q
لا تموت الأشجار بقدر ما تتعرض للقتل، وفقًا لمؤلفي المقال المرجعي الذي يحمل عنوان حول ظاهرة تعمير الأشجار، ما يقتل الأشجار هو عوامل خارجية فيزيائية أو بيولوجية، وليس التقدم في العمر وحده، بعبارة أخرى، لا توجد أدلة على تراكم التحورات الجينية الضارة بمرور الوقت أو أن الأشجار تفقد قدرتها على إنتاج أنسجة جديدة...
بقلم الصحفية روبن لويد

تموت الأشجار عند تعرُّضها لضرر جسيم.. لكن منها ما نجا من العواصف والجفاف والحرائق وأكثر من ذلك.. وعاش آلاف السنين.. الآن تحتضر أشجار عيد الميلاد أو ماتت بالفعل، لكن بعض الصنوبريات وأشجار أخرى يمكنها نظريًّا أن تعيش إلى الأبد، وذلك وفقًا لمقال نُشِر مؤخرًا يستعرض الأدلة المتراكمة على وجود أشجار معمرة للغاية، ويدعو المقال إلى استعمال نُهُج علمية أكثر إحكامًا من الناحية العلمية في تحديد أعمار هذه الأشجار ودراسة ظاهرة تعميرها.

بصفة عامة، لا تموت الأشجار بقدر ما تتعرض للقتل، وفقًا لمؤلفي المقال المرجعي الذي يحمل عنوان «حول ظاهرة تعمير الأشجار»، ما يقتل الأشجار هو عوامل خارجية فيزيائية أو بيولوجية، وليس التقدم في العمر وحده، بعبارة أخرى، لا توجد أدلة على تراكم التحورات الجينية الضارة بمرور الوقت أو أن الأشجار تفقد قدرتها على إنتاج أنسجة جديدة.

يقول فرانكو بيوندي، أحد مؤلفي الدراسة وعالِم المناخ الإيكولوجي والمتخصص في حلقات الأشجار بجامعة نيفادا بمدينة رينو: «يمكن للأشجار بالفعل أن تعيش إلى أجل غير مسمى، لكن هذا لا يحدث؛ لأن عنصرًا خارجيًّا، بيولوجيًّا أو لابيولوجي [أي كائنًا حيًّا أو غير حي مثل الظروف الفيزيائية]، يقتلها في نهاية المطاف».

وكتب بيوندي وجيانلوكا بيوفيسان، من جامعة توشا في إيطاليا -الذي شاركه كتابة المقال- قائلَيْن: إن العوامل القاتلة للأشجار تتضمن أخطارًا بيئية، منها الجفاف وحرائق الغابات والظروف الجوية القاسية والآفات، إلى جانب أخطار بشرية، منها قطع الأشجار وإشعال الحرائق لإزالة الغابات لأغراض الصيد أو تحويلها إلى مراعٍ، نُشِر مقال المؤلفَيْن في عدد أغسطس الصادر من دورية «نيو فايتولوجيست» New Phytologist.

يهتم الباحثون بظاهرة تعمير الأشجار، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن الأشجار والنباتات الأخرى تمتص الكربون من الغلاف الجوي للقيام بعملية البناء الضوئي، ويُعتقد أن الأشجار الأكبر سنًّا تخزن كميةً أكبر من الكربون مقارنةً بالأشجار الأحدث سنًّا، لذا فإن تعمير الأشجار قد يؤدي دورًا في إبطاء التغيُّر المناخي (رغم أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن الاحترار العالمي قد يؤثر سلبًا على الأشجار أيضًا، ويجعلها أكثر تعرضًا للأخطار البيئية)، فضلًا عن ذلك، يمكن أن تمثل حلقات الأشجار القديمة سجلًّا لا يقدر بثمن للتاريخ المناخي، إذ تشير الحلقات الأوسع إلى سنوات شهدت ظروفًا مناخيةً أفضل.

ويُشير المقال أيضًا إلى أن النماذج العلمية المصممة لدراسة تعمير الأشجار خرجت بافتراضات غير صحيحة، من بينها أن الأشجار المتميزة بدرجة عالية من تأخُّر التعاقب وتحمُّل النمو في المناطق الظليلة، والموجودة في الأنظمة البيئية الأقدم التي أنتجت أشجارًا أضخم وغطاءً شجيريًّا كثيفًا، هي أشجار أطول عمرًا، على سبيل المثال، من المعروف أن أشجار الصنوبر المعمرة للغاية تعيش في المسطحات المفتوحة الواسعة في الغرب وفي أنظمة بيئية لم تتغير كثيرًا منذ آلاف السنين.

استخدم ديفيد ستال -عالِم الجغرافيا والباحث في ظاهرة تعمير الأشجار بجامعة أركنساس، الذي لم يشارك في المقال المرجعي- كلمات مثل «ممتاز» و«شامل» لوصف هذا المقال، لكنه يعارض تأكيد المقال على أن الأشجار يمكنها أن تعيش إلى الأبد، يقول ستال: «إن احتمالية خلود الأشجار، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، تبدو مستبعدةً بالنسبة لي، تروق لي الفكرة، إنها فكرة رومانسية، لكن لنكن واقعيين».

يقول ستال إن فرضية خلود الأشجار اكتسبت شعبيةً واسعةً في العشرين عامًا الماضية لأن الباحثين واصلوا الإبلاغ عن عدم عثورهم إلا على أدلة جينية لا تكاد تُذكر على الشيخوخة في النسيج الإنشائي (الذي يولِّد الخلايا الجديدة) للأشجار بالغة القدم، ويُضيف ستال أن هذه النقطة تُعد من أهم النقاط المطروحة في المقال المرجعي، لكن أدلة الشيخوخة قد تكون موجودةً ولم يُعثر عليها بعد.

والأشجار يمكن أن تقتلها الظروف غير المواتية، ومن ضمنها المسطحات الصخرية الوعرة العامرة بمجموعات من أشجار الصنوبر الطويلة، لكن هذه الظروف ليست كلها ضارةً بالأشجار على المدى الطويل، وفقًا لمؤلفي المقال؛ فالكثير من الأشجار بالغة القدم توجد في مناطق جبلية فقيرة التربة وقاسية الظروف المناخية، يقول بيوندي إن الأمر كما لو أن هذه الأشجار التي تعمر مدةً طويلة، تصل إلى آلاف السنين، يصدق عليها القول المأثور «ما لا يقتلك يقويك»، مضيفًا أن كثيرًا من الأشجار المعمرة نمت في بيئات اضطرت فيها إلى التنافس على الموارد، مثل المياه في مجموعات الأشجار الحرجية الطويلة الجافة أو ضوء الشمس في الغابات الكثيفة ذات قمم الأشجار المورقة.

وفي بدايات القرن الحالي، قُدِّر عمر إحدى أشجار صنوبر الحوض العظيم المعمرة (Pinus longaeva) الواقعة أعلى الجبال البيضاء بولاية كاليفورنيا الأمريكية -باستعمال تحليل حلقات الأشجار، أو علم تحديد عمر الأشجار- بما يتجاوز 5 آلاف سنة، وهو ما يجعلها أقدم كائن حي معروف يتكاثر جنسيًّا على كوكب الأرض، وفقًا لعدة مصادر، تولى تحديد عمر الشجرة الراحل توم هارلان، من جامعة أريزونا، إذ أجرى تحليلًا مفصلًا لعينة مأخوذة من لب الشجرة عام 1957، لم يؤكد ذلك التقدير أي باحثين آخرين، وذلك وفقًا لقائمة الأشجار بالغة القدم التي وضعتها منظمة روكي ماونتن لأبحاث حلقات الأشجار، وهي منظمة غير ربحية تقع في مدينة فورت كولينز في ولاية كولورادو الأمريكية، لو تغاضينا عن هذه الشجرة المنفردة، ستصبح أقدم شجرة هي شجرة أخرى من أشجار صنوبر الحوض العظيم المعمرة تسمى «ميثوسلا» Methuselah، وعمرها نحو 4850 عامًا، وتقع أيضًا في الجبال البيضاء، وفقًا للقائمة التي وضعتها المنظمة غير الربحية.

ربما يطرح الشك القائم بشأن أقدم الأشجار الحية تساؤلاتٍ أكبر حول التقدير الدقيق لأعمار الأشجار، وهذه من النقاط التي يتناولها المقال؛ إذ كتب بيوفيسان وبيوندي أن بعض تقديرات العلماء لأعمار الأشجار تعتمد على بيانات وأساليب غير موثوقة، من بينها تقارير سردية، مضيفيْن أن النُّهُج الأكثر موثوقيةً لتحديد أعمار الأشجار هي تحليلات حلقات الأشجار بمساعدة التأريخ بالكربون المشع عندما تستدعي الحاجة، ويتفق معهما ستال.

يقول ستال إن بعض أنواع الأشجار الرائجة التي تُقطع لبيعها ضمن أشجار عيد الميلاد، مثل أشجار التنوب الأزرق في كولورادو، يمكن أن تعيش مئات السنين، لكن الأنشطة الحرجية التجارية لا تتطلب تقصير أعمار الأشجار العتيقة ذات القيمة الثقافية الثمينة ولا القَطع الكلي للأشجار على مساحات واسعة أو الأشكال الأخرى من إزالة الغابات، توجد ممارسات أكثر استدامةً تشمل إزالة أشجار منفردة من مجموعات الأشجار أو الغابات مع الحفاظ على الغطاء الذي توفره كل شجرة وجودة المياه التي تحميها وكمية الكربون التي تحتجزها، يقول ستال: «يمكننا أن نقوم بكل هذه الأمور، ونحن بالفعل نقوم بها، هناك الأخيار والأشرار في عملية إنتاج الأخشاب من الغابات وتوفيرها للمجتمع».

اضف تعليق