراف النزاع. وبحسب التحقيق، كان المستشفى يطبق سياسة صارمة بمنع ادخال الاسلحة، ما يعني ان "تنفيذ الهجوم على المستشفى من دون اي سبب شرعي او تحذير مسبق، كان انتهاكا لقواعد القانون الانساني الدولي".بحسب فرانس برس.

واقرت المنظمة بان التحالف اتخذ "اجراءات ملموسة وايجابية منها بدء تحقيق فوري، والدعوة الى مناقشة الخلاصات والالتزام باجراء تغييرات ملموسة". واكد التحالف فتح تحقيق في اعقاب الغارة، الا ان اي نتائج لم تصدر بعد. وفي وقت سابق، اقر فريق تحقيق يضم اعضاء من التحالف، بحصول قصور في اثنتين من ثماني حالات استهداف لمواقع مدنية، شكت بشأنها الامم المتحدة. ويواجه التحالف منذ اشهر انتقادات متزايدة على خلفية ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين للنزاع، خصوصا جراء الغارات. وقتل في اليمن منذ آذار/مارس 2015، اكثر من 6600 شخص نصفهم من المدنيين، بحسب الامم المتحدة.

على صعيد متصل شجبت الأمم المتحدة ضربات جوية شنها التحالف العربي الذي تقوده السعودية باليمن وأودت بحياة 26 شخصا بغرب البلاد وقالت إن الهجمات على منشآت مدنية في البلاد آخذة في التزايد منذ يوليو تموز. وقال أحد سكان مدينة الحديدة وعاملون بالمجال الطبي في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون إن طائرات حربية تابعة للتحالف أطلقت صواريخ على حي سكني بالمدينة المطلة على البحر الأحمر حيث يوجد زعماء الحوثيين. وأصابت الضربة منزلا في حي مأهول بالسكان. وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون بيانا يشجب الهجوم قال فيه إن عشرات سقطوا بين قتيل وجريح من بينهم نساء وأطفال.

وقال التحالف العربي إنه يتحرى التقارير المحيطة بالغارة التي كانت الأحدث في سلسلة ضربات أصابت مدارس ومستشفيات وأسواقا ومنازل خاصة. وقالت سيسيل بويلي المتحدثة باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن 41 هجوما على الأقل أصابت منشآت مدنية وقتلت 180 مدنيا في أغسطس آب بزيادة نسبتها 40 في المئة في عدد الوفيات مقارنة بيوليو تموز.

وأضافت في بيان "نلاحظ بقلق بالغ الزيادة الحادة في أعداد القتلى المدنيين منذ تعليق محادثات السلام... نكرر دعوتنا لتشكيل هيئة تحقيق دولية مستقلة." وقال التحالف مرارا إنه لا يستهدف المدنيين. وكان قد بدأ عملياته العسكرية في اليمن في مارس آذار من العام الماضي في محاولة لمنع وصول الحوثيين المتحالفين مع إيران إلى السلطة. وذكر التحالف في بيان أنه على علم بتقارير تتحدث عن سقوط ضحايا مدنيين في مدينة الحديدة. وجاء في نص البيان إن التحالف سيراجع المعلومات الواردة بشأن الحادث مثلما يفعل مع أي مزاعم تصله. وأضاف أنه إذا تبين له أن هذه المزاعم تستند إلى أدلة يعول عليها فسينتقل فورا إلى الخطوة التالية في التحقيقات.

جرائم حرب

الى جانب ذلك حثت منظمات حقوقية دولية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على فتح تحقيق دولي في جرائم حرب في اليمن ومنها قتل كثير من المدنيين في غارات جوية لتحالف تقوده السعودية. وكان المجلس قد منح قبل نحو عام لجنة تحقيق وطنية يمنية مستقلة ترفع تقاريرها إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي وقتا لتوثيق الانتهاكات من جانب جميع أطراف الصراع بعدما تخلت هولندا عن مسعاها لفتح تحقيق دولي.

لكن تقريرا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قال إن اللجنة أخفقت في إجراء تحقيق ذي مصداقية إذ أنحت باللائمة بشكل أساسي فحسب على الحوثيين والفصائل المسلحة المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ووجهت جماعات حقوقية منها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان رسالة مشتركة إلى الدول أعضاء المجلس وعددها 47 عبرت فيها عن قلقها العميق بخصوص الانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب. وقال جون فيشر من هيومن رايتس ووتش "سيكون القرار اختبارا حاسما لمجلس حقوق الإنسان وقدرته على العمل بشكل جاد وفعال للوفاء بالحاجات الحقيقية للمدنيين على الأرض الذين يواجهون جرائم حرب محتملة وانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان." بحسب رويترز.

وأضاف فيشر أنه منذ أن "أخفق المجلس في مهمته قبل نحو عام" نفذ التحالف الذي تقوده السعودية- والذي يحاول إنهاء سيطرة الحوثيين على مناطق منها العاصمة صنعاء وإعادة حكومة هادي للسلطة- غارات جوية على مستشفيات ومدارس ومنازل. وكان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان دعا الشهر لإلقاء مزيد من الضوء على الغارات وإلى المعاقبة على الانتهاكات ومنها الهجمات على مواقع محمية مثل المستشفيات. وقال إن الغارات الجوية للتحالف مسؤولة عن نحو 60 في المئة من القتلى الذين سقطوا منذ مارس آذار 2015 وعددهم 3799.

من جهة اخرى اكد تحقيق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية ان اكثر من ثلث الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده الرياض منذ آذار/مارس 2015 في اليمن، اصابت مواقع مدنية بينها مستشفيات ومدارس. واعتمدت الصحيفة ارقاما وفرتها منظمة "يمن داتا بروجكت" التي تجمع المعلومات المرتبطة بالنزاع في اليمن الدائر بين قوات حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف والحوثيين وحلفائهم انصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقالت المنظمة انه من 8600 غارة نفذها التحالف الذي تقوده السعودية، بين آذار/مارس 2015 وآب/اغسطس الماضي، اصابت 3577 غارة مواقع عسكرية و3158 غارة مواقع غير عسكرية في حين تعذر تحديد اهداف باقي الغارات.

كما اشار التحقيق الى 942 قصفا استهدف مناطق سكنية و114 استهدف اسواقا و34 مساجد و147 قصفا لبنى تحتية مدرسية و26 قصفا استهدف جامعات. وقالت الصحيفة "ان من بين الاوجه الاشد اشكالا في التحقيق بالنسبة للسعودية هو عدد الهجمات المكررة" على هدف مدني. واوضحت ان مبنى مدرسيا في قرية الضباب (جنوب غرب) اصيب "تسع مرات" كما اصيب سوق في صرواح (شرقي صنعاء) "24 مرة".

ويؤكد التحالف الذي يتهم بانتظام بتجاوزات، انه لا يستهدف عمدا مواقع مدنية. ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قوله ان الارقام المقدمة "مبالغ فيها كثيرا" وانتقد المنهجية المعتمدة في التحقيق. وقال ان الحوثيين "حولوا مستشفيات ومساجد الى مراكز قيادة" وايضا الى "مخازن اسلحة" وهي بالتالي "لم تعد مواقع مدنية". وخلفت الحرب في اليمن اكثر من 6600 قتيل معظمهم من المدنيين وتكثفت اعمال العنف في البلد منذ تعليق مباحثات السلام غير المثمرة في الكويت في 6 آب/اغسطس.

ووفقاً لآخر بيانات منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 40 ألف شخص سقطوا بين قتيل وجريح (بينهم ما يزيد عن عشرة آلاف قتيل) سقطوا في اليمن، منذ بداية الحرب. ومع ذلك تفيد مصادر يمنية أن عدد القتلى أكبر من ذلك بكثير، غير أن الأطراف المعنية لا تكشف عن العدد الحقيقي للقتلى من العسكريين.

وتعد الأزمة الإنسانية عنواناً من أهم نتائج الحرب في اليمن، الذي يعاني في الأصل من أزمة اقتصادية وإنسانية. وفي تصريحات حديثة، وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، وأن نحو 13 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات منقذة للحياة، في حين تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إلى أن ما يقدر بـ14.4 مليون شخص غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية (منهم 7.6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي)، و19.4 مليون شخص يفتقرون إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، و14.1 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية، فيما يزيد عدد النازحين عن ثلاثة ملايين، أغلبهم إلى مناطق داخل البلاد.

اضف تعليق