q
النفس البشرية بحاجة دائمة الى الرافد المعنوي والملهم العبادي، فالصلاة والصوم وغيرها من العبادات كلها لها أثرها الكبير عليها، وترى الانسان غير الملتزم في حياته الاعتيادية، لا يعرف الاستقرار مطلقا، حياته عبارة عن دائرة عبثية دائمة، لا هدف يسعى للوصول اليه، ولا غاية يريد تحقيقها وكأنه أضاع البوصلة ولا يعرف اين الاتجاه الصحيح...

قلة ما تعطيك الحياة فرصة لتعويض ما فاتك وتعود الى ذاتك، لكن الله سبحانه وتعالى يعطي للبشرية فرصة سنوية يعودون فيها الى ذواتهم، ذلك عبر شهر رمضان المبارك الذي يعد الفرصة الحقيقة التي يجب استثمارها والعودة فيها الى الأركان المنسية في شخصية الانسان.

تشغلنا الحياة بمشاغلها وكثرة متطلباتها حتى نكاد ننسى ما يجب علينا عدم نسيانه، ولكل منا متاعبه التي ربما تشكل عائقا للالتفات الى متطلبات النفس والحاجة المعنوية للبناء الذاتي والفردي، فالأنسان مخلوق ومجبول على طاعة الله عز وجل، وقد نبه الخالق خلقه بهذه الحقيقة الصارخة حيث قال، ما خلت الجن والانس الا ليعبدون.

وهنا الآية الكريمة بينت الغرض الأساس من خلق الخليقة، لكن الانسان قد تناسى هذا الشيء بحكم انشغاله بالجوانب الحياتية أكثر منها في الأمور العبادية، فنراه يلهث وراء جمع المال والكسب المتواصل، دون التفكير بما قدمه لنفسه التي ستقف لتحاسبه امام رب عادل يوم الحساب.

نسبة كبيرة من الافراد يقضي ساعات طويلة في العمل الشاق والمؤذي في كثير من الأحيان، لكنه يغفل او يتغافل عن تأدية العبادات اليومية الواجبة، ولا يستقطع من الوقت الكبير بضع دقائق لكسب رضى الله أولا ورضى النفس ثانيا، فالأخيرة يمكن ان تحاسبه يوم الحساب بعدم اعطاءها حقوقها وسلبه منها ما يجب ان تتمتع فيه.

النفس البشرية بحاجة دائمة الى الرافد المعنوي والملهم العبادي، فالصلاة والصوم وغيرها من العبادات كلها لها أثرها الكبير عليها، وترى الانسان غير الملتزم في حياته الاعتيادية، لا يعرف الاستقرار مطلقا، حياته عبارة عن دائرة عبثية دائمة، لا هدف يسعى للوصول اليه، ولا غاية يريد تحقيقها وكأنه أضاع البوصلة ولا يعرف اين الاتجاه الصحيح.

بينما على الطرف النقيض من ذلك نجد الانسان المؤمن الذي عنده مخافة الله في السر والعلن، يسير وكأنه واثق من نفسه، يدرك ما يريد الوصول اليه، كل ذلك جاء بفضل نور الايمان الذي اضاء في قلبه طريق الهداية وجعله الطريق الوحيد الذي هون عليه مرارة عدم الالتزام وما رافقها من تصرفات سلبية تستحق الاستغفار.

لقد فتح شهر رمضان الكريم الباب على مصراعيه ليدخل الانسان في رحمة من الله ولطف كبير، ففي هذا الشهر يمكن يكون الفرد قد وضع اللبنة الأولى للبدء بحياة قائمة على العبادة والتقرب من الله جل جلاله، وهنالك الكثير من الأحاديث التي تؤكد عظمة هذا الشهر وإمكانية غفران الذنوب مهما صغرت او عظمت.

في كل سنة يقبل علينا الشهر الفضيل وكأن الدعوات الإلهية تتجدد للعبد الذي قضى غلب أيام السنة منعزل في عالمه الخاص، عالم قد يكون فيه الحصة الأكبر للمهام الدنيوية بعيدا عن الجوانب العبادية، اذ ينسى الانسان ما واجبه وما عليه فعله تجاه خالقه.

عادة ما يوجه الى الانسان دعوة من شخصية مرموقة، وكأن تكون الحضور الى مأدبة طعام، فنجد الشخص المدعو يضعها ضمن قائمة الأولويات، ويؤجل كل ما يمكن تأجيله حرصا منه على الحضور لهذه الوليمة التي تقربه من صاحبها زلفى، وتخلق نوع من الرضى عنه كونه لبى الدعوة ولم يتأخر في القدوم.

فكيف إذا كانت الدعوة من رب رحيم يريد لنا ان نتبع الخير في جميع خطواتنا، فهل يمكن ان نقارن بين الداعي الأول والثاني؟

بالتأكيد لا يمكن المقارنة في هذا الخصوص لكن جاء المثال لتقريب الصورة، وعلينا ان نجعل من شهر رمضان المبارك هو الموعد السنوي وتجديد العلاقة مع بارئ الكون، وهنا يتوجب علينا الاستعداد لما يرضيه، عبر تأدية العبادات والابتعاد عن المحرمات التي تؤخر رضاه عنا.

يُقال اغتنموا الفرص فأنها تمر مر السحاب، ومن هذا المنطلق يمكن ان نعد شهر رمضان فرصة لا يمكن ان ندعها تمر دون استثمارها خير استثمار، والاستثمار الحقيقي لهذا الشهر يكمن في مزاولة اعمال الخير بمجملها، والبذل من اجل ادخال الفرحة في نفوس الفقراء والايتام، الذين فقدوا مصدر الحنان والرعاية والاهتمام.

الرجوع الى الذات ضرورة حتمية في كل الشهور وجميع المواقف، لكن الغفلة التي نعيشها، يجب ان نبتعد عنها في الليالي الرمضانية، كونها الليالي التي تكثر فيها فرص قبول الدعاء وغفران الذنوب التي اخذت تثقل اكتفانا، وابعدتنا عن الجادة الصحيحة.

اضف تعليق