q
بعد عام على تغيير اسم الشبكة الأم من فيسبوك إلى ميتا، تسعى المجموعة العملاقة جاهدة لتوسيع الزخم حول الميتافيرس واعدة بمعدات أكثر تطوراً وإيرادات مالية لصانعي المحتوى وتحسينات على الصور الرمزية، أكد مارك زوكربرغ على تقدم الشركة في بناء عالم ميتافيرس الذي يوصف بأنه مستقبل الإنترنت...

ربما يمضي العالم بوتيرة متسارعة إلى مرحلة الحياة الافتراضية، بعد أن بدت ملامحها ومتغيراتها إبان جائحة "كوفيد-19" الوبائية، لكن تلك الحياة ستكون افتراضية بصورة كلية للأجيال القادمة، وهذا ما يخطط له مارك زوكربيرج، المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع فيس بوك، أو كما سماه مؤخرًا "ميتا"، وهو تغير مهم على مسار مشروعه "الميتافيرس" أو "العالم الماورائي" والذي من شأنه تغيير مستقبل البشرية؛ كما يزعم زوكربيرج.

فبدلاً من أن تكون التفاعلات البشرية واقعية ومحسوسة عبر التلاقي المادي أو تكون غير مادية وغير محسوسة عبر التلاقي الرقمي من خلال شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، سوف يكون هناك طريق ثالث يسد الفجوة بين هذين العالمين (الواقعي والرقمي)، ليظهر عالم ثالث افتراضي يأخذ من الواقع شيئاً، ومن الإنترنت والتقنيات الذكية أشياءً وخصائص أخرى.

وبالتالي تُثار تساؤلات من قبيل؛ ما هي شكل هذه الحياة الجديدة؟ وهل سينجح مارك زوكربرج في إنشائها؟ وما هي حدود التمييز بينها وبين العالم الواقعي؟ وكيف ستؤثر على الحضارة الإنسانية والعمران البشري؟ أسئلة كثيرة قد تكون لبعضها إجابات حالية والبعض الآخر ما زال غير معروف، وهذا ما سعت دراسة تحت عنوان "هل يسد "الميتافيرس" فجوة العالمين الافتراضي والواقعي؟" إلى توضيحه.

ويعتبر "الميتافيرس" عالماً اختيارياً، يُبنى وفق رغبات مُستخدميه، فيستطيع الأفراد إنشاء عالمهم الخاص بهم، وقد قسمها زوكربرج حتى الآن إلى 3 عوالم أو آفاق Horizons كما أطلق عليها، وهي "آفاق المنزل" أو Horizons Home، و"آفاق العمل" Horizon Workrooms، و"آفاق العالم" Horizons world.

وداخل "آفاق المنزل"، يستطيع المُستخدم إنشاء نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلي، ويستطيع التجول فيها بمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، ومن ثم يستطيع أن يدعو زملاءه عبر "الميتافيرس" إلى قضاء وقت معاً داخل المنزل، أو مشاهدة مباراة كرم قدم، أو حتى استذكار الدروس والمراجعة.

وبالمثل يستطيع الزملاء في العمل إنشاء فضائهم الخاص بهم داخل "الميتافيرس"، فيمكنهم الذهاب إلى العمل فقط من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، وإنجاز المهام المطلوبة والمشاركة في الاجتماعات بل وأخذ راحة منتصف اليوم مع أصدقاء العمل، كل ذلك من دون حتى مغادرة المنزل.

ليس هذا فحسب، بل يمكن التسوق أيضاً داخل "الميتافيرس"، واختيار السلع الغذائية من داخل السوبر ماركت ودفع ثمنها عبر بطاقة الائتمان في تجربة ثلاثية الأبعاد، وكأن المستخدم داخل أحد المتاجر بالفعل، كما يمكن قياس الملابس والتأكد من ملاءمتها للمُستخدم، عبر تصميم "أفاتار" بنفس مقاييس المُستخدم ومحاكاة تجربة ارتداء الملابس عليه.

وتتعدى تجربة عالم "الميتافيرس" في التعليم لتكون أكثر ثراءً، فتوفر مثلاً للطلاب المعنيين بدراسة الفضاء أو المحيطات أو الجيولوجيا أو التاريخ، فرصة لمحاكاة هذه العوالم في صورة ثلاثية الأبعاد، وبالتالي يمكنهم الذهاب إلى القمر أو أحد الكواكب الشمسية أو حتى الشمس نفسها، وأيضاً يمكنهم الذهاب إلى أعماق المحيطات أو باطن الأرض، أو حتى العودة إلى أحد الأزمنة التاريخية ومحاكاة طرق العيش فيها. ومع دخول نظم الذكاء الاصطناعي في برمجة شخصيات هذه العوامل، يمكن للمُستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية بالفعل.

الاستثمار في البشر، قد تتحول حياة المُستخدم الحقيقية في عالم "الميتافيرس" شيئاً فشيئاً إلى كابوس من دون أن يدري، فلا يهتم بشكل منزله الحقيقي، ولا بشكل مدينته الحقيقة، ولا يسعى إلى تعمير الأرض التي يسكن فيها، ويكتفي ببناء جنة خيالية في عالم افتراضي، يعيش فيها طيلة اليوم ولا يتركها إلا عند النوم.

ويبقى القول إن مشروع "الميتافيرس" أحد مشروعات "فيس بوك" الواعدة؛ لكنها ما زالت قيد الاختبار مثل غيرها من المشروعات التي لم تتحقق. وحتى وإن اكتمل مشروع "الميتافيرس" خلال 5 سنوات من الآن كما تسعى فيس بوك، فإن هذا التطور سوف تقابله مقاومة من التيار الإنساني التقليدي، الذي يرفض هذه السرعة المُبالغ فيها في التطور، ويثمن الحياة التقليدية في كثير من جوانبها.

مستقبل الانترنت

بعد عام على تغيير اسم الشبكة الأم من فيسبوك إلى ميتا، تسعى المجموعة العملاقة جاهدة لتوسيع الزخم حول الميتافيرس واعدة بمعدات أكثر تطوراً وإيرادات مالية لصانعي المحتوى وتحسينات على الصور الرمزية.

أكد مؤسس المجموعة الأميركية العملاقة مارك زوكربرغ خلال مؤتمر حول تقدم الشركة في بناء عالم ميتافيرس الذي يوصف بأنه مستقبل الإنترنت، إن "المستقبل ليس بعيداً جداً"، وتعليقاً على هذه التصريحات، قالت كارولينا ميلانيزي من شركة "كرييتيف ستراتيجيز" إن "النبرة كانت مدروسة أكثر من العام الماضي، بما يشبه العودة إلى الواقع"، وأضافت "لقد أدركوا مدى تعقيد إنشاء هذا العالم، كما خلصوا ربما إلى أن الناس لا يريدون العيش فيه على مدار الساعة".

في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أعلن مارك زوكربرغ تغيير اسم الشبكة الأم من "فيسبوك" إلى "ميتا". وقد استثمرت المجموعة حوالي 10 مليارات دولار في هذه التقنيات الجديدة العام الماضي.

وطرح زوكربرغ قبل أيام خوذة جديدة للواقع الافتراضي تحمل اسم "Quest Pro" ("كويست برو")، وهي أداة بسعر 1500 دولار مخصصة للمحترفين، إضافة إلى منتجات أخرى كثيرة يمكن استخدامها من خلال أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.

وستدخل الشخصية الافتراضية للمسمتخدم (أفاتار) إلى إنستغرام، كما تُعدّ ميتا مجالات للتعاون مع خدمة "تيمز" من مايكروسوفت و"بيكوك" (منصة الفيديو التابعة لقناة "ان بي سي يونيفرسال")، وقال مدير التكنولوجيا أندرو بوسورث "يجب أن تكون قادراً على الانضمام إلى أصدقائك في ميتافيرس أينما كنت"، و"نريد أن يكون كل شخص قادراً على الحصول على أكثر تجربة انغماسية ممكنة، لكنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يكون هناك ما يكفي من الخوذ"، وترى الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب أن عالم ميتافيرس بدأ في التبلور، خصوصاً بفضل ألعاب الفيديو وتطبيقات الواقع الافتراضي المخصصة للياقة البدنية.

بحلول نهاية عام 2021، بيعَت أكثر من 10 ملايين خوذة من طراز "كويست 2" في جميع أنحاء العالم، بحسب "كاونتربوينت"، وبحسب "ميتا"، أنفق المستخدمون أكثر من 1,5 مليار دولار على المنصة حتى الآن، كما تخطى ما يقرب من ثلث المنتجات المتاحة للبيع في هذا المجال عتبة مليون دولار من المبيعات.

على جانب الابتكار، هناك مزيد من شخصيات المستخدم الافتراضية الأكثر واقعية على الطريق. ومن المتوقع أن يكون لهذه الشخصيات قريباً أرجل، ويعمل مهندسو المجموعة على تمثيلات واقعية "لإحداث شعور حقيقي بحضور الآخر"، وفق أحد هؤلاء المهندسين، وقالت كارولينا ميلانيزي إن "الواقع الافتراضي آخذ في التحسن، والتطبيقات أيضاً. لكني لا أرى أن ميتافيرس سيتجسد كعالم مشترك. لا يزال الأمر يتعلق بالتجارب الفردية فقط".

وشدد زوكربرغ كعادته دائماً على مهمة شركته، الثانية عالمياً في مجال الإعلان، القائمة على "إنشاء روابط" بين الأشخاص، لكن "هورايزن وورلدز"، منصة "ميتا" المتخصصة في مجال الإنشاء والتفاعل الاجتماعي للواقع الافتراضي، تجد صعوبة في الإقناع بجدوى نشاطها، وكتب نائب رئيس شؤون "ميتافيرس" لدى "ميتا" فيشال شاه، في مذكرة وجهها منتصف أيلول/سبتمبر للموظفين ونشرها موقع "ذي فيرج" الإلكتروني، أن "الكثير منّا لا يمضي الكثير من الوقت في هورايزن".

وتحدث عن تعليقات غير مبالية بهذه المنصة، متسائلا "إذا لم نحب (المنصة)، فكيف نتوقع أن يحبها المستخدمون لدينا؟" لكنّ زخم "ميتا" يتراجع، إذ تواجه المجموعة وضعاً اقتصادياً سيئاً ومنافسة من "تيك توك" ذات الشعبية الكبيرة، من بين عوامل ضاغطة أخرى، كما أنّ عمالقة التكنولوجيا الآخرين لديهم مشاريعهم الخاصة في عالم ميتافيرس. وثمة توقعات بأن تطلق "آبل"أول خوذة في هذا العالم الموازي العام المقبل.

وأكد نائب رئيس "ميتا" المسؤول عن تقنيات الواقع الافتراضي في المجموعة مارك رابكين أن "ميتافيرس سوف ينطلق بصورة مفاجئة"، وقال "سيكون لدينا انطباع بأنه بعيد جداً، وبعد ذلك ستكون هناك حالات استخدام مقنعة، ومجموعات من صانعي المحتوى، وقطاعات من السكان الذين سيمضون المزيد من الوقت هناك ... لنجد أنفسنا فجأة هناك".

ما طبيعة الصراع الذي تخوضه شركات التكنولوجيا حول "ميتافيرس"؟ وكيف ستغيّر حياتنا؟

أصبحت النقاشات حول تقنية ميتافيرس (Metaverse) أكثر شيوعا في السنوات الأخيرة بصفتها تطورا رئيسيا للتجارب الرقمية، لكن هذه التقنية ما تزال غامضة حتى لدى كثير من الأشخاص الذين يمتلكون ناصية التطور التقني.

وفي تقرير نشره موقع "ريدرز دايجست" (Readers Digest)، تقول الكاتبة ميمونا كونته إن كلمة ميتافيرس لا تشير إلى شيء واحد محدد، بل إلى شبكة من التطبيقات التي تسهل التفاعل عبر الإنترنت من خلال توظيف تقنيات مطورة في الواقع الافتراضي، ويمكن للمستخدمين تجسيد الصور الرمزية الرقمية لأنفسهم، والتواصل والتحرك عبر مجموعة متنوعة من المساحات الافتراضية، كما هي الحال في الحياة الحقيقية.

