q

من الطبيعي ان المؤشرات الصحية لأي بلد تمثل أحد العوامل المهمة في تطوير الاقتصاد وكذلك العكس اي ان المؤشرات الصحية تتوقف على مدى تطور الاقتصاد من تخلفه، فكلما كان الاقتصاد متطورا ومتينا سيدعم المؤشرات الصحية بشكل اكبر وهذا ما سينعكس على الاقتصاد بشكل اكبر ايضاً، اي ان العلاقة بينهما علاقة سببية احدهما يؤثر في الاخر.

فعلى سبيل المثال عندما يزداد دخل الفرد كنتيجة لتطور الاقتصاد، فان الفرد سيزيد من الانفاق على نوعية الغذاء الجيدة التي تزيد من قوته البدنية التي تزيد من انتاج السلع التي تخدم الاقتصاد والمجتمع، وكذلك تزيد من قوته الذهنية التي تزيد من الابتكارات في كافة المجالات والتي من شأنها ان تزيد من رفاهية الانسان، كما ان زيادة دخل الفرد تؤدي الى سرعة معالجة الامراض التي يقع ضحيتها الانسان والتي تطيل فترة بقاءه في السرير نتيجة انخفاض دخلة في حالة انخفاض مستوى دخله كنتيجة لتخلف الاقتصاد. وتنبغي الاشارة الى ان الاقتصاد المتطور هو الاقتصاد المتنوع اي لا يعتمد على مصدر معين كالنفط مثلاً وكما هو الحال في دول الخليج والعراق، وبالتالي هذا المصدر يجعل دخول الافراد لا تتسم بالاستقرار وهذا ما ينعكس سلباً على الجانب الصحي وعلى الاقتصاد في آن واحد، وهذا ما دفع بنا للتساؤل الذي سيطرح في نهاية المقال.

اجمالي الانفاق على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي

في عام 2013 احتلت فلسطين المرتبة الاولى في اجمالي الانفاق على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، وهذا يعني ان 10% من الناتج المحلي الاجمالي الفلسطيني يذهب على الاهتمام بالجانب الصحي، وتأتي جيبوتي في المرتبة الثانية والتي كانت نفقاتها على الصحة تشكل 8.9% من اجمالي الناتج المحلي، كما كانت ثلاثة دول تتنافس للحصول على المرتبة الثالثة وهي الاردن التي شكلت 7.2%، وتونس التي شكلت 7.1%، ولبنان التي شكلت نفقاتها على الصحة 7.2% من اجمالي ناتجها المحلي الاجمالي. واما الدول التي كانت تحتل المرتبة الرابعة فهي كل من الجزائر التي تشكل 6.6% و، والسودان التي تشكل 6.5%، والمغرب التي تشكل 6.0%. في حين كانت الدو العربية الاخرى لم تتجاوز نسبة الـ 5% باستثناء جزر القمر 5.8%، والعراق 5.2%، ومصر 5.1%، واليمن 5.4%.

الانفاق العام على الصحة كنسبة من اجمالي الانفاق العام

اما بالنسبة للمؤشر الثاني وهو الانفاق العام على الصحة كنسبة من اجمالي الانفاق العام، فيلاحظ ان الاردن تحتل المرتبة الاولى من بين الدول العربية اذ تشكل 17.8%، وجيبوتي تحتل المرتبة الثانية حيث تشكل 14.1%، في حين تأتي تونس التي تشكل 13.3%، وجزر القمر التي تشكل 13.1% في المرتبة الثالثة، كما تأتي كل من السودان التي تشكل 10.6%، وفلسطين 10.0% في المرتبة الرابعة، في حين ان جميع الدول العربية الاخرى لم تتجاوز نفقاتها على الصحة 10% من اجمالي النفقات العامة، هذا ما يشير إلى عدم اهتمام الدول العربية برأس المال البشري الذي يُعد في الوقت الحاضر اساس التنمية الاقتصادية وهذا ما طبقته دول جنوب شرق اسيا.

الانفاق على الصحة حسب نوع الانفاق عام وخاص

ومن اجل ملاحظة مدى تدخل الدولة والاهتمام برأس المال البشري لابد من معرفة نسب الانفاق على الصحة، أي ما هي نسب انفاق الدولة (الانفاق العام) على القطاع الصحي وكذا العكس نسب انفاق القطاع الخاص على الصحة، فكانت اعلى نسبة للإنفاق العام على الصحة في قطر والتي شكلت 83.8%، والكويت 82.6%، وعُمان 80.0%، ثم تأتي في المرتبة الثانية كل من الجزائر التي تشكل 74.2%، والامارات وليبيا اللتان تشكلان 70.3%، والبحرين التي تشكل 70.2%، وتحتل المرتبة الثالثة كل من الاردن التي تشكل 66.0%، والسعودية التي تشكل 64.2%، والجزائر التي تشكل 60.0%، وان كل من تونس ولبنان تأتيان في المرتبة الرابعة إذ بلغت في الاولى 59.3% وفي الثانية 50.7%، وان النسب المكملة لهذه النسب تشير الى مشاركة القطاع الخاص في الانفاق على الصحة. وان جميع الدول العربية الاخرى كان القطاع الخاص هو القائم بتنمية رأس المال البشري.

النسبة المئوية للسكان الذين يحصلون على خدمات صحية

كما يمكن معرفة مدى حصول الافراد على الخدمات الصحية بشكل عام من ناحية ومعرفة العدالة في توزيع الخدمات الصحية بين الريف والحضر بشكل خاص من ناحية اخرى، من خلال النسبة المئوية للسكان الذين يحصلون على خدمات صحية، ومن خلال توزيع النسب بين سكان الريف وسكان الحضر، فكلما كان الفرق بينهما كبير كلما دل ذلك على عدم اهتمام الدولة بالموازنة بين سكان الحضر وسكان الريف، ودائماً ما يكون الاهمال بسكان الريف اكثر من سكان الحضر، وهذا ما يزيد من المشاكل الاجتماعية كالبطالة والاقتصادية كانخفاض نمو الناتج الزراعي، وغيرها. يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد الى وجود خمس دول عربية يحصل كامل مواطنوها على الخدمات الصحية اي 100% وهي كل من السعودية وفلسطين وقطر والكويت ولبنان، وهذا ما يعني ان سكان الريف في هذه الدول يحصل على كامل ونفس الخدمات التي يحصل عليها سكان الحضر، وان مواطنو دولة البحرين والاردن والامارات وعُمان ومصر وتونس والجزائر وليبيا يحصلون على خدمات صحية تتراوح نسبها ما بين 90% و99%، وبالمقابل هناك دول عربية يعاني اغلب مواطنوها من الحصول على الخدمات الصحية، فضلاً عن التفاوت في توزيعها ما بين الريف والحضر، تتمثل هذه الدول في كل من السودان والصومال وموريتانيا، إذ كانت النسب 24% و23% و27% على التوالي. اما مواطنو الدول العربية الاخرى يحصلون على الخدمات الصحية بنسب تتراوح ما بين 50% و80%.

عدد الاطباء لكل 100 الف نسمة

اما مؤشر عدد الاطباء لكل 100 الف نسمة يفضي الى مدى اهتمام الدولة بالمجتمع، اذ كلما يزداد عدد الاطباء لكل 100 الف نسبة كلما دل ذلك على اهتمام الدولة في بناء مجتمع سليم قادر على بناء الاقتصاد بشكل فعال وسليم، لكن في حالة العكس سيبقى الاقتصاد متخلف كنتيجة لضعف المجتمع بدنياً وذهنياً بسبب عدم اهتمام الدولة بالجانب الصحي. ضمن هذا المؤشر تحتل لبنان المرتبة الاولى، إذ يبلغ عدد الاطباء فيها 319 لكل 100 الف نسمة، وتأتي بعدها كل من الاردن والبحرين والسعودية وقطر والكويت وليبيا حيث كان عدد الاطباء لكل 100الف نسمة هو 286 و279 و268 و253 و270 و200 على التوالي. في حين ان الدول التي تحتل المرتبة الثالثة هي كل من الامارات وتونس والجزائر وسوريا عُمان وكان عدد اطباؤها لكل 100 الف نسمة هو 178 و168 و120 و 158 و199 على التوالي.

اما الدول الاخرى وهي الأسوء حالاً في عدد الاطباء وهي كل من جيبوتي والسودان والصومال والعراق ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن فكان عدد الاطباء هو 21 و 42 و3 و 88 و85 و64 و10 و30 على التوالي لكل 100 الف نسمة.

عدد الممرضات لكل 100 الف نسمة

كما ان عدد الممرضات لكل 100 الف نسمة قد بلغ 1030 ممرضة في السعودية، وتأتي كل من ليبيا وقطر والكويت والبحرين والاردن وعُمان في المرتبة الثانية اذ كان عدد الممرضات في هذه الدول هو 670 و 581 و 560 و 513 و 486 و 457 على التوالي لكل 100 الف نسمة. اما الدول التي احتلت المرتبة الثالثة فهي كل من الامارات و لبنان وتونس وفلسطين اذ كان العدد هو 336 و 331 و 325 و 250 ممرضة لكل 100 الف نسمة على التوالي، اما الدول كالعراق وسوريا والجزائر ومصر التي كان عدد ممرضيها 195 و 192 و 190 و 143 لكل 100 الف نسمة هو افضل من عدد ممرضي دول السودان والمغرب واليمن وموريتانيا وجيبوتي والصومال الذي بلغ 95 و 90 و 72 و 70 و 51 و 8 على التوالي.

عدد السكان مقابل كل سرير

ويمكن ملاحظة عدد السكان لكل سرير في الدول العربية، إذ كلما يكون الاقتصاد ذا كفاءة عالية كلما يستطيع الاهتمام وتوفير كل ما يحتاجه مواطنوه ومنها عدد الاسرة في المستشفيات فكلما يزداد عددها كلما كان عدد السكان للسرير الواحد اقل ما يمكن، وهذا هو الافضل بالتأكيد، فنلاحظ ان ليبيا ولبنان احتلا المرتبة الاولى في عام 2012 عندما بلغ عدد السكان لكل سرير هو 270 و209 على التوالي، فيما تأتي كل من القمر والكويت وتونس والسعودية البحرين والاردن والجزائر وعُمان في المرتبة الثانية حيث بلغ عدد السكان 454 و 455 و 472 و 478 و 481 و 528 و 594 و 604 على التوالي مقابل كل سرير، وحصلت على المرتبة الثالثة كل من جيبوتي والعراق وفلسطين وقطر والامارات فكان العدد مقابل كل سرير هو 704 و 769 و 782 و 833 و 935 على التوالي. اما الدول الاخرى وهي المغرب والسودان واليمن والصومال وموريتانيا ومصر والتي بلغ عدد السكان فيها مقابل كل سرير هو 1176 و 1220 و 1389 و 1429 و 1892و 2023 على التوالي، وهذه اعداد كبيرة تشير الى عدم الاهتمام براس المالي البشري.

العمر المتوقع للحياة عند الولادة

يُعد هذا المؤشر من المؤشرات المهمة جداً، إذ دائماً ما يُستخدم في تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الامم المتحدة، فهو يُشير الى عدد السنوات التي يتوقع ان يعيشها مولود جديد اذا بقيت انماط معدلات الوفاة المسجلة حسب الفئات العمرية عند ولادته على حالها طيلة فترة حياته. هذا المؤشر يجسد تقريباً كل المؤشرات السابقة، إذ ان زيادة عمر الانسان تشير الى زيادة الانفاق على الصحة من قبل الريف والحضر وحصول اغلب السكان على الخدمات الصحية وزيادة عدد الاطباء والممرضين لكل 100 الف نسمة وزيادة عدد الاسرة مما يقلل عدد السكان لكل سرير، ناهيك عن تحسين نوعية الغذاء وزيادة الوعي الصحي لدى المجتمع. حيث بلغ العمر المتوقع في لبنان 80 سنة وتليها قطر عندما بلغ 78.4 سنة، وبلغ 76.8 سنة في الامارات، وبلغ 76.6 في البحرين، و76.6 في عُمان، و 76.6 في ليبيا، و 75.9 في تونس، و75.5 في السعودية، 74.6 في سوريا، 74.3 في الكويت، و73.9 في الاردن، و73.2 في فلسطين، و 71.2 في مصر، و 71.0 في الجزائر، و70.9 في المغرب، و 69.4 في العراق، و 63.1 في اليمن، و 62.1 في السودان، و 61.8 في جيبوتي، و 60.9 في القمر، و 55.1 في الصومال.

نلاحظ مما تقدم ان الدول النفطية تتميز غالبية مؤشراتها الصحية بشكل ايجابي باستثناء بعض المؤشرات، وذلك بحكم الوفرة المالية التي تتمتع بها في ظل توفر النفط، في حين ان الدول الاخرى وخصوصاً موريتانيا واليمن والسودان والصومال تعاني الامرين في مؤشراتها الصحية بسبب انخفاض الاموال اللازمة للتمويل واسباب اخرى كالفساد وغيرها. اما بالنسبة للدول الاخرى وهي الدول التي تقع مؤشراتها الصحية في المنطقة الوسطى اي لا تُعاني من عدم توفر الاموال بشكل شديد كما هو الحال في موريتانيا واليمن والسودان والصومال ولا تمتلك اموال ضخمة، كما هو الحال في قطر والامارات والسعودية والكويت وغيرها، بحيث تجعلنا نطرح السؤال التالي: هل ان الدول (النفطية) ستبقى مؤشراتها الصحية ايجابية في ظل نضوب او انخفاض قيمة واهمية النفط؟!!

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق