أحد أصعب الأجزاء في تغيير سُلوكٍ معيَّن هو أن تبدأ في روتين جديد، سواء كان نوعًا من النشاط البدني اليومي، أو تعلُّم التأمل، أو وضع الهاتف جانبًا لتقرأ كتابًا ليلًا. من ثَم، فلتتبيَّن التغيير الذي تريد تحقيقَه، ثم ضعْ خطة محدَّدة للطريقة التي ستنفِّذ بها...

عليك أن تتذكَّر دومًا أن الإقدام على أيِّ سلوك طويل المدى يكون أيسرَ حين تجد الدعم. لذلك حاول أن تجد صديقًا -أو اثنين أو أكثر- يمكنهم الإسهام في دعم هذا التحوُّل. هل تريد البدء في الانخراط في مزيد من القراءة؟ كوِّن ناديًا للقراءة مع أصدقاء في حيِّك. هل تريد أن تمارس الرياضة أكثر؟ اشترِ ساعة «فيتبيت» لتحسب خطواتك ونظِّم مسابقاتٍ أسبوعية مع زوجتك أو زميلك في العمل.

إليك بعض الاستراتيجيات الأخرى التي يمكنك استخدامها لتتبنى سلوكًا جديدًا - وتلتزم به التزامًا مع الوقت.

غيِّر رؤيتك

قد يكون من الصعب جدًّا أن يتبنَّى المرء عادةً جديدة، لا سيما إذا كان ذلك يَنطوي على تخليه عن عادة قديمة. لكن تعديل الطريقة التي نرى بها سلوكنا الجديد من الممكن أن يساعدنا كثيرًا في إحداث ذلك التغيير.

إليك مثالًا لترى كيف يمكن لتغيير طريقة تفكيرنا إزاء سلوكٍ ما أن يساعدنا فعليًّا على تبنِّي عادةٍ جديدة: تخيَّل أنك تُنهي عشاءً شهيًّا في مطعم فاخر، ثم يسألك النادل إذا كنت تودُّ أن تجرِّب للتحلية كعكة الشوكولاتة المشهورين بها. لكن السلوك الجديد الذي انتويته هو أن تَفقد من وزنك، مما سيعني أن تُحاول الامتناع عن تناول كعكة الشوكولاتة. فكيف ستردُّ على سؤاله؟ بعض الناس قد يقولون: «لا، شكرًا. لا يمكنني تناول كعك الشوكولاتة.» وهذا الأسلوب صحيح تمامًا، بالطبع؛ فلا يمكنك بالتأكيد تناول كعك الشوكولاتة ما دمت تُحاول إنقاص وزنك.

 لكن هذا النوع من التصور يجعل عدم تناول الحلوى كأنه شيء مفروض عليك، يكاد يكون ضد إرادتك؛ إنه يُوحي بأنه غير مسموح لك بتناول هذه الكعكة. إليك صيغةً بديلة يمكنك استخدامها: «لا، شكرًا. فإنني لا آكل كعك الشوكولاتة.» بالكاد تختلف هذه الصياغة عن الاختيار السابق - فقد تغيَّرت كلمة واحدة. لكن المعنى الكامن في هذه الصياغة بالغ الاختلاف. فهذه الجملة تؤكد أنك قد حسمت اختيارك، مما يَمنح شعورًا بالقوة والثقة في النفس، بشأن قرار إنقاص وزنك، ومن ثَم فقد اخترت ألا تأكل هذه الكعكة.

بعبارة أخرى، للغة التي تستخدمها عند التفكير في سلوكك والتحدُّث عنه تأثيرٌ قوي في قدرتك على تحقيق تغيير طويل الأجل. فإن الكلمات مهمَّة. ففي تجربةٍ بسيطة للبرهنة على الاختلاف بين «لا أستطيع» و«لا أفعل» وجَّه الباحثون أشخاصًا لديهم هدف تناول طعام صحي لاستخدام إحدى هاتين العبارتين عند مواجهة طعام مُغرٍ. وأثناء مغادرتهم الدراسة، طلب الباحثون من المشاركين أن يختاروا واحدة من أكلتين خفيفتين -قطعة حلوى أو قطعة جرانولا- على سبيل «الشكر» على حضورهم.

أيُّ مجموعة من الاثنتين ذهبت للاختيار الصحي؟ من بين الذين تعلَّموا أن يقولوا «لا أفعل»، اختار ٦٤ في المائة قطعة الجرانولا، في مقابل ٣٩ في المائة من الذين تعلَّموا أن يقولوا «لا أستطيع.»

تُوضِّح هذه الأمثلة قدرة التعبيرات على تغيير الطريقة التي نرى بها السلوك، مما يُساعدنا بدوره على الحفاظ على السُّلوك الجديد بمرور الوقت.

ضع خطة

أحد أصعب الأجزاء في تغيير سُلوكٍ معيَّن هو أن تبدأ في روتين جديد، سواء كان نوعًا من النشاط البدني اليومي، أو تعلُّم التأمل، أو وضع الهاتف جانبًا لتقرأ كتابًا ليلًا. من ثَم، فلتتبيَّن التغيير الذي تريد تحقيقَه، ثم ضعْ خطة محدَّدة للطريقة التي ستنفِّذ بها هذا السلوك في الأسبوع المقبل. يُساعدك هذا النوع من النهج القصير الأجل على البدء في روتين جديد، من الممكن أن يصير مع الوقت جزءًا من حياتك.

احرص على أن تتأمل مليًّا كيف يمكن لهذا التغيير في العادات أن يَنسجم مع جدولك اليومي. فإن الالتزام بسلوك جديد يكون أيسر كثيرًا حين يكون منسجمًا بسهولة مع حياتنا اليومية. لنقل مثلًا إنك تريد أن تبدأ في التأمل أو السير مدة ٢٠ أو ٣٠ دقيقة يوميًّا. تأمَّل يومك وأين تستطيع أن تجد هذا الوقت في الواقع. هل سيكون أول شيء تفعله في الصباح؟ هل سيكون في فترة الغداء؟ هل سيكون مساءً بعد تناول العشاء مباشرةً؟ في بعض الحالات، قد يكون تحديد فترات قصيرة من الوقت أكثرَ واقعية من الفترات الطويلة. فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين يُلزمون أنفسهم بممارسة التمارين لفترات قصيرة - مثل صعود السلَّم أو الهرولة لمدة ١٠ دقائق أربع مرات - يكونون أنجح في الحفاظ على هذا السلوك ممَّن يُحاولون تخصيصَ فترةٍ واحدة أطول للتَّمارين مثل صف رياضي يمتدُّ لساعة.

وأخيرًا، دوِّن خطَّتك. فمجرَّد تسجيل الخطة -ماذا ستفعل ومتى- سيُساعدك على أن تحدِّد أهدافًا أكثر تحديدًا ويَزيد من فرص اتباعك لها فعليًّا. وبمجرَّد أن تُدوِّن هذه الخطة، انشرها في مكانٍ ما لتُذكِّر نفسَك بأهدافك الجديدة.

خُذِ استراحةً من التكنولوجيا

من المُفترض أن تجعل التكنولوجيا حياتنا أيسرَ. لكن الواقع أن التكنولوجيا تثير فعليًّا قدرًا كبيرًا من الضغط النفسي. مثلما أوضحتُ في الفصل السادس، تزيد التكنولوجيا من إمكانية استغراقنا في مقارنات اجتماعية ضارة. كما أن التكنولوجيا تسلب الوقت الأولى به أشياء أخرى نعلم أنها تحقِّق لنا السعادة - مثل قراءة كتاب، أو قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، أو الحصول على قسطٍ وافر من النوم.

لكن قد يكون الشيء الأهم أن وجود التكنولوجيا في حد ذاته يأتي بتوقُّع أننا دائمًا مُتاحون - من أجل الأصدقاء والزملاء وأفراد الأسرة وغيرهم. هذا معناه ألا نحظى مطلقًا باستراحةٍ من المتطلبات المستمرة للحياة اليومية، مما يؤدِّي إلى ضغط نفسي هائل.

في إحدى الدراسات، استعان الباحثون بعينةٍ من البالغين للاشتراك في دراسة عن استخدامهم للتكنولوجيا. إذ وزعوا عشوائيًّا جميع المشاركين في الدراسة، الذين كانوا طلابًا وخريجين، بالإضافة إلى أفراد في المجتمع، بمُتوسط عمر ٣٠، في واحدة من مجموعتين لمدة أسبوع. طُلب من الناس في إحدى المجموعتين أن يطَّلعوا على بريدهم الإلكتروني كلما أرادوا كل يوم، وأن يتركوا صناديق البريد الإلكتروني الوارد مفتوحة بحيث يمكنهم أن يروا الرسائل الجديدة عند وصولها، وأن يبقوا على إشعارات الرسائل الإلكترونية الجديدة. أما الذين في المجموعة الأخرى فقد طُلب منهم أن يُطالعوا بريدهم الإلكتروني ثلاث مرات فقط يوميًّا، وأن يُغلقوا صناديق البريد الوارد، وأن يوقفوا إشعارات البريد الإلكتروني.

في نهاية كل يوم، كان المشاركون في كلتا المجموعتين يُكملون اختبارات لتقييم حالاتهم، وخاصةً درجة الضغط النفسي.

وجد الباحثون أن الأشخاص الذين طُلب منهم مطالعة بريدهم الإلكتروني مراتٍ أقل كانوا يعربون عن درجاتٍ أدنى بكثير من الضغط النفسي. في واقع الأمر، كانت فوائد الحد من مرات مطالعة البريد الإلكتروني كبيرةً بحجم تلك المكتسبة من تعلُّم أساليب أخرى للاسترخاء!

إليك طريقة بسيطة لمضاعفة سعادتك:

 أغلِق هاتفك. فلتضع قواعدَ واضحة ومحدَّدة لاستخدام التكنولوجيا - فلا تستخدم الهاتف بعد الساعة التاسعة مساءً، أو أثناء الوجبات، أو لفترات طويلة خلال عطلة نهاية الأسبوع، حين يجدر بك في الواقع أن تقضي الوقت في التفاعل مع الناس والاسترخاء، بدلًا من مطالعة البريد الإلكتروني والرسائل. الحد من استخدامك التكنولوجيا سيُقلِّل من شعورك بالضغط النفسي ويرتقي بمستوى علاقتك بالآخرين.

* مقتبس بتصرف من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

اضف تعليق