لا شيء يعصم الحكومة الفاسدة من الانهيار، ومع كل الإجراءات القمعية وأساليب الاستبداد، لن ينجو الحاكم المستبد من النهاية الحتمية التي تتربص به، وستأتي النهاية الحتمية لكل نظام فاسد مستبد، أما الحكومة العادلة التي تطبق مبدأ المساواة بين جميع أفراد الأمة، فلا يمكن أن تنقلب الجماهير عليها...
لاشيء يعصم الحكومة الفاسدة من الانهيار، ومع كل الإجراءات القمعية وأساليب الاستبداد، لن ينجو الحاكم المستبد من النهاية الحتمية التي تتربص به، وستأتي النهاية الحتمية لكل نظام فاسد مستبد، أما الحكومة العادلة التي تطبق مبدأ المساواة بين جميع أفراد الأمة، فلا يمكن أن تنقلب الجماهير عليها، ذلك لأن الإنسان بطبيعته يحرص على ما هو جيد ويصب في مصلحته.
في المقابل يثور الشعب ويغضب ويحتج عندما يلمس أن الحاكم أو النظام يحتاط بالظلم ويتلفّع بالفساد، ولا يتعامل مع حقوق الناس بإنصاف، ويكيل الأمور بأكثر من مكيال، فيلحق الضرر بالناس البسطاء أو الفقراء المعوزين، أما الأقوياء والمؤيدون له فإنهم في مأمن حيث تتضاعف امتيازاتهم المادية بلا وجه حق، وهي مغانم غير مشروعة لأنها تقع تحت يافطة الظلم وتأتي على حساب حقوق عامة الشعب.
وما يزيد الطين بلّة حين يدّعي الحاكم الإسلام لكنه لا يلتزم في سياسته وإدارته بمبادئ الإسلام، بل قد يكون أبعد الناس عن هذا الالتزام، وفي هذه الحالة يكون الغضب الجماهيري عارما ومستشيطا، فسرعان ما تبدأ الاحتجاجات العارمة ضد الحاكم الذي يعلن انتسابه للإسلام ويحكم الناس بحكم الطغاة المستبدين والفاسدين، لذلك لا يعبأ الناس بقول الحاكم أنه إسلامي، وإنما ينظرون إلى أفعالة وإدارته لمصالح الناس، فإذا كان ما يدّعيه من انتساب للإسلام منطبقا في أفعاله وقراراته وسياسته، فبها، أما إذا كان يدّعي الانتساب ويحكم بالاستبداد والفساد والتفرقة، فإن الناس سوف تبتعد عنه ثم تثور عليه حتى تسقطه.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يؤكد في كتابه الثمين الموسوم بـ (الشورى في الإسلام) على: (أن الناس عندما يرون أن الحاكم الإسلامي لم يُطبَّق قانون الإسلام ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه)،
لذلك نلاحظ أن الجماهير التي تعطّشت للحكم الإسلامي، ومنحته الفرصة لكي يحكم بالعدل ووفق المبادئ التي أقرّها العدل الإلهي، حين لمست مؤشرات الاستبداد وعلامات الفساد لدى هؤلاء الحكام الذين يدّعون الإسلام ولا يطبقون تعاليمه في حكم الناس، سرعان ما تباعدَ عنهم الناس، وكفّوا عن تأييدهم ثم بدأت مرحلة تقويضهم وإسقاطهم من دفة الحكم، وهكذا تساقط بعضهم شر سقطة، ولا يزال الآخرون في طور السقوط المتوالي.
وهذا ما يقرّهُ الإمام الشيرازي في قوله: (إنّ الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمضِ سوى زمن يسير حتى انفضَّ الناس من حولهم، ثم عملوا على تقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه).
حقوق مستلَبة وعطايا مسروقة
وحين تضجّ الساحات بالاحتجاجات والتجمعات الهائلة بسبب السياسات الرخيصة للحكام الذين يستأثرون بالسلطة ومزاياها، ويمنحون العطايا لذويهم (أبناءهم وأخوتهم) وأصدقائهم والمؤيدين لهم، نلاحظ تصاعد أوار الثورة على الحاكم المستبد الفاسد، وتقض مضجعه أصوات الناس وهي تسأله: لماذا الاستبداد والفساد، وأين هي الشورى في إدارة الحكم، ولماذا هذا الظلم الذي يجعل من حياة الناس كالجحيم؟.
وعادةً ما تأتي أجوبة هؤلاء الحكام مزيّفة مخادعة هدفها تهدئة غضب الجماهير وامتصاص نقمتها، فتأتي أجوبة الحكام عرجاء كاذبة مضللة ومليئة بالزيف، كل ذلك حتى يهدأ الغاضبون المحتجون على الفساد، فيقول الحكام نحن لسنا مستبدين لاحظوا مؤسسات الحكم التي تلتزم بالشورى والمشاركة في صنع القرار، ولكنه يبقى كلام في الهواء تكذّبه أفعال وسياسات الحكام الفاسدين.
يقول الإمام الشيرازي: (إنّ أوّل سؤال يسأله الناس للحكام: أين هي الشورى؟ وطالما أن الحكام يختارون الاستبداد ، فتارة يقولون: إن الشورى ليست بواجبة، وأخرى يقولون إنها من شأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، وثالثة يقولون: بأننا نستشير، ألا ترون لدينا مجلس أمة ومجلس لقيادة الثورة ومجلس للوزراء وما أشبه ذلك؟!).
من الأساليب المكشوفة لمثل هؤلاء الحكام، أنهم يبذخون بأموال الأمة على أعوانهم والمؤيدين لهم، ويظنون بذلك أنهم سوف يبقون إلى الأبد في كرسي السلطة، ولا يعتبرون أو ينتصحون بالتجارب الاستبدادية التي يضج بها التاريخ القريب والبعيد، فيلجأ الحكام الفاسدون إلى تقريب المتملقين المهرجين والمطبلين لهم ويبذخون عليهم من أموال الشعب بلا رادع من ضمير أو دين، وفي نفس الوقت يبعدون الكفاءات ويفتحون بوابات الزنازين للمفكرين وأصحاب الرأي السديد، ويعتمدون أسلوب القمع وفق مبدأ الترهيب والترغيب، أما الصوت الذي لا يسكت عن حقه فإنه سوف يُقمَع بلا رحمة، ويظن هؤلاء الحكام أن مثل هذا الأسلوب القمعي سوف يحميهم من مصيرهم بالسقوط الحتمي.
الإمام الشيرازي يقول: (في ذات الوقت الذي يتكلم فيه الحكام عن الديمقراطية والشورى نجدهم يستدرجون إليهم المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والامعّات بأموال الأمة ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة)، واقع الأنظمة الإسلامية يضج بمثل هذه الوقائع المؤسفة لدرجة أننا نكاد نلمس تكرار أخطاء الحكام نفسها من دون أن يرتدع أو ينتصح هؤلاء الذين يظلمون الناس بسياساتهم وقراراتهم وفسادهم.
الطغاة يخالفون حتى عقولهم!!
ما يزيد في الأمر غرابة، ذلك الإصرار العجيب الغريب للحكام الذين يمعنون أكثر في سرقة أموال الشعب، ويتجاوزون على ثروات الأمة، وينهبون حقوق الجماهير، مستخدمين أقسى أساليب القمع الذي يصل حد القتل بالرصاص الحي لكل من يرفع صوته محتجّا أو مطالبا بحقوقه المشروعة، فهذا هو الأسلوب المعروف للحكام الطغاة الفاسدين، القمع والقتل والمحاصرة ومضاعفة أعداد السجون، مع الإيغال بتخريب البلاد في المجالات كافة وصولا إلى الدرجة التي يصبح فيها الناس أذلاء خائفين مفزوعين من بطش الحاكم وقواته التي لا همَّ لها سوى تطبيق القرارات الجائرة لسيدهم الذي يغدق عليهم بالعطايا والمكرمات.
إذ يقول الإمام الشيرازي: (لهذا ترى الحكام أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البـلاد، وإذلال العباد)، ويضاعف من بؤس هؤلاء الحكام أنهم يعاندون حتى عقولهم، إذ كلمّا ازداد رفض الناس لهم وغضبهم عليهم يزدادون تشبثا بالاستبداد والفساد، ويعتمدون على أجهزتهم القمعية في مقارعة الاحتجاجات بكل وحشية، لكنهم في ذات الوقت يذرّون الرماد في العيون عبر تصريحاتهم التي تتشدق بالديمقراطية والحرية وهم أبعد المخلوقات عنها.
الجماهير تعرف أساليب الحكام المستبدين والمسؤولين الفاسدين، متناسين ومهملين لتلك الدروس التاريخية التي عصفت بكل الحكام البائسين، حتى أصحاب الإمبراطوريات الكبرى التي أسقطها استبداد السلاطين وفسادهم، كما تذكر صفحات التاريخ عن الحكم الأموي الإرهابي المستبد، وطغيان الحكام العباسيين، وصولا إلى الإمبراطورية العثمانية التي سقطت تحت وابل الفساد والظلم الذي ألحقته بالأمة.
هناك مسؤولون فاسدون لا يقرؤون التاريخ، ولا يستفيدون حتى من التجارب القمعية القريبة وسقوط عروشها، فإنهم قريبون جدا من حافة السقوط، لأنهم يعمهون في فسادهم وظلمهم، متمنطقين بعطايا السلطة وسحرها ونسوا أنها بالنسبة للعظماء كالإمام علي عليه السلام، ومع أنهم يعلنون انتماءهم للإسلام وبعضهم يتبجحون بانتمائهم للإمام علي عليه السلام، لكنهم مستمرين في طريقهم إلى السقوط كما سقط غيرهم من الفاسدين المستبدين.
إذ يقول الإمام الشيرازي: (لقد زالت الخلافة الأمـوية ولم تعد، لأنها مارست الإرهاب والاستبداد، كذلك جاء العباسيون وحكموا بالحديد والنار ثم سقطوا، والشيء نفسه للإمبراطورية العثمانية التي سقطت واندثرت بل لم يترحم عليها أحد).
بالنتيجة لا أحد يتذكّر الطغاة والفاسدين إلا عندما يكون التذكّر ذمًّا وسباباً، لأن تاريخهم الأسود سوَّد وجوههم في الدنيا قبل الآخرة، لذلك على الفاسدين الطغاة من المسؤولين والحكام أن يتّعظوا ممن سبقهم قبل أن يصلوا إلى لحظ الانهيار التي تنتظرهم في أية لحظة قادمة!.
اضف تعليق