q
يمكن تعريف الإجهاد على أنه حالة من القلق أو التوتر النفسي الناجم عن وضع صعب. والجميع يعاني الإجهاد بدرجة أو بأخرى. ولكن الطريقة التي نستجيب بها للإجهاد تصنع فرقاً.. ومن اكثر أنواع الاجهاد تأثيرا على صحة الانسان هو الاجهاد الرقمي، حيث أصبحت الرقمنة متشربة في جميع أجزاء حياتنا.

يمكن تعريف الإجهاد على أنه حالة من القلق أو التوتر النفسي الناجم عن وضع صعب. وهو استجابة بشرية طبيعية تدفعنا إلى مواجهة التحديات والتهديدات التي نمر بها في حياتنا. والجميع يعاني الإجهاد بدرجة أو بأخرى. ولكن الطريقة التي نستجيب بها للإجهاد تصنع فرقاً كبيراً في حالة الرفاه العام التي نعيشها.

يؤثر الإجهاد على العقل والجسم معاً. فالقليل من الإجهاد قد يكون مفيداً ويساعدنا في أداء أنشطتنا اليومية. ولكن الكثير منه قد يسبب مشاكل صحية جسدية ونفسية. لذلك فإن تعلّم طرق التكيّف مع الإجهاد يمكن أن يساعدنا في تخفيف الضغط ودعم عافيتنا النفسية والجسدية.

يسبب الإجهاد صعوبة في الاسترخاء وقد يترافق بطيف من الانفعالات من بينها القلق وسرعة التوتر. وقد نجد صعوبة في التركيز عند الشعور بالإجهاد. وقد نُصاب بالصداع أو أوجاع أخرى، مثل اضطراب المعدة أو صعوبة النوم. وقد نفقد شهيتنا للطعام أو نأكل أكثر من المعتاد. ويمكن للإجهاد المزمن أن يفاقم المشاكل الصحية القائمة ويزيد من تعاطي الكحول أو التبغ أو غيرها من مواد الإدمان.

وقد تكون الأوضاع الضاغطة المثيرة للإجهاد سبباً في حدوث المشاكل الصحية النفسية أو تفاقمها، وأكثرها شيوعاً القلق والاكتئاب، مما يتطلب الحصول على رعاية صحية. وعندما نعاني من مشكلة صحية نفسية، فقد يكون سببها أن أعراض الإجهاد أصبحت دائمة وبدأت تؤثر على أدائنا اليومي، بما في ذلك في العمل أو المدرسة.

ومن اكثر أنواع الاجهاد تأثيرا على صحة الانسان النفسية والجسدية هو الاجهاد الرقمي، حيث أصبحت الرقمنة متشربة في جميع أجزاء حياتنا.

الإجهاد الرقمي وأداء الموظفين

فقد كشفت نتائج دراسة علمية، أن الإجهاد بسبب الرقمنة في مكان العمل يؤثر سلبا على أداء الموظفين والعمال. غير أن السبب ليس في الرقمنة في حد ذاتها.

وبعد انتهاء الباحثين من دراستهم، توصلوا إلى نتيجة مقادها أن أكثر من نصف العمال يتعرضون لدرجات عالية من "التوتر الرقمي". ومن أعراضه ظهور آلام في الظهر والصداع والإرهاق. وتؤثر هذه الأعراض بدورها على أداء العمال والموظفين.

كما حملت الدراسة نتيجة مفاجئة، وهي أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و 34 سنة يعانون أكثر من عبء التكنولوجيا الجديدة، بينما تنخفض درجة التأثير السلبي لها على الأشخاص الأكبر سنا. أما فيما يخص الجنس فالنساء أكثر تأثرا من الرجال.

واستنتج المشرفون على الدراسة أن سبب الإرهاق الذي يشعر به الموظفون والعمال ليس هو التكنولوجيا في حد ذاتها، بل الجهل بطريقة التعامل الصحيح معها والتعقيدات الموجودة في تلك التقنيات إضافة إلى خوف البعض من فقدان مناصبهم في العمل.

أسباب الاجهاد الرقمي

تشغل الأدوات الرقمية مساحة أكبر في أماكن العمل حيث تؤدي دوراً مساعداً للموظفين في القيام بمهامهم، لكنّها تحمل أيضاً مخاطر "الإجهاد الرقمي"، إذ تشير دراسة أخرى حديثة إلى أن 31% من الموظفين يفرطون بالاتصال بهذه الخدمات.

وقال عالم الأوبئة والمدير العام السابق للصحة في فرنسا وليام داب هذا الأسبوع خلال مؤتمر بعنوان "الضغط الرقمي، خطر ناشئ"، إن "رسائل البريد الإلكتروني وأدوات الاجتماعات عن بُعد والرسائل الداخلية والوصول إلى الإنترنت (...) كل هذه الأدوات قلبت حياتنا رأساً على عقب".

وتساءل خلال هذه المداخلة في إطار معرض "بريفنتيكا" المخصص للصحة والسلامة في العمل "هل يمكن لهذه الأدوات، أو بالأحرى استخدامات هذه الأدوات، أن تنقلب علينا؟".

ويقول أدريان ديبريه، المحامي في شركة متخصصة بالأعمال في باريس، لوكالة فرانس برس "ما أجده معقداً منذ وقت قريب نسبياً، ما بعد كوفيد وفترات الإغلاق، هو تكاثر القنوات، ما يعني أننا لم نعد نعرف مصدر" تدفق الرسائل، بين البريد الإلكتروني، وخدمات "تيمز" و"واتساب" و"زوم" والرسائل النصية.

ويشير إلى أن هذا الوضع "يجعل إدارة سيل (الخدمات الرقمية) أمراً مضنياً. ويشبه ذلك الدمى الروسية التي يجب فتحها".

ومع العمل عن بُعد وعمليات التنظيم "المجزأة بشكل متزايد"، "نحن طوال اليوم خلف شاشاتنا"، على ما يقول جيروم، وهو مسؤول تنفيذي في القطاع المصرفي طلب عدم الكشف عن اسم شهرته. وحتى في المكتب، تتوالى الاجتماعات بالفيديو "بسرعة فائقة"، وفق جيروم الذي يصف هذا الوضع بأنه "مضنٍ".

بالنسبة لداب، "يمكن الحديث عن +الإجهاد الرقمي+ عندما يتجاوز حجم المعلومات المتاحة التي يتعين علينا معالجتها قدرتنا"، وهو موضوع "يأخذ مساحة متزايدة" تحت مسمّيات مختلفة بينها "الإغراق المعلوماتي" أو "المشقة الرقمية" أو "الضغط النفسي التقني".

حالة عزلة

ويرى عالم الأوبئة أن "الظاهرة المركزية هي +الاتصال المفرط+" التي يمكن أن تؤدي إلى "حمل ذهني زائد".

ويشير إلى "حلقة مفرغة مع نوع من الضغط المستمر الذي يجعلنا ننتقل من مصدر معلومات إلى آخر"، والشعور في لحظة ما "بفقدان السيطرة". وضع من الضغط النفسي "يصل بشكله الأقصى إلى مرحلة الانهاك المهني".

ويقول وليام داب "كطبيب، أحلل هذا الأمر باعتباره شكلاً جديداً من أشكال الإدمان" الذي ما زلنا نعرف القليل عن عواقبه، حتى لو كانت تبعات الإجهاد "معروفة جيداً".

ولا تقتصر هذه التبعات على الجانب "الذهني"، فهذه العناصر مرتبطة "بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ومخاطر متعلقة بعملية التمثيل الغذائي"، فضلاً عن تأثيرات "مناعية".

كذلك، يقلل الضغط النفسي من الأداء المهني، وفيما فتحت الأدوات الرقمية "الباب أمام العمل عن بُعد، فإنها تضعنا أيضاً في حالة عزلة"، وفق داب الذي يقول "باختصار، يمكن لهذه الأدوات المفيدة جداً لنا أن تؤثر أيضاً على الصحة ونوعية الحياة في العمل".

ولتوضيح "البيانات القليلة" حول هذا الموضوع، يستشهد داب بدراسة نُشرت نتائجها في منتصف أيار/مايو.

هذه الدراسة التي أشرف عليها المرصد الفرنسي للإغراق المعلوماتي والتعاون الرقمي، أجريت خصوصاً من خلال تحليل رسائل البريد الإلكتروني لحوالى تسعة آلاف شخص بشكل مستمر لمدة عامين.

فقدان للكفاءة

ومن دون أن يدّعي القائمون على الدراسة احتواءها على قيمة إحصائية نظراً إلى العيّنة الصغيرة من الشركات (10)، فإنّ النتائج تُظهر أن 31% من الموظفين معرضون للاتصال المفرط من خلال إرسال رسائل إلكترونية بعد الساعة الثامنة مساء خلال أكثر من 50 ليلة في السنة (117 ليلة بالنسبة للمديرين).

إلى ذلك، يتم الرد على أكثر من 50% من رسائل البريد الإلكتروني في أقل من ساعة على تلقيها، وهذه الرسائل تولّد "الكثير من الضوضاء الرقمية"، إذ إن 25% من الرسائل التي يتلقاها الموظفون لا تكون موجهة إليهم شخصياً بل مرسلة عبر خاصية "الرد على الكل".

وقاست الدراسة أيضا فترات "التركيز الكامل" (ساعة واحدة من دون إرسال رسائل بريد إلكتروني). على مستوى الإدارة، تبلغ نسبة هذه الفترات 11% فقط أسبوعياً (24% للمديرين و 42% للموظفين).

ويرى داب أن هذا الأمر يعني فقداناً "للكفاءة وعمق التحليل"، مضيفاً "قد نكون وصلنا إلى عتبة السُمية".

لكن "لا يزال بالإمكان التصرف" في هذه الحالات، وفق ما يؤكد اختصاصي علم الأوبئة، من خلال حصر المعلومات بـ"ما هو ضروري حقاً"، عن طريق "إبقاء الشاشة مغلقة في أوقات معينة" أو حتى عن طريق الأنشطة البدنية أو الاسترخاء.

ويكمن الهدف في نهاية المطاف في "عدم السماح للمرء بأن يرهن نفسه كما يحصل مع متعاطي المخدرات الصلبة".

خطر يحدق بالعين

ووفي سياق متصل نبهت دراسة اخرى إلى أن الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة يعرض المرء أكثر للصداع النصفي وآلام الظهر والكتفين، فضلا عن تضرر قرنية العين، واحتمال فقدان جزئي للنظر.

ويرى مختصون أن إجهاد العين غالبا ما يحصل لدى من تتطلب وظائفهم الجلوس ساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر.

كما أن 90 بالمئة من الأشخاص صاروا يقضون أكثر من ساعتين في اليوم أمام الأجهزة الإلكترونية، فيما يقضي 60 بالمئة نحو 6 ساعات يوميًا.

وتتراوح أعراض إجهاد العين بين الإحمرار وعدم وضوح في الرؤية، إضافة إلى الصداع، بحسب إمام، فيما لا تزال الأبحاث جارية لتطوير نظارات تمتص أشعة الضوء الأزرق.

ويرجح باحثون أن يكون الضوء الأزرق للأجهزة الإلكترونية مسؤولا عن اضطرابات في الدماغ والنوم مثلما يحصل للإنسان، حين يسافر إلى بلد ذي توقيت مختلف فيواجه صعوبات في النوم.

وينصح المختصون مستخدمي الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة بإراحة عيونهم، بين الفينة والأخرى، كأن يزيحوا نظرهم عن الحواسيب كل 20 دقيقة، ويحدقوا في مكان بعيد لمدة 20 ثانية.

وأيضا استخدام الشاشات الكبرى عوض الأجهزة الصغيرة، خصوصا لدى بالأطفال، فضلا عن عدم استخدام الأجهزة الإلكترونية في الظلام قبل الخلود إلى النوم.

طرق التعامل مع الإجهاد الرقمي

من الطبيعي أن نشعر بالإجهاد في الأوضاع الصعبة مثل مقابلات التوظيف والامتحانات المدرسية وحجم العمل غير الواقعي والتهديد الوظيفي أو عند حدوث خلافات مع الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء. وبالنسبة للعديد من الأشخاص، فإن الإجهاد يتضاءل بمرور الوقت عندما يتحسن الوضع أو يتعلمون التكيف مع الوضع بشكل أفضل. ويتفشى الإجهاد عادةً خلال أحداث مثل الأزمات الاقتصادية الكبرى، وتفشي الأمراض، والكوارث الطبيعية، والعنف المجتمعي.

معظم الناس يتعاملون مع الإجهاد بشكل جيد ويستمرون في أداء وظائفهم. ولكن إذا كانت لدينا صعوبات في التكيف مع الإجهاد، فعلينا أن نلتمس المساعدة من مقدم رعاية صحية موثوق أو شخص آخر نثق به في مجتمعنا.

حتى إذا كنت تدرك أنَّ اعتمادك على الأجهزة الرقمية يؤثر في صحتك العقلية، فمن شبه المستحيل تجنب المشهد الرقمي تماماً. لكن ما يمكن أن يحدث فرقاً هو امتلاك الأدوات المناسبة للتعامل مع الإجهاد الرقمي عندما يزداد.

وهذه خطوات يمكن ان تساعد في استيعاب الاجهاد الرقمي:

- أخذ فترات للراحة وذلك بتحديد أوقات معينة خلال اليوم لعدم استخدام الأجهزة الرقمية سواء داخل العمل أو خلال أوقات الراحة.

- اتباع قاعدة 20 – 20 وهي استخدامها لمدة 20 دقيقة والاستغناء عنها لعشرين ثانية، خلال هذه الفترة حاول النظر إلى بعد 6 أمتار لتقليل إجهاد العينين. أو استخدام قاعدة 50 -10 أي بعد استخدام الهاتف لمدة 50 دقيقة يفضل الاستراحة منه لمدة 10 دقائق أخرى للسماح للجسم للاسترخاء والخروج من التوتر الذي تسببه هذه الأجهزة.

- حدد إشعارات جهازك بما يناسبك، والسماح بتلقي الإشعارات من التطبيقات التي تحتاجها فقط.

- امنح الأولوية للرعاية الذاتية. إنَّ ممارسة الرياضة والحضور الذهني والتأمل والحصول على النوم الجيد وتعزيز العلاقات خارج الإنترنت ستعزز صحتك العامة وتقلل من مستويات الإجهاد عندما تحتاج إلى الجلوس على الشاشة.

- مارس الحضور الذهني وذلك عبر تجنب تعدد المهام أو تصفح الإنترنت غير الواعي وركز على مهمة واحدة في كل مرة. ومن شأن فعل ذلك المساعدة في تسهيل التعرف على علامات الإجهاد الرقمي وأخذ قسط من الراحة عندما تبدأ في الشعور بالإرهاق.

- ضع روتيناً يومياً: يمكن أن يساعدنا وضع جدول يومي في استخدام وقتنا بكفاءة والإحساس بقدر أكبر من السيطرة. حدد وقتاً للوجبات المنتظمة ووقتاً لقضائه مع أفراد الأسرة وأوقاتاً للتمارين الرياضية والأعمال المنزلية اليومية والأنشطة الترفيهية الأخرى.

- نل قسطاً كافياً من النوم: الحصول على قسط كافٍ من النوم مهم للجسم والعقل معاً. فالنوم يرمم ويريح ويجدد نشاط أجسامنا ويمكن أن يساعد في عكس مسار آثار الإجهاد.

تشمل عادات النوم الحسنة (التي تُعرف أيضاً باسم النوم الصحي) ما يلي:

واظب على عاداتك. اذهب للنوم في الوقت نفسه كل ليلة واستيقظ في الوقت نفسه كل صباح، بما في ذلك أثناء عطل نهاية الأسبوع.

اجعل مكان نومك هادئاً ومظلماً ومريحاً وبدرجة حرارة مناسبة، إن أمكن.

قلل استخدامك للأجهزة الإلكترونية، مثل التلفزيون والحاسوب والهواتف الذكية، قبل النوم.

تجنب الوجبات الثقيلة والكافيين والكحول قبل وقت النوم.

مارس بعض التمارين الرياضية. فالنشاط البدني أثناء النهار يمكن أن يساعد على النوم بسهولة أكبر في الليل.

- تواصل مع الآخرين: تواصل مع أفراد الأسرة والأصدقاء وتحدث عن شواغلك ومشاعرك مع من تثق بهم. التواصل مع الآخرين يمكن أن يرفع معنوياتنا ويساعدنا في التغلب على الإجهاد.

- تناول طعاماً صحياً: ما نتناوله من طعام وشراب يمكن أن يؤثر على صحتنا. حاول أن تأكل وجبات متوازنة وفي أوقات منتظمة. اشرب ما يكفي من السوائل، وتناول الكثير من الفواكه والخضروات الطازجة إن أمكن.

مارس الرياضة بانتظام: ممارسة الرياضة بشكل منتظم يومياً يمكن أن يساعدك في التغلب على الإجهاد. ويمكن أن تشمل الرياضة المشي والتمارين الأشد كثافة معاً.

- قلل من وقت متابعة الأخبار: تمضية الكثير من الوقت في متابعة الأخبار على التلفزيون وقنوات التواصل الاجتماعي يمكن أن يزيد من الإجهاد. قلل من الوقت الذي تمضيه في متابعة الأخبار إذا كانت تزيد من إحساسك بالضغط والإجهاد.

اضف تعليق