q

مفهوم الاخلاق – مدخل تعريفي:-

الاخلاق لغة:- هي السجية والطبع والدين، وهي صورة الانسان الباطنية، اما صورة الانسان الظاهرة فهي الخلق، لذلك كان من دعاء النبي – صلى الله عليه واله وسلم: (واهدني لاحسن الاخلاق، لا يهدي لاحسنها الا انت، واصرف عني سيئها، لايصرف عني سيئها الا انت)، ويوصف المرء بانه حسن الظاهر والباطن اذا كان حسن الخلق والخلق.

الاخلاق اصطلاحا:- عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الافعال بسهولة ويسر ومن غير حاجة الى فكر ولا روية، وهذه الهيئة اما ان تصدر عنها افعال محمودة، واما ان تصدر عنها افعال مذمومة، فان كانت الاولى، كان الخلق حسنا، وان كانت الثانية كان الخلق سيئا.

اهمية الاخلاق ومكانتها في الاسلام:- يمكن تبيين اهمية الاخلاق في الاسلام من عدة امور منها:

اولا: الدعوة للأخلاق: من خلال ما جاء به النبي – صلى الله عليه واله وسلم حيث قال: (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)

ثانيا:- تعظيم الاسلام لحسن الخلق: حيث قال صلى الله عليه واله وسلم: (ان احبكم الي، واقربكم مني في الاخرة مجلسا، احسنكم اخلاقا، وان ابغضكم الي وابعدكم مني في الاخرة اسوؤكم اخلاقا، الثرثارون والمتفيقهون والمتشدقون)

ثالثا:- انها اساس بقاء الامم: قول الشاعر

واذا اصيب القوم في اخلاقهم..........فأقم عليهم ماتما وعويلا

رابعا: انها من اسباب المودة، وانهاء العداوة: كقوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم)

خامسا:- الخلق افضل الجمالين: الجمال جمالان حسي يتمثل في الشكل والهيئة والزينة والمركب والجاه والمنصب، وجمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والادب، كما قال الشاعر:-

ليس الجمال بأثواب تزيننا..........ان الجمال جمال العلم والادب

رمزية الاخلاق وبناء المجتمع:- وفي الحديث عن الاخلاق كقيمة انسانية في الحياة ومكانتها من الرسالة الالهية، لابد من التطرق عن ما يفعله الانسان، وما يتعود عليه من سلوك يأتي على اثر بنيانه التربوي، وصياغته النفسية.

وقد اكد ذلك سماحة اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بقوله: الاخلاق تبدو لنا مفردة مجردة، تعتمد المعنى قبل الفعل، ولكنها في واقع الحال، تؤثر على الواقع المادي، كما تؤثر فيه العلوم، لهذا فان اكتساب الاخلاق والسعي الى درجة الاكتمال في هذا الجانب اصعب بكثير من اكتساب وفهم واتقان احد العلوم، والسبب يكمن في ان الاخلاق تدخل في بناء النفس، فيما تسهم العلوم في بناء عقل الانسان، والفارق بين بناء النفس وبناء العقل كبير من حيث الجهد المبذول في هذا المجال، ومن بداهة القول ان المجتمع اكثر حاجة للإنسان الخلوق المتزن، الانساني في افكاره وسلوكه، من الانسان الذي يتقن العلوم لكنه لايتقن السلوك الانساني.

التزام الفضائل الاخلاقية والعناية بها:-

في البدء يجب الاهتمام بتغيير النفس واصلاحها ومن اجل الدخول في المرحلة العملية للحياة وخصوصا ونحن معرضون لسيل من المفاسد اثرت فينا بطريقة او بأخرى، فهناك مجتمع فاسد، وتضليل اعلامي مركز، واحقاد، وطائفيات، وانانيات، ونحن ينبغي علينا ان نتجاوز هذه المفاسد بكل قوة، ولكي نربي انفسنا على اساس الفضيلة والتقوى، والمرحلة الاولى لسلوك هذا الخط، هي الابتداء والمبادرة الى التوبة لله عز وجل، وذكره بشكل دائم، والخشوع له، كما يقول سبحانه:

(انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون) والملاحظ استعمال صيغة الحصر في هذه الآية بكلمة (انما) دلالة على عظمة المؤمنين الذين تخشع قلوبهم بمجرد سماع آيات القران، فيؤنبون انفسهم.

