q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الإعلام المعادي وتهاون المؤمنين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

السببان المباشران اللذان يؤكد عليهما سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هما الإعلام المضاد ومحاولاته الكبيرة والمكثفة والمتواصلة لتدمير ونسف منظومة القيم عند الناس وخلق أجواء تساعد على الانفصال والانتحار وكل ظواهر الانحراف، والسبب الثاني هناك تقصير من المؤمنين في مواجهة هذا السيل الإعلامي المكثف...

(إحصائيات الطلاق اليوم فاقت حدّ حتى التصوّر واتّسعت دائرته بشكل رهيب)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

من الظواهر الخطيرة المتفشية في عالم اليوم، هي ظاهرة الفساد بأنواعه المختلفة، وقد أدى ذلك إلى إحداث خلل واضح في البنية الاجتماعية، ليس عند المسلمين وحدهم، وإنما في بلدان العالم أجمع، ولعل أخطر ظواهر الفساد، تلك التي تتعلق بالعلاقات بين الناس، وأي خلل فيها يخلخل البنية الاجتماعية وينسف منظومة القيم ويعمق المشكلات والأزمات.

وهذا ما يحدث اليوم في مجتمعاتنا، وكأن حالة التقدم المادي التي يعيشها الناس انعكست سلبا على مجمل تفاصيل حياتهم، وهناك علاقة غريبة بين التطور والتعاظم المادي من جهة وبين استفحال الفساد وكثرته من جهة أخرى. فهناك معادلة واضحة المعالم، كلما تقدم الإنسان كلّم كثر فساده، وهي علاقة ليست طبيعية بالمطلق. 

ولو أننا أجرينا مقارنة سريعة ودقيقة بين نسبة الفساد قبل خمسين أو سبعين سنة مثلا، وبين نسبته في الوقت الحاضر، لاكتشفنا الفارق الكبير بين النسبتين، وتكاثر الفساد إلى أضعاف مضاعفة عما كان عليه في السابق، فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك، ولماذا لا يكون تقدم الناس سببا لتقليل الفساد وليس سببا في كثرته؟

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى محاضراته التوجيهية القيمة:

(لقد امتلأت الدنيا اليوم بالفساد والضلال، ويقول القرآن الكريم: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ». وأتذكّر أنّه قبل قرابة سبعين سنة كان الفساد نادراً. فمن يساوينا بالعمر، يتذكّرون ندرة وجود الفساد في ذلك الزمان بين الرجال والنساء. وعلى سبيل المثال: كان الطلاق في ذلك الزمان لا يقع إلاّ بالقليل والقليل، وكان مذموماً). 

هذا المثال الحقيقي، يؤكد أن المعضلة التي تعاني منها مجتمعاتنا خطيرة، وكبيرة، الأمر الذي يتطلب منّا الوقوف بحزم إزاء هذه الظاهرة، لاسيما أن قضية الزواج والطلاق تتعلق بشكل مباشر بطبيعة ومتانة البنية الاجتماعية، وإن أي خلل فيها يعني وجود خلل في النسيج الاجتماعي يهدد أسس العلاقات بين الناس وقد يدمّر حياتهم.

وإذا عدنا إلى العقود الخوالي وتلك الأزمنة التي كان يسودها الاستقرار الاجتماعي نظرا لبساطة الحياة، وعدم وجود الانفتاح الكلي على الإعلام والمؤثرات الفكرية والثقافية الأخرى، لوجدنا أن الزواج كان حالة طبيعية بين الشباب، وكان هنالك إقبال جيد وبنسبة عالية، ولا يوجد عزوف عن الزواج أو تخوّف منه كما يحدث اليوم بين شريحة الشباب.

شتان ما بين الأمس واليوم

كذلك كانت حالات الطلاق قليلة جدا قياسا للعدد الكبير والنسبة المخيفة لحالات الطلاق التي تحدث اليوم، وهي بأرقام مخيفة وهائلة، فسابقا كانت لا تتجاوز ثلاث حالات طلاق في مدينة كربلاء كلها مع قصباتها وأطرافها كافة، بينما اليوم هنالك مئات الحالات من الطلاق، وقد تصل إلى الآلاف، وهذه حالة ليست طبيعية ولا يصح قبولها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(كذلك كان زواج الشباب والشابات في تلك الحقبة الماضية لا يواجه ما يواجهه اليوم من مشاكل وصعوبات. ويخطر في بالي، أنّه كنت أدرس في إحدى المدارس، وكان أحد أهل العلم متصدّياً لأمر الطلاق بين الناس، وكان الناس في مدينة كربلاء وقراها وأريافها وأطرافها يراجعونه لأمر الطلاق. فكان الطلاق في كل شهر لا يتجاوز ثلاث حالات في كل محافظة كربلاء المقدّسة وحواليها وأطرافها).

لا يحدث الطلاق بعد سنة أو عشر سنوات، ولا بعد قضاء سنوات وبناء عائلة وما شابه، وإنما هناك حالات انفصال سريعة جدا، قد تحدث في الأيام الأولى لحالات الارتباط، وليس غريبا إذا قلنا في الساعات الأولى من نيّة الارتباط والزواج تحدث حالة الطلاق أو الانفصال، كأن يتم ذلك في الأيام الأولى من الخطوبة أو عقد القران بين الزوجين، وقد يحدث الانفصال في يوم الزواج نفسه!، لكن لماذا تحدث هذه الحالات بهذه الطريقة؟.

ما الأسباب التي تسرّع من حالات الانفصال، في حين كان الناس في السابق أكثر توزانا، ولا يتسرعون في حسم الأمور، خصوصا في القضايا المصيرية التي تتعلق بقضية الارتباط الزوجي المصيري، لابد من وجود جملة من الأسباب يجب البحث عنها ومعرفتها والمباشرة في معالجتها بطريقة ناجعة، حتى لا تتأصل وتستفحل وتفرض نفسها على المجتمع. 

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يشير إلى هذه الظاهرة فيقول:

(أما إحصائيات الطلاق اليوم قد فاقت حدّ حتى التصوّر واتّسعت دائرته بشكل رهيب، فالكثير من حالات الطلاق تقع اليوم في أيّام الخطوبة والعقد بل وحتى في مراسيم إجراء عقد الزواج!).

حالات الفساد الاجتماعي لا تتوقف عند ظاهرة الطلاق وحدها، بل تمتد إلى ظواهر أخرة مدمرة للمجتمع، ومنها حالات (الخطف، والقتل، والانتحار) التي تعاظمت وتصاعدت كثيرا في وقتنا الحالي، كل هذا يحدث ولم نرَ الجهود اللازمة في قضية التصدي والمعالجة والوقوف بالضد من هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة.

الجهات المعنية الحكومية لم تحرك ساكنا، كذلك الجهات المعنية الأهلية لم تبذل ما يكفي في هذا المجال، للكشف عن الأسباب، ومن ثم المبادرة بوضع الخطط والمعالجات التي تحد أو توقف هذه الظواهر عند حدها، فقضية الانتحار لا تزال يتردد صداها وأحداثها المتكررة في مناطق عديدة، خصوصا حالات انتحار الشباب والنساء أيضا.

المؤمنون ومواجهة التكثيف الإعلامي

علما أن حالات الانتحار تخلف آلاما وأحزانا لذوي المنتحرين، للأهل والأزواج وللأولاد ولغيرهم، هذا ما يتسبب به المنتحِر لذويه أو غيرهم، لذا من الواجب معرفة الأسباب، والمبادرة بشكل جاد لمعرفة الأسباب و وضع الحلول اللازمة للمعالجات الناجعة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(من جانب آخر، الإحصائيات الكثيرة لعمليات الخطف والقتل والانتحار ازدادت وبتصاعد في المجتمعات البشرية. فخلال ثلاثين سنة من وجودي في مدينة كربلاء المقدّسة لا أتذكّر وقوع حالة واحدة من الانتحار، ولكن نسمع في مجتمع اليوم دائماً انتحار فلان شخص وآخر وآخر، ويخلقون بانتحارهم ويسبّبون تبعات مؤلمة لوالديهم أو لنسائهم أو لأبنائهم أو لأزواجهم ويتأثّروا به).

من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية الكشف عن الأسباب، بعد أن يتم تأمل هذه الظواهر بعمق، وتتم قضية الرصد والمتابعة، وصولا إلى الأسباب، ومن ثم وضع المعالجات المطلوبة، التي يقدم فيها سماحة المرجع الشيرازي رؤيته ومعالجاته الواضحة.

فكما يؤكد سماحته أن هناك (سببين لانتشار الفساد في العالم)، ويضيف سماحته أيضا:

(يجب علينا أن نتأمّل: ما هو منشأ وعين هذا المقدار من الفساد والضلال في عالم اليوم؟).

 ثم يحدد سماحته سببين مباشرين علينا التصدي لهما وإبطال مفعولهما حتى يتخلص الناس من هذه الظواهر المدمرة للبنية الاجتماعية وللعلاقات الجيدة بين الناس.

هذا السببان المباشران اللذان يؤكد عليهما سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هما الإعلام المضاد ومحاولاته الكبيرة والمكثفة والمتواصلة لتدمير ونسف منظومة القيم عند الناس وخلق أجواء تساعد على الانفصال والانتحار وكل ظواهر الانحراف.

والسبب الثاني هناك تقصير من المؤمنين في مواجهة هذا السيل الإعلامي المكثف، وعدم التصدي له بأساليب إعلامية علمية قادرة على فضحه وإيقافه عند حده وعدم إلحاق الأذى بالناس عبر إفشاء الرذيلة والفساد وإشاعة الانحلال وحالات الطلاق والانتحار وسواها.

يعلن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هذه القضية بوضوح فيقول سماحته: (العامل الأساسي لهكذا وضع وحالة أمرين: الأول الإعلام المكلف بعشرات ومئات المليارات لأهل الباطل والضلالة، الذي يتم عبر القنوات الفضائية وعبر أجهزة الهاتف المحمول والعالم الافتراضي. والثاني التقصير والتهاون من المؤمنين والمؤمنات). 

هكذا يضع سماحة المرجع الشيرازي اصبعه على الجرح، ويحدد طبيعة هذه المشكلة، واسبابها، وكيفية المعالجة أيضا، ولهذا فإن المعنيين عليهم المبادرة بشكل سريع لإبداء المعالجات اللازمة لهذه الظواهر التي تزيد الفساد، وتضاعف من حالات الطلاق والانتحار، فالمطلوب بعد معرفة السباب وضع الخطط العملية القابلة للتطبيق والشروع الفوري بتنفيذها على الأرض.

اضف تعليق