q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

خطوات لعدم إهدار القدرة الفردية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

كيف يهدر الإنسان قدرتهُ، وما هي الطريقة التي يلجأ إليها كي يضع القدرات التي وهبها الله جانبا، فتصبح في هذه الحالة صفرا على الشمال، في حين هناك شخص آخر يستثمر قدراته بطريقة صحيحة، فترتفع به إلى مصاف الأشخاص المتميزين، وبعضهم أصبحوا من المخلّدين في التاريخ...

(لابد لذي القدرة من امتلاك زمام المبادرة، والسابقون هم الفائزون)

الإمام الشيرازي

تدل الآية القرآنية (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، على أن الإنسان خُلِق ومعه قدرات وإمكانيات واسعة، بإمكانه استثمارها في تغيير حياته وتطويرها، بما يجعله يعيش بطريقة كريمة، ومجموع هذه القدرات تتجسد بالعقل والذكاء والتفكير السليم بالإضافة إلى قدراته العضلية، ومن ثم تحويل الأفكار القيمة والابتكارات إلى أدوات لبناء شخصية منتِجة وأمة ناهضة، من خلال حرص الفرد على عدم هدر قدراته.

كل ميزة وهبها الله تعالى للإنسان هي نوع من القدرة على صنع هدف معنوي أو مادي، وبقدر إجادة الفرد لهذه القدرة تأتي المخرجات أو النتائج، وفي هذه الحالة يمكن للإنسان أن يوظّف قدرته من خلال إتقان المدخلات، ثم انتظار ما ينتج عنها، فكلما كانت المدخلات جيدة أنتجت مخرجات جيدة أيضا، وهذه النتائج تترتب على ضوء استخدام الإنسان لقدرته بالشكل السليم، وعدم السماح بهدرها.

هكذا تعدّ القدرة الممنوحة للإنسان والمقرونة بخلقه، أمانة لا يجوز التفريط بها، أو إهمالها، ولا يصح للفرد أن يدير ظهره لقدراته المختلفة، فحين وُهِبتْ له في لحظة الخلق، فإنه بات يتحمل مسؤولية اقترانها بشخصيته، وهو مطالَب باستخدامها واستثمارها أفضل الاستثمار.

إذا أهدرَ الإنسان قدراته العقلية مثلا، فهو في هذه الحالة يتشابه مع الكائنات الأخرى التي خلقها الله دون أن يهبُها العقل المنتِج الذي خص به الإنسان حصراً، وهذا ما جعل القدرة أمانة في عنقه.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (شروط تقدم الجماعات):

(القدرة أمانة في ذمة الإنسان، لا يحق له تبذيرها ولا تجميدها).

كيف يهدر الإنسان قدرتهُ، وما هي الطريقة التي يلجأ إليها كي يضع القدرات التي وهبها الله جانبا، فتصبح في هذه الحالة صفرا على الشمال، في حين هناك شخص آخر يستثمر قدراته بطريقة صحيحة، فترتفع به إلى مصاف الأشخاص المتميزين، وبعضهم أصبحوا من المخلّدين في التاريخ بسبب استخدامهم الأمثل لقدرتهم.

متى تصبح القدرة صفراً على الشمال؟

هدر القدرة يحصل في حال تم استخدامها في غير محلّها، فهناك من يجهل كيفية استخدام قدرته، وهذا يعود إلى محدودة تفكيره وربما ضآلة ذكائه، وقد يكون قليل التعليم وشحيح التجارب، أو أنه يميل إلى التكاسل ويبحث عن الراحة، مما يدفعه ذلك إلى تجميد قدراته، وجعْلها هي والصفر سيان، فما فائدة القدرة المجمَّدة التي يهملها حاملها، أو حين يستخدمها بطريقة منقوصة.

يوجد أشخاص لديهم قدرات كبيرة لكنهم عاجزون عن استخدامها بالشكل الأمثل أو الأقصى، لأسباب يقف في المقدمة منها حالة الخمول التي تصيبهم، وميلهم نحو الراحة، وبحثهم عمّا ترومهُ نفوسهم الميّالة إلى الكسل.

في كل الأحوال فإن الإنسان الذي يتقاعس عن استثمار قدرته، سوف يتسبب بإيذاء نفسه أولا، وانعكاس ذلك على الأسرة والمجتمع، كذلك هو مسؤول عن الإخلال بالأمانة الإلهية التي أودِعت فيه لحظة خلْقه.

الإمام الشيرازي يقول عن هذه النقطة:

(هناك من يهدر قدرته في غير محلّها، سواء باستخدامها بطريقة ليست صحيحة، أو أنّهُ يستخدمها بنسبة أقلّ مما هي عليه من إمكانيات، ويوجد من يجمِّد قدرته ولا يستخدمها في أي مجال كان).

وإذا تساءَل الإنسان عن ماهّية الخطوات التي تجعله قادراً على استثمار قدرته جيدا، فإن أولى هذه الخطوات هي أن تتوافر له الإرادة التامة في البدء باستخدامه لهذه القدرة، وعدم إهمالها أو تجميدها، لأن تهيئة النفس لاستخدام القدر عامل مهم بل بالغ الأهمية، يساعد على تهيئة الإنسان نفسيا لاستثمار قدراته.

بعد خطوة التمهيد أعلاه، يجب أن يدقق الإنسان في المحل أو المكان أو الهدف الذي يستخدم فيه قدرته، لأن استخدام القدرة بالشكل الصحيح يساعد كثيرا على نموها أكثر فأكثر، وعلى العكس من ذلك، فإن الاستخدام الخاطئ للقدرة سوف يطيح بها، ويضعها في طريق الضعف والاضمحلال.

لذلك من الخطوات والشروط المهمة جدا، أن يكون استخدام واستثمار الإنسان لقدرته بالطريقة الصحيحة والهدف الصحيح، حتى يضمن نموّها وعدم ضمورها وضعفها، وبالتالي قد يدي ذلك إلى موت القدرة، وهو ما يتسبب بخسارة فادحة للفرد والمجتمع.

الإمام الشيرازي يؤكد هذه الحالة فيصف القدرة بأنها: (كالشجرة، كلما صرفها الإنسان نمتْ أكثر فأكثر، وجاءت بقدرات جديدة، بينما إذا لم يستخدمها، أو لم يجعلها في المكان اللائق بها، تقلصت واضمحلَّت حتى الموت).

القدرة كالشجرة قد تنمو وقد تضمحلّ

من الخطوات الأخرى المهمة لضمان تطور القدرة ونموها، هو استخدامها في المكان المناسب لها، وبما يتسق مع موازينها أو مواصفاتها، بمعنى لا يصحّ أن يزجّ الإنسان بقدرته في مجالات لا تناسبها من حيث القوة أو التعقيد أو طبيعة المعالجة.

إنْ كانت قدرته علمية، عليه باستثمارها في المجالات العلمية، وإن كانت أدبية ثقافية عليه استثمارها في هذا الميدان، وهكذا يجب التدقيق في استخدام القدرة بالمجالات التي يتقنها الإنسان حتى لا تضيع جهوده سدى.

هذا يعني أن الإنسان مطالَب بتنمية قدرته، من خلال زجّها في المضمار الذي يناسبها، أو الذي تحسنهُ، بما يجعل القدرة منتِجة من خلال طبيعة المخرجات التي تنتجها، أما التجميد، أو التردد في استثمار القدرة، فإنه سوف ينتهي بها نحو التصفير، وبالتالي يتسبب ذلك بخسارة للفرد والمجتمع.

لذا يحثّنا الإمام الشيرازي قائلا:

(يجب على ذي القدرة أن ينمّي قدرته، فإن القدرة أيضاً قابلة للنمو، فالقدرة السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها، كلها قابلة للنمو، وإنما نمو كل قدرة حسب موازينها واستخدامها المناسب ممَّن يحملها).

من الخطوات المهمة أيضا في هذا المجال، أن يمتلك ذو القدرة فكرا متكاملا، يجعله مهيّئاً لاستخدام قدرته بالشكل الأمثل، ويجب أن يمتلك الجرأة وامتلاك زمام المبادرة، ومن الأهمية بمكان أن يكون قادرا على اتخاذ قرار حاسم باستخدام قدراته في الميدان المناسب لها والمتّسق معها.

الإمام الشيرازي يؤكد على هذه النقطة فيقول: ( يحتاج ذو القدرة إلى الفكر المتكامل، والجرأة والمبادرة واتخاذ القرار، فهذه من الأمور الضرورية للإنسان ذي القدرة).

إذاً هي خطوات متكاملة، بعضها يسندُ البعض الآخر، كالبنيان المرصوص الذي يشد ويقوّي بعضه بعضا، فتوافر القدرة وحدها لن يكون كافيا ما لم يتمّ دعمه بالخطوات والمتطلّبات الأخرى، وفي المقدمة منها التفكير الدقيق في تفاصيل الهدف الذي ستنهض به القدرة، ويعد هذا شرطا من شرط النجاح.

كذلك يجب رفد قرار استثمار القدرة بعد التفكير الدقيق، بخاصية عدم التردد، فهناك من يقرر لكنه يتراجع نحو نقطة الشروع الأولى، مما يُفسد القدرة، ويدمّر شخصية الإنسان ويصيبها بالضعف والخيبة، أما الذي يفكّرون جيدا، ثم يقرّرون بصورة حاسمة، فهؤلاء هم الفائزون.

الإمام الشيرازي يؤكّد ذلك بقوله الحاسم: (يجب على القدير أن لا يُقْدم من دون تفكير وتدقيق في جوانب الأمر الذي يروم الإقدام عليه، وإلاّ فإن ما سوف يُفسدهُ أكثر مما يُصلحه، ثم إذا فكَّر وتردد لن ينفعه تفكّرُه، والسابقون هم الفائزون، فلابد لذي القدرة من امتلاك زمام المبادرة).

أخيرا علينا أن نعترف بأننا نعيش في عالم القدرات، فإن تخلّينا عن قدراتنا الفردية، فهذا يعني أننا دمَّرنا قدراتنا الجماعية، لهذهِ الأسباب، كل فرد منّا مطالَب بشكل جاد أن يفهم قدراته، وأن يتّخذ الخطوات الصحيحة لاستثمارها، لأننا بالنتيجة لن نكون أمة مقتدرة، تضاهي الأمم المتقدمة، ما لم نكن عارفين وملمّين بخطوات وشروط تنمية القدرة واستثمارها.

اضف تعليق