q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

سبل القضاء على المفاضلة الطبقية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

ان التفريط بالمساواة، يقود الناس إلى العنف، وبالتالي فإن المحصلة هي الإذلال والإذلال المقابل، أي أن الناس في حال تنصلوا من المساواة، فإنهم يذلّون بعضهم بعضا، وهذا يؤدي إلى فقدام الكرامة التي هي أغلى قيمة عند الإنسان، فإذا تمسك الناس بالمساواة ومراعاة الحقوق بشكل متبادَل، فإن السلم الاجتماعي يكون في أقوى حالاته ودرجاته...

(المفاضلة الطبقية تؤجج النزاعات والحروب) الإمام الشيرازي

يعدّ السلم الأهلي من الأركان الأساسية التي يستند إليها تقدم واستقرار المجتمع، لكي يتسنى له الانشغال بما يستحق من تطور وتحديث ومواكبة للمجتمعات المتقدمة، ويعتمد السلم الأهلي على عناصر عدة من بينها أو في المقدمة منها المساواة بين الناس، وضمان كرامتهم في العيش الكريم الذي لا يتحقق إلا في ظل السلم اجتماعي الراسخ.

لقد تساوى الناس جميعا في المنظور الإسلامي، فبنو آدم سواسية عند الله تعالى، ولا فرق بين إنسان وآخر إلا بالتقوى، وتعرَّف المساواة بأنها حق التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز، سواءً بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأي السياسي أو المستوى الاجتماعي.

وتنص المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن « كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعًا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان الصادر باتفاق الجميع، وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

ووفقًا للأمم المتحدة، يعتبر هذا المبدأ على وجه التحديد في غاية الأهمية للأقليات والفقراء. وبالتالي، يجب أن يعامل القانون والقضاة كل فرد من خلال القوانين ذاتها بغض النظر عن النوع، أو العرق، أو الدين، أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية إلخ، دون تمييز.

المساواة مبدأ إنساني يراعي حقوق الجميع، ولا يفضّل أحدا على آخر لأي سبب كان، فالجميع سواسية، لهم الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات التي تتوافق مع قدراتهم ومؤهلات، دونما إكراه أو ضغط من أي نوع كان، لأن السلم الاجتماعي واستقراره يقوم على هذه القواعد والمبادئ التي لا يصحّ التنكر لها أو إهمالها.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام/ الجزء السادس):

(من أهم مقومات السلم والسلام في المجتمع هو قانون المساواة. وقد مرت الإشارة إلى بعض جوانب مفهوم المساواة كما في العطاء وغيره، وأما الجانب الآخر لهذا المفهوم فالمراد منه ما يتعلق بالمجتمع من الجانب الإنساني).

المساواة تدعم البنية الاجتماعية

هذه المساواة لا تشمل الكائنات التي تعيش في كوكبنا إذا تعلق الأمر بينها وبين الإنسان، فقد جعل الله تعالى للإنسان مكانة أكبر وأجل لبني آدم، إذا ما قسنا ذلك مع الكائنات الأخرى، لكن إذا تعلق الأمر بمبدأ المساواة على المستوى البشري، فإن جميع الناس سواسية في هذا الجانب، ولا يجوز منح حقوق أكبر لشخص ما على حساب شخص آخر، فالكل لهم حقوق متساوية في الحريات والرأي والحركة والبحث عن الرزق وتطوير الإمكانيات، على أن تكون المساواة بين الناس هي المعيار الثابت مع الجميع.

لذا يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (الإسلام ميز الإنسان على سائر الخلق، ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، أما التمييز العنصري فهو مرفوض في الإسلام على عكس ما نراه اليوم وما كان في الجاهلية الأولى).

تعود المساواة بالخير على المجتمع، فهي تؤسس لقيام علاقات اجتماعية متوازنة، تحفظ السلم الاجتماعي وتسنده، وتشجع الناس على دعم العلاقات الاجتماعية المتوازنة، وهذه المساواة في الحقوق تضمن عدم نشوء الطبقية، وتقضي على التفاوت الطبقي في أساليب العيش، أو في الأرزاق، أو حتى في فرص التعليم والصحة والخدمات وسواها.

وفي حال تكونت الطبقات الاجتماعية وتباينت قدراتها، فهذا يعني توفير الأرضية اللازمة لتأجيج الأزمات وصنع التصادمات في المجتمع الواحد، لذلك فإن نشر المساواة في المجتمع يكفي لإطفاء الفتن والنزاعات، ويمنع نشوب الحروب، ويغذي بؤر العنف والكراهية.

يقول الإمام الراحل: إن (المفاضلة الطبقية وما أشبه هي تُشعل وتأجج النزاعات والحروب وتكون سبباً لكثير من مصاديق العنف، كما في الحروب النازية والصليبية وغيرها).

عدم المساواة يجعل المجتمع متخلخلا يعاني من الهشاشة والضعف، بسبب المشكلات التي ستعصف بها، لذلك منع الإسلام التمييز والعنصرية، وساوى الناس في حقوقهم، ولم يميز أحدا على سواه لأي سبب كان، وكرّم الخالق الإنسان، بأن سخّر له كل ما يميزه ويجعله قادرا على إصلاح الأرض ونفسه ومجتمعه من خلال نبذ العنف والتمسك بمبدأ المساواة في الحقوق، وفي تكافؤ الفرص، وجميع القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان.

لهذا كان الإنسان ولا يزال سوف يبقى هو سيد الكائنات، وهو المسؤول الأول عن الحياة وتحسينها، ونشر مبادئ السلام، والمساواة، ونبذ العنصرية، والحفاظ على الكرامة الإنسانية من الهدر والتجاوز، بدءًا بالذات ومرورا بحقو الآخرين.

الإمام الشيرازي يقول: (إن الله سبحانه وتعالى كرم هذا الإنسان الذي ينتمي إلى هذه الأسرة البشرية التي تعيش على الأرض بغضّ النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي، ومن مظاهر هذا التكريم أيضا خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بقدرته، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود لـه، وسخر لـه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً، وجعله سيداً على هذا الكوكب الأرضي واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه).

لا لمنطق الإذلال المتبادَل

إن المساواة تعني التعاون المشترك للحفاظ على كرامة الناس، وهي طريقة اجتماعية سلوكية، ومبدأ لا يمكن التنصل منه، لكي يحافظ الجميع على كرامة الجميع، فلا يصح هدر كرامة إنسان، أو السماح بإذلاله، لأن المحصلة بالنتيجة تعود على المجتمع كله، لهذا أراد الله تعالى من الإنسان أن يحافظ على كرامته وكرامة الآخرين.

وليس هناك سبيل أفضل لتحقيق الكرامة المجتمعية، سوى عملية الحفاظ المتبادلة للحقوق والكرامة بين أفراد المجتمع، بدءًا من احترام الذات، ومراعاة النفس بحدود الأحكام والشرع والأعراف، ومن ثم المساهمة الفعالة في نشر المساواة، حفاظا على الكرامة الإنسانية التي يجب أن لا تستثني أحدا من المجتمع.

كما يؤكد الإمام الشيرازي في قوله:

(فكما أن الله تعالى كرّم الإنسان فقد أراد من عبيده أن يكرم بعضهم بعضا، بل ويكرموا أنفسهم كما في الحديث: »إن لبدنك عليك حقا«. وفي حديث آخر عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كل شيء إلاّ إذلال نفسه).

إن الله تعالى كرّم الإنسان ومنحه القيمة التي يستحقها، وفي نفس الوقت طالبه تعالى بأن يكرّم نفسه أيضا، ومن يتقاسم معه الأرض في حياته الاجتماعية المشتركة، فالمطلوب هو المساواة بين الجميع من قبل الجميع، بعيدا عن منطق الإذلال والتعنيف المتبادَل، لهذا جاء التركيز على مبدأ المساواة وعلى الكرامة، لكي يتم الحفاظ على البنية الاجتماعية قوية متماسكة وفاعلة.

الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة:

(إن الله عزوجل جعل الإنسان مكرماً وأراد منه أن يكرم نفسه ويكرم بني نوعه، وهذا من أسس السلم والسلام الاجتماعي، فإن العنف مذلة للإنسان ولبني نوعه كما لا يخفى).

من هنا يتضح أن التفريط بالمساواة، يقود الناس إلى العنف، وبالتالي فإن المحصلة هي الإذلال والإذلال المقابل، أي أن الناس في حال تنصلوا من المساواة، فإنهم يذلّون بعضهم بعضا، وهذا يؤدي إلى فقدام الكرامة التي هي أغلى قيمة عند الإنسان، فإذا تمسك الناس بالمساواة ومراعاة الحقوق بشكل متبادَل، فإن السلم الاجتماعي يكون في أقوى حالاته ودرجاته، وهو السبيل إلى التقدم والتطور والرفاهية للجميع.

اضف تعليق