q
يكشف عدم مرور حكومة علاوي عن انقسام في الطبقة السياسية، اتضح منه قلة شجاعة انطوت بعض تصريحاتها على مواقف تضامنية مع مطالب المحتجين، وكثرة تخشى على نفسها من حكومة مستقلة قد تعرضها للمساءلة عن كوارث الماضي، وبالتالي لن تصوت على أية حكومة مالم تطمئن لضمانات كافية بالحفاظ على شخوصها...

علاوي لم يكن مرشح ساحات الاحتجاج، بل رفضه الحراك الشبابي حتى قبل ان تكلفه الرئاسة بتشكيل الحكومة، وجاء ترشيحه من كتلة كبيرة وعدم اعتراض كتلة سائرون على حد تعبير السيد مقتدى الصدر في لقاء تلفزيوني مع قناة الشرقية، وهما الكتلتان الكبيرتان في مجلس النواب واللتان يحق لهما اختيار رئيس الوزراء بحسب مفهوم الكتلة الأكبر التي أوجدت له المحكمة الاتحادية تفسيرا خلّف لنا أمراضا سياسية مزمنة كالمحاصصة التي ألبسوها ثيابا براقة كالشراكة والتوافق الوطني وجميعها يفضي الى اقتسام الغنائم.

ومع ان الأكراد والسنة (مع الاعتذار لاستخدام هذه المفردة ذات الدلالة الطائفية) رافضون لعلاوي بالأصل، الا ان السيد فؤاد حسين وزير المالية وفي لقاء صريح مع قناة السومرية حمّل الشيعة مسؤولية فشل التصويت على حكومة علاوي المقترحة، مؤكدا ان الرفض كان شيعيا قبل أن يكون كرديا او سنيا، واستدل على ذلك بعدم حضور الكثير من الأطراف الشيعية للجلسة التي اقتصر الحضور فيها على (108) نائبا.

والسؤال: عن أي شيء يكشف هذا الفشل ؟، من بين ما يكشفه عدم رضوخ علاوي للضغوط التي تعرض لها من الطبقة السياسية، وانه لم يستجب لمصالح هذه القوى التي تجهد ليكون لها وزراء في كابينته، بمعنى لو اعتمد علاوي مبدأ المحاصصة كما اعتمده سلفه، لكانت الحكومة قد مرت، وبالتالي فان اتهامه وحكومته بعدم الاستقلال والانحياز لأطراف معينة ليست موضوعية، وتفتقد الى المنطق تماما، وعليه صدق الرجل مع نفسه ومع العراقيين بأنه سيتصدى لكل الضغوط ومن أي طرف كان.

وبصرف النظر عن القناعات فيما اذا كان علاوي قادرا على تحقيق الوعود التي أطلقها قبيل وبعد تكليفه، وانه لا محالة سيفشل، لعدم مراعاته المكونات المتنوعة للمجتمع العراقي، وافتقاده لكتلة برلمانية داعمة، وانه حالم أكثر منه واقعي، فهذه القناعات ليست كافية لحرمانه من الفرصة، ذلك ان القناعات لم تكن متماثلة لدى الجميع سواء أكانت جماهير منتفضة ام صامتة ام القوى الفاعلة في المشهد السياسي.

والحكم على الامور يفترض الاستناد الى الأفعال، وفي ضوء النتائج يحكم على سلوك علاوي فيما اذا كان فاشلا ام ناجحا، فالأحكام المسبقة تعني عدم موضوعية مطلقيها، وان غايات ضيقة تقف وراء بعضها، لكن يحسب لعلاوي استعداده المعلن لمكافحة أمواج الفساد المتلاطمة، واقلاق المجرمين، والثقة الكبيرة بالنفس بالرغم من جسامة التحديات، وخطورة الوعود التي أطلقها، مع ان العمل على واحد منها قد يدفع حياته ثمنا له في وسط مستعد لفعل أبشع الجرائم دفاعا عن المصالح، فهل يكشف ذلك عن شجاعة الرجل ام ضعف في ادراكه للبيئة السياسـية العراقية؟

يكشف عدم مرور حكومة علاوي عن انقسام في الطبقة السياسية، اتضح منه قلة شجاعة انطوت بعض تصريحاتها على مواقف تضامنية مع مطالب المحتجين، وكثرة تخشى على نفسها من حكومة مستقلة قد تعرضها للمساءلة عن كوارث الماضي، وبالتالي لن تصوت على أية حكومة مالم تطمئن لضمانات كافية بالحفاظ على شخوصها، وبما ان الغالبية تلطخت بالفساد، فمن غير المتوقع قبولها بحكومة مستقلة تعبر عن ارادة الجماهير، ولن تمر مهما كان الثمن، لذا أظن ان الوصول للوطن المرتجى عبر حكومة بالخصائص التي حددتها ساحات الاحتجاج لن يتحقق ما لم يُحل مجلس النواب، ولكن ما تداعيات ذلك ؟ من المتوقع قيام هذه القوى بردود فعل عنيفة يضيع معها الاستقرار النسبي الذي تتمتع به البلاد راهنا.

لقد مضت أشهر على الاحتجاجات، قابلتها حكومة عبد المهدي قبل استقالتها وبعدها بصمت مطبق ازاء ما ارتكب من جرائم بحق شبابها، كما استنزف علاوي شهرا ونصف الشهر في تحركات تشكيل الحكومة، وانتهت الى الفشل، وعلى وفــــق الآليات المعتمدة علينا الانتظار لأكثر من شهر ونصف آخر حتى تتفتق قريحة القوى الكبيرة عن مرشح جديد لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، الزمن يمر ونحن نراوح في المكان، وليس هناك ما يؤكد أن الحكومة القادمة ستمر، واذا مرت فإنها لا شك ولدت على نقيض ما يريده المحتجون، والمزيد من الأشهر الاضافية في حال فشلت، المواطن يتلظى والاحباط يتراكم، وصار حالنا كحالة سيزيف مع صخرته.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق