q

زيارة الطبيب بشكل دوري ومنتظم شيء ضروري جدا للاطمئنان على صحتنا، لكن في بعض الحالات يتحول الأمر إلى أكثر من هاجس طبيعي ومؤقت، فهناك فئة ليست بالقليلة تعاني من الافراط في التفكير والتشكيك بأنفسهم بانهم مرضى بسبب او من دون سبب، فحتى وان كان ما يشعرون به من آلام بسيطة فانهم يفضلون زيارة الطبيب، وهذا ما اوصلهم لدرجة الجنون والهوس بالأمراض وأنواعها ومضاعفاتها (هوس المرض).

عندما نقرأ كلمة الهوس يتبادر الى اذهاننا المعنى السلبي البحت، الا انه يأخذ منحى ايجابي يتمثل في ان الفرد يظل بشك دائم حول اصابته بالمرض أو حتى من يحيطون به أو كل من يقابله أو يتعامل معه، هذا ما يجعله يعتقد أن من أمامه يعاني من مرض شديد قد يتطور الى مضاعفات خطيرة، مما يجعله دائم الاطمئنان على نفسه، لكن منحاه السلبي يؤدي الى امراض تؤذيه نفسيا وماديا بشدة.

ومن التأثيرات الاخرى للهوس تضارب الادوية لدى المريض فقبل ان يكمل دورة العلاج المخصصة له يتركه ويذهب الى طبيب اخر بحجة ان العلاج لا يجدي نفعا معه، ومن المفترض ان يأخذ المرض الوقت الكافي ليخف تدريجيا وليس في ليلة وضحاها يحصل الشفاء التام، من خلال المشاهدة والمتابعة لهذه الظاهرة حصلت حادثة لاحد المرضى كان يعاني مغص معوي، فأخذ ابرتان في وقت واحد وتضاد العلاج بينهما، فأغمى على المريض فورا ونقل اثرها لغرفة العناية المركزة.

وحادثة اخرى لامرأة شابة نتيجة كثرة الادوية التي تتناولها اصيبت بالكثير من الامراض، واصبحت معدتها لا تستجيب للطعام او الدواء، مما اضطرهم الى ربط المغذي لها بشكل دائم، والسبب اعراض تلك الادوية وهي الان تصارع الموت.

هذا الهوس يصيب الرجال والنساء على حد سواء، خاصة من لديهم اوقات فراغ طويلة وعدم انشغالهم بشيء ما، لكن هناك دراسة تؤكد ان هوس الكثير من النساء بالذهاب إلى الطبيب اكثر من الرجال، إذ تجد أن المرأة المتزوجة خاصة تصر على الذهاب إلى الطبيب رغم أنها لا تعاني من شيء، عكس الرجل الذي لا يهتم بصحته بالقدر الكافي، فهو أكثر عزوفا عن مواجهة المشكلات الصحية حيث لا يهتم بغذائه وصحته ونادرا ما يزور الطبيب، إذا لم يكن مصابا بمرض ما يتوجب علاجه، على خلاف المرأة تماما فعندما تشعر المرأة بألم في منطقة ما من جسدها حتى لو كان خفيفا وسرعان ما يزول، لا تطمئن ويهنأ لها بال حتى تزور الطبيب لتتأكد من سلامتها.

ويعود هذا الاختلاف بين الرجل والمرأة حسب ما يجمع عليه الخبراء في علم النفس إلى عدة أسباب:

السبب الأول: اختلاف التركيبة النفسية والاجتماعية

اختلاف شخصية المرأة عن شخصية الرجل وتباين تركيبتيهما على الصعيد النفسي والاجتماعي أيضا، فالمرأة حريصة على صحتها وسلامة جسدها من العلل، وهي تمر بمراحل الحمل والولادة مع ما يطرأ عليها من أعراض وتغيرات فيزيولوجية وأحيانا مرضية، كما أن كون الأنثى معرضة للكثير من الأمراض أكثر من الرجل سيما تلك المتعلقة بالجهاز التناسلي والغدد، يجعلها تتوهم المرض فيها تتوسوس أكثر إذا ما سمعت بإحدى قريباتها أو معارفها مريضة بمرض ما، ولا تزول وساوسها إلا بزيارة الطبيب والتأكد من الأمر، أما الرجل فيشعر بالضعف إن هو قصد الطبيب، فهو عكس المرأة لا يحب أن يبدو هشا ضعيفا متمارضا طريح الفراش، قد يشعر بأن مكانته وقوته أو هيبته تتأثر إن هو عرض نفسه للعلاج.

السبب الثاني: عاطفي بالنسبة للمرأة ومادي بالنسبة للرجل

فالمرأة تشعر أن الرجل مدين لها بالكثير، فهي تحبل وترضع وتشقى وتتعب، ما يجعلها تفقد الكثير من لياقتها البدنية خصوصا في فترات الحمل والإرضاع، وهذا ما يجعلها لا تتوانى عن الاهتمام بصحتها حد المبالغة، بينما يعتبر الرجل، رب الأسرة خاصة، أن الذهاب إلى الطبيب وتكاليف العلاج مصاريف زائدة يمكن الاستغناء عنها وقضاء حاجات أولى منها، في حين أن علاج زوجته أو أولاده ولو في أمور صغيرة يعتبره مستعجلا ومن أولى الأولويات.

السبب الثالث: يشغل الرجل عن عمله ومضيعة لوقته

ومن جانب ثالث يمكن أن يعتبر الرجل الخطوات العلاجية حجر عثرة أمام عمله الذي لا ينبغي له أن يتوقف ولو للحظة مضيعة للوقت لا فائدة تذكر منها، قد يقر بأنه نعم عليه الذهاب إلى الطبيب، لكن ليس في الوقت الحالي فهو مشغول.

الوقاية من هوس المرض

فيما يرى البروفيسور الألماني تيودور كلوتس ان هناك خمسة عوامل لها دور مهم في الوقاية من الأمراض: اولها شراكة مستقرة يعقبها تمارين منتظمة ونظام غذائي متنوع وروتين منظم ثم رعاية طبية وقائية للوصول إلى نظام حياة صحي.

وخلاصة القول يحتاج كل منا الى درجة بسيطة من الشك لحمايته من الوقوع في بعض الاخطاء والتأكد والتيقن من الامور قبل الاقبال عليها، خاصة اذا كانت مبنية على خبرات سابقة او توقعات اكتسبت من خبرات الاخرين، لكن الاهم ان لا تصل الى حد الافراط او الهوس.

اضف تعليق