من هذه الارضية المتماسكة والصلبة يمكن للمجتمع الاسلامي الفخر والاعتزاز وذلك عندما يكون كالجسد الواحد كما تعبر عن ذلك الآية الكريمة خير تعبير: (انما المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد)، هذا الجسد الواحد والتلاحم بالقيم الاخلاقية هو الذي يصنع التاريخ ويضمن المستقبل، وان الفرق بين الامة القوية والامة الضعيفة لا يكمن في المظهر، بل في العمق والجوهر، فالصفات المثلى التي تتحلى بها الامة المتحدية القوية تختلف عن تلك التي تتميز بها الامة الضعيفة، وبذلك نرى ما اكده اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بقوله: المستوى الذي يبلغه الاخلاقي يؤثر في اداء دوره في المجتمع، فقوله وفعله وسيرته وتاريخه يشجع الناس نحو الفضائل الاخلاقية والاجتناب عن رذائلها اذا كان هو من اهل الفضيلة، ولكن ان كان عكس ذلك فسيدفع الاخرين الى العكس ايضا. لذا لابد ان يدرب الانسان نفسه على انتهاج سبل الفضيلة، وكبح نوازع الرذيلة التي تدفع نحوها النفس طمعا او طلبا لتحقيق مارب لا مشروعة، ومن هنا ينبغي على من يسعى ان يجعل من الفضيلة شعارا في القول والفعل يطبقه في حياته العملية وسواها، والفرق بين الاخلاق والعلوم الاخرى، يكمن في صعوبته قياسا بها، فالرقي في الاخلاق اصعب منه في العلوم الاخرى وحيث ان الاخلاق تعني تهذيب النفس وبناءها، وقد قال بعض اهل الخبرة من الصعب ان يصبح المرء مجتهدا ولكن من الاصعب ان يصير انسانا.

العناصر الاخلاقية

وبذلك نفهم ان الاخلاق عناصر ذات قيم اخلاقية رفيعة منها:

1- العطاء:- ايتاء المال اما يكون على حب المال نفسه، واما على حب الله سبحانه وتعالى، فاذا قلنا على حبه للمال، فهذا يعني ان هذا الانسان المنفق ممن قال الله فيهم: (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة).

أي ان هذا الانسان مع احتياجه الى هذا المال الا انه يؤثر به الفقير ويعطيه المال رغم حبه واحتياجه اليه، واما على حب الله تعالى، فيعني ان لايكون عن رياء وان لايكون به منّ واذى، بحيث لاتعرف شماله ما اعطيت يمينه.

والقران يؤكد لنا في كثير من الآيات ضرورة العطاء لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، بمعنى ان الانسان لايجب ان يعطي فقط لمن يسأله من الاصناف الاخرى من المحتاجين، من هنا علينا الا ننتظر اليتيم فاقد الاب وليس له كفيل لكي يقف على بابنا للسؤال، ولا ننتظر اقاربنا ليأتي احدهم الى بيتنا فيريق ماء وجهه بين ايدينا، وكذلك المسكين الذي يحمل عنوانه معه، فالمسكين يعني من اسكنه الفقر فهو يجلس على التراب، وابن السبيل لا يسأل، فهو شخص عزيز في بلده يخرج ويأتي الى بلدك فينقطع به السبيل فيصبح لايملك شيئا (المهجرين من ديارهم خير سبيل على ذلك) فاذا جاءنا احد يسأل فلا يجب علينا ان نسأله هل انت يتيم حقا، هل انت مسكين او ابن السبيل، لان السائل الذي اراق ماء وجهه لنا يجب ان تعطيه، فهذه هي صفات المؤمن الحقيقي.

وعلى ضوء ذلك يقول اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): هل رأى العالم او قرأ او سمع نظاما اقتصاديا يستطيع ان يقتلع جذور الفقر عن الناس حتى يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الاسلامي وعرضها، ولو كان ذلك مسيحيا غير مسلم؟ وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي كهذا؟ والجواب على ذلك كله: النفي طبعا، فاليوم وقد بلغت الحضارات قمتها، والانظمة الاقتصادية ذروتها، لاتكاد تجد بلدا واحدا الا والفقر قد نشر اجنحته السوداء، والفقراء ملأوا الارض، والجوع والحرمان شملا الشرق والغرب والجنوب والشمال لذلك نلاحظ ان اغنى البلدان في العالم تنطوي على الفقر، ويوجد فيها فقراء، والسبب هو التطبيق الاقتصادي الخاطئ، ووضع الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع الواحد، اما الاسلام فهو يرفض الطبقية، ويدعو الى العطاء والمساواة في الفرص وغيرها.

2- الوفاء بالعهد:- ان الامة التي لاتعرف العهد، ولا تعرف اليمين والميثاق، وتجهل كلمة الشرف، هذه الامة تنهار بسهولة، يجب ان تكون لدى الامة ورجالها كلمة وثبات ووفاء بالكلمة والعهد، وهذا هو الذي يجعل الامة متماسكة ثابتة والتي يعتبرها القران من اخلاق وصفات المؤمن حيث جاء في قوله تعالى: (والموفون بعهدهم اذا عاهدوا).

وفي تاريخنا الكثير من مواقف الشرف والوفاء بالعهد والثبات عند الكلمة منها ان الطاغية الظالم (الحجاج) حكم يوما على شخص بالإعدام، فقال هذا الشخص للحجاج: امهلني سواد هذه الليلة لأذهب لعائلتي فأودعهم ومن ثم اعود، فقال له: او يعقل ان تعود الى الموت برجليك ! قال: نعم اعود، فطلب منه الحجاج ان يأتيه بمن يكفله حتى يعود، فلما نظر الرجل الى المجلس، قال: انا لا اعرف احدا، وهنا قام رجل وقال: يا امير انا اكفله، فقال له: ان لم يأت قتلتك مكانه، فقال الرجل: لاباس، ووافق الحجاج على كفالته، فذهب المحكوم على ان يأتي في اليوم التالي وفي وقت محدد كالظهر مثلا، ذهب الحجاج في اليوم التالي مع الكافل وجماعة من الناس والسياف الى باب مدينة الكوفة بانتظار عودة ذلك الرجل، ومع مرور الساعات الثقيلة اقترب الوقت من الظهر، واحمرت عينا الحجاج واخذ ينظر الى الكافل وهو يقول: ان ساعتك قد اقتربت وسيقطع رأسك الان، فقال له الرجل: انني مستعد ولكن اتعلم ان ذلك الرجل المحكوم هو رجل شريف ولديه كلمة شرف واخلاق، وبانه ات حتما قبيل اذان الظهر، وما هي الا لحظات واذا بغبرة من بعيد لم تنجل الا وبالرجل المحكوم واقف بكل اطمئنان امام الحجاج قائلا: ها انذا جئتك فانفذ فيّ امرك، فقال له: اوجئت الى الموت بقدميك ياهذا ! فقال له: انا اعطيت كلمة شرف اثبت عندها وافي بعهدي لكي لاينقطع الوفاء بين الناس، واما الكافل فقال: كفلته لشرف كلمته، ولكي لايقال بان الثقة فقدت بين الناس، فعفا الحجاج عنهما معا رغم طغيانه وظلمه.

وان كلمة الشرف هي قيمة الامة واخلاقها فلا ينبغي ان تكون كلماتنا رخيصة زائفة نطلقها بلا دراية والتزام، فمن يعطي كلمة يكون على قدر منها. وعلى ضوء ذلك يرى اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): الاخلاق عنصر جوهري في بناء الشخصية، ولا ينتمي الى المظاهر القشرية، ولهذا تبقى الاخلاق ناقصة، اذا لم تتحول الى فعل قائم، وشاخص في الميدان الذي يتحرك وينشط فيه الانسان، من هنا تتسم الاخلاق، وقضية تحصيلها، والتميز بها بالتأني، بسبب العمق السحيق الذي يميزها، وهذا القول او الرأي، يدعم اصطفاف الاخلاق الى الجوهر الانساني قبل شكله.

ويسبب صعوبة تحقيق التكامل الاخلاقي في شخصية الانسان، فانه قد يصل الى حالة من اليأس، والذي يقوده الى التراجع عن دوره الانساني في الحياة، فالأخلاق منظومة ترفع الانسان وتسمو بنفسه، الى مافوق الانسان المتعارف عليه في المجتمع، حيث يتنزه الانسان المتسم بالأخلاق، عن الصغائر، والغرائز، والنوازع التي غالبا تحاول ان تحط من قيمة الانسان، كقيمة فكرية، سلوكية، عليا بين الكائنات، التي تتخذ من المعمورة مأوى لها، فسماحته يؤمن ويحث الاخرين على اهمية الغذاء الروحي قبل الجسدي، كون الغذاء الروحي يسمو بالروح الى مراتب عالية، تجعل من صاحبها، او حاملها، نموذجا مشعا على الاخرين، بأخلاقه التي تتمخض عن سلوكيات وافكار، تصنع الفرد والمجتمع النموذجي حيث يقول (دام ظله): علينا بعلم الاخلاق فليست اخلاق الاسلام وادبه كلها مستحبات ومكروهات فقط، بل ان فيها الواجبات والمحرمات ايضا.

وهذا يعني بان الانسان المسلم لكي يمنح احقية الانتماء للإسلام، شكلا وجوهرا، عليه ان يهتم، ويتواصل، ويتعاطى، مع علم الاخلاق، ليس في جانبه الاعتباري، او العلمي فحسب، بل لابد ان يتحول هذا العلم والمحتوى، الى تطبيق علمي شاخص، في ميدان العلاقات الانسانية الواسعة، والمتعددة الجوانب، مع عموم افراد المجتمع، وجماعاته المختلفة، لذلك لاينبغي قط ان ننظر او نتعامل مع الاخلاق، على انها جانب شكلي، او مكمل (فحسب) تتصنعه لوقت محدود، ويقول (دام ظله): اذا حصل الانسان على ملكة حب الخير في كل ابعاده، شعر باللذة، وبدأ يلمس نتيجة اتعابه في مجال الاخلاق والفضائل.

3- الصبر:- هو من الاسس الاخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن، فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الاذى والحلم، والاناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.

ويدعى الانسان دائما بحمل صفة الصبر مادام في رخاء ونعمة، فهو صابر مع وجود الطعام والبيت الواسع والفراش الوفير والامن والصحة، ولكنه من اول مشكلة تراه ينقلب ويجزع، ان الصابرين هم من يصفهم القران الكريم بقوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس)، ففي الادعاء ترى الكثير من الناس معك، ولكن عندما تحدث المشكلة تراهم قد انهزموا، ويفر كل شخص الى ناحية ويعطي تبريره، بل وحتى لايكلف نفسه ليقول لك الوداع، او يسلم عليك بعد ذلك.

ان الانسان عموما اذا امتحنته عند الشدائد، ترى لديه التقوى، وجوهر التقوى ورأس الايمان ان يكون لدى الانسان الصفات المثلى (الاخلاق) كالصبر والعهد وكلمة الشرف والعطاء... ومجتمعنا الحاضر بحاجة ماسة لهذه الصفات الاخلاقية.

وعندما اتينا على ذكر الصفات الاخلاقية فلا بد من الاشارة الى ما يفسد هذه الصفات ويأتي التشاؤم والنظرة السلبية في المقدمة، ولاننا نضع نظارة سوداء على اعيننا، فاننا لانرى في هذا العالم سوى السواد، ولا نرى في الناس خيرا بل كلهم في شر، فهل رأينا انفسنا في المرآة يوما؟ وهل نعرف انفسنا لنزكيها؟ وهل حاسبنا انفسنا اولا قبل ان نحاسب الاخرين؟ فأننا مثلهم ايضا، نصفنا شيطان ونصفنا ملائكة، ففي ساعة نصبح في حالة من الذكر والبكاء والخشوع....، وفي ساعة اخرى ننجرف مع الشهوات... واننا وجميع البشر هكذا، فلماذا نخادع انفسنا، حين نرى احد غيرنا يخطئ ان نقول بانه قد اصبح شيطانا، فانه بشر يخطئ ويصيب خلال عمره، ونحن مثله ايضا.

الاخلاق تقود العالم اجمع الى مرفأ الامان:- يرى اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في هذا المجال من خلال ما يراه من تهذيب النفوس حاجة ملحة ومطلوبة سواء على مستوى الافراد او الجماعات، ولعل الاخلاق هي الطريق الاصوب والاقرب لتحقيق هذا الهدف، لذلك ليس غريبا ان يقول الرسول الاعظم – صلى الله عليه واله وسلم – في حديث شريف: (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)، وليس غريبا ان يضع الرسول – صلى الله عليه واله وسلم – هذه القيمة الكبرى للأخلاق، ففي القوة الرادعة لأهواء النفس وهي قاعدة الضوابط التي تحكم سلوك الانسان ونواياه تجاه الاخرين، لهذا لابد من ان يتدرب ويتمرن الانسان على ترويض النفس والتحكم بها بأخلاقه الرفيعة، ويقول (دام ظله): ان المرء في أي مجال كان وفي أي بلد وفي أي مرتبة فهو مردد بين الخير والشر، اذ ان في الانسان دافعا الى الخير وهو العقل ودافعا نحو الشر وهي النفس الامارة بالسوء، فاذا كان المرء حسن الخلق فان دافع الخير عنده يغلب دافع الشر وسيكون نصيبه الدنيا والاخرة، بخلاف سيئ الخلق فهو لادنيا له ولا اخرة.

ولعلنا نتفق على ان الاخلاق السامية تمنح الانسان قدرة كبيرة على التسامح ومعاملة الاخر وفقا لقيمته العالية وكرامته الانسانية التي ينبغي على الجميع ان يحافظ عليها، لهذا حين يتحلى الانسان بالأخلاق الحقيقية القادرة على صيانة افعاله ونواياه، فانه سيتميز بالصفات العظيمة التي تجعله اشد ايمانا بحق الاخرين بالحياة الحرة الكريمة الامنة، فحسن الخلق هو ان تكون صادقا في الكلام، صابرا عند المكاره، تلقى الناس دائما ببشر الوجه وطلاقته، وان تحلم عمن يسيئ اليك، والى غير ذلك من محاسن الاخلاق.

ولذا يتطلب الامر ان يرتقي الانسان بنفسه، وان ينحو صعوبة تهذيب الذات وتشذيبها من المساوئ أيا كان نوعها او مصدرها، وطالما كان الصراع بين الانسان ونفسه، فانه صراع ينطوي على صعوبات جمة، وعلى وفق ما تقدم يرى ايضا اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): ان الارتقاء في الاخلاق والفضائل اصعب من الاجتهاد في الفقه، وان ثمرته ونتيجته ابعد منالا واعسر حصولا من الفقه، وان رمزية الاخلاق لاتعني ان يتصنع الانسان سلوكه مع الاخرين، بل لابد ان تكون الاخلاق متأصلة في ذاته ونابعة منها، اما التصنع فهو مكشوف ولا يصمد طويلا، حيث ينكشف الوجه الحقيقي للإنسان، بعيدا عن غطاء التصنع، حيث المرء لا يلمس نتيجة سعيه الا عندما يصبح ذا قلب سليم وتصبح الاخلاق والفضائل ملكات لديه، عندها يشعر بلذة الاخلاق والوصول الى مراتبها العالية، وعندها يعرف قيمة ترويض النفس ومخالفة الشهوات.

وعلى وفق ذلك اقول: ان الاخلاق متجذرة عند الانسان بعدة مستويات تارة من خلال تربية الام والاب لطفلهما وما يتأتى من هذه التربية من قيم اخلاقية وغرسها لدى الطفل وصقلها حيث يقع العاتق الاكبر على الام وكما قال الشاعر:-

الام مدرسة ان اعددتها..........اعددت شعبا طيب الاعراق

وتارة اخرى تكون القيم الاخلاقية مغروسة اصلا في ذات الانسان (اللاشعور) وكما نعرف ما يوجد عند الانسان من ثنائية الخير والشر فان طغى الخير على الشر اصبحت القيم الاخلاقية طاغية على الانسان مما يطلق عليه بـ (حسن الخلق) واذا كان العكس من ذلك يطلق عليه بـ (سيئ الخلق)، وبهذا ان الوعي الاخلاقي متجذر في طبيعة الانسان ذاتها، أي الوعي الاخلاقي يوجد في الفطرة والغريزة، ومن ثم فان الانسان يتجه طبيعيا الى قبول الخير ورفض الشر وكما قال الشاعر:

الخير في الناس مصنوع اذا جبروا..........والشر في الناس لايغنى وان قبروا

وقول الشاعر ايضا:-

هي الاخلاق تنبت كالنبات..........اذا سقيت بماء المكرمات

وتارة اخرى ايضا نجد ذلك من خلال المجتمع والمحيط الاجتماعي واشكال الثقافة في توجيه وتقنين السلوك الفردي، فالإنسان فرد في المجتمع يتأثر به ويؤثر فيه، يأخذ عنه قيمته وتصوراته الاخلاقية، وقد يكون وعيه الاخلاقي مجرد صدى للوعي الجماعي، ومن ثم فان المجتمع هو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها.

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين...

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

.....................................
المصادر والمراجع
القران الكريم
الاخلاق: احمد امين، دار الكتب المصرية، مصر، 1931 م
الاخلاق الاسلامية واسسها: عبد الرحمن حبنكة الميداني، مكتبة الابداع، القاهرة – مصر، 2008 م.
بحار الانوار: محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت – لبنان، 1305 هـ.
حديث ايوب السختياني: ايوب السختياني، مكتبة الابداع، القاهرة - مصر، 1418 هـ 1998 م.
ديوان احمد شوقي (الشوقيات): احمد شوقي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2009 م.
ديوان الامام علي بن ابي طالب – عليه السلام:- علي بن ابي طالب (ع)، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، دار ابن زيدون، لبنان، (د- ت).
ديوان حافظ ابراهيم: حافظ ابراهيم، دار العودة، بيروت – لبنان، 1996 م.
ديوان معروف الرصافي: معروف عبد الغني الرصافي، شرح وتصحيح: احمد السقا، دار الفكر العربي، بيروت – لبنان،، ط4، 1953 م.
العقد الفريد: احمد بن محمد بن عبد ربه الاندلسي، تحقيق: مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1404 هـ - 1983 م.
القبسات: اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) مؤسسة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم الثقافية، قم المقدسة – ايران، ط1، 1434 هـ.
لسان العرب: محمد بن مكرم بن علي – ابو الفضل – جمال الدين ابن منظور الانصاري، دار صادر، بيروت – لبنان، ط3، 1414 هـ.
مؤلفات جبران خليل جبران (العربية): جبران خليل جبران، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، ط1، 1428 هـ 2007 م.
مرأة العقول في شرح اخبار ال الرسول: محمد باقر المجلس، تصحيح وتحقيق: السيد هاشم المحلاتي واخرون، دار الكتب الاسلامية، طهران – ايران، (د- ت).

اضف تعليق


التعليقات

شيعي
وبكل فخر العراق
وفقكم الله2017-02-18