q

الحرية مفتاح سحري لدخولنا الى عالم الاقوياء وهي قدر لابد ان نسعى اليه بجهد مستمر فلا يمكننا ان ندخل الى عالم الغد باطمئنان ما دمنا نجهل الف باء الحرية ومفرداتها، اننا امام تحد مهم يفرض علينا ان نتمسك بالحرية ونتشرب بها من اجل ان نحيى في مستقبل لا استبداد فيه.

لماذا لا تستطيع الأمة ان تتحدى الأمم الأخرى وتؤسس لها كيانا موازيا أو متقدما على الأمم الأخرى؟ هل أن القدر هو الذي جعل المسلمين يعيشون واقعا متخلفا يستمد تطوره ونموه من تبعيته للغرب أم أن التخلف خيار ذاتي كرسه الاستبداد والجهل وغياب الحوار الداخلي البناء؟

لاشك ان هذا السؤال يوجه للإنسان ذاته أولا ومن ثم للمجتمع أو الأمة، لان الإنسان هو المسؤول عن تشكيل المجتمع عقلا وثقافة ووعيا، فإذا فقد الإنسان القدرة على إنتاج ذاته في إطار المسؤولية الاجتماعية العامة فان المجتمع يفقد مبررات النمو والتقدم. ويبقى المجتمع عاجزا بعجز الفرد عن استثمار طاقاته ومواهبه الروحية والعقلية ويتحول بالتالي إلى كائن سلبي يائس مدمر الهوية بلا هدف.

وهنا يتوقف الإنسان والمجتمع عن تأثيره في صناعة التاريخ المتقدم والمتطور ويبقى وجودا هامشيا خلف كواليس التاريخ. وعندما يموت الإنسان عقلا وروحا ويصبح مجرد كائن مادي جامد فان هذا يعني أن المجتمع قد فقد الإنسان المعنى والجوهر الذي يغذيه بالحركة والدافع والطاقة، فالحياة الحقيقية للإنسان هي حياة العقل والروح والفكر وموته في وجوده المادي المجرد.

وهنا نصل إلى حقيقة أساسية تقودنا للدخول في بحثنا المحوري وهو ان وجود الإنسان قائم بعقله وفكره وروحه والعقل غير قادر على تحقيق غايته إذا كان مكبلا والروح لا تعيش مادامت مقيدة والفكر لا يجري مازال مسجونا في أقبية الممنوع. فالحرية هي أساس وجود الإنسان وهي الغذاء الذي يعطي الطاقة والحيوية للإنسان في الاستمرار في الحياة كما يغذي الماء والهواء جسم الإنسان، وبدونها يدفن الإنسان في داخل كيانه المادي.

وعندما تستباح الحرية وتدمر كرامة الإنسان يفقد المجتمع القدرة على تحقيق تكامله الوظائفي وتختل حركته العضوية ويسيطر عليه الشلل في مختلف جوانبه، لان الارتباط العضوي قوي وعميق في البنية الاجتماعية وان لم يكن ظاهرا كما في جسم الإنسان، فإذا اختلت إحدى الوظائف عن أداء دورها العضوي أصيبت باقي الفعاليات بالشلل وتوقف الدور التكاملي والبنائي للمجتمع. وتمثل الحرية الروح والعقل والقلب الذي ينظم حركات المجتمع وادواته وبدون الحرية تفشل الأعضاء في التناسق والتنظيم والتكامل وهذا ما يسمى بالحالة المرضية.

ويرى الباحث في العلوم السياسية موريس ديفرجيه: ان حرية الفكر والتعبير هي ثمرة أساسية لكل تطور اقتصادي وتقدم اجتماعي، فالحد من حرية الفكر يعني تشويه التربية العقلية للأجيال الناشئة بمعناها العميق الذي هو الحرية، وهذا يعني ان مستوى التعليم والتربية العقلية لدى مجموعة أبناء الشعب سيهبط ويفسد، وإذا ما عرفنا بالبديهية التي تقول ان مستوى التقدم العلمي والثقافي في بلد ما إنما يتعلق بمستوى الجهاز العلمي والتقني لأبناء البلاد فإننا نستخلص بالضرورة ان هبوط مستوى التربية والتعليم سيقود إلى تأخر في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (في الديكتاتورية، موريس ديفرجيه).

ولإثبات دور الحرية الجوهري في حركة الإنسان في الحياة والتاريخ والحضارة فإننا نجد ان الحرية قد أصبحت الحقيقة التي تستند عليها معظم المبادئ والأديان في صراعها الأيديولوجي والفكري والعقائدي في معاركها الحقيقية والحقوقية باعتبار ان الحياة الواقعية هي وجود كريم للإنسان ينال فيها حقوقه دون إكراه أو إجبار قاسر.

وفي نظرة شاملة لحقيقة الفكر الإسلامي نجد ان الإسلام يعطي أولوية قصوى للحرية كمفهوم عقائدي وفكري واجتماعي شامل لمختلف الجوانب في الحياة الإنسانية، بمعنى ان الحرية تمثل القاعدة الاساسية لمختلف الحقائق والمصاديق التي تتفرع من الفكر الإسلامي.

* مقتطف من مقال نشر في مجلة النبأ العدد 64 تحت عنوان: الحرية المدخل لحياة أفضل

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
الاستفادة الصحيحة من الحرية أصعب بكثير من الحصول عليها، مع الشكر والتقدير لكم شيخنا الجليل على هذا الموضوع الرائع.2017-08-27