q

غالب حسن الشابندر

 

بات واضحاً، من خلال التجربة الحية، أي من خلال الممارسة، أن الرابطة الدينية رغم عمقها غير مؤهلة لتكون جامعاً عراقياً، ولم يعد سراً ان الرابطة القومية في العراق غير مؤهلة ايضا للعب مثل هذا الدور المصيري، ولم يبق سوى الرابطة الوطنية، لأنها تتجاوز هوية الثقافات الفرعية، لتصب في ثقافة اكثر شمولاً وترسيخاً، أي ثقافة الوطن، وأقصد بثقافة الوطن حاصل ما اتفق عليه التاريخ العراقي من عادات وأفكار وأشكال فلكلورية وأمثلة وتقاليد وطرق تفكير، مع احترام وتقدير الثقافات الفرعية، مثل رابطة المذاهب والانتماءات القومية والدينية وغيرها، ولكن في إطار الثقافة الوطنية الكلية، ويبدو ان هذه الرابطة هي التي حمت العراق منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة من الانهيار والاندثار، وكان العهد الملكي يتعهد هذه الرابطة بشكل عام، مما ساهم في الحفاظ على كيان هذا البلد ومستقبله وخيراته، لا أقصد ان العهد الملكي لم يشط عن هذه القاعدة احياناً، بل اتكلم بشكل عام، وليس هنا محل التفصيل.

الرابطة الدينية أثبتت فشلها كنسيج جامع لأبناء العراق، وفي الحقيقة ان الاعتماد على عنصر عقدي شمولي في مثل هذه المهمة تكاد تكون صعبة، خاصة اذا كان الاعتقاد عابراً للقوميات والوطنيات وكثيراً من الهويات الأخرى، ولذلك رأينا بعض التجارب المفجعة هنا، حيث طالما يضحي أحدهم بوطنه كله استجابة لنداء ما يسمونه (العقيدة)، ولكن هذا لا يعني اهمال هذا الرابط تماماً، فان عبقرية العقل العراقي مدعوة الى تشكيل مركب سياسي عقدي/وطني، يجير ويجيش عواطف الانتماء الديني في سبيل الوطن، وينطلق من ان ضياع الوطن قد يؤدي الى ضياع الدين، ويعقد بين الطرفين علاقة جدلية حيّة، وانا اضطر للقول بذلك، لان من المستحيل اهمال الجانب الديني/العقدي، نظراً لتغلغل العقائد في وجدان الانسان، حتى اذا اعلن إلحاده وكفره بالقيم الدينية.

ان الحديث التعليمي عن ثقافة العراق القديم، وعن الشخصيات العراقية التي احدثت انقلاباً في الفكر الانساني، وكون الديانة الابراهيمية إنما منبعها العراق، وان حضارة القرن الرابع الهجري الاسلامية هي بنت بغداد والكوفة والبصرة، وان الفلاح العراقي يتحدى الفيضان وطغيانه ليعيد زراعة أرضه، فيما الفلاح المصري تهديه الطبيعة الخصب مجاناً، وان مدرسة الرأي تأسست في بغداد... إن ترسيخ مثل هذه الثقافة في الفرد العراقي منذ الطفولة، كفيلة الى حدٍ ما بتحرير العقل العراقي من سحر الايدلوجيا وخاصة الايدلوجيا الدينية، سواء كانت اسلامية او مسيحية او مندائية و ايزيدية او أي لون عقدي ديني آخر.

ان احلال الثقافة الوطنية مكانها من نفوس العراقيين وضمائرهم ووجدانهم مطلب تربوي ملح، ولا استبعد ان استعانة رؤساء المكونات العراقية من سنِّية وشيعية وكردية وتركمانية بهذه الدولة او تلك، من اجل حل مشاكلها في ما بينها وبين الآخر، انما ناتج من ضعف الثقافة الوطنية.

إن العراق هو العراق، قبل ان يكون مسيحيا او مسلما او عربيا او كرديا او تركمانيا او سنِّيا او شيعيا...

هكذا العراق منذ جغرافيته القديمة، ومنذ التأسيس الحديث.

https://www.almadapaper.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق