q

زادت حدة التوترات والأزمات بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب بعض القضايا والملفات المهمة وتفاقم التجاوزات الحكومة الاسرائيلة المخالفة للقوانين والأعراف الدولية ومنها قضايا الاستيطان وغيرها، ومنذ انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في عام 2009، اتجهت العلاقات الإسرائيلية الأوروبية بحسب بعض المصادر، إلى منحنى صعب، وأدت سياسات نتنياهو إلى تفاقم الأزمات مع العديد من القادة الأوروبيين، وظهرت أجزاء من أوروبا تؤيد حركة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات، وفرض الجزاءات التي تسعى إلى نبذ إسرائيل من المجتمع المدني، وتقويض شرعيتها؛ كونها دولة يهودية.

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً في الفترة الأخيرة، وصفت فيه العلاقات الإسرائيلية الأوروبية بالمعقدة، كما رأت أن مكانة إسرائيل في أوروبا بدأت تتأرجح. وبحلول عام 2012 تخلى الفلسطينيون عن المحادثات مع إسرائيل، وسعوا إلى الاعتراف الدولي كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، مما أضعف من موقف إسرائيل. وانقسم أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن هذه الخطوة، ولكن خطط إسرائيل لبناء المستوطنات في القدس الشرقية كانت السبب الأهم لتفاقم التوتر، لأنه لن تصبح هناك دولة مستقبلية للفلسطينيين، وفي يوليو 2013 أصدرت المفوضية الأوروبية توجيهات بأن المستوطنات لن تشمل الأراضي المحتلة، وجاءت بعدها خطوة الاتحاد الأوروبي لمقاطعة المنتجات الاستهلاكية من المستوطنات الإسرائيلية.

وتدهورت العلاقات مرة أخرى في عام 2014، بعدما تجدد الصراع بين حماس وإسرائيل، لتمتلئ المدن الأوروبية بالاحتجاجات المناهضة لإسرائيل، كما أدى هذا الصراع إلى زيادة معاداة السامية في أوروبا، لتطال اليهود في فرنسا وبلجيكا والدنمارك، ودعا نتنياهو يهود أوروبا للهجرة إلى إسرائيل، هربًا من معاداة السامية، وتلك الدعوة أزعجت القادة الفرنسيين والألمان. وفي أواخر عام 2014 أصدرت برلمانات فرنسا وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة، فضلاً عن البرلمان الأوروبي، التماسات، تأييدًا لتمديد الاعتراف بدولة فلسطينية، والتحقت بها السويد. وفي الوقت نفسه، دفعت مبادرات حكومة نتنياهو التشريعية، بما في ذلك مبادرة تهميش المنظمات غير الحكومية اليمينية والمنظمات غير الحكومية في مجال حقوق الإنسان، الاتحاد الأوروبي إلى تحذير إسرائيل من أنها تخاطر بتقويض طابعها الديمقراطي.

بولندا

وفي ما يخص اخر تطورات هذا الملف ذكر الرئيس البولندي أندريه دودا أنه سيوقع على مشروع قانون يعاقب بالسجن من يشير إلى تورط بلاده في محارق النازي متحديا احتجاجات من نشطاء في إسرائيل والولايات المتحدة. وقال دودا في كلمة بثها التلفزيون إن القانون سيحمى سمعة بولندا الدولية. لكن إسرائيل دعت إلى إجراء تعديلات عليه، قائلة إن البلدين لديهما ”مسؤولية مشتركة“ في الحفاظ على ذكرى المحرقة النازية.

وأضاف دودا، وهو حليف لحزب القانون والعدالة الحاكم الذي قدم التشريع، ”(هذا المشروع)...يحمي المصالح البولندية...كرامتنا والحقيقة التاريخية...حتى لا يتم الافتراء علينا كدولة وأمة“. لكن دودا تابع أن مشروع القانون ”يأخذ في الحسبان حساسية القضية لمن يعتبرونها حقيقة تاريخية ولمن تمثل لهم ذكرى المحرقة أهمية كبيرة“. ويقضي القانون الجديد بالسجن لمدد تصل إلى ثلاث سنوات كعقوبة لمن يذكر تعبير ”معسكرات الموت البولندية“ أو يشير ”علنا بما ينافي الحقائق“ إلى أن بولندا شاركت في جرائم النازية الألمانية.

وتقول إسرائيل إن القانون سيقيد حرية التعبير، ويجرم حقائق تاريخية أساسية ويمنع مناقشة الدور الذي قام به بعض البولنديين في جرائم النازية. ويقول نشطاء إن إقرار مشروع القانون سيشجع على زيادة معاداة السامية. وقُتل ما يزيد على ثلاثة ملايين من بين 3.2 مليون يهودي كانوا يعيشون في بولندا قبل الحرب على يد ألمانيا النازية، وهم يمثلون تقريبا نحو نصف اليهود الذين قتلوا في محارق النازي. بحسب رويترز.

وجرى إرسال اليهود من أنحاء أوروبا إلى معسكرات الموت التي بناها وأدارها الألمان في بولندا المحتلة، موطن أكبر جالية يهودية في أوروبا في ذلك الوقت. وقال دودا كذلك إنه سيطلب من المحكمة الدستورية إيضاحات عن مشروع القانون. وتقول إسرائيل إنها لا تزال تأمل في أن تقوم بولندا بإجراء تعديلات على مشروع القانون. وقالت الحكومة الإسرائيلية في بيان على تويتر ”نأمل أن نتمكن خلال الوقت المحدد ولحين انتهاء مداولات المحكمة من الاتفاق على تعديلات وتصحيحات. إسرائيل وبولندا لديهما مسؤولية مشتركة للبحث عن تاريخ المحرقة والحفاظ عليه“.

الى جانب ذلك قال وزير التعليم الإسرائيلي إنه ”يشرفه“ إلغاء بولندا زيارته إليها لرفضه التراجع عن إدانة مشروع قانون يجرم الإشارة إلى تواطؤها في محارق النازية. وكان الوزير نفتالي بينيت قد قال إنه سيسافر إلى بولندا لبحث مشروع القانون الذي اعتبره مسؤولون إسرائيليون إنكارا للمحارق. إلا أن المتحدثة باسم الحكومة البولندية قالت إن هذه الزيارة ألغيت.

وقال بينيت في بيان في وقت لاحق ”دماء اليهود البولنديين تصرخ من باطن الأرض ولن يسكتها أي قانون“. وتابع ”ألغت حكومة بولندا زيارتي لأنني ذكرت جرائم شعبها. هذا يشرفني“. وبعد بيانه قالت المتحدثة باسم الحكومة إن الجانب البولندي ”مقتنع“ بأن الجانبين سيتفقان قريبا على موعد للقاء.

وقالت المتحدثة يوآنا كوبشينسكا في بيان”سنتحدث بالتأكيد عن تاريخنا المشترك قريبا“. وقال وزير الخارجية البولندي ياسيك تشابوتوفيتش إن زيارة بينيت لم تخطط لها الحكومة البولندية. وأضاف لقناة (تي.في.إن)”أعلن الوزير بينيت استعداده للحضور، وكلماته لا تساعد الحوار في هذه المرحلة وتظهر في الوقت ذاته أن هناك أصواتا مختلفة في إسرائيل“. وتابع قائلا ”يريد بعض السياسيين اتهام بولندا بالتورط في المحارق. وهذه مشكلة طرأت“.

المانيا

الى جانب ذلك حذر وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إسرائيل من أنها تواجه إحباطا متناميا في أوروبا وسط قلق بشأن مستقبل حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتبنى جابرييل نهجا مختلفا بشكل ملحوظ عن الذي تبناه مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، الذي أيد خلال زيارة لإسرائيل إعلان الرئيس دونالد ترامب في السادس من ديسمبر كانون الأول أن إدارته تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأنها ستنقل إليها السفارة الأمريكية من تل أبيب.

وقال جابرييل في تل أبيب ”فيما يتعلق بالفلسطينيين وقضية إيران يأخذ الأمريكيون صفكم بوضوح أكثر من أي وقت مضى. لكن هل هذا حقا شيء جيد؟“ وأشار الوزير الألماني إلى نجاحات سابقة للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة متسائلا “هل يظل الأمريكيون يلعبون دورا من هذا القبيل إذا تحيزوا بهذا الوضوح”. هل سيحاول الآخرون أن يحلوا محلهم؟“

وفي تهديد مستتر بشأن قطع المساعدات، قال إن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية ”ضد حل الدولتين بشكل صريح“ لكن حلا كهذا ”دائما ما كان الأساس لمشاركتنا في السلام الإسرائيلي الفلسطيني ولقدر كبير من التمويل الذي نقدمه“. وأضاف في مؤتمر أمني إسرائيلي ”هذه الإشارات المتضاربة في أحسن الأحوال لا تمر مرور الكرام في أوروبا، حيث يوجد إحباط متزايد بوضوح من الأفعال الإسرائيلية“.

واستشهد جابرييل بالخلافات حتى داخل حزبه الديمقراطي الاشتراكي بشأن ما يراه البعض معاملة ”غير منصفة“ للفلسطينيين. وقال جابرييل ”من الصعب على نحو متزايد بالنسبة لأشخاص مثلي أن يشرحوا لهم لماذا يتعين أن يستمر دعمنا لإسرائيل“. وأشار إلى مخاوف بشأن العنف والكراهية وبناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة التي يسعى الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة عليها. وأضاف ”ألمانيا تتطلع إلى اليوم الذي ستتمكن فيه من نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس. لكن دعوني أضيف: في دولتين القدس عاصمتهما. لا طرق مختصرة هنا“.

ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، عاصمة لدولتهم المستقبلية. وتعتبر إسرائيل القدس عاصمتها الأبدية الموحدة. وتحدث جابرييل بعد لقاءات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. بحسب رويترز.

وفي وقت سابق استدرك نتنياهو على ما قاله جابرييل في مؤتمر صحفي معه من أنه تشجع من دعم الحكومة الإسرائيلية لحل الدولتين ”مع حدود إسرائيلية آمنة“. وقال نتنياهو معترضا ”سنسيطر على الأمن غربي (نهر) الأردن. هذا هو الشرط الأول“، وقاطع جابرييل مضيفا ”ما إذا كان سيجري تعريفها كدولة عندما تكون لنا السيطرة العسكرية هو أمر آخر. أود ألا أناقش التسميات وإنما الجوهر“. وأشار جابرييل إلى أن النقاش ربما يتجدد في وقت آخر ”بعيدا جدا عن الآن“. وجابرييل مؤيد صريح لبذل جهود أكبر لمكافحة معاداة السامية في ألمانيا، بما في ذلك استحداث منصب مفوض حكومي جديد للإشراف على مثل هذه المبادرات. ويتعرض في الوقت نفسه لضغوط في الداخل لاتخاذ نهج متشدد بشأن استمرار البناء في المستوطنات الإسرائيلية في انتهاك للقانون الدولي.

بريطانيا وفرنسا

في السياق ذاته قالت منظمة معنية بتقديم استشارات أمنية للطائفة اليهودية إن المشاعر المناهضة لليهود تزداد انتشارا بصورة عامة في بريطانيا. وأضافت منظمة صندوق أمن الطائفة اليهودية أن عددا قياسيا من حوداث معاداة السامية في بريطانيا في العام الماضي يرجع جزئيا إلى تحسن التسجيل والدعاية المحيطة بالمشاعر المزعومة المناهضة لليهود في حزب العمال المعارض. لكنها حذرت أيضا من أن العدد يعكس زيادة عامة في مشاعر معاداة السامية.

وقال ديفيد ديلو المدير التنفيذي للمنظمة التي تساعد في حماية 270 ألف يهودي في بريطانيا ”الكراهية في تزايد والشعب اليهودي يعاني نتيجة لذلك“. وأضاف ”يبدو أن العوامل التي قادت إلى مستوى مرتفع بصورة عامة ومتواصلة من حوادث معاداة السامية في 2016 قد استمرت طوال معظم عام 2017“. وبلغت حوداث معاداة السامية في عموم بريطانيا 1382 حادثة في 2017 بزيادة ثلاثة بالمئة مقارنة بعام 2016، الذي كان الأعلى من حيث العدد السنوي لحوداث معاداة السامية منذ أن بدأت المنظمة برنامجها للمراقبة في 1984. بحسب رويترز.

وزاد عدد الاعتداءات العنيفة المعادية للسامية بنسبة 34 بالمئة إلى 145 اعتداء. لكن معظم الحوداث ارتبطت باعتداء لفظي على يهود علنا، حيث يسهل التعرف على اليهود من ملابسهم الدينية أو زيهم الدراسي أو حليهم. وقالت المنظمة إن انخفاضا في عدد حوداث معاداة السامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ربما يعكس استجابة أفضل من جانب شركات التكنولوحيا في التصدي لخطاب الكراهية عبر الإنترنت إضافة إلى تحرك الشرطة للتعامل مع معتادي الانتهاكات.

من جهة اخرى أظهرت إحصاءات رسمية في فرنسا نشرتها وزارة الداخلية أن البلاد شهدت في 2017 تراجعا في الأعمال العنصرية بصورة عامة لكن الهجمات ضد اليهود والمسلمين سجلت بالمقابل تزايدا. وتستند هذه الإحصاءات إلى الوقائع من (أعمال عنف وحرائق متعمدة، وتدنيس...) وكذلك التهديدات (خطية أو شفهية أو رسائل جارحة) تم التقدم بشكوى بشأنها أو الابلاغ عنها رسميا.

وبحسب الأرقام التي نشرتها الوزارة فقد سجل العام المنصرم 950 واقعة عنصرية ما يمثل تراجعا بمقدار 16% بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع في 2016، السنة التي سجلت تراجعا كبيرا جدا في الأعمال العنصرية. وكان العام 2015 شهد فورة في الأعمال العنصرية تخطى عددها الألفين وذلك بسبب الاعتداءات الجهادية التي استهدفت فرنسا في شهري كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر.

ويأتي الإعلان عن هذه الإحصاءات بعد تعرض طفل يهودي في الثامنة من العمر للضرب على أيدي فتيين يبلغان من العمر حوالى 15 عاما في اعتداء قالت النيابة العامة أن دافعه على الأرجح هو "معاداة السامية" لأن الطفل كان يرتدي غطاء الرأس اليهودي (كيباه). وقالت النيابة العامة في بونتواز بضاحية باريس إن الطفل تعرض للضرب بينما كان في طريقه لأخذ دروس خصوصية، في حين أفاد مصدر أمني أن المهاجمين "طرحاه أرضا وانهالا عليه بالضرب".

وأوضحت النيابة العامة أن الطفل قال إن المعتديين يبلغان حوالى 15 عاما، مشيرة إلى أنهما "لم ينبسا ببنت شفة خلال الاعتداء ولم يسرقا شيئا من الضحية الذي كانت الكيباه ظاهرة على رأسه، ولذلك فإن دافع معاداة السامية لا يزال قائما حتى الآن". ولم يتعرض الطفل لجروح خطرة تضطره للانقطاع عن المدرسة وملازمة المنزل، في حين عهد بالتحقيق في الواقعة إلى شرطة المقاطعات. ولقي هذا الهجوم إدانة عارمة بدءا من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أكد أن "الجمهورية بأسرها تقف اليوم إلى جانب الفرنسيين اليهود لكي تحارب معهم ومن أجلهم كل عمل من هذه الأعمال الدنيئة".

اضف تعليق