وأضافت الكاتبة أنه في تسعينيات القرن الماضي قامت شركة الألعاب اليابانية "سيغا" بإدخال ألعاب الواقع الافتراضي إلى صالات ألعاب الفيديو، ورأت كونته أن الإصدارات الحالية لميتافيرس يمكن أن تعزى إلى هذه التقنيات، "لكن لا توجد تقنية واحدة أكثر أهمية لتطوير ميتافيرس من نظارة الواقع الافتراضي".

وأضافت الكاتبة أن هواة ألعاب الفيديو هم من يحصلون على الاستفادة القصوى من ميتافيرس، وقد تكون ألعاب الفيديو أكثر ما يستهوي ميتافيرس للتعامل معه، لكن هذه التقنية لا بد أن تضيف شيئا في كل مجال من مجالات الحياة.

فالميتافيرس بشكل عام مكان افتراضي سنعمل ونتعلم ونرفه عن أنفسنا ونكسب الأموال وننفقها فيه، ويتفق معظم خبراء التكنولوجيا على أنها ستغير حياتنا جذريا، وفي هذا السياق، يقول الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا إن ميتافيرس "لن تغير فقط الطريقة التي نرى بها العالم، بل ستؤثر أيضا على كيفية مشاركتنا فيه، من المصنع إلى غرفة الاجتماعات"، قريبا، قد يصبح شائعا لدى عشاق الموسيقى والرياضة ارتداء نظارات الواقع الافتراضي والظهور على الهواء مباشرة من دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم على الإطلاق، كما أن هذه التقنية قد تحل مشاكل الازدحام، وكل ذلك غيض من فيض في فضاء الميتافيرس.

توظف شركة "ميتا" (Meta) بقيادة مارك زوكربيرغ حاليا نحو 10 آلاف شخص في مشروع الميتافيرس، وخصصت 10 مليارات دولار لإنفاقها هذا العام وحده على هذا المشروع، أما شركة "فارجو رياليتي كلاود" (Varjo Reality Cloud)، فأعلنت أخيرا انتهاء العمل في نسختها التجريبية الخاصة بالميتافيرس، وهي الآن في طور الإصدار الكامل.

وتختلف نسخة "فارجو" اختلافا كبيرا عن نسخة شركة "ميتا" (فيسبوك سابقا) من الميتافيرس، لكن من الواضح الآن أن لدينا معسكرين كبيرين يتصارعان على مستقبل شبكة الميتافيرس وكيف ستكون، فعالم الميتافيرس في شركة "ميتا" يركز على المستهلك والإيرادات، ويُحدّد من خلال قيود الأداء وطريقة الاستعمال؛ مثل ضرورة وجود سماعات أو نظارات "أوكولوس" كشرط للدخول إلى الميتافيرس. في حين يركز نهج شركتي "فارجو-إنيفيديا" (Varjo-Nvidia) على الأداء؛ فالأداء هو الملك، والأعمال التجارية تأتي في المقام الثاني، وذلك كما يوضح الكاتب روب إندرلي المتخصص في شؤون التكنولوجيا في مقالة له نشرها موقع "تيك نيوز وورلد" (Tech News World) حديثا، وتناول فيها معالم الصراع على مستقبل الميتافيرس، والفروق بين نسخ كل من شركات ميتا و"فارجو-إنفيديا" من الميتافيرس.

وتولي أيضا شركات عالمية كبرى مثل أمازون وآبل وغوغل ومايكروسوفت ونفيديا اهتماما غير مسبوق بالتحضير للميتافيرس، فتعيد تنظيمها الداخلي وكتابة أوصاف الوظائف المناسبة "لحقبة الميتافيرس"، وتستعد لإطلاق منتجات بمليارات الدولارات ملائمة لهذه الحقبة.

وتقدر شركة ماكنزي للاستشارات الإدارية حجم الاستثمارات المرتبطة بالميتافيرس خلال الأشهر الخمسة الأولى فقط من هذا العام بنحو 120 مليار دولار، ليس هناك شك في أن ميتافيرس ستسهل الحياة أكثر في عدة مجالات، ولكن كما هي الحال مع جميع التقنيات الجديدة، فإن لها جوانب سلبية.

وتشمل التحديات التي تواجه مطوري ميتافيرس قضايا الخصوصية وحماية الطفل وعدم المساواة والشرعية والصحة، ويرى الخبراء أنه هناك بالفعل مخاوف حقيقية للغاية حول البيانات الشخصية عبر الإنترنت؛ حيث أصبحت البيانات الآن السلعة الأكثر قيمة، ومن المحتمل أن تؤدي ميتافيرس إلى تفاقم استغلال البيانات لأنها تطمس الخطوط الفاصلة بين البيانات المادية والرقمية.

ولا توجد أيضًا عملية رسمية للتحقق من الهوية في ميتافيرس، مما يجعل من السهل انتحال الهوية الرقمية وهي مجرد واحدة من مجموعة من الجرائم المحتملة التي قد تمر من دون رادع. ومن الممكن أيضًا أن تؤدي ميتافيرس إلى تفاقم ثقافة سلب الحساسية والإدمان السيبراني؛ ومع ذلك لا يبدو أن الشركات المستثمرة في الواقع الافتراضي تفعل الكثير لمواجهة هذه الآثار السلبية.

وأحد عيوب المقاربة بين الجميع ودمج ثقافات العالم المختلفة في ثقافة واحدة هو فقدان التنوع الثقافي الجميل الموجود حاليا في العالم؛ فإذا كان الناس سيقضون معظم وقتهم في العالم الموازي، فلن يعودوا يشعرون بالارتباط بمجتمعهم المباشر.

كما أنهم لن يشعروا بالحاجة إلى تبني ثقافتهم المحلية أو الإقليمية، وقد يؤدي هذا في النهاية إلى نهاية العديد من التقاليد التي كانت موجودة منذ بداية البشرية، ومن المرجح أن تخلق مجتمعا جديدا، رغم أنها قد تكون مجتمعات موحدة وشاملة للجميع، فإنها قد تنتهي بالفشل وستكون غير مثيرة للاهتمام.

كما أن أحد المخاوف الرئيسية لدى العديد من الأشخاص حول هذه التقنية هو مدى سهولة فقدان مسار الوقت أثناء تواجدك فيها؛ نظرا لأن حواسك معطلة بشكل أساسي. أو بمعنى آخر، هي متصلة بالعالم الافتراضي بدل العالم الحقيقي، وقد يفقد الأشخاص الذين يتعرضون للميتافيرس فترة طويلة ارتباطهم بالواقع، وقد يتجاوزون ذلك لعدم الرغبة في الاعتراف بوجود عالم غير العالم الافتراضي، ونحن حاليا إلى حد ما نختبر هذا النوع من السلوك مع استخدام الأجهزة المحمولة، حيث يقضي العديد من الأشخاص حول العالم ما يقارب 5 ساعات يوميا في التحديق في الشاشة.

محرقة أموال مصيرها مجهول

نشر موقع بزنس إنسايدر تقريراً عن مشروع ميتافيرس والمبالغ المالية الطائلة التي تم إنفاقها على المشروع دون أن يعرف أحد مصيرها، مشيراً إلى أن ما أنفقته شركة ميتا المالكة وصل إلى 15 مليار دولار منذ بدايته العام الماضي، لكن الشركة لم تكشف حتى اليوم عن الأمور التي يتم إنفاق المال عليها تحديداً.

وينتاب القلق بعض الخبراء من إنفاق الشركة الكثير من المال على فكرة قد لا تحقق النجاح المنشود، وقال دان ايفيز محلل التقنية في شركة ويدبوش سيكيوريتيز الأمريكية: «المشكلة أنهم ينفقون المال لكن الشفافية مع المستثمرين كانت كارثية».

وأبدى إيفيز رأيه بخصوص مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة ميتا والداعم الأكبر لمشروع ميتافيرس: «يظل هذا رهاناً خطيراً من قبل زوكربيرغ وفريقه لأنهم في الوقت الحالي يراهنون بالمال على المستقبل بينما ما تزال تواجههم رياح معاكسة بشأن أعمالهم الجوهرية».

عندما بدأت شركة ميتا بالإفصاح عن البيانات المالية لمختبرات الواقع الخاصة بها العام الماضي، كشفت الشركة عن أنفاقها أكثر من 10 مليارات دولار على المشروع، دون مؤشر على نهاية الخسائر، وأبلغت الشركة حتى الآن عن خسائر تفوق 5 مليارات دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2022.

ورفضت ميتا التعليق على هذه الرواية، لكن ناطق باسم الشركة قال إن ميتا لا تقدم تفاصيل مالية لقسم مختبرات الواقع لديها، وقال إيفيز إن مقدار المال الذي أنفقته ميتا على مشروع ميتافيرس حتى الآن مثير للقلق، خصوصاً بالنظر إلى التحديثات التي قدمتها هذا الأسبوع، بما في ذلك نظارة الواقع الافتراضي / المعزز التي تكلف 1500 دولار ورؤيتها حول الأفتار والسيقان.

منازل فاخرة.. أيهما الأفضل أن تشتري عقارًا بـ"الميتافيرس" أو العالم الحقيقي؟

أصبح عالم "ميتافيرس"، وهو عدد متزايد من العوالم الافتراضية على الإنترنت، حيث يعيش المستخدمون ويلعبون، مرتعًا للمضاربات العقارية، ويُراهِن المستثمرون على أنه جزء لا يتجزّأ من نقلة نوعية مُحتملة في كيفيّة استخدامنا للإنترنت، وبالتحديد نسخة لامركزية تُدعى "ويب 3"، ويرى مؤيدوها أنها ستُزيل سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على الإنترنت، وتضع النفوذ، والخصوصية، والأمن بين يدي المستخدمين مرّة أخرى.

ووفقًا لما ذكرته شركة "ماكنزي" للاستشارات، استثمرت الشركات، وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، والأسهم الخاصة 120 مليار دولار في عالم "ميتافيرس" بين يناير/كانون الثاني، ومايو/أيار من عام 2022، وهذا أكبر من المبلغ المُستثمَر في عام 2021، والذي بلغ 57 مليار دولار.

ولكن واجهت قيمة العقارات تقلبات، وانخفضت أسعار الأراضي في منصات "ميتافيرس" الأربعة الرئيسية، وهي "The Sandbox"، و"Decentraland"، و"Cryptovoxels"، و "Somnium Space"، بنسبة تتراوح بين 59% و80% هذا العام، بحسب ما ذكره الرئيس التنفيذي، والمؤسس المشارك لشركة تحليلات عالم "ميتافيرس"، "WeMeta"، وينستون روبسون، وأشار روبسون إلى أن المشاكل في اقتصاد العالم الحقيقي وسوق العملات المشفرة ساهمت في هذا التراجع، ومع ذلك، فإن مهن بأكملها ستتعرض للزعزعة، من المهندسين المعماريين، والمصممين، إلى المطورين، ووكلاء العقارات، وذلك عند النظر إلى ما وراء الأرقام، وتؤثّر مشاريعهم على العالم الحقيقي بالفعل.

بناء المستقبل، ودرس الرئيس التنفيذي لشركة "Voxel Architects"، جورج بيليكا، الهندسة المعمارية، والتصميم، وكان يعمل في مجال تصميم السيارات عند منحه بعض الأراضي بمنصة "Cryptovoxels"، وفي بداية الجائحة، استخدم بيليكا المنصة لبناء وكالة لبيع الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) للسيارات الرقمية التي صممها صديقه.

وبعد عامين، أصبح لدى بيليكا فريق مكوّن من 25 شخصًا يعملون بدوام كامل في عالم "ميتافيرس"، وقامت شركة "Voxel Architects"، ومقرّها البرتغال، بتصميم وبناء أكثر من 100 مشروع "ميتافيرس"، بحسب ما ذكره بيليكا، بما في ذلك صالات العرض لدار "سوذبي" للمزادات، ومساحات خاصة لأسابيع الموضة.

وفي البداية، قال بيليكا إن عملية تصميم المباني في "ميتافيرس" هي ذاتها في العالم الحقيقي، ويتشاور المهندس المعماري، أو المصمم، مع العميل، ويرسم الاقتراحات، إما على الورق، أو باستخدام الحاسوب.

كيف أصبحت العوالم الافتراضية مرتعًا للمضاربة العقارية؟ صممت شركة "Voxel Architects" مساحة خاصة لأسبوع الموضة بعالم "ميتافيرس" في عام 2022., plain_text

Credit: courtesy Voxel Architects، وبمجرّد الموافقة على التصميم، يتم تشكيله عبر النمذجة ثلاثية الأبعاد باستخدام برنامج تصميم تقليدي، ولكن بشكلٍ يتوافق مع مواصفات التصميم الخاصة بعالم "ميتافيرس" الذي سيكون فيه، ويتقاضى الاستوديو الأجر بالساعة، ووصلت كلفة بعض المشاريع إلى مئات الآلاف من الدولارات، ويشتري البعض العقارات للاستخدام الترفيهي، بينما يحاول آخرون جني الإيرادات من أراضيهم، ويبني البعض مساحات للبيع بالتجزئة، ويقوم آخرون بتأجير أراضيهم للعلامات التجارية التي تحاول الوصول إلى المستهلكين في "ميتافيرس".

وبحلول عام 2030، قد يكون للتجارة الإلكترونية في "ميتافيرس" تأثير على السوق بمقدار يصل إلى 2.6 تريليون دولار، وفقًا لما ذكرته "ماكنزي"، وتدّعي "LandVault" أنها أكبر مطوّر للأراضي في عالم "ميتافيرس"، إذ تسعى إلى تأجير أراضيها للعلامات التجارية، وتطوّر حملات مخصصة لهذا الأمر.

ولكن يصرّ رئيسها التنفيذي، سام هوبر، عدم الإشارة إلى ذلك كإعلان، إذ قال: "في ويب 3... ليس للكلمة مكان في الواقع"، وكمثال، ذكر هوبر فكرة التسلّي بلعبة في عالم "ميتافيرس" داخل ميدان يحمل شعار "ماستركارد"، وأوضح: "لا يزال بإمكانك لعب لعبتك. وهذا ليس إعلانًا، وليس مزعجًا. بل أشبه بالحياة الحقيقية"، وأضاف هوبر أن "الإعلانات عبر الإنترنت متطفّلة، وتُعرِّض بيانات المستخدم للخطر، وما إلى ذلك. ولا يوجد مكان لذلك في ويب 3"، وكما هو الحال في العالم الحقيقي، يؤثّر الموقع على سعر الإيجار، وقد يكون التواجد بمنطقة فيها إقبال كبير، أو بالقرب من لعبة محبوبة للغاية، أو بالقرب من إحدى الأصول الثمينة (مثل منزل أحد المشاهير) أمرًا مهمًا، ولكن يؤكّد بعض الأشخاص ومنهم الرئيسة التنفيذية لشركة "Everyrealm" جانين يوريو أن للتصميم الجيد قيمة أيضَا.وتلقّت شركة التطوير الخاصة بـ"ميتافيرس"، التي كانت تُعرف سابقًا باسم "Republic Realm"، تمويلًا بقيمة 66 مليون دولار حتّى الآن، وتحظى بدعم المشاهير، بما في ذلك المغني "ذا ويكيند"، وويل سميث، وباريس هيلتون، وتصدّرت مشاريعها الفاخرة عناوين الأخبار.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2021، اشترت الشركة 792 طردًا من منصة "Sandbox" (يعادل ذلك 3 أميال مربعة تقريبًا) مقابل 4.3 مليون دولار، ولا يزال الأمر بمثابة عملية شراء قياسية، ويُدعى أحدث مشروع للشركة "The Row"، وهو عبارة عن مجتمع يقتصر على المدعوين فقط، ويضم 30 منزلاً.

ودعت الشركة فنانين بما في ذلك دانيال أرشام، وميشا خان، وألكسيس كريستودولو للمساهمة في التصاميم، وإلى جانب المباني الكلاسيكية الجديدة، والهياكل الناتئة العملاقة، توجد أشكال غريبة تُجسّد عمارة رقمية غير مقيّدة بقوانين الفيزياء، وقالت يوريو: "سمحنا للفنانين حقًا بالتمتّع بحريّة التصرّف"، وقد تعتمد قيم عقارات "ميتافيرس" على المدى الطويل أيضًا على ما إذا كان يقرر المستخدمون العمل واللعب فيها، وتقوم الرئيسة التنفيذية لاستوديو التصميم "Roar" في دبي، بالافي دين، بذلك بالفعل بعد شرائها مساحة للشركة على منصة "Decentraland"، وأرادت دين عرض أعمال الشركة للعملاء، فاشترت 4 قطع من الأراضي مقابل 60 ألف دولار تقريبًا في يناير/كانون الثاني من عام 2022، ونقلت دين بالفعل بعض عملياتها التجارية إلى "الميتافيرس"، مع استضافتها لاجتماعات العملاء في مكتب "Roar" الافتراضي، وخلال الشهرين المقبلين، تُخطط دين لإجراء دورة تدريبيّة من غرفة الاجتماعات الخاصة بها في عالم "ميتافيرس"، وقالت يوريو: "من الصعب معرفة ما إذا ستكون العقارات داخلها (الميتافيرس) مستقرّة"، ومن الخارج، قد ينظر الكثيرون إلى آفاقها على المدى الطويل بالكثير من الحذر. وبطبيعة الحال، يشعر بعض الأشخاص الذين يعملون في هذه الصناعة المزدهرة بالتفاؤل، وقال روبسون في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "من الممكن جدًا أن تُشكّل العقارات في ميتافيرس استثمارًا مستقرًا في المستقبل"، واختصر هوبر عالم "ميتافيرس" بمزيج من صيحتين لا يمكن اعتبارهما مجرّد بدعة، وهما الألعاب، والـ"بلوك تشين".

دولة مهددة بالاختفاء والانتقال إلى عالم “ميتافيرس” الافتراضي.. إليك الأسباب

بينما يهدد الاحترار العالمي بغمر جزر (توفالو) الواقعة في المحيط الهادئ بحلول نهاية القرن الحالي، يفكر سكانها البالغ عددهم 12 ألف نسمة في المستقبل، ويريدون أن يتمسكوا بصورة توفالو الحالية ولو في العالم الافتراضي.

وقالت المدعية العامة السابقة لتوفالو والمفوضة السامية الحالية لفيجي الدكتورة إيسيلالوفا أبينيلو في مؤتمر إدارة شؤون المحيط الهادئ بالجامعة الوطنية الأسترالية، إن التوفالويين بحاجة إلى “شيء يمكنهم التمسك به”.

وأضافت “عندما يحدث ذلك أخيرًا، ستختفي توفالو وكل ما لديها هو هذا العالم الافتراضي. يجب أن نكون دائمًا قادرين على تذكّر توفالو كما هي قبل اختفائها. إنه مثل الخيار الأخير”، وتابعت “ولكن لا يمكننا رقمنة الناس، من السهل الحديث عن الأرض. نحن بحاجة إلى إشراك البشر، وهذا شيء ما زلنا نفكر فيه”.

ودعت إيسيلالوفا أبينيلو البلدان المجاورة -مثل أستراليا ونيوزيلندا- إلى السماح لسكان توفالو بسهولة الوصول إليها حاليًا، حتى يتمكنوا من استكشاف منازل محتملة أخرى قبل أن يجبرهم ارتفاع سطح المحيط على الهجرة، وقال متحدثون آخرون في المؤتمر إن ما يُعرف بتأشيرة المشاركة الحكومية في المحيط الهادئ ستوفر تأشيرات دائمة لسكان جزر المحيط عندما تبدأ العام المقبل، وطالبوا بضرورة إعطاء الأولوية للدول الأصغر مثل جزر توفالو وكيريباتي التي تواجه تهديدات وجودية بسبب تغيّر المناخ.

ويدور الحديث حاليًا عن إنشاء نسخة إلكترونية في عالم (ميتافيرس) الذي أعلنت عنه شركة ميتا المالكة لمواقع فيسبوك وإنستغرام وواتساب، وتقع توفالو -المعروفة سابقًا باسم جزر إليس- بالمحيط الهادئ في منتصف الطريق بين هاواي وأستراليا، وهي ثالثة صغرى الدول ذات السيادة من حيث عدد السكان في العالم بعد الفاتيكان وناورو، ورابعة صغرى الدول من حيث المساحة (26 كيلومترًا مربعًا) بعد الفاتيكان وموناكو وناورو، وتضم توفالو 9 جزر (أربع جزر مرجانية وخمس جزر حقيقية)، وجيرانها هم كيريباس وناورو وساموا وفيجي.

اضف تعليق