إسلاميات - الإمام الشيرازي

الأجواء الدكتاتورية وتدمير البنية الشبابية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يركز الإمام الشيرازي على أهمية القضاء التام على الأجواء الدكتاتورية، والابتعاد الكلي عن أساليب القمع، وكل سلوك قمعي يجب طرده تماما، فلا يصح استخدام القوة أو الضرب ضد الشباب لإجبارهم على القيام بما لا يرغبون به، كذلك يجب الابتعاد عن أساليب التكميم والصراخ العالي، وفرض أجواء متشددة تسلب من الشباب قدراتهم وتحطم إرادتهم...

(يمتاز الشباب بفطرة سليمة نقية لم تتلوث بعد بالذنوب وباقي الانحرافات الأخرى)

الإمام الشيرازي

 

هناك تناقض حاد بين طبيعة الشباب المتحمس، الحيوي، المتحرك، الذي يميل إلى التجديد وعدم الركون في حالة واحدة، بحثا عن المختلف، المنتِج، تحدث هذه الرغبة الجامحة في التجديد عند الشباب، بسبب طبيعة هذه المرحلة العمرية الحساسة، ومع ذلك غالبا ما يميل الشباب نحو الحماس والمغامرة، مع أن الفطرة الشبابية نقية خالية من التلوث الذي قد نجده لدى فئات عمرية متقدمة.

وقد جاء الإسلام لكي ينظم هذه الطاقات الشبابية، من خلال تعظيم البنية الحركية للمجتمع، من خلال الاستثمار الجيد والمتواصل لطاقات الشباب، فيتم استقطاب هذه الطاقات الابتكارية، ويتم تبويبها، وتنظيمها، وزجّها باتجاه خدمة الشباب أنفسهم، وفي نفس الوقت خدمة المجتمع كله، وهذا ما يتحقق من خلال الأنشطة الشبابية المتوقدة والفاعلة.

الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في المجلد السابع من القطوف الدانية حيث نقرأ سلسلة متواترة من محاضرات سماحته:

(إن مرحلة الشباب مرحلة جديدة مفعمة بطاقات هائلة، وهي بداية تنامي الآمال والأهداف، يرافقها حماس وفعاليات ونشاطات ذهنية وجسدية عظيمة، لا يمكن الاستهانة بها، فيأتي الإسلام لينظم الفعاليات والنشاطات، ويجعلها تصب في خدمة الأهداف الجيدة والنافعة).

لقد ركز الإسلام منذ البداية على أهمية الفطرة، مع وجوب الحفاظ على القلب والعقل من التلوث الذي يمكن أن يتسلل إلى هذه الأعضاء الحيوية، فيعيث بها خرابا، ويجعل الإنسان (الشاب أو غيره) في حالة مزرية، بحيث يكون عاجزا عن تحقيق أي تقدم في حياته، بسبب التلوث الذي أصاب فطرته وصفاء ذهنه ونظافة قلبه من الخبائث.

طريق الاستقامة ومسيرة الإنسان النظيفة

لهذا يركز الدين على أهمية ابتعاد الشباب، والناس في المراحل العمرية الأخرى، عن الذنوب وأشكال الانحرافات المختلفة، فمسيرة الإنسان لا يمكن أن تقترن بطريق الاستقامة إذا لم تكن مسيرته نظيفة وخالية من التعاطي مع المحرمات، كي تكتمل مسيرة الإنسان نحو الأحسن دائما.

يقول الإمام الشيرازي:

(الإسلام يؤكد على الحفاظ على الفطرة والقلب والذهن وسلامة كل منها، لأن الذنوب تعيق الإنسان من الكمال وتؤخره؛ ولذلك فإنه لا تجوز ممارسة الأمور التي تكون سبباً للحرام أو تقود إليه، حفاظاً على مسيرة الإنسان التكاملية).

إن مرحلة الشباب لها خصوصيتها، لذا يجب الانتباه لهذه المرحلة، وعلى الآباء وكل شخص مسؤول عن الشباب أن لا يفرض عليهم الأسلوب الدكتاتوري في إدارة العمل، أو في التربية داخل الأسرة، أو في أجواء العمل، لأن الأجواء الدكتاتورية سلوك تربوي خطير قد يترسخ عند الشاب، ومن الصعب اقتلاعه منه، وقد يستخدمه لاحقا ضد الآخرين.

فإذا أصبح هذا الشاب الذي يعيش في ظل السلوكيات والأوامر الدكتاتورية، مسؤولا في المستقبل، فإنه سوف ينقل ما تعرض له من تصرف دكتاتوري ويتعامل به مع المسؤول عنهم من الناس، بمعنى حين يترسخ مرض الدكتاتورية في شخصيته، فإنه سوف يستعمل هذا النوع من السوك مع أطفاله، أو مع موظفيه وعمّاله المسؤول عنهم، فيتحول إلى دكتاتور، ويسهم في تخرب البنية الشبابية والإنسانية بشكل عام.

لذلك يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال:

(لا يخفى أن سلوك الشباب يختلف عادة عن سلوك الكبار، فلا بد أن ننظر لهذا الأمر من زاويتين: الأولى كيف نتعامل معهم، وأي طريق نسلك للدخول في عالمهم؟ والثانية: أن نلاحظ سلوك الشباب في ما بينهم، ثم نقوم بسد الثغرات عندهم على الصعيد الفكري وغيره، وتصحيح ما هو خطأ في حياتهم).

لهذا ينصح الإمام الشيرازي بأهمية طرد السلوك الدكتاتوري من عقولنا، وإبعاده عن سلوكنا الإداري، والتربوي داخل العائلة، والتعليمي داخل الصف، بل يجب أن نبني جسور التواصل مع الشباب، ونقدم لهم الفرص التي تطور من مواهبهم وطاقاتهم، ونبعد عنهم الأساليب والأوامر الدكتاتورية القمعية التي تسلب منهم حرية التفكير والتصرف.

وفي داخل الأسرة من المهم أن يتنبّه الأب إلى عدم إكراه أبنائه على السلوكيات الخاطئة بالقوة، ويجب أن يتنبه الأب أن القناعات مختلفة، وأن ما يرغب به الأب ليس بالضرورة سيرغب به الابن، وهنا يكون الحد المانع هو الحرام والأفعال والأقوال المحرمة.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي ذلك قائلا:

(ينبغي أن نفتح آفاقاً رحبة مع أبنائنا الشباب، ونكثر من بناء الجسور التي تربطنا بهم فنلتقي معهم عبرها في كل آن، ونبتعد عن كل حالة أو أسلوب من شأنه أن يشنّج العلاقات معهم، وينفرهم عنّا، لاسيما بعض الأساليب الديكتاتورية، حيث يمارس الأب أو غير الأب دور التسلط على الشباب، انطلاقاً من قاعدة احترام الكبير، فيسيء إلى الشباب من خلال ما يتمتع به من مقام الأبوة أو غيره).

طرد السلوك القمعي بعيدا

لذا يركز الإمام الشيرازي على أهمية القضاء التام على الأجواء الدكتاتورية، والابتعاد الكلي عن أساليب القمع، وكل سلوك قمعي يجب طرده تماما، فلا يصح استخدام القوة أو الضرب ضد الشباب لإجبارهم على القيام بما لا يرغبون به، كذلك يجب الابتعاد عن أساليب التكميم والصراخ العالي، وفرض أجواء متشددة تسلب من الشباب قدراتهم وتحطم إرادتهم.

هناك نتائج خطير تنعكس من استخدام الأسلوب الدكتاتوري ضد الشاب، فهو أما يصبح دكتاتورا يتعامل بقسوة مع المسؤول عنهم، حتى في داخل الأسرة حيث يتحول إلى أب شديد التعامل مع أولاده، أو إذا كان معلما فإنه سوف يقسو على طلابه، لأنه في طفولته وشبابه عانى من التصرفات الدكتاتورية، فقلبت حياته إلى جحيم.

كذلك قد يتعرض إلى مرض نفسي في شبابه، فيشعر بالتهميش الداعم لدرجة أن شخصيته تفقد قدراتها، فإذا تمكن مستقبلا وحصل على فرصة إدارية أو عملية أو وظيفة مسؤولة فإنه سوف يتعامل مع المسؤول عنهم بدكتاتورية شديدة لكي يعيد الاعتبار لما فقده في شبابه عندما كان الآخرون يعاملونه بقسوة وشدة ويحاولون تحطيم شخصيته.

يقول الإمام الشيرازي:

(لابد من إلغاء أجواء الديكتاتورية كالضرب، أو الصياح، أو كمّ الأفواه، أو تحجيم شخصيات الشباب، وإلغاء دورهم في الحياة، وغير ذلك مما هو بعيد كل البعد عن الإسلام. وحينئذ سوف نتوقع أحد الأمرين من الشباب: إما أن يصبحوا ديكتاتوريين في حياتهم، فيمارسون ظاهرة التسلط متى ما سنحت لهم الفرصة، فينعكس ذلك حتى في علاقاتهم مع الناس، مما يجعلهم أفراداً غير مرغوب فيهم، ولا ينسجم معهم أحد، أو يفلت الشباب من هذه القبضة الحديدية، فيكون له ردّ فعل معاكس، مما يؤدي بهم إلى ممارسة كل ما حرموا منه على جميع الأصعدة، فقد كانوا يعانون من سحق لشخصياتهم، فيبدؤون بإظهار شخصياتهم عبر مختلف الوسائل والطرق. وعندها تبدو عليهم ظاهرة (حب الظهور)، والرغبة في الشهرة، فتدب في نفوسهم أمراض الكبر والعجب والهوى).

إن هذه الملاحظات الدقيقة التي يتطرق لها الإمام الشيرازي نلاحظها بالفعل عند شبابنا، لأنهم في حياتهم يعانون من التعامل الدكتاتوري من الأب، أو من المعلم، أو المدير، أو رب العمل، فيعيش شبابنا في ظل أجواء قمعية لا ترحمهم، بل تخرب حياتهم، وتنعكس على تصرفاتهم، وطبيعة تعاملهم مع الآخرين عندما تكون لديهم مسؤولية وظيفية أو تعليمية أو حتى أسرية، لهذا فإن القضاء على الأجواء الدكتاتورية مطلب جماعي للشباب وغيرهم، وذلك للمساهمة الفعلية في بناء مجتمع رصين من خلال بنية شبابية بعيدة عن أجواء القمع.


اضف تعليق