ضمن إهتماماته بالشأن الشيعي والاسلامي عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقة نقاشية تحت عنوان (الشيعة في ظل النظام العالمي الجديد.. التحدّيات والفرص) إستضاف فيها الباحث والتدريسي في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد الدكتور غسان السعد بحضور باحثين وأكاديميين ومهتمين من مراكز بحثية ومؤسسات ثقافية وذلك في قاعة جمعية المودّة والإزدهار.

تحدث مدير المركز حيدر الجراح على أن الغاية من الحلقة النقاشية هو "لتسليط الضوء على أهم التحدّيات لا سيما السياسية والإقتصادية والثقافية التي يتعرّض لها الشيعة ويعيشها في مناطق تواجدهم سواء كانوا من الأغلبية أو من الأقليات في البلدان التي يعيشون فيها، وحتى في بلدان المهجر"، مضيفاً أن من الواجب على مراكز الدراسات والابحاث تقديم رؤية عالمية الى الشيعة في كل مكان بأن يكونوا أفراداً فاعلين في مجتمعاتهم لكي يستطيعوا مواجهة تلك التحدّيات التي بالتالي ستنعكس على مجتمعاتهم ومجتمعات الآخرين.

من جانبه عرض الدكتور السعد في ورقته البحثية إلتقاطات معاصرة ابتدأها من تعريف "مصطلح الطائفة اليوم وهو كل التجمّعات التي تقوم على أساس من الدين ضمن إجتهاد فقهي في اطار المجتمع القومي الحديث"، فالشيعة هم كل من شايع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقالوا بأفضليته بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقرّوا بإمامته وولايته نصاً ووصيةً أما جليّاً أو خفيّاً وإعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من ولده، والطائفة اليوم لها الفقه المنظٍّم لها وتأريخها وطقوسها ورؤيتها وعلاقاتها ومصالحها.

تضمنت الورقة البحثية عرضاً لبعض الارقام والاحصائيات عن نسبة وجود الشيعة في العالم حيث بيّن أن مجموع الشيعة في العالم كما تذكر الاحصاءات المتوفرة وأخرها عام 2006 من 200-400 مليون نسمة.

نسبة الشيعة إلى مجموع سكان العالم 3-6%.

نسبة الشيعة إلى مجموع المسلمين في العالم 15-25%.

 يتواجد الشيعة في معظم دول العالم، وبعض الاحصاءات تشير الى وجودهم في 198 دولة في العالم.

أضاف السعد في عرضه الموجز للورقة عدّة مواضيع أهمّها التحدّيات التي تواجه شيعة العالم اليوم، وأبرز نقاط القوة والفرص المتاحة وأهم الصعوبات التي تواجه الشيعة لتقييم المخاطر، ومواجهة الإتهامات من الآخرين وتقديم التوصيات للحكومات والمرجعيات وتنسيق الجهود وتطوير الخطاب والوعي، والعمل الشيعي العالمي المشترك والتعريف بالمذهب بشكل متطوّر".

في القسم الأول من العرض للورقة البحثية ذكر أهم ما يواجه الشيعة من تحديات في عالم اليوم وقسمها الى نماذج:

اولا: الانموذج الحضاري حيث تحتاج الدول والمجتمعات الشيعية لتقديم انموذج حضاري وإنساني سواء للعدالة العامة أو حسن ادارة الدول وتطوير العلوم والصناعة والتكنلوجيا، ذلك في سبيل مواجهة النماذج الفكرية والحضارية الاخرى.

ثانيا: المواجهة حيث تشكل المواجهة في مختلف الميادين الفكرية والسياسية والامنية والاقتصادية بين (الشيعة) وقطاع واسع من العالم السني، واحدة من أهم التحديات التي تواجه الوجود الشيعي العالمي.

ثالثا: ضعف الاستراتيجية الخارجية الفعالة في إبراز القضايا الشيعية ببعدها الدولي، ناهيك عن العداء (غير المبرر أحيانا) مع الولايات المتحدة الامريكية.

رابعا: الصراع الشيعي الشيعي وعلى عدة مستويات (المرجعيات الدينية والقيادات السياسية وقطاعات شعبية أخرى).

خامسا: البعد الوطني، حيث أن الوجود العالمي الشيعي يواجه جدار قوي هو الخصوصية الوطنية للمواطن الشيعي في بلده (عدا المواطن الايراني).

سادسا: غياب الهيكليات العملية للتنسيق الشيعي العالمي.

فيما ركز في القسم الثاني من الورقة البحثية على أهم نقاط القوة والفرص المتاحة لشيعة العالم وفق سلسلة وكما يلي:

 اولا: التشيع مذهب قوي صمد لأكثر من 1400 عام رغم المواجهات الشرسة التي خاضها، وحملات الابادة والكبت.

ثانيا: شيعة اليوم يمتلكون السلطة أو يساهمون بالسلطة أو يؤثرون بالسلطة في العديد من الدول في العالم.

ثالثا: نجاح التشيع في أن يبعد نفسه عن الصورة النمطية للاسلام في الغرب ضمن "الارهاب الاسلامي".

رابعا: العلاقة المتميزة بين الفرد الشيعي ومراجع التقليد.

خامسا: العدد المتزايد والانتشار الافقي للمذهب الشيعي في العالم، خاصة بعد الانفتاح العالمي والمعلوماتي.

المداخلات

شهدت الحلقة مشاركات من الحضور إبتدأها الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، من الفرص المهمة لشيعة العالم اليوم بعد صعود الشيعة وتغيير قواعد اللعبة العالمية، تغير النظام العالمي بالكثير من ملامحه وهو مختلف كثيرا إذا ما قورن قبل عشر سنوات، خاصة بعد ثورات الربيع العربي والتدخل الروسي في سوريا في الفترة الاخيرة.

عندما تغير النظام العالمي بشكله الجديد تغيرت معادلة الحلفاء والاعداء، أعداء الامس اصبحوا اصدقاء اليوم وبالعكس، كذلك تطور وسائل الاعلام والشبكة العنكبوتية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار العالمي، فالشيعة كانوا يعيشون على هامش العالم، كل ذلك أعطى فرصة كبيرة للشيعة للظهور بقوة والترويج لأفكارهم وآراءهم والدفاع عن حقوقهم لم تكن متوفرة عبر أزمنة كثيرة في التاريخ، وعلى بقية الجماعات القبول بهذا الواقع الجديد والتعايش معه.

بسبب اضطهاد الشيعة في أوطانهم كوّن لدينا جاليات شيعية كبيرة في العالم وخاصة في الغرب، للأسف لم تستثمر هذه الميزة بشكل كبير حتى الآن ويجب أن يدرك الشيعة هذه الفرصة الكبيرة في قلب المعادلات وتكوين جماعات الضغط وفق مبدأ المصالح المشتركة والانفتاح على الآخرين.

يجب مواجهة خطر التسييس الشيعي، الذي تستفيد منه جهات معينة وقيادة الشيعة نحو مصالح سلطوية وفي بعض الاحيان الى مصالح فئوية ضيقة على حساب المذهب ككل، ويجب أن تعرف هذه الجهات أن الوجود الشيعي أكبر من هذه الجماعات السياسية.

لابد من ادارة التعامل مع المكون السني بحكمة خاصة وأنه ينظر للشيعة دائماً بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية، لذلك يحتاج الشيعة الى بناء خبرات في العلاقات وحسن إدارة ملف الصراع مع السنة بذكاء وبصورة دائمة معتمدة على اساليب الاحتواء كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في احتواء الآخر.

أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات تحدث عن أن ابرز فرصة للشيعة اليوم هو وجود السلفية الجهادية وفتاوي التكفير لدى الآخر الذي هز من صورتهم امام العالم خاصة بعد تفجيرات باريس وبروكسل الاخيرة، خاصة وأن الغرب بدأ يرى ان الشيعة هم الجانب المعتدل في الاسلام الذي من الممكن التفاهم والحوار معه.

وهم أكبر ضحايا هذه الجماعات الارهابية عبر استهدافهم المستمر في كل مكان، يجب عرض ماتعرض له الشيعة من إبادات ومجازر وإنتهاك لحقوق الانسان وحرية التعبير تعرضوا لها خاصة في العصر الحديث والتي هي موثقة في الغالب لدى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والصليب الاحمر والهلال الاحمر وغيرها في كافة المحافل حتى يعرف العالم من نحن؟.

في مداخلة لعدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحدث عن وجوب إيجاد استراتيجية إقتصادية لشيعة العالم وضمن البلدان التي يعيشون فيها، شبيهة باللوبيات الاقتصادية التي تتحكم بالإقتصاد العالمي وتكون نداً لها.

كذلك من المهم ايجاد حلقة وصل بين الطبقة المثقفة والاكاديمية والمرجعيات الدينية للوصول لتكاملية في الرؤية الشيعية، خدمة للمذهب الشيعي بشكل عام.

أضاف الحقوقي هاشم المطيري أن ماتشهده الساحة العراقية اليوم من تظاهرات وإعتصامات يقوم بمعظمها الشيعة طلباً للإصلاح والتغيير وتقويم المسؤولين، على العكس من بقية الطوائف والمذاهب التي نجدها صامتة أمام فساد ممثليها، وهذا ما يؤكد على الوعي والمسؤولية لدى الفرد الشيعي تجاه وطنه دون تمييز.

يحتاج الشيعة اليوم الى بناء استراتيجية مستقبلية تحفظ وجودهم بمختلف أطيافهم وألوانهم في كل دول العالم، تقع هذه الرؤية المستقبلية على جانب المفكرين والمختصين والمرجعيات الدينية لمواجهة جميع التحديات التي يواجهها شيعة العالم من الارهاب الدولي المتمثل بنظام آل سعود الذي يغذي كل الجماعات التكفيرية لضرب التشيع في كل مكان.

تسائل شاكر الصابر – طالب ماجستير في ادارة الاعمال عن إمكانية تشكيل مجلس شيعي عالمي يستثمر الكفاءات الموجودة في كل دول العالم، بعيداً عن التمييز السياسي والعائلاتي خدمة للطائفة بشكل عام؟.

التوصيات :

 تركزت التوصيات على سؤال محوري، ماذا يحتاج الشيعة اليوم؟

وجاءت الآراء متلخصة بإنشاء المنتدى الشيعي العالمي الذي نقترح أن تكون مهامه:

تقييم المخاطر ومواجهة الاتهامات وتقديم التوصيات للحكومات والمرجعيات والجهات ذات التأثير، وتنسيق الجهود وتطوير لغة الخطاب الواعي والعمل الشيعي العالمي المشترك، كذلك أهمية التعريف بالمذهب الشيعي بشكل متطور وبلغة معاصرة.

وفي ختام الحلقة أثنى مدير المركز والحضور على الجهود الحثيثة للدكتور السعد من خلال ورقته البحثية التي جاءت كمفتاح لجميع الأبواب الموصدة أمام الوجود الشيعي في ظل تغيرات النظام العالمي الجديد.

اضف تعليق