q
ناقش مركز المستقبل عنوان (مستقبل الحكم في العراق مابين الاغلبية والتوافقية.. رؤية في الآثار والنتائج المحتملة)، يتصور البعض ان حكومة الاغلبية هي الباب الذي قد ندخل منه الى اصلاح حقيقي شامل، ومن اهم سلبيات نظام التوافقية هي غياب المعارضة البرلمانية، وكما انه في حال استمراره يستمر معه الفساد...
تحرير: عمر الصالحي

ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (مستقبل الحكم في العراق مابين الاغلبية والتوافقية.. رؤية في الآثار والنتائج المحتملة)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الدكتور قحطان حسين طاهر أستاذ جامعي وباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:

"تقترب نتائج الانتخابات العراقية من ساعة الحسم النهائي بعد ارسال مفوضية الانتخابات قوائم الفائزين الى المحكمة الاتحادية لغرض المصادقة عليها، في ظل أجواء ما زالت ملبدة بغيوم الخلاف الحاد بين الاضداد داخل المكون الشيعي حول شكل الحكومة، حيث يتبنى التيار الصدري مشروع حكومة الاغلبية في حين يصرّ الاطار التنسيقي على موقفه المتمثل بالتشكيك بنتائج الانتخابات بموازاة الدعوة الى حكومة توافقية تضمن لأعضائه الحفاظ على موطئ قدم في الحكومة القادمة، وفي ظل هذا الشدّ والجذب تبقى الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات، فحكومة الاغلبية غير مستبعدة وفي نفس الوقت من الممكن حصول تفاهمات بين الاطراف بشأن تشكيل حكومة توافقية ضمن شروط معينة.

ولابد من بيان حقيقة ان سنة ٢٠٠٣ تشكل مرحلة مهمة في تاريخ العراق السياسي كونها انتقلت بالعراق من حكم ديكتاتوري مستبد الى حكم اخر جديد، وتأسس على ما يفترض انه نظام ديمقراطي مقتبس من انظمة اخرى تختلف مع العراق في كثير من الخصوصيات والسمات والخصائص، وقد اسس نظام الحكم البرلماني القائم على اساس التوافقية كمحاولة لتضمين كل المكونات في العراق وتبديد مخاوفهم من استئثار مكون معين بالسلطة، وبالتالي العودة للتاريخ السابق من استبداد مكون وتهميش المكونات الاخرى، واستمر حكم النظام التوافقي لأربع دورات برلمانية ويبدو ان تجربة النظام التوافقي في العراق لم تنجح ذلك النجاح المنشود لأنها اسست وادت الى نتائج غاية في الخطورة والسلبية منها الفساد وايجاد مبررات لإحداث انقسامات سياسية واجتماعية وعرقية ومذهبية وحتى عشائرية على مستوى الوطن الواحد، النظام التوافقي ادى لأخطاء تراكمت هذه الاخطاء لما يقارب ١٦ سنة او اكثر وهذه الاخطاء وصلت الى ذروتها بحيث خلقت لدينا اجيال معدمة ومحرومة وفئات من الشباب تشعر بانها مجهولة المستقبل وان مستقبلها مهدد بالضياع وبالتالي ادت الى ثورة جماهيرية وانتفاضة في عام ٢٠١٩ م.

وهذه الانتفاضة كانت من القوة بحيث اجبرت الجهات السياسية الحاكمة الى اعادة لملمة الاوضاع والحفاظ على ما تبقى من اركان النظام السياسي واستطاعت ان تتوافق فيما بينها لإجراء بعض التعديلات واهم هذه التعديلات هي التي حصلت في النظام الانتخابي، واستبشرت الجماهير بأن المستقبل سوف يشهد انتخابات حقيقية ممكن ان تبرز حكومة بثوب جديد بآلية لتشكيل حكومة جديدة وجاءت نتائج الانتخابات متوافقة مع تطلعات البعض وفي نفس الوقت تعتبر مخيبة لأمال البعض الاخر، فالانتخابات الاخيرة ايضاً تعد مفصل مهم في تاريخ العراق السياسي لان الدعوات وبرامج الاصلاح والمشاريع الداعية لإلغاء النظام التوافقي الذي يعتبره الكثير انه اس البلاء في العراق بدأت تتصاعد وتفرض وجودها ويعلو صوتها بشكل واضح، لكن هذا الاختلاف بالآراء بين الاطراف السياسية بين جهة تتبنى مشروع الاغلبية الوطنية وجهة تدعو الى الاستمرار في النظام التوافقي، لكن لحد الان لم تتضح صورة المستقبل القريب وكلا المشروعين لم يتم تأسيسه بشكل نهائي والقبول به وفرضه كأمر واقع كخيار لا بديل له، وبالتالي كلا الاحتمالين قائمين وقد نشهد مفاجئات في اللحظة الاخيرة نحو توافق معين وقد يستمر مشروع الاصلاح في نهاية الطريق ويتحقق ليشكل نقله نوعية في تطورات النظام السياسي في العراق.

لكن مشاريع الاصلاح للنظام السياسي في حقيقة الامر تواجه تحديات كثيرة ومن اهم التحديات هو الصراع الذي يؤطر المشهد السياسي بين الفائزين في الانتخابات ومن خسروا ثقلهم السياسي، وهذا الصراع يتمحور في آلية تشكيل الحكومة المقبلة، وفي كل المكونات لدينا كتل سياسية منقسمة على نفسها منها ما يدعو الى نظام اغلبية ومنها ما يدعو الى نظام التوافق وكل منها ينطلق من رؤيا ومصلحة خاصة به، وان المشهد لم يتبلور ولم يتضح.

وهناك محاولات لاستغلال الثغرة الدستورية فيما يخص الكتلة الاكبر وتشكيل مقاعد تفوق اعلى الكتل الفائزة في الانتخابات وهي الكتلة الصدرية، وهناك احتمالين اما تتحق الدعوى نحو حكومة اغلبية سواء كانت اغلبية سياسية او اغلبية وطنية واما العودة من جديد للنظام التوافقي، ولا شك ان كلا الخيارين ينضوي على ايجابيات وسلبيات، ويتصور البعض ان حكومة الاغلبية هي الباب الذي قد ندخل منه الى اصلاح حقيقي شامل لكن هذه الرؤيا يشوبها نوع من عدم التكامل لان نظام الاغلبية يواجهه تحديات كثيرة، واما النظام التوافقي اذا رجحت كفته وحصلت تفاهمات في اللحظات الاخيرة فان نظام التوافق فيه ايجابيات وان كانت محدودة وفيه سلبيات، ومن اهم سلبيات نظام التوافقية هي غياب المعارضة البرلمانية، وكما انه في حال استمراره يستمر معه الفساد في مؤسسات الدولة كون الحكومات ستكون ضعيفة وغير قادرة على محاسبة الاشخاص والمسؤولين الذين هم مدعومون من جهات سياسية فاعلة ومشتركة في الحكومة، وكذلك من سلبيات النظام التوافقي ان من يشترك في الحكومة يلقي باللائمة على الغير بالأخطاء والتقصير ويحاول ان يدرأ المسؤولية او التهمة عن نفسه وبالتالي تغييب الجهة التي تتحمل المسؤولية عن اي اخفاق او فشل في اداء الحكومة، اما ايجابيات التوافقية فهي ان النظام التوافقي يحقق نوع من الاستقرار السياسي نتيجة لمشاركة الجميع وقناعتهم بان لديهم نفوذ وحصص بالسلطة، وكذلك تمثيل جميع المكونات من خلال المشاركة بالحكومة والسلطة.

اما فيما يخص نظام الاغلبية فأهم سلبياتها انها قد تأسس لهيمنة واستئثار طرف سياسي في الحكم على جميع السلطات والمناصب بما فيها السلطة القضائية والشرعية وبالتالي سيكون قادراً على اصدار التشريعات التي تخدم حركته السياسية ويسعى من خلال هذا التعديل تهميش الاطراف السياسية المناوئة له، ومن سلبياته ايضاً تهميش الاقليات وحرمانها من المشاركة في الحكم سواء كانت اقلية سياسية او عرقية او قومية او مذهبية، ولكن لابد من تجربة هذا النظام بخلاف النظام السابق لخلق حكومة قوية منسجمة من توجه سياسي واحد او متقارب، وسوف يؤسس مراقبة برلمانية تؤسس وتراقب عمل الحكومة لأنها غير مشاركة في الحكومة وتعمل على تعديل عمل الحكومة، بالنتيجة يبقى كلا الخيارين قائمين ولا نستبعد تطبيق او قيام حكومة اغلبية، وقد نشاهد تطور الامور السياسية والوصول الى اتفاق عام شامل يضم كل الاطراف في الحكومة المقبلة".

ولإغناء الموضوع بالأفكار والآراء الموضوعية نتقدم بالسؤالين الآتيين:

السؤال الأول/ هل ستتشكل الحكومة القادمة وفق نظام الاغلبية أم ستكون حكومة توافقية كسابقاتها؟

السؤال الثاني/ ما اهم الفرص والتحديات التي ستواجه الحكومة القادمة سواء كانت حكومة أغلبية أو حكومة توافقية؟

المداخلات

الحكم الائتلافي بين المكونات المتباينة

الدكتور محمد مسلم الحسيني:

"في ناموس الديمقراطيات في العالم تستلم الكتلة الفائزة بأكثر الأصوات الحكم في البلاد ويبقى الآخرون في صفوف المعارضة، يراقبون سلوك الحكومة وينقدوها وينتقدوها طول مسار حكمها، كي يطلع الشعب على الصالح والطالح في سلوكياتها ابان حكمها، في حالات استثنائية خاصة وبسبب خلل يحصل داخل الحكومة أو لظرف خاص طارئ تمر به البلاد قد يتم التوافق بين الكتلة الحاكمة والمعارضة على حكم البلاد سوية لاجتياز محنة أو أزمة تمر بها البلاد، غير أن العراق الديمقراطي ومنذ ولادة الديمقراطية فيه نشأ اصلا على أساس الحكم الائتلافي بين المكونات المتباينة بسبب العرق أو الطائفة، حتى الطائفة الواحدة أو العرق الواحد تأبى القوى السياسية فيه أن تبقى في خانة المعارضة بل تسعى ومنذ البداية إلى المشاركة المباشرة في الحكم، وهكذا بقى الحكم توافقيا في العراق بشكل مستمر، وانعدام وجود معارضة خارج السلطة تعني انعدام مبدأ المنافسة في كسب رضا الشعب حيث يختلط الحابل بالنابل ويضيع العصفور وخيطه ويفقد المواطن صفة التمييز والخيار بين المصلح والمخرب، هذا الواقع أدى إلى عزوف المواطن عن المشاركة في الانتخابات إذ لا يرى جدوى من الانتخابات إن يبقي الجميع في مقاعدهم وامكانيات التغيير تكاد تكون معدومة، اعتمادا على هذه الحقيقة فاحتمالية نجاح الكتلة الاكبر في إقامة حكومة اغلبية لا تشارك القوى السياسية الأخرى فيها ضعيفا للأسباب التالية:

اولا: أن القوى السياسية غير المنتخبة سترفض الولوج في ساحة المعارضة بمبررات واعذار وتبقى مصرة على المشاركة بالحكم وربما ستبقى تعترض حد التمرد، ثانيا: الضغوط الخارجية المتمثلة بحكومات دول الجوار والدول الإقليمية والدولية المؤثرة ستقول كلمتها ايضا وستؤثر على القوى السياسية المرتبطة بها مما يصعد حدة الخلاف ودرجة الاصرار بالتشبث موطئ قدم في ساحة الحكم، ثالثا: الضغوط والمؤثرات الداخلية باختلاف درجاتها وأنواعها بنفوذها الديني والمسلح ستؤثر أيضا في جعل الحكم توافقي بين الأطراف. ومهما يكن من أمر فسواء صار الحكم في العراق توافقيا او على طراز حكم الأغلبية فستبقى معاناة العراقيين واحدة لأن هذه الحكومات لن تعالج جوهر العلة وأسبابها فالجميع مهتم بمكاسب الحكم وعطاياه وليس بمكاسب الشعب وإرادته".

تعاظم الفساد والمحسوبية

الدكتور اسعد كاظم شبيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة:

"بعد سنوات من ازمة الحكم وتعثر الديمقراطية تسعى بعض القوى السياسية في العراق إلى طرح خيارين الاول فريق يحكم والآخر فريق في المعارضة وفق ما يعرف بمبدأ الاغلبية السياسية من هنا هذه الأطروحة لا تنسجم واهداف القوى السياسية التقليدية بكتلها ومكوناتها إلى الاستمرار بالحكم وفق طريق التوافق او التقاسم وكل يكون في ركب السلطة من اجل الاستفادة من مغانمها لذا فان خيار تحقيق حكومة الأغلبية السياسية يواجه تحدي الرفض من قبل أغلب الكتل السياسية وان إمكانية تطبيقها على الأغلب مستبعد صحيح ان التيار الصدري مصر على العمل بها في تشكيل الحكومة الجديدة لكن هناك معادلات سياسية وإقليمية من الصعب تجاهلها ومنها التهديد بالتصعيد من قبل ما يعرف بالاطار التنسيقي في حال فرض معادلة جديدة تبعدهم عن مواقع التأثير السياسي والحكومي والشعبي وحتى الأمني. وهذا تحدي اخر يواجهه تطبيق حكومة الأغلبية السياسية، في حين أن الخيار الاستمرار بتطبيق حكومة التوافق السياسي التي ترحب بها اغلب القوى في مقدمتها القوى السياسية الكردية والسنية هي معروفة النتائج وتدوير الفشل والاستمرار بمشاكل الدولة وتعاظم الفساد والمحسوبية على حساب بناء الدولة والنهوض بنظامها السياسي".

معطيات التوافقية والاغلبية

الباحث حسن كاظم السباعي:

"لا توجد أية معطيات تدل على أن هنالك فرق جذري بين نظامي الحكومة؛ "توافقيًا كان أم بالأغلبية"، إلا ان نظام الأغلبية باعتباره ظاهرة جديدة سيواجه حتمًا مزيدًا من التحديات والفرص فلو استطاع استثمارها والاستفادة من التاريخ والعبر فإنه سيصل إلى نتائج مطلوبة، وأهم فرصة على الأقل؛ هي إتمام الحجة فلا يأتي يوم ويقولوا إنا كنا عن هذا غافلين؛ أي لو أعطيت لنا الفرصة لكنا صنعنا كذا وكذا، وعليه فليجرب التيار الصدري حظه في الحكم ليعرف مدى صدقه ومصداقيته باعتبار أن لديه حكومة الأغلبية، أما التحديات فلا شك أنَّ الجهات التي فقدت مواقعها سوف لن تبقى مكتوفة الأيدي وستصنع العراقيل أو الأزمات للحؤول دون نجاح الحكومة المرتقبة، وعلى الصدر وأتباعه إعمال الحنكة، وأيضا سيتحتم على التيار الحاكم أن يقوم بتثقيف ذاتي، وعدم تكرار الأساليب الخاطئة التي أنتجتها الحالة الشعوبية كمنح القداسة للقائد وغيرها، وما لم يكن رادع أو وازع قد تزيد حين الجلوس على مقاعد الحكم، ومن أجل الوصول إلى الهدف والتغلب على الصعوبات واستبدالها بمفاهيم حضارية كاللاعنف واحترام الرأي الآخر مع العدل والاخاء والمساواة وذلك سيحتاج لمزيد من التربية المعنوية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والكثير من الأولويات التي يفتقدها التيار المذكور.

تغيير كبير بسبب دور الرقابة الكبير

محمد علاء الصافي، باحث في مركز الشيرازي للدراسات والبحوث:

ان التجربة العراقية هي نشأت من باب التوافقات حتى نرى ان كل الكتل السياسية عن وجود حصص، وان الانتخابات الاخيرة شهدت تغييرا كبيرا بسبب دور الرقابة الكبير وتغيير قانون الانتخابات على خلاف الدورات السابقة، وتتحدث الكتل في الدورات السابقة عن عدد المقاعد بالنسبة لكل مكون وان لكل مكون عدد ثابت من المقاعد يتحكم من خلاله بالعملية السياسية، ولكن بالمرحلة الحالية يتم الحديث عن حكومة اغلبية وطنية ولكنها توافقية من نوع اخر، بالنتيجة تعطي للأحزاب غير الفائزة الحق بتشكيل الحكومة والاشتراك فيها رغم ان قانون الانتخابات الجديد يعطي الحق للكتلة الفائزة الحق بتشكيل الحكومة.

وضع العراق غير العقلاني

عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

بلا شك ان الكل متفق ان الوضع الموجود بالعراق هو وضع غير عقلاني وغير طبيعي منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم في وضع غير عادي، ولن نستطيع القول انها دولة في المعنى الحقيقي او فوضى في المعنى الحقيقي ونرى الدولة كل يوم في شكل معين في حالة من التخبط الواسع جدا، ولابد من نهاية لهذه الفوضى ولا يمكن الاستمرار في هذا الوضع لسببين الاول ان الدول الاقليمية والعالمية مستحيل ان تبقي بؤر الفساد والفوضى في مكان ما لفترة من الزمن ولا تتركها لما لا نهاية، والسبب الثاني ان لكل مرحلة من مراحل التاريخ في كل دولة مرحلة من مراحل الفوضى تنتهي بمرور الزمن، والوضع العراقي وضع غير اعتيادي ولم يعش حالة من الاستقرار، ودائما مايتم النظر بعد الانتخابات في قضية الحلول للحكومة ونأتي بمعالجات تخلق لنا مشاكل استراتيجية وبعد كل انتخابات تحدث لدينا ازمة ويجدون لها حلول ترقيعية والتي تنتج مشاكل مستقبلية كبيرة وتبقى متراكمة، وان الحكومة القادمة سواء كانت اغلبية ام توافقية فهي لن تستمر طويلا لان التوافقية لن تقدم شيء وسوف نرجع لنفس الفوضى والفساد والانحدار في المستوى السياسي والاداري، واذا كانت حكومة اغلبية فإن المتضرر من حكومة الاغلبية سوف لن يسكت لأنه سيشعر بخروجه من حلبة السباق ويذهب نحو المحاكمة.

المحاصصة التطبيق الاسوء للديمقراطية التوافقية

الشيخ مرتضى معاش:

الديمقراطية التوافقية ليست سيئة بشكل مطلق لأنه لا يمكن تشكيل حكومة ائتلافية الا عبر توافق مجموعة احزاب لتشكيل الحكومة، وهو امر منبثق من نفس الديمقراطية وليس خارجها، ولكن من المفترض ان هذه الاحزاب تكون حقيقية ولها قواعد حقيقية وامتداد اجتماعي ولها برامج حقيقية، فتأتلف فيما بينها سواء كانت يمينا او يسارا حتى تستطيع تحقيق حكومة قوية متماسكة تحصل على تصويت البرلمان، ولكن ما يحصل في العراق ليس ديمقراطية توافقية بل هي محاصصة قائمة على تقسيم الغنائم بحيث ان كل حزب او جماعة تحصل على وزارة تعمل خارج اطار الحكومة، وان المحاصصة هي التطبيق الاسوء للديمقراطية التوافقية، والا فان الديمقراطية التوافقية موجودة في كثير من البلدان الديمقراطية مثل ايطاليا والمانيا، اما في العراق فطريق المحاصصة ادى الى مرض النظام السياسي وبالتالي غياب الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وانسداد آفاق التغيير.

والسؤال هنا لماذا تنهار بعض الدول والامم؟ والسبب في ذلك لأنها تريد ان تبقى على ما مضى وتبقي الواقع الموجود مجمداً وهذا شيء مستحيل لان حركة التطور مستمرة نحو الامام ولا يمكن الابقاء على ما مضى، لان الكبت والخنق الحاصل من الانسداد سيؤدي الى انفجار كبير، فمثلا المحاصصة في لبنان حيث تصر القوى المكوناتية على البقاء على نفس الوتيرة حتى وصلوا الى طريق مسدود ومستقبل مجهول. وفي العراق اذا ما اصرت الكتل السياسية الابقاء على ما مضى بقوة التهديد وقسرية السلاح فان العراق سوف يدخل في نفق مسدود ليس فيه مخرج، والسياسي الذكي هو الذي تكون لديه مرونة مع المتغيرات التي قد تحصل في الساحة حتى يستطيع ان يتأقلم ويكون من الناجين وقادرا على الدخول في تجارب جديدة تؤدي الى اعادة ترميم النظام واصلاحه وعلاج الامراض المستحكمة فيه، ولكن المحاصصة تمنع التغيير وتقف امام تطور النظام السياسي وتعزز حالة الفساد والعسكرة وتعزز اليأس الشعبي، واليأس الشعبي يؤدي الى انعزال الناس عن المشاركة. والمحاصصة تمنع الاستثمار والتنمية فهي عملية استنزاف كاملة لقدرات البلاد ومواردها، وتكدس السلبيات وتمنع نمو الإيجابيات.

اما الاغلبية (ان أحسن تطبيقها) فإنها تعزز المعارضة وتدخل في طريق مفتوح يستطيع الانسان السير فيه ويرى نقطة ضوء في آخر النفق لان المعارضة سوف تحقق الانتقال السلمي للسلطة وتفتح باب الاصلاح وتضخ النظام السياسي بدماء جديدة.

كما ان المعادلة الدولية والاقليمية والمحلية وافرازات القانون الانتخابي الجديد قد تؤدي الى تحقيق حكم الأغلبية في الحكومة القادمة في العراق لان اي رجوع الى نظام المحاصصة سوف يؤدي الى اختلالات اقليمية ودولية ومحلية، وهذا امر قد يدركه بعض صناع القرار اذا ما ارادوا الخروج من عنق الزجاجة، لكن التوافق سيكون حاضرا داخل الاغلبية ولكن لن تكون هناك محاصصة بالطريقة السابقة.

العراق يتجه نحو حكومة اغلبية

حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

بناء على اللقاء الذي حدث من قبل المستقلين مع السيد مقتدى الصدر من خلاله نستطيع ان نستشف إذا كانت الحكومة القادمة توافقية او اغلبية، خصوصاً ان السيد ذكر انه متجه نحو الاغلبية سواء من الكتلة الصدرية او غيرها، فالكتلة الصدرية بـ ٧٣ مقعد ما يدل ان العراق يتجه نحو حكومة اغلبية سواء شكل الحكومة التيار الصدري او غيره من خلال التحالفات وبهذه الحالة سيتجه الى المعارضة.

حكومة الاغلبية واقع ام مجرد طموح

باسم الزيدي، باحث في مركز الشيرازي للدراسات والبحوث:

الذي نفهمه من حكومة الاغلبية انه حزب او تيار او حركة تكتسح اكبر عدد من المقاعد، وبالتالي تتمكن من تشكيل الحكومة وتعبر من البرلمان وتكون دورتها الانتخابية هي المتمكنة فيها، او هناك حل ثاني انه حزبين او ثلاثة لديهم نوع من الاستقرار مختلفين على مدى عقود بمجرد حصولهم على المقاعد يأتلفون اوتوماتيكيا وهم يكونون حكومة اغلبية، وما يحدث في العراق ويروج له ان حكومة الاغلبية هل هي واقع ام مجرد طموح لان التيارات تريد التغيير، اذا ما رأينا حكومة الاغلبية بعيدة المنال، اما التوافقية فهي لا تختلف عن المحاصصة.

التوافقية الوطنية والتوافقية الحزبية

الدكتور إيهاب النواب، أستاذ جامعي:

ان التوافقية هي نظام تشوبه ايجابيات وسلبيات والاغلبية كذلك، وان المشكلة ليست في التوافقية وكنت اتمنى ان يتم التمييز بين التوافقية الوطنية والتوافقية الحزبية، والذي اتجه العراق له في الفترة الماضية هي التوافقية الحزبية، وان خيار اللجوء الى التوافقية عندما تكون الاغلبية غير واضحة او غير منسجمة او غير بارزة بشكل واضح هي تشكل نظام اغلبية، وعندما تكون توافقية وطنية فلا ضير في ذلك لكن المشكلة نحن توجهنا الى التوافقية الحزبية تاركين مصالح الوطن وبالتالي ممكن ان نلجئ للتوافقية في ظل الوضع الذي نعيشه الان لكن على شرط ان تكون توافقية وطنية وليست توافقية حزبية، والاهتمام ينصب على الكتلة الصدرية لان هذه الكتلة ظهرت بمنهاج الاصلاح وقبلها كانت مشاركة بالانتخابات السابقة وتحت مسميات عديدة وكل الاحزاب التي شاركت معها لم تطرح مفهوم الاصلاح او موضوع الاصلاح وتفردوا فيها وهذا ما سبب عائق لان هذا المصطلح غير واضح لان منهج الاصلاح غير واضح بالنسبة للكتلة الصدرية وهذا مايشكل تخوف حتى عند المستقلين لان منهج الاصلاح قد يختلف معهم في الرؤيا ولا يوجد انسجام بينهم وبين الكتلة الصدرية والا قد شكلوا جبهة اخرى، وان الكتلة الصدرية لا تستطيع تشكيل اغلبية لان حتى اغلبيتها سوف تكون توافقية لان هي بحاجة الى الكرد وبحاجة الى السنة وبغض النظر على الشيعة وبالتالي هي توافقية من نوع آخر او اغلبية اقصائية.

لا يمكن تطبيق الاغلبية على ارض الواقع

احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

موضوع الحكم في العراق لا يخص العراقيين فقط وهناك جهات خارجية ايضا تدخل في الموضوع وهذه قضية جدا مؤثرة على التوافق او الاختلاف في داخل العراق، وهناك لاعب او ضاغط خارجي يضغط بقوة على الكتلة الفائزة او الكتلة الخاسرة، وجميع دول العالم تحاول الدخول الى الوسط السياسي العراقي سواء تستفيد منه بطريقة نفوذ او استثمار او مصالح معينة او غيرها، وان الذي جرى في العراق طوال السنين الماضية هي قضية محاصصة لان التوافقية هي معناها المطابقة فالأفكار والاهداف واحدة، لكن الذي يحدث هي افكار مختلفة وآراء مختلفة تتحد في حكومة واحدة بحيث ان حدودها هي الوزارات والدوائر العامة وحتى داخل الوزارة الواحدة هناك حصص وعقود وغيرها، ولا يمكن تطبيق الاغلبية على ارض الواقع بوجود الاكراد وغيرهم لان الكتلة الصدرية طرحت فكرة صعبة المنال وقد ترضخ الى التوافقية، وهناك شبه الاستقرار السياسي في المنطقة وهذا مايخدم الحكومة الجديدة وكذلك رجوع العراق لإعادة علاقاته العربية التي قد يستفيد منها بالإضافة لصعود اسعار النفط وشبه الاستقرار الامني.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001–2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق