q
أقوى الرسائل وأكثرها مدعاة للخوف في هذه القضية تتمثّل في أن ما من أحد بمنأى عن يد السعودية القاسية. وأسوأ المخاوف أن أحداً لن يعرف حقيقة ماحصل لجمال خاشقجي. بيد أن ذلك ليس بلغز، يوجد أمامنا دافع ودليل ظرفي. فلو أن ذلك كان حلقةً من...
مايكل يونغ

 

شريف منصور | منسّق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين:

أقوى الرسائل وأكثرها مدعاة للخوف في هذه القضية تتمثّل في أن ما من أحد بمنأى عن يد السعودية القاسية. وأسوأ المخاوف أن أحداً لن يعرف حقيقة ماحصل لجمال خاشقجي. بيد أن ذلك ليس بلغز، يوجد أمامنا دافع ودليل ظرفي. فلو أن ذلك كان حلقةً من المسلسل التلفيزيوني "سي أس أي: التحقيق في موقع الجريمة" لكانت القضية وجدت طريقها إلى الحل في غضون 5 ثوانٍ. وبما أننا لسنا على دراية كاملة بما حدث لخاشقجي، فهذا يعني أنه ربما دفع أغلى ثمن للتعبير عن آرائه، وأن الحكومة السعودية نجحت في الخروج من الأمر مثل الشعرة من العجين. لقد أقدمت السلطات السعودية، منذ أن تسلّم ولي العهد محمد بن سلطان زمام الأمور، على إخفاء وسجن 16 صحافياً على الأقل داخل حدود البلاد، وفقاً لأحدث تقديرات لجنة حماية الصحافيين. هؤلاء الصحافيون كانوا يعتمدون على خاشقجي لينقل قصصهم، والآن انتقلت الشعلة إلينا وباتت رواية قصته من مهمتنا، ويتوجب علينا بالتالي التأكد من أن المجازفة التي قام بها نيابةً عن هؤلاء الصحافيين لم تكن عبثاً.

كارين يونغ | باحثة مقيمة في American Enterprise Institute، تتركّز أبحاثها حول الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي وشبه الجزيرة العربية:

أقوى رسالة يمكن أن يحملها هذا الحدث هو أنه مامن أحد مسؤول، حين يتعلق الأمر بالسعودية والشرق الأوسط الأوسع. وهكذا، نحن نواجه اليوم أزمة تواجد رجال سلطة أقوياء وقادة ضعفاء، من الشرق الأوسط وحتى الولايات المتحدة.

أوضح اختفاء جمال خاشقجي بجلاء تام أن حكومات الشرق الأوسط لاتفتقر إلى الجدارة وحسب، بل أن الولايات المتحدة ليس لديها سلطة أخلاقية، وتعرض دوراً قيادياً ضعيفاً، وتتمتّع بنفوذ محدود للتأثير على سلوك شركائها الإقليميين. باختصار، لايمكن الوثوق بأحد، إذ إننا نجد خلف كل عقدة من قصة خاشقجي أجندة مختلفة. ثمة أسئلة كثيرة تُطرح هنا: هل كان يعمل على إطلاق حركة دمقرطة تحرّكها جماعة الإخوان المسلمين، من شأنها ربما تهديد الاستقرار في المنطقة؟ هل كان هو بيدقاً في طموحات تركيا وقطر لتشويه سمعة السعودية؟ هل وقع ضحية رجل قاسٍ مصاب بجنون العظمة وقام بتدمير إرثه الخاص حتى قبل تشكّله؟ أم أنه كان يملك ببساطة معلومات أكثر من اللزوم عن ماضي بلاده، هذا البلد الذي يتخبّط خبط عشواء لإعادة تخيّل نفسه؟ قد لانحصل أبداً على إجابات وقد لاندرك الحقائق. بيد أن الرسالة في التغطية الإعلامية وفي ردود الفعل الحكومية مشوّشة ومثيرة للارتباك، فنشعر وكأننا في عصر فُقدت فيه السلطة المكينة والأساس المتين والقيادة.

كريستيان كوتس أولريخسن | زميل باحث في قضايا الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس:

حملت خطوة ولي العهد محمد بن سلمان، المتمثّلة بإرسال فريق خطف إلى اسطنبول لإعادة جمال خاشقجي إلى السعودية كي توجّه بحقه اتّهامات متعلّقة بحملة مكافحة الفساد التي أطلقت في العام 2017، في طياتها رسائل متعدّدة في آن إلى جهات معنية مختلفة. كانت مبادرات رؤية 2030 متعثّرة، وأشارت تقارير إلى أن ولي العهد تدخّل شخصياً لمنع شخصيات بارزة من نقل أصولها إلى الخارج. وكان فريق عمله، الرازح تحت وطأة الضغوط، قد أدرك أن خاشقجي يمتلك المنبر الذي يمكّنه من تقويض مصداقية أجندة ولي العهد في واشنطن، حيث كان السعوديون قد استثمروا بكثافة للتأثير على الرأي العام. وقد تكون الهجمات التي وجّهها الرئيس دونالد ترامب نحو الصحافيين، مسمّياً إياهم "أعداء الشعب"، قد ولّدت شعوراً بالتفاؤل الزائف بأن العودة القسرية لصحافي سعودي إلى المملكة لن تثير رد فعل قوياً، خاصةً إذا أمكن إصدار مذكرة اتّهام لتبرير عملية الخطف.

كانت نقاط الضعف في هيكل السلطة الذي وضعه محمد بن سلمان واضحة في كل مرحلة من مراحل التخطيط والتنفيذ لعملية القبض على خاشقجي. إذ إن الطبيعة المتهورة للكثير من أعوان ولي العهد، تعني أنه على الأرجح لم يتمّ أبداً أخذ المضاعفات والتبعات المحتملة لعملية التخلّص من صحافي وناقد بارز في الحسبان. علاوةً على ذلك، يمكن الجزم بشكل كليّ تقريباً بأنه لم يتمّ التشاور قبل تنفيذ العملية مع جحافل مجموعات الضغط والعلاقات العامة السعودية في واشنطن، التي ربما كان يمكن أن تتنبأ بردود فعل مشابهة على اختطاف عضو مشهور في سلك الصحافة.

كما يمكن أن تؤكد لنا مركزية الجهاز الأمني التي كانت بيد محمد بن سلمان طيلة الاثني عشر شهراً الماضية، أن الفريق الذي تمّ تشكيله لتنفيذ العملية، اختير على أساس العلاقات الشخصية والولاء للديوان الملكي، ولا على أساس المهارات والخبرة الفعلية.

وبمجرد أن سلكت عملية الخطف والقبض طريقاً مخطئاً بشكل لارجعة فيه، ووصلت إلى حدّ قتل خاشقجي، وبالتالي كان من المستحيل كشفها إلى العلن، ساهم الافتقار إلى التفكير المُسبق بالنتائج المحتملة في إفشال إنتاج رواية سعودية متّسقة أو موثوقة. كانت الرسالة المزمع إيصالها هي أن محمد بن سلمان لايزال يمسك بقوّة بزمام الأمور في المملكة، وأنه ملتزم بتنفيذ برنامجه للإصلاح الاقتصادي ومكافحة المصالح الراسخة للحرس السعودي القديم، وأن النقّاد حول العالم سيعتبرونها خطوة مشروعة للسلطات. لكن، بدلاً من ذلك، دلّل فشل العملية على الضعف، وعزّز إدراكاً متنامياً بأن ولي العهد متهور، وأن صناعة السياسة السعودية بقيادته أصبحت غير فعّالة. كما أظهرت أن أفراد حلقته الداخلية متقلّبون على نحو خطير.

جين ساكي | نائبة الرئيس للاتصالات والاستراتيجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واشنطن العاصمة:

يشير اختفاء جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول إلى منحى مثير للقلق العميق، وهو تفاقم استهداف الحكومات الأجنبية للصحافيين والمنشقين، من دون تعرضها إلى أي تبعات حقيقية.

لنتذكر هنا أنه قبل سنة تماماً من الآن، حفز صعود ولي العهد محمد بن سلمان على إطلاق سلسلة سريعة من المقالات الحماسية والمتأججة في الإعلام الغربي حول خططه الإصلاحية التي يمكنها أن تجعل السعودية أكثر انفتاحاً، بما في ذلك التسامح أكثر مع الصحافيين والمنشقين. لكن يتبيّن الآن بجلاء أن هذه التوقعات كانت سابقة لأوانها، وأن اللائمة في ذلك تقع جزئياً على كاهل الولايات المتحدة بسبب نقص المتابعة والتدقيق لديها.

معروف أن حقوق الإنسان وحرية الرأي، بما في ذلك كيفية التعاطي مع الإعلاميين، لطالما كانت على لائحة القضايا التي يطرحها الدبلوماسيون الأميركيون مع نظرائهم السعوديين. لكن حتى مجيء إدارة ترامب، كان ذلك يتم بهدوء، هذا إذا ما كان ذلك يتم على الإطلاق، بسبب العلاقات العسكرية بين البلدين. وفي المرحلة الراهنة، تقلّص حتى أكثر التركيز على حقوق الإنسان، مع قيام الرئيس ترامب بشنّ الحملات بشكل منتظم على شرعية الإعلام الأميركي نفسه. لا بل هو وصل إلى حد الدفاع عن الحكومة السعودية، على رغم تراكم الأدلة ضدها في مسألة خاشقجي، حين تحدث عن وجود "قتلة مارقين" يقفون وراء اختفاء خاشقجي. وعلى رغم انطلاق بعض الدعوات من أعضاء في الكونغرس الأميركي للتحرّك حيال هذه القضية، إلا أن الحكومة السعودية كانت تعلم أن ترامب لن يدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراء ما، وهي كانت كانت على حق.

والآن، إذا ما كانت ستبذل ضغوط على السعودية لكشف تفاصيل قضية خاشقجي، سيكون ثمة حاجة لأن يستلم بلد آخر زمام القيادة في هذا الشأن، وإلا لن تكون هناك تبعات لهذا الحادث، وربما يقع أيضاً المزيد من الاختفاءات.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق