q
ملفات - حوارات

المبدعون البارعون مهملون ومهمَّشون

في حوار مع القاص والروائي العراقي علي حسين عبيد

تعدّد الكتابة في أكثر من جنس أدبي أو حقل كتابي، ليس ميزة كما أراها، بل هي مشكلة تتسبب في هدر مواهب وقدرات الكتّاب، وهنا أعني المبدعين منهم، أنا شخصيا كتبت القصة والرواية والشعر والنقد والمقال والعمود الصحفي، لكنني حين أعود إلى الوراء أجد...
الواقع الأدبي العالمي يقرّ بأننا نعيش عصر الرواية

علي حسين عبيد.. تاريخ حافل بالعطاء ومسيرة مترعة بصنوف الإبداع، قاص ماهر في لعبة صياغة القصة القصيرة، وروائي يتقن لعبة التشابك بين المنظومة اللغوية والدلالية في البناء الروائي ويجيد رسم الفضاء الروائي بمهارة عالية، ويحسن مراعاة قواعد كتابة القصة القصيرة بحرفية مدهشة.

لا أثر للترهل في قلمه القصصي والروائي، ولا وعورة أو خشونة في لغته، يكتب بوضوح المقتدر ويبحر في عالمه عبر مرافئ الذاكرة المتقدة.

في مجموعته القصصية ( كائن الفردوس ) نجد التكثيف حاضرا واللغة الشعرية قائمة، ووحدة الموضوع والشخصية والفضاء شاخصة ابتداء من المنبع وحتى المصب.

حاذق في زراعة عناصر التشويق على جسد نصوصه، وماهر في خلق مناطق الجذب، يمسك لحظة التنوير والتثوير في معظم قصصه ورواياته.

مسيرته الابداعية الطويلة وذاكرته الزاخرة بالمواقف والاحداث ومطاردته المستمرة للحرف المضيء والفكرة الرصينة تضافرت جميعها لتخلق منه قاصا متميزا وروائيا رائدا.

وضيفنا باحث من طراز ممتاز، وكاتب مقال ينسجه من خيوط الحرير الناعم.

أصدر الكتب الأدبية التالية:

- قصص كائن الفردوس، 2001 عن دار الشؤون الثقافية/بغداد.

- قصص الأقبية السرية، 2009 عن دار الشؤون الثقافية/ بغداد.

- طقوس التسامي/ رواية/ 2000 عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد.

- كتاب في نقد الثقافة عنوان (ثقافة الجدران)2014 عن دار الشؤون الثقافية/ بغداد.

- مجموعة قصص (لغة الأرض) 2016 عن أمانة جائزة الطيب صالح / الخرطوم.

له تحت الطبع:

- قصص معزوفة ماروخا.

- رواية حدائق الحروب.

- كتاب نقدي (محاولة لتنسيق أحزان العالم).

- كتاب تهجير العقول مقالات في قيم التقدم.

وحاز على الجوائز التالية:

- جائزة عن قصة (نتوء الشيطان) منتدى الجمهورية المركز الأول 1995.

- جائزة إبداع الدولة عن رواية (طقوس التسامي)، المركز الثاني 2001.

- جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع عن قصص (لغة الأرض) المركز الأول 2019.

- جائزة راشد بن حمد الشرقي (جنائن الوهم) القائمة الطويلة 2020.

- حصل على عضوية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق عام 1987.

- عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب 1991.

- بكلوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد.

- عضو جمعية العلوم السياسية في العراق.

- عضو نقابة الصحفيين العراقيين.

- له خبرة عشر سنوات في إعداد البرامج الثقافية الإذاعية

دخلتُ بيدر القاص والروائي العراقي علي حسين عبيد وخرجتُ منه بهذا العطاء :

س1 يقال أن عصرنا عصر الرواية، وما عاد الشعر يحتل مكانته السابقة عندما كان الشاعر لسان القبيلة والشعر ديوان العرب، فماذا تقول؟

- هذه حقيقة فرضها الواقع الأدبي العالمي والإقليمي والمحلي، لاسيما إذا ابتعدنا عن التطرف والتشبّث بما مضى، العصر هو عصر الرواية، عصر السرد، وتبقى القصيدة لها القدح المعلّى في المهرجانات ومنصات الإلقاء، أما القراءة، فالسرد هو الذي يتصدّر المشهد، ولا داعي أن يثير مثل هذا الرأي (العام)، حفيظة بعض الشعراء!

س2 : ما الذي يدهشك بالرواية الناجحة؟

- يعيدني هذا السؤال إلى روايات كثيرة قرأتها، منها ما علق في الذاكرة بكل الشخصيات والتفاصيل، ومنها ما (ذهب جفاءً)، السؤال المهم هنا لماذا بقيت بعض الروايات واختفت أخرى من الذاكرة؟، الجواب إن الرواية الناجحة هي التي تأخذني إليها وتفصلني عن الواقع وترغمني أن أكون جزءاً منها، هذا يعني أنها تسللّت إلى شريان دمي واندمجت بكياني الذهني والبايولوجي، مثل هذه القدرات العجيبة هي التي تجعل الرواية ناجحة من وجهة نظري.

س3 : حصلت على عدة جوائز، وهذا يعد انجازاً مهماً، ما هو الأثر الذي تركته هذه الجوائز في نفس القاص والروائي علي حسين عبيد؟

- في العراق والعالم العربي يصعب على المبدع أن يأخذ مكانته التي يستحقها وفق معايير الإنصاف، فليس لدينا إعلام منصف، ولا مؤسسات ثقافية عادلة، يؤكد ذلك وجود مبدعين بارعين في الرواية وغيرها لكنهم مهملين مهمشين لأنهم خارج لعبة (الصفقات، والشللية...)، لهذا يذهب كثيرون إلى الجوائز ليس من أجل المادة فقط، بل هناك من يبحث عن الإنصاف من خلال الحصول على جائزة، وأنا منهم، لذلك أنظر إلى الجوائز على أنها فرصة الحصول على الاعتراف بالمبدع، على الرغم من الشوائب التي تطول الكثير من جوائزنا العربية وحتى العالمية، لاسيما (نزاهة الجائزة).

س4 : الآن وبعد مسيرتك الإبداعية الطويلة والمتوجة بالنجاح، بماذا تحلم؟ وما الذي تود أن تقوله؟

- يسعدني أنك تصف مسيرتي (متوَّجة بالنجاح)، لكن أنا أرى غير ذلك، حين أنفرد بنفسي أجدني بعيداً عمّا أحلم بتحقيقه في مجال الكتابة الإبداعية، وما تمّ تقديمه في تجربتي كثير من حيث الكم، لكن النوعي المتميز نسبته قليلة، هذه أيضا مشكلة الأديب العراقي والعربي، فهو من جهة يريد أن يكون حاضرا في المشهد فيضطر للإكثار من الكتابة للحضور وتكرار الاسم، لكن من جهة ثانية قد يفوته (النوع)، أستاذنا محمد خضير من القلائل الذين تنبّهوا لهذه الموازنة الصعبة بين الكمّ والنوع الأدبي.

س5 : يقال هناك روائي وهناك كاتب رواية، كيف تنظر الى هذا القول؟

- سؤال مهم، أدخلني في دوّامة من التفكير المركَّز، والأسئلة من هذا النوع قد تكون نادرة، الروائي عنوان كبير له اشتراطات كبيرة، ولا يصح بل لا يجوز أن تُطلَق تسمية أو عنوان روائي على قلم، ما لم يكن مستحِقّا لهذا الشرف الإبداعي الكبير، أما كاتب الرواية فبإمكان أي اسم كان أن يسرد ما يود سرده وبأية طريقة كانت ويدفع بهذا المسرود العادي إلى إحدى المطابع التي لا يهمّها سوى كسب المال، ويضع اسمه على الغلاف كي يقول لنفسه بأنه كاتب رواية، أما تسمية الروائي فلها استحقاقات لا يمكن أن يصل إليها كاتب الرواية!

س6 : ما رأيك بالذي يقول : ( النص الجيد يفرض نفسه على الجميع ) في هذا العالم الذي تتلاعب فيه قوى الدعاية والإعلام؟

- قد يقترب هذا الرأي من درجة أو صفة (الأكذوبة)، نحن جميعا بمن فيهم المتكلم نردّد هذا الرأي، وأظن نحن نعترف بصحة هذا الرأي لكننا نعترف أيضا باستحالة تطبيقه في واقعنا الأدبي وأعني العراقي والعربي، أورد هنا تجربة مريرة مررتُ بها بنفسي، سنة 1995 أعلن (نادي الجمهورية) عن مسابقة للقصة العراقية شارك فيها قصاصون عراقيون على مستوى عال، وبعد ظهور النتائج فازت قصتي (نتوء الشيطان) بالمركز الأول، وجاءت قصة محمد سعدون السباهي (الضباب) في المركز الثاني، فيما جاءت قصة وارد بدر السالم (غياب عاطفي) في المركز الثالث، ومع ذلك لم أتمكن من نشر قصتي (نتوء الشيطان) إلا بعد مرور أربع سنوات (في مجلة الأقلام)، فيما ظهرت القصتان الثانية والثالثة بعد أشهر قليلة من إعلان النتائج، هذا يؤكد أن النص الجيد لا يفرض نفسه في واقع غير منصف.

س7 :كيف تنظر إلى المشهد النقدي أمام هذا الكم الهائل من الشعراء والروائيين؟

- لا تزال الأسماء النقدية الراكزة هي التي تتصدى لما يصدر من روايات ودوواين، مع التركيز على الجيد المتميز، ولكن هذه الأسماء باتت غير قادرة على تحمّل العبء مع التدفق الهائل للإصدارات، وهناك نقاد شباب أخذ بعضهم على عاتقه مهمة المتابعة، لكن تبقى مشكلة المجاملات والصفقات المتبادلة في الكتابات النقدية قائمة، ليس هناك جهد نقدي منظّم وواضح المعالم في ظل هذا الطوفان الهائل من النشر الذي استسهله أصحاب الرواتب الجيدة!!

س8 : هذا الرحم الإبداعي المتنوع الولود لديك، كيف تستطيع السيطرة على مساره وهو يتدفق بكل هذا السخاء؟

- تعدّد الكتابة في أكثر من جنس أدبي أو حقل كتابي، ليس ميزة كما أراها، بل هي مشكلة تتسبب في هدر مواهب وقدرات الكتّاب، وهنا أعني المبدعين منهم، أنا شخصيا كتبت القصة والرواية والشعر والنقد والمقال والعمود الصحفي، لكنني حين أعود إلى الوراء أجد أنني أخطأت كثيرا وأهدرت الكثير من الجهد والوقت على زبدٍ (من الكتابات) لم تثبت في الأرض!

س9 : ما هو تأثير المكان في قلمك القصصي والروائي؟

- في المجاميع القصصية التي كتبتها وهي تضم عشرات القصص، يندر أن يغيب المكان عن قصة واحدة من قصصي، في الرواية كذلك، أنا مغرم بالتفاصيل الدقيقة للمكان وحتى الزمان، طفولتي الريفية فرضت نفسها، النهر، البساتين، الاخضرار، الغرق، كلّها موجودة، ثم تأتي الأزقة والحدائق والمدن لتحضر بقوة في كتاباتي السردية، قرأتُ لـ غاستون باشلار عن المكان وتأثرت بجماليات المكان للناقد ياسين النصيّر، وانطبعت في ذاكرتي صحراء (مدن الملح) لعبد الرحمن منيف، والمكان له حضوره القوي في مجموعتي القصصية الأخيرة (لغة الأرض)، لدرجة أن القارئ سوف يعيش المكان وتفاصيله في هذه القصص ويتفاعل معه أكثر من أي شيء آخر.

اضف تعليق