الزلزال العالمي للبطالة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إن ما يعاني منه ملايين المسلمين من المجاعة، والبقاء تحت رحمة خط الفقر المدقع، يعود إلى أنانية هذه الحكومات التي لا تسمح للناس بإعمار الأراضي، ولا هي تتبنى قضية الإعمال بشكل واضح وعادل، إن دور الحكومة يجب أن لا يتعدى قضية الإدارة لا أكثر وعدم السماح بحالة الانفلات...

(إنّ المقدار الكبير من البطالة نشأ نتيجة أنّ الحكومات تجعل من نفسها مالكة لكل شيء)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

يمكن أن نعرّف البطالة في تعريف مباشر هو فقدان الإنسان للعمل، وبالتالي فقدانه للموارد المالية التي يديم فيها حياته وحياة عائلته، وهذا يعني ببساطة خلق مشاكل وأزمات لا حدود لها، فالبطالة هي حرب ضد ديمومة الحياة، كأنها تشبه عملية القتل البطيء، لأن حرمان الإنسان والأسرة من مصدر الرزق يعني التجويع المباشر.

يصف الأكاديميون من الاقتصاديين البطالة بأنها من أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تعكر صفو الاستقرار الاجتماعي من جيل الى آخر، وهذه الظاهرة تشير الى تعطيل الكثير من العاملين في مختلف المجالات، مما يترتب على ذلك قلة الانتاج وانخفاض الاستثمار وهذا بدوره يؤدي الى ارتفاع الاسعار والحاق الضرر الكبير بالمجتمع وخاصة العاطلين عن العمل. 

كما تؤدي البطالة الى التخلف الاقتصادي لأنها سبب في بطء النمو الاقتصادي ولاسيما في الدول النامية اذ انها تعني وجود فئة من المجتمع قادرة على العمل وراغبة فيه بالأجر السائد ولكن لا تجد طريقها الى سوق العمل.

الإسلام أوجد حلا سهلا ومتوفرا ولا يحتاج إلى أرصدة ولا أموال طائلة، وتطبيقه أيضا لا يجهد الإنسان الفرد، ولا يثقل كاهل الحكومات بشيء، ويمكن أن يكون علاجا عالميا لامتصاص التأثيرات والهزّات القاتلة لزلزال البطالة الذي يجتاح العالم.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يناقش هذه القضية في محاضرة مهمة ضمن سلسلة نبراس المعرفة وهي تقع تحت عنوان: لحلّ مشاكل العالم وأزماته اليوم، يقول فيها سماحته:

(ورد في الحديث الشريف المتواتر نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: (من أحيى أرضاً ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله) الجملة أعلاه نطق بها رسول الله صلى الله عليه وآله، هي إحدى معجزات الإسلام التي حلّ بها الإسلام الكثير من المشاكل للبشر في الدنيا). 

عدم الاهتمام بحقوق الناس

إن ظاهرة الفقر أيضا تكاد تكون ظاهرة عالمية، والأسباب التي تكمن وراءها معروفة وتعود لجانبين، الأول اللامبالاة التي يتلبس بها الحكام والمسؤولون، وعدم اهتمامهم بأرزاق الناس، مع أن الحلول كثيرة وسهلة وموجودة، ولا تحتاج أكثر من عملية الإدارة الصحيحة والتنظيم الجيد، وهذا هو لبّ عمل الحكومات، تنظّم وتدير أعمال الناس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (قرأت في صحف واحدة من الدول الإسلامية، أنّ مسؤولاً كبيراً فيها ذكر أنّه عندهم أكثر من أربعين مليون هكتاراً أراضي جرداء. وذكروا في صحف الدولة نفسها أنّ ثمانين بالمئة من الناس فيها يعيشون تحت خطّ الفقر، أي يعيشون الفقر، ويعني لا يملكون أقلّ ما يمكن أن يعيشون به عيشة مناسبة لهم ولاُسرهم وفي مستواهم. ونقلت الصحف في الدولة ذاتها أيضاً، أنّ ستين بالمئة من شبابها وفتياتها من هم في سنّ الزواج، لا يتمكّنون من الزواج).

بعضهم قد يتحجج بالفوضى وعدم الالتزام بالقانون وأحكام الشرع، لكن هذا العمل تنظيمي ويمكن للجهات ذات العلاقة التصدي له وإدارته، مع فسح المجال للناس لإعمار الأرض ولكن ضمن بنود تنظيمية واضحة يلتزم بها الجميع، لكن يبقى الهدف الأهم هو عدم إبقاء الأرض بلا إصلاح، ولا يجب أن تكون الدولة مالكة ومانعة للناس في استثمار الأرض وفق عملية تنظيمية دقيقة تضمن العدالة للجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(لو كان العالم كلّه، في بلاد الإسلام وغير بلاد الإسلام، يطبّقون تلك الجملة من رسول الله صلى الله عليه وآله ويعملون بها، وكانت الحكومات كلّها، في بلاد الإسلام وبلاد غير الإسلام، تحكم بذلك الذي قضى به الله عزّ وجلّ وقضى به رسول الله صلى الله عليه وآله، لكانت المشاكل في كل العالم، من جهات عديدة، أقلّ مما يعيشها العالم اليوم، وبالذات في بلاد الإسلام).

إن ما يعاني منه ملايين المسلمين من المجاعة، والبقاء تحت رحمة خط الفقر المدقع، يعود إلى أنانية هذه الحكومات التي لا تسمح للناس بإعمار الأراضي، ولا هي تتبنى قضية الإعمال بشكل واضح وعادل، إن دور الحكومة يجب أن لا يتعدى قضية الإدارة لا أكثر وعدم السماح بحالة الانفلات، ووضع بنود تنظيمية واضحة لإتاحة الفرصة لتعمير الأرض.

ولو أن الناس في البلدان الفقيرة، الإسلامية وغير الإسلامية وجدوا الفرصة الصحيحة لاستثمار الأراضي الكثيرة، في مشاريع زراعية، وصناعية وتنموية مختلفة، لتم القضاء على البطالة بشكل سريع، ولتمت معالجة مشكلة الفقر بشكل سريع أيضا، ليس في البدان الإسلامية وحدها وإنما في بلدان العالم الفقيرة أيضا.

وهكذا يحصل الناس على فرص عمل تضمن لهم الحياة الكريمة، كما أنها تعالج الطاقات الشبابية الهائلة، بالإضافة إلى إمكانية تشجيع الشباب على الزواج، لأن الشاب هنا يضمن مصدر رزق يكفيه لفتح بيت جديد وتشكيل أسرة جديدة، عندها عملها ورزقها وأرضها، ويمكن للدولة هنا أن تتدخل في القضايا التنظيمية والإدارية، وفي هذه الحالة لن نجد أرضا بلا زرع، أو بلا مشروع إنتاجي يدر على أصحابه الأموال.

تخفيف زلزال البطالة والفقر معا

يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على هذه النقطة فيقول: (إنّ المقدار الكبير من البطالة نشأ نتيجة أنّ الحكومات تجعل من نفسها مالكة لكل شيء. فلو كانت أيادي الأشخاص الذين لا عمل لهم وعاطلون عن الأعمال وليست لهم أموال، مفتوحة، ولا تتدخل الحكومات في الأراضي إلاّ لمجرّد الإدارة للبشر الذين يعمرون الأراضي، لكان قد هبّ الكثير من الفقراء والمحتاجين ومن الذين لا يملكون مالاً للزواج ولا يملكون عملاً، إلى عمارة قسم من الأراضي الجرداء).

وبهذا فإن معالجة البطالة عالميا مضمونة وممكنة، في حالة خففت الدولة من سطوتها على الناس ومواردهم وثرواتهم وحقوقهم التي لا يحصلون منها إلا على النزر القليل الذي لا يكاد أن يسد الرمق، فالناس في هذه الحالة يهبّون زرافات زرافات على الأراضي التي يمكن إحياؤها وبث روح الحياة فيها واستثمارها والعيش من خلالها معيشة كريمة.

كذلك يمكن أن يساهم هذا الحل بتخفيف ظاهرة التغيرات المناخية التي جعلت البشرية كلها تعيش زلزالا من نوع آخر، هو زلزال الجفاف، والاحتباس الحراري، وزيادة منسوب الزلازل الفعلية بسبب التغييرات الجيولوجية الكبيرة.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:  

(عند ذلك تقلّ وتقلّ المشكلة الاقتصادية في كل بلد، ولكان هذا الأمر حلاًّ لقسم من تغييرات المناخ المتدهور في الكثير من البلاد، لأنّ من جملة التعمير أنّه يهبّ الناس لعمارة دورهم ولمزارع وبساتين، ويستفيدون منها، وخلال سنوات قليلة تنقلب الأراضي الجرداء إلى ملايين الهكتارات من المزارع والبساتين).

وهكذا فإن المخاوف المطروحة ضد هذا المنطوق الذي يطالب بالسماح للناس بإحياء الأرض، يمكن معالجتها بعد المناقشات الجادة والحلول الممكنة، لأننا في واقع الحال نعيش فعلا في عمق زلزال البطالة الذي يعصف بالشباب، ويقلب حياتهم رأسا على عقب، فالشاب العاطل يائس من الحياة، والبطالة هي السبب، في حين الحلول متوفرة وكثيرة، ولكن ليست هناك جدّية (رسمية) في هذا الخصوص، ولكن في حال تم التفكير بعقلانية وجدية وعلمية بإتاحة استثمار الأرض فإن الفوائد سوف تكون كبيرة ومفيدة جدا جدا.

وأخيرا يمكن طرح هذا الموضوع (إعمار الأرض) للنقاش على أعلى المستويات، ووضع المشروع التنظيمي القانوني الشرعي والتشريعي، الذي لا يترك صغيرة وكبيرة إلا ويناقشها، ويعالج جميع المخاوف والنواقص والثغرات التي قد تعود بالضرر في بعض الحالات، لذا فإن التمسك بمفردات التنظيم وبنود القوانين الإدارية يمكن يفتح آفاق عظيمة للإعمار والاستثمار وامتصاص زلزال البطالة والفقر معا.

اضف تعليق