q
هل سنجد بعد سنين مؤسسات ثقافية، تؤبن المبدعين الراحلين بهذه الطريقة، اي تخصص لجان لتنتقي من بين اعمالهم ما ينفع الناس وتترك الزبد وما اتى به الانفعال العابر، لكي يستمر الابداع حيا مع الحياة ويصبح ميسرا امام عشاقه، اقصد عشاق الجمال على مر الازمنة؟!...

قبل مدة، قال لي شاعر، انه اصدر حتى الان تسع مجاميع، نشر اغلبها على نفقته الخاصة.. هذا الصديق في منتصف العقد الرابع من عمره، ولديه، كما قال لي، أكثر من مجموعة تنتظر النشر، ولا ادري ولا يدري هو ايضا كم سيكون عدد مجاميعه الشعرية حين يمتد به العمر كما امتد بعمنا الجواهري!

اغرتني الحكاية لكتابة هذه السطور، لا من اجل طلب نشر المتبقي من اعمال صديقي الشاعر، وانما لاتحدث عن مسالة ارى انها قد تكون مهمة المؤسسات الثقافية مستقبلا لحفظ تراث المبدعين والابقاء عليه حيا ومستمرا مع الاجيال.

ففي منجز كل مبدع ما يشبه حياته الاجتماعية، هناك ما يستحق ان يتذكره الناس ويرغبون باستحضاره، وهناك ايضا ما هو غير مهم وربما ينفّر الناس منه، ولو بدرجات متفاوتة، لكن بالتاكيد هناك معايير مشتركة في مسالة التمييز بين الغث والسمين، او بين المهم والابرز وبين العادي الخالي من الوهج والابداع .. فمن الطبيعي، مثلا، ان لايتذكر اغلب الناس بمن فيهم المهتمون في الشعر الكثير من قصائد الجواهري لكن من الصعب جدا ان يقول احد منهم انه لايتذكر او لم يقرأ قصيدة (اخي جعفر).

والامر كذلك مع السياب وقصيدة (انشودة المطر).. وينقل عن الشاعر الكبير الراحل حسب الشيخ جعفر قوله، انه يتمنى لو تبقى له قصيدة او قصيدتين تذكّر الناس به بعد رحيله، مع يقيننا ان هناك اكثر من قصيدة ستبقى حيّة له ولزمن طويل.

ما نريد قوله هنا، هو انه من الصعب ان تقرأ الناس مستقبلا، اربعين او خمسين عملا ادبيا، لان الساحة باتت مزدحمة بالمبدعين، وستتضاعف اكثر في المستقبل، وان من المستحيل على أي قارئ ملاحقة اعمالهم كلها، وقد يكون ذلك مقتصرا على الدارسين ممن يختصون بمبدع واحد او اثنين لأغراض اكاديمية ليس الاّ.

من هنا فان ما اشرنا اليه بصدد مهمة المؤسسات الثقافية مستقبلا سيكون باختزال سيرة المبدع من خلال انتقاء بعض اعماله المميزة لتقدم بكتاب واحد يمثل خلاصة منجزه، ليستطيع قراءتها عشاق الفن والابداع، بعد ان تسهّل لهم المهمة وتكفّهم تلك المؤسسات عناء البحث عن الجيد والعصي على النسيان من بين عشرات المؤلفات التي قد يخفت بريقها ويتلاشى امام طرقات الزمن وتعاظم المنجز الادبي محليا وعالميا.

هل سنجد بعد سنين مؤسسات ثقافية، تؤبن المبدعين الراحلين بهذه الطريقة، اي تخصص لجان لتنتقي من بين اعمالهم ما ينفع الناس وتترك الزبد وما اتى به الانفعال العابر، لكي يستمر الابداع حيا مع الحياة ويصبح ميسرا امام عشاقه، اقصد عشاق الجمال على مر الازمنة؟!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق