q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

البعد الإنساني لمفهوم المساواة في الاسلام

مختارات من كتاب فقه السلم والسلام للمرجع الراحل محمد الشيرازي

الإسلام ميز الإنسان على سائر الخلق، ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، أما التمييز العنصري فهو مرفوض في الإسلام على عكس ما نراه اليوم وما كان في الجاهلية الأولى، الأصل في الإسلام هو المساواة بين أفراد البشر...
اعداد: مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

من أهم مقومات السلم والسلام في المجتمع هو قانون المساواة.

ويمكن بحث هذه المسالة ضمن أربعة مواضيع تتضمن نقاطاً فرعية. وهي:

1: المساواة بين الجنس البشري

2: المساواة بين الرجل والمرأة في نظر الشارع الإسلامي

3: نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

4: موارد الاستثناء في قانون المساواة

الأول: المساواة بين الجنس البشري

من المعلوم أن مفهوم التمايز والتفاضل لم ينطلق من عصر معين، وإنما ابتدأ المفهوم الخاطئ منه منذ أن أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) فخالف إبليس، فالإنسان كان هو الموجود المفضل والمكرم، ولكن إبليس رأى نفسه أفضل من الإنسان فلم يسجد له.

قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).

وفي الآية إشارة إلى مفهوم التفاضل والخيرية وإن كان جنسهما يختلف، فإبليس من الجن وآدم من الجنس البشري، وكان الفضل لآدم، ولكن إبليس رآه لنفسه، وقد ذكر هذا المعنى في العديد من الروايات التي وردت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

التميز العنصري للأمم المتمدنة

الإسلام ميز الإنسان على سائر الخلق، ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، أما التمييز العنصري فهو مرفوض في الإسلام على عكس ما نراه اليوم وما كان في الجاهلية الأولى.

فقد كان الرومان واليونان والفرس والصين وعرب الجاهلية يعتقدون بأفضلية الإنسان الأبيض على الإنسان الأسود، ويستدلون على ذلك بأمور منها: أن أصلهما مختلف، فهما من أصلين متباينين وأن أصل الإنسان الأبيض أفضل من أصل الأسود، ولذا فهم يعتبرون الأسود كسائر الحيوانات والنباتات وأنه ما خلق إلا لأجل أن يكون خادماً وعبداً للإنسان الأبيض، ومن هنا صدرت عدة تشريعات وقوانين لصالح الإنسان الأبيض ومنها: يحق للإنسان الأبيض أن يتملك الإنسان الأسود ويستعبده ويستغله أينما وجده ويحق لـه بيعه وشراؤه. ومنها: إباحة قتل العبيد السود وتعذيبهم لزعمهم أنهم من الحيوانات أو لأنهم مصدر للشر.

وكان إرث هذه النظرة السيئة للإنسان الأسود باقياً إلى القرن الماضي على الرغم من محاربة الإسلام لهذه النظرية الخاطئة واللا إنسانية.

وبسبب هذه النظرة الظالمة بدأ تجار العبيد يغزون البلدان التي يعيش فيها السود كبلاد الهند والقارة السوداء (إفريقيا) فيسرقون الشباب وكل من وجدت فيه الصفات المطلوبة، ومن كان لديه القدرة على القيام بالعمل، ثم يأتون بهم عبر البحار والمحيطات إلى أوروبا وإفريقيا لاستعبادهم وبيعهم إلى الإنسان الأبيض.

ولم تقتصر هذه النظرة التاريخية السيئة على الإنسان الأبيض العادي تجاه الإنسان الأسود، بل كان الفلاسفة أيضا يبحثون حول المرأة هل لها روح إنسانية أم لا؟ وكان الغالبية منهم يقولون بأنه لا روح إنسانية للمرأة!.

فكما أن القوانين الوضعية الحالية تفرّق بين الإيراني والعراقي والمصري والسوري والإندونيسي والباكستاني وما أشبه، رغم أنهم جميعا مسلمون، فمثلا في بعض البلاد المعاصرة التي تدعي الإسلام لا يجوز دخول المدارس لغير المتجنّسين بجنسية ذلك البلد أو المولودين فيها، وهكذا بالنسبة إلى العمل، فترى أنه يمنع عمل المسلم الذي من بلد آخر في هذا البلد لأنهم يعتبرونه أجنبياً!.

وهكذا كانت الأمم الجاهلية حيث كانت تحكمهم العنصرية والطبقية والطائفية والعرقية واللونية وما أشبه.

أسباب التمايز العنصري بين الأمم والشعوب

لقد كانت هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه النظرة العنصرية ومنها:

1: إدعاء أفضلية العنصر والأصل

وهذا الرأي تابع لما يزعمه البعض من الاختلاف في عنصر الخلق، كما تقدم من مفهوم الآية التي ادعى فيها إبليس تفضيل عنصر النار على العنصر الطيني، ولازال بعض الناس يعتقدون أنهم من نسل الآلهة أو أن بعضهم خلقوا من رأس الإله، والبعض الآخر خلقوا من صدر الإله، والبعض من يده والبعض من رجله وهكذا اختلف الناس فحصلت العنصرية على ما هو المشاهد عند بعض الأقوام والملل، ومنهم اليهود والنصارى، كما تحدث الله سبحانه وتعالى عنهم في محكم كتابه المجيد فقالت الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ).

أما الإسلام فيرى كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله أذهب نخوة العرب وتكبرها بآبائها، وكلكم من آدم، وآدم من تراب (إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ).

2: الحقد والكره والبغض

وهو الذي يحدث بين الشعوب أحيانا فيؤدي إلى احتقار الآخرين وتصغير شانهم كما ادعى هتلر تفوّق الشعب الألماني على سائر الشعوب لأنه من (العنصر الآري) مما سبّب حربا عالمية يعاني الناس من ويلاتها إلى هذا اليوم.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«إياكم ومشاجرة الناس، فإنها تظهر الغرة وتدفن العزة».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أنبؤكم بشر الناس، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من أبغض الناس وأبغضه الناس».

وفي مواعظ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «ولا تحقد عليه وإن أساء».

3: حالة الفقر والغنى

ومن أسباب التفضيل بين الأمم والشعوب الفقر والغنى، حيث يرى البعض أن الغني أفضل من الفقير، ومن هنا يصبح الفقراء مظلومين مقهورين، ففي الهند أكثر من ثلاثمائة مليون إنسان منبوذون ويعدّون من طبقة الأنجاس، وذلك لأنهم من الطبقة الفقيرة المسحوقة.

ولكن الإسلام نفى هذه العنصرية بين الفقير والغني، قال (عليه السلام): «من أكرم فقيرا مسلما لقي الله عزوجل يوم القيامة وهو عنه راض، ألا ومن أكرم أخاه المسلم فإنما يكرم الله عزوجل».

وقال: «من أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ، ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته».

وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من حقر مؤمنا لقلة ماله حقره الله، فلم يزل عند الله محقورا حتى يتوب مما صنع».

وقال (عليه السلام): «لا فخر في المال إلا مع الجود». وهذا يدل على أن المال لا يكون معياراً للفخر بل الجود وهو صفة إنسانية يكرم الآخرين كما هو واضح.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «قال الله تعالى: ليأذن بحرب مني من آذاني في عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن».

4: المرأة والرجل

وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى تفضيل الإنسان الجاهلي والنظرة العنصرية تجاه المرأة، فادعى جهلا أنها مصدر الشر وهي التي كانت سببا في عدم رزقه فاشتهر في مجتمعاتهم وأد البنات لذلك ولغيره من الأسباب. والإسلام يرفض كل ذلك:

قال تعالى: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ).

وقال سبحانه: (إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من اتخذ زوجة فليكرمها».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فأي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما زال جبرئيل يوصيني في أمر النساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أخبرني أخي جبرئيل ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أف، يا محمد اتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عوان بين أيديكم».

5: الغلو في الإنسان الآخر

وهذا ينظر للآخرين بأنهم الأفضل لمعايير غير شرعية، فيرى الأغنياء أو الأقوياء أو الملوك أو من أشبه أفضل من الناس العاديين، وهذا خلاف ما بينه الشرع المبين، وربما رأى نفسه حقيراً أمام هؤلاء، ولكنه ورد النهي عن الغلو، فعلى الإنسان أن لا يفضل بني نوعه على الآخرين إلا بالتقوى.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فإني بريء من الغالين).

المساواة في الفكر الإسلامي

وفي ذلك الجوّ الموبوء الممزّق الممتدّ إلى هذا اليوم نزلت الآية الكريمة: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً((25)، فالأب واحد، والأم واحدة، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ (ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ (ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ((26). والمراد بالخلق الآخر كما يقول المفسرون أنه: نفخ الروح فيه).

وفي آية أخرى: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ(خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ).

وقال سبحانه: (يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وقال عزوجل: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ).

ومن خلال هذه الآيات الكريمة يتضح أن الأصل في الإسلام هو المساواة بين أفراد البشر في الإنسانية والبشرية، والإسلام يرى أن الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة وهو آدم (عليه السلام)، وزوجته وهي حواء (، ويرى عدم التفاضل في الفطرة وإنما الكل على الفطرة، كما قال سبحانه: (فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا)، ويرى أن الناس متساوون في الواجبات والحقوق في غير ما استثني لحكمة عقلية، ومقتضى كلّ ذلك هو السلم والسلام العام، فالجميع أمام شريعة الله تعالى سواء، فشريعته سبحانه تسري على الغني والفقير، والكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والفاضل والمفضول.

أما المفاضلة الطبقية وما أشبه فهي توجب النزاعات والحروب وتكون سبباً لكثير من مصاديق العنف، كما في الحروب النازية والصليبية وغيرها.

وقد ذكر القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة طبيعة الإسلام التي تنظر بالتساوي للإنسان حيث قال سبحانه: (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، فالجميع من رب واحد ومن أب واحد وأم واحدة وكلهم إلى معاد واحد ولهم نبي واحد في آخر الزمان، كما أن هناك مصلحاً لجميعهم يأتي ليصلح البشرية جمعاء). ولاشك أن إشادة الإسلام بهذا المبدأ وترسيخه في أذهان الأمم والشعوب فيه دلالة على تكريم الإسلام للإنسانية، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).

ثم إن الله سبحانه وتعالى كرم هذا الإنسان الذي ينتمي إلى هذه الأسرة البشرية التي تعيش على الأرض بغضّ النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي، ومن مظاهر هذا التكريم أيضا خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بقدرته، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود لـه، وسخر لـه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً، وجعله سيداً على هذا الكوكب الأرضي واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه، ومن أجل أن يكون هذا التكريم حقيقة واقعة، وأسلوبا في الحياة، كفل الإسلام جميع حقوق الإنسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، سواء أكانت حقوقا دينية، أو مدنية، أو سياسية، وسيأتي ذكر بعضها في موضوع الحقوق.

ومن الأدلة على تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان قولـه سبحانه: (وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ).

ومن مظاهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان ما ذكره عزوجل بقوله: (الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ).

وفي آية أخرى: (وَهُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنّ رَبّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ).

إلى غيرها من الآيات التي هي مظهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان.

وكما أن الله تعالى كرّم الإنسان فقد أراد من عبيده أن يكرم بعضهم بعضا، بل ويكرموا أنفسهم كما في الحديث: »إن لبدنك عليك حقا«).

وفي حديث آخر عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: »إن الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كل شيء إلاّ إذلال نفسه«).

فالله كرم الإنسان على كثير من خلقه، وهنا يرد سؤال بأن التكريم إذا كان على كثير، فهل هنالك غير هذا الكثير بحيث يتساوى مع بني آدم في الفضل أو أنَّهُ أفضل من بني آدم؟.

والجواب: لا، وإنما الأكرم هو الإنسان فقط، وهذا تعبير قرآنيّ بليغ حيث تقضي البلاغة في بعض الأحيان عدم ذكر الكلية وعدم الجزم بالأمر، ولذا نشاهد كثيراً ما استعملت كلمة (لعل) في القرآن الحكيم مع أنه سبحانه وتعالى يعلم الواقع، قال سبحانه: (وَإِنّآ أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلَىَ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ)، إن عقلاء العالم وبلغاءهم كثيرا ما يستخدمون (ليت) و(لعل) في محاوراتهم، لا بالقطع واليقين وإن كانوا قاطعين متيقنين.

فالنتيجة أن الله عز وجل جعل الإنسان مكرماً وأراد منه أن يكرم نفسه ويكرم بني نوعه، وهذا من أسس السلم والسلام الاجتماعي، فإن العنف مذلة للإنسان ولبني نوعه كما لا يخفى.

الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة في الشرع الإسلامي

تشريعات الإسلام وفق العدالة الواقعية

سنّ الإسلام بالنسبة إلى المرأة ما سنه للرجل والأصل بالنسبة إليهما المساواة، نعم قد تقتضي العدالة بعض الفروق فعندئذ شرع بعض القوانين الخاصة وهي في مصلحة المرأة نفسها.

فإن الإسلام في كل تشريعاته يلاحظ العدالة الواقعية، والله سبحانه هو العالم بالمصالح والمفاسد الواقعية حتى قال سبحانه في القرآن الحكيم:(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

وقد أشار الإسلام بكل وضوح عبر الآيات الكريمة والأحاديث النبوية إلى التساوي بين الرجل والمرأة كأصل أساسي إلا فيما خرج بالدليل مما لا يكون من قاعدة التساوي بل العدالة وقد سبق أن دليل العدالة حاكم على دليل التساوي.

فالتساوي حاكم كأصل أولي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ومختلف مصاديق الإنسانية، عبادة ومعاملة وقضاء وغيرها، قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((60). وقال سبحانه: (وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً).

وقال أيضا: (لّيُعَذّبَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً).

وقال عزوجل: (لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً).

وقال أيضا: (رّبّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَبَاراً).

وقال جل وعلا: (إِنّ الّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).

وهناك بعض التفاوت النادر بينهما بحسب الاستعدادات المختلفة والقابليات المتفاوتة، حيث إن المرأة في خلقها تميل إلى العاطفة أكثر، والرجل في خلقه يميل إلى العقل أكثر، وذلك حسب الحكمة في خلقه تعالى والمذكورة في محلّها، بلا صلة في ذلك بالوضع الإنساني بين الجنسين فلا ميزة لأحدهما على الآخر حسب الخلق، قال سبحانه: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً).

وقال تعالى في آية أخرى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ).

وفي بعض الآيات التساوي إلا بدرجة، كما قال سبحانه: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ)..

ومعنى الدرجة مذكورة في التفاسير، وهو لا يرتبط بالإنسانية وعدم التمييز فيها، حيث إن المرأة تغلب عليها العاطفة لمحلها التكويني في إدارة الأسرة وتربية الأجيال القادمة، والرجل يغلب عليه الجانب العقلي بالنسبة، على الجانب العاطفي، وهذه الخلقة المتفاوتة التي جعلت لحكمة رفيعة هي التي سببت أن يكون للرجال عليهن درجة.

وقد ذكرنا في بعض الكتب المعنية بهذه الشؤون أن المرأة كانت تستشار حتى من شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ورد في القرآن الحكيم سورة حول قصة خولة التي كانت تحاور الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في زوجها فتشتكي إلى الله، حيث قال سبحانه: (قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).

ولم يسبق الإسلام قانون من قوانين البشر ولم يأت بعده ولن يأتي دستور من دساتيرهم يساويه أو يفوقه في إكرام المرأة وإعطائها حقوقها الإنسانية والإسلامية بشكل يحافظ على مكانتها وشرفها، لوضوح كون الحق الإسلامي هو من خالق الإنسان العالم بجميع خصوصياته، فقد نادى القرآن الكريم بحقوقها كاملة وطبّقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون (عليهم السلام) تطبيقا كاملا.

الثالث: نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

الفرق بين نظرة الإسلام والغرب لمفهوم المساواة

وعندما يتأمل الإنسان طغيان الطبقات بعضها على بعض، أو طغيان الحاكمين على المحكومين، وعندما يولّي وجهه شطر الأمم التي تجعل لنفسها أجناسا في المرتبة الأولى وسائر الناس في المراتب المتأخرة، يعرف فضل الإسلام الذي يدعو للسلام كي تسود العدالة والمساواة والأخوة في الأرض، حتى أن القرآن الحكيم جعل الأخوة بين أشد الكفار عتوا وأفضل الأنبياء (عليهم السلام) في أزمنتهم سمواً ورقياً، حيث قال سبحانه: (وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً).

وقال تعالى: (وَإِخْوَانُ لُوطٍ).

وقال عزوجل: (وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً).

فالإسلام يدعو إلى السلم والسلام حتى يكون هناك إخاء حقيقي بين الأبيض والأسود، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والشريف والوضيع، وحتى لا يكون هناك عدوان على الأرض، سواء من طائفة على طائفة، أو جنس على جنس، أو قطر على قطر، أو لون على لون، أو لغة على لغة، أو منطقة على منطقة.

فلا تفرقة بين الناس والقبائل والأمم سواء تغايرت بالأوصاف العرقية كالأبيض والأسود، أو بالأوصاف العرضية كالغنى والفقر، والقوة والضعف، واللغة وغيرها.

المسلمون بمنزلة الجسد الواحد

كان الكلام المتقدم في النظرة الشمولية بين الإنسان وبني نوعه بصورة عامة وأما ما يتعلق بأسس السلام بين المسلمين أنفسهم في الإسلام، فقد جعلهم بمنزلة الجسد الواحد يحس بإحساس واحد، فإن الجسم الواحد إذا أصيب في يده أو رجله أو عينه أو قلبه أو أي مكان آخر منه، أو مرض أو تعب أو ما أشبه ذلك.. كان كل الجسد يتعاطف معه ويتحنن إليه، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (المؤمنون في تبارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى).

فإذا أصيبت اليد بالألم لا ينام الإنسان وتأخذه الحمى، ولو كانت العين أو الأذن أو سائر الأعضاء سالمة، وهكذا المسلمون إذا أصاب أحدهم شيء مكروه كأنه أصاب كل الجسد، فالكل يجتمعون حتى يدفعوا ذلك الشيء.

وقد مدح القرآن الحكيم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصاً وعموماً من هذه الجهة، أما مدحه الخاص، فقد قال سبحانه: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ).

وأما مدحه العام فقوله سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ).

وكلمة: لهم (تشمل المسلمين وغير المسلمين، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ليّنا حتى مع الكفار كما كان ليّنا مع المسلمين.

وأما قوله تعالى: (أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ(فإنه استثناء، وفي موارد تقتضي الشدة كميدان الحرب ـ مضافا إلى ما ورد في تفسير الآية من المقصود بالشدة ـ

فإنّ الشدة في الحرب تكون كالعملية الجراحية وفي حالات الضرورة القصوى وبقدر خاص لا يتجاوز عنه حتى بقدر شعرة، تقول الآية الكريمة: (مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً) وسيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) العطرة خير دليل على ذلك، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى الماء لأهل بدر، وأرسل بالذهب إلى أهل مكة بعد حرب خيبر، وأطلق كثيرا من أسرى الكفار مباشرة أو تسبيباً، وعفا عن أهل مكة إلى غيرها من القصص الكثيرة التي تدل على عدم معاملة الكفار معاملة عنيفة.

كما أنه يدل على ذلك عموماً قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»)، ولم يخصص ذلك بالمسلمين فحسب بل سيرته الطاهرة وفي قصص كثيرة تدل على الشمولية وعدم الاختصاص.

المساواة في القضاء

يهدف الدين الإسلامي الحنيف إلى إقامة مجتمع العدل والمساواة، كما دلت على ذلك الآيات الكريمة والروايات الشريفة وهي كثيرة في هذا الباب:

قال تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً).

وقال سبحانه: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

وقال تعالى: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

وقال سبحانه: (وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ).

وقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ).

وقال سبحانه: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ).

وقال تعالى: (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لأِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

وقال سبحانه: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأْخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنه نهى أن يحابي القاضي أحد الخصمين بكثرة النظر وحضور الذهن ونهى عن تلقين الشهود).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (العدل ميزان الله في الأرض فمن أخذه قاده إلى الجنة ومن تركه ساقه إلى النار).

وقال علي (عليه السلام): »العدل حياة«).

وقال (عليه السلام) أيضاً: »إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه«).

وعنه (عليه السلام) أنه قال: »في العدل إصلاح البرية، في العدل الاقتداء بسنة الله، في العدل الإحسان«). وعنه (عليه السلام) أنه قال: »غاية العدل أن يعدل المرء في نفسه«..

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: »اعلم أنه يجب عليك أن تساوي بين الخصمين حتى النظر إليهما حتى لا يكون نظرك إلى أحدهم أكثر من نظرك إلى الثاني«.

وكذلك لكل إنسان الحق في القضاء المتساوي مع الآخرين، فلا حق للقاضي أن يقول إن هذا عالم فهو مقدّم على الجاهل في القضاء، فيعطي للعالم الحق دون الجاهل، أو يقول: هذا شريف، أو ثري، أو سلطان، أو ذو عشيرة، وذاك غيره، أو هذا من وطني وذاك أجنبي، إلى غير ذلك.

هذا في باب القضاء حيث لا فرق بين إنسان وإنسان أمام القاضي.

وهكذا بالنسبة إلى الطب حيث لا يحق للطبيب أن يترك مريضا لأنه دون المرضى الآخرين مالا أو جاها وما أشبه ذلك، إذا كان المريض بحاجة إلى العلاج، نعم للطبيب أن يأخذ مالا في إزاء طبابته، وإذا كان المريض فقيرا لا يمكنه دفع المال فعلى الطبيب أن يسعفه ويعالجه إذا كان المرض من الأمراض الواجب إزالتها عينا أو كفاية، على الموازين المذكورة في الفقه في العينية والكفائية.

وهكذا بالنسبة إلى خيرات الأرض حيث جعلها الله سبحانه وتعالى للبشر على حد التساوي كما قال سبحانه وتعالى: (وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ).

وقال: (هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

وقال: (أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُم مّا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ).

وقال: (أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ).

وقال: (وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ).

إلى غيرها من الآيات والروايات.

حيث إن خيرات الأرض لم تخصص لشعب دون آخر بل هي لعموم البشر، ولكن الإنسان هو الذي وضع الحدود المصطنعة، بحيث أصبح الشعب الذي يمتلك الثروات الطبيعية (التي منحها الله لعموم البشر) شعباً غنياً مترفاً، ونرى شعباً مجاوراً لـه يئن من ألم الجوع، وهذا ناتج من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

ويكون هذا الأمر وهو اشتراك الجميع في الأمور التي ذكرناها، من أسس السلم والسلام، وأما لو رأى الناس التفاوت من غير مبرّر، قوضوا معالم السلام، وينتهي الأمر أحيانا إلى الثورات والاضطرابات والمظاهرات وإفساد النظام والفوضى.

الرابع: موارد الاستثناء في المساواة

مسألة: الأصل في الإسلام هو المساواة بين الجميع، إلا فيما اقتضت العدالة عدم المساواة فيه، وهذا يعني أن هناك عدالة ومساواة وليس معنى ذلك إن أحدهما يخالف الآخر، بل بينهما عموم وخصوص من وجه، فقد يجتمعان وقد يفترقان.

قال سبحانه: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

ومن أمثلة موارد العدالة في عدم المساواة، التفضيل في باب الكفاءات، فهناك تفضيل بين الأنبياء بعضهم البعض (عليهم السلام) كما قال سبحانه وتعالى: (تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ مّنْهُمْ مّن كَلّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلَـَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).

وقال: (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ).

وقال: (وَرَبّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِيّينَ عَلَىَ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً).

وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَـا أيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).

وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنّا فَضْلاً يَجِبَالُ أَوّبِي مَعَهُ وَالطّيْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ).

إن الله سبحانه وتعالى فضل بعضهم على بعض درجات للكفاءات المختلفة عندهم، وهذا عين العدالة كما هو واضح، وربما كان بعض التفضيل امتحاناً واختباراً أو من جوانب أخرى.

وهناك موارد أخرى للعدالة تقتضي عدم المساواة كتفضيل من لـه السابقة في الإسلام على غيره عند الله عزوجل، وكذلك التفضيل في الجانب الفكري والعلمي كالعالم والجاهل ولا شك أن العالم أفضل من الجاهل، ولكن مع ذلك تبقى مساواة الإنسانية بين بني آدم من غير فرق بين الفاضل وغيره وللكل حقوقهم الكاملة.

وكذلك في القضايا الاجتماعية كالزواج وهو شأن حساس ومهم، لكن الإسلام جعل الكفو هو الإيمان، لا الثروة والجاه وما أشبه، فكان الرفيع لا يرغب في مصاهرة الوضيع وهو كذلك حتى وقتنا هذا، ومع ذلك فالإسلام وضّع المناكح حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج ابنة عمّته زينب بنت جحش القرشية الهاشمية الرفيعة الشأن جدّا قبل الإسلام وبعده من مولاه زيد بن حارثة وهو عبد فقير.

وهكذا تزوّج بلال بن رباح مؤذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي كان مملوكا فقيرا أسود لايحسن العربية بشكل جيد، بأخت عبد الرحمان بن عوف بعد عتقه.

وكذلك تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض النساء اللّواتي لم يمتلكن منزلة اجتماعية ولم تكن في درجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتماعيا.

وهكذا تزوج الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بمولاة حتى عوتب في ذلك.

فالمسلم كفؤ المسلمة مهما كان أحدهما أكثر مالا أو جاها أو أعزّ سلطانا أو ما أشبه ذلك.

وقد جاءت امرأة عربية وامرأة أعجمية إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الكوفة وطلبتا منه مالا، فأعطاهما عطاء متساويا، فقالت العربية: كيف تعطي الأعجمية مثل نصيبي؟!، فقال علي (عليه السلام): »والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق«، من المعروف أن العرب من بني إسماعيل وإن بعض غير العرب من بني إسحاق كناية عن التساوي.

شبهات وردود

وقد ترد بعض الشبهات في بعض الموارد ويظن خطأ أنها تمييز وعدم مساواة بين الناس وهي:

1: في الجانب المالي، حيث اختصت فئة من الناس بجانب من الحقوق المالية وهو الخمس.

2: في الجانب العقائدي، حيث امتاز بعض الناس بالشفاعة فاعلاً وقابلا. ثم ما هو وجه الجمع بين أدلة الشفاعة الصريحة والمتواترة وبين قولـه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عنه:

«يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفيّة عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا».

3: في مسألة الرقية، فكيف تنسجم مع عدالة الدين الإسلامي، فإن العبودية استعباد للإنسان الآخر، وهذا ينافي المساواة.

والجواب على هذه الشبهات هو كما يلي:

الخمس

أما الجواب على الأمر الأول: فالخمس في قبال الزكاة فالاثنان من الحقوق المالية التي شرعتها الشريعة الإسلامية، فالزكاة تعطى لغير بني هاشم والخمس لذوي القربى، وهذا نوع احترام لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) فإنهم عدل القرآن بنص حديث الثقلين: »إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض«.

وهذا لا يعني عدم المساواة في الإنسانية، بل هو من باب وضع كل شيء في محله.

الشفاعة

وأما الجواب عن الشبهة الثانية:

إن حق الشفاعة لم يختص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في يوم القيامة، بل كما يمنح الله سبحانه وتعالى هذا الحق للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وللأئمة (عليهم السلام) كذلك يمنح الله تعالى لسائر الأنبياء وللصالحين والشهداء والمؤمنين لكن كل حسب مقامه وتقواه، فالشفاعة لكل مؤمن لكن مع مراعاة قانون العدالة التي يراها الله عزوجل.

وهنا لابد من ذكر عدة أمور تتعلق بالشافع والمشفع وهي تدخل في ضمن الأجوبة على الشبهات التي وردت في السؤال:

أولا: لا شك أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولسائر الأنبياء (عليهم السلام) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) وللصديقة فاطمة الزهراء (والشهداء والصالحين والمؤمنين والمؤمنات حق الشفاعة في الآخرة، وهي بإرادة الله سبحانه وتعالى، كما قال عزوجل: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ).

عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جانب أرض بمكة هي اليوم مقبرة ولم تكن يومئذ مقبرة فقال يبعث من هذه البقعة ومن هذا الحرم يوم القيامة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر».

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): »من حج أربعين حجة قيل لـه اشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة يدخل منه هو ومن يشفع له«.

بل ولم يقتصر أمر الشفاعة على الإنسان، بل كذلك أعطي هذا الحق لغيره وعلى سبيل المثال الحجر الأسود في الكعبة المشرفة فهو شافع في يوم القيامة، وكذلك المسجد فهو يشفع للمصلين فيه، وهكذا المصحف الشريف فإنه شافع مشفع.

فإذنً الشفاعة لم تقتصر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وإنما الصالحون الآخرون يحق لهم أن يشفعوا ولكن بالشروط التي يلزم أن يتصفوا بها).

وهذا لا يعني أن شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كشفاعة الآخرين في الدرجة، بل لهم ميزات وخصائص تختلف عمن سواهم كاختلافهم عن البشر في هذه الدنيا من ناحية عصمتهم وكمالهم وعلمهم وورعهم.

الثاني: إن الذين يشفعون متساوون مع غيرهم أمام القانون الإسلامي من العبادات والمعاملات والقضاء والمواريث وما أشبه ذلك من مختلف مسائل الفقه غير اختصاصاته (صلى الله عليه وآله وسلم) القلائل جدّاً كما قال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة (فإن تزويجها نزل من السماء»).

والتي ذكر الفقهاء هذه الاختصاصات في كتاب النكاح وغيره فإنها خارجة بالدليل القطعي، وإلا فالأصل الاشتراك والناس كلهم متساوون أمام القانون. ولكن التمييز في الآخرة بهذا الوسام العظيم ـ الشفاعة ـ لأنهم عباد مكرمون وقد قال تعالى: (إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ).

الثالث: إن الذي يشفع لـه يجب أن يكون قابلا للشفاعة، فلو كان عليه حقوق للآخرين يجب أن تسلم إلى أصحابها وإلا فليس له شفاعة.

الرابع: الشفاعة في الآخرة لا تكون إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ)، فإن الأنبياء والصالحين والأئمة وفاطمة الزهراء (ومن أشبههم لهم الشفاعة، لكنها تكون بإذن الله سبحانه وتعالى والأمر إليه قال عزوجل: (مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ)، كما أن بدأها منه على تفصيل مذكور في علم الكلام.

الرقية

وأما الجواب عن الشبهة الثالثة: حيث استشكل بأن الرقية ظاهرة تتنافى مع التشريع الإسلامي في عدالته ومساواته، فاستعباد الإنسان الأسود من شأنه أن ينفي المساواة التي تدّعى في التشريع الإسلامي.

والجواب عن هذه الشبهة يكون في أمور:

أولا: لا فرق في الإسلام ـ كما سبق ـ بين اللون الأسود والأبيض، وهذا واضح لكل من له بعض المعرفة بمبادئ الإسلام وقوانينه وأحكامه وتاريخه.

ثانيا: إن الرقية التي كانت في الجاهلية الأولى قبل الإسلام، وفي الغرب قبل إلغائه حيث كان يستعبدون السود وبتلك الطريقة اللا إنسانية، مرفوضة في الإسلام. والرق في الإسلام يختلف تماماً عما كان في الغرب على تفصيل ذكرناه في كتاب (العتق).

إن (قانون الرقية) الذي كان يعترف به العالم سابقا بل وإلى الآن ولكن يتخذ إشكالا وصورا غير ما كانت عليه من استعباد علني، قد خالفه الإسلام، فلما جاء الإسلام بشريعته السمحاء وقواعده الملائمة للفطرة الإنسانية ألغى تلك العبودية الظالمة. قال تعالى: (يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ).

وقال عزوجل: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ).

ولقد جسد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المفهوم الإنساني فهناك العشرات من الأحاديث التي تؤيد هذا المفهوم القرآني وتدعو إلى الالتزام به وتطبيقه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى«.

عبر هذه الآيات الكريمة وتلك الأحاديث الشريفة ومن خلال سيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) حارب الإسلام الظلم الذي كان يمارس ضد العبيد، حيث أعلن بصراحة أن «الناس كلهم من ولد آدم أخوة سواء»، و«البشر كلهم سواسية».

كما أن هناك روايات كثيرة تحث على عتق العبيد وفضله، كما قرر العتق كفارة لبعض الذنوب على تفصيل مذكور في الفقه.

ومن الناحية العملية والتطبيقية فالفتوحات الإسلامية لم تكن تسترق الناس، بل كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أفواجا من غير إكراه، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ). وذلك بسبب إخلاص المسلمين ونظرتهم العادلة والرحيمة للشعوب الأخرى فكان هم المسلمين نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الحرية والعدالة والعلم والسلام والمحبة فكانت الأمم والشعوب ترحب بالمسلمين، وتقبل على اعتناق الإسلام عن طواعية لأنه ينبذ العنصرية ويحاربها، والكثير منهم كان يبقى على دينه ضمن معاهدة عادلة مع المسلمين لحفظ حقوقهم.

الأصل التساوي

وهكذا يكون التساوي بين المسلمين في الحدود والديات والقصاص والقضاء والمواريث والمعاملات بأنواعها الكثيرة من بيع وشراء ورهن وإجارة وشركة ومضاربة وهبة وغير ذلك.

وأما التساوي بين الرجل والمرأة، فالإسلام يعلنها كأصل أولي بالصراحة ويقول بالتساوي بينهما إلا فيما خرج بالدليل، قال الله عزوجل: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ).

وقال: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً).

وبصورة عامة يكون تطبيق قانون التساوي مع مراعاة قانون العدالة هو من أسس السلم والسلام في المجتمع.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2019Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق