حوالى 4 مليارات شخص، أي 49% من سكان العالم، شهدوا ما لا يقل عن 30 يوما إضافيا من الحرارة الشديدة مقارنة بعالم لا يشهد تغيرا مناخيا. ورصد 67 موجة حر شديد خلال العام، ووجدوا بصمة تغيّر المناخ في كل واحدة منها. بسبب التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري...
الغزيرة والجفاف وذوبان القمم الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية ومن ثم اندلاع الكوارث المناخية المدمرة، ويُقدّر مرصد كوبرنيكوس الأوروبي بأن الاحترار يبلغ حاليا 1,39 درجة ويتوقع أن يصل العالم إلى درجة 1,5 في منتصف العام 2029 أو حتى قبل ذلك. وعلى الرغم من احتمال تسجيل زيادة بدرجتين ما زال متدنيا جدا (1%) إلا أن مجرد ظهور هذا الاحتمال في التوقعات الحاسوبية في سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة، يعني أنه ينبغي أخذه على محمل الجد.
ولا يبدو أن العام الحالي سيشهد أي تحسن.
نصف سكان العالم تعرضوا لشهر إضافي من الحر الشديد
تعرّض نصف سكان العالم لشهر إضافي من الحر الشديد خلال العام الماضي بسبب التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري، على ما أظهرت دراسة جديدة.
ووجدت الدراسة أن الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري يضر بالصحة والرفاه في كل القارات، مشيرة إلى أن آثار ذلك غالبا ما لا تحظى بالاقرار الكافي في دول نامية.
وقالت فريدريكه أوتو، عالمة المناخ في “إمبريال كوليدج لندن” والمؤلفة المشاركة في التقرير إن “مع كل برميل نفط يُحرق، وكل طن من ثاني أكسيد الكربون يُطلق، وكل جزء من درجة احترار، ستؤثر موجات الحر على عدد أكبر من الناس”.
ونُشر التحليل الذي أجراه علماء في منظمات ورلد ويذر أتريبيوشن (World Weather Attribution) وكلايمت سنترال (Climate Central) ومركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر، قبل أيام من اليوم العالمي للعمل من أجل مواجهة الحرارة في الثاني من حزيران/يونيو، والذي يسلط الضوء هذا العام على مخاطر الإجهاد الحراري وضربات الشمس.
ولتحليل تأثير الاحترار العالمي، درس الباحثون الفترة الممتدة من الأول من أيار/مايو 2024 حتى الأول من أيار/مايو 2025.
وعرّفوا “أيام الحر الشديد” بأنها الأيام التي تتجاوز درجات حرارتها 90 في المئة من درجات الحرارة المُسجّلة في المكان ذاته خلال الفترة من 1991 إلى 2020.
وباستخدام نهج محاكاة راجع نتائجه محللون مستقلون، قارن معدو الدراسة عدد أيام الحر الشديد المسجلة، مع عددها في عالم افتراضي لم يتأثر بالاحترار الناجم عن النشاط البشري.
وكانت النتائج صادمة: فحوالى 4 مليارات شخص، أي 49% من سكان العالم، شهدوا ما لا يقل عن 30 يوما إضافيا من الحرارة الشديدة مقارنة بعالم لا يشهد تغيرا مناخيا.
ورصد الفريق 67 موجة حر شديد خلال العام، ووجدوا بصمة تغيّر المناخ في كل واحدة منها.
وكانت جزيرة أروبا في منطقة الكاريبي الأكثر تضررا، إذ سجّلت 187 يوما من الحر الشديد، وهو ما يزيد بـ45 يوما عن المتوقع في غياب تغير مناخي.
وتأتي هذه الدراسة عقب عام سجل أرقاما غير مسبوقة من حيث درجات الحرارة العالمية. فعام 2024 كان الأشد حرارة على الإطلاق متجاوزا 2023، فيما كان كانون الثاني/يناير 2023 الأكثر حرارة مقارنة بأي كانون ثاني/يناير سابق.
وبمعدل خمس سنوات، أصبحت درجات الحرارة العالمية الآن أعلى بمقدار 1,3 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وفي عام 2024 وحده، تجاوزت بمقدار 1,5 درجة مئوية، وهو الحد الرمزي الذي نص عليه اتفاق باريس للمناخ.
كما أبرز التقرير نقص البيانات المتعلقة بتأثير الحرارة على الصحة، خصوصا في الدول ذات الدخل المنخفض.
فبينما سجلت أوروبا أكثر من 61 وفاة مرتبطة بالحرّ في صيف 2022، لا توجد بيانات يمكن مقارنتها في مناطق أخرى، فيما كثيرا ما تُنسب وفيات ناجمة عن الحرّ إلى أمراض قلبية أو تنفسية.
وشدد الباحثون على أهمية أنظمة الإنذار المبكر والتوعية العامة وخطط العمل المناخي الخاصة بالمدن.
كما أن تحسين تصميم المباني، بما في ذلك التظليل والتهوية، وتعديل السلوكيات، مثل تجنب النشاطات الشاقة خلال ذروة الحرارة، أمران أساسيان.
ومع ذلك، فإن التكيّف وحده لن يكون كافيا. وحذر معدو الدراسة من أن السبيل الوحيد لوقف تزايد شدة ووتيرة الحرارة الشديدة هو التخلي التدريجي السريع عن الوقود الأحفوري.
احتمال تخطي الاحترار 1,5 درجة حتى 2029 هو 70%
لدورها حذّرت الأمم المتّحدة من أنّ احتمالات أن يتخطّى معدّل الاحترار المناخي في العالم عتبة 1,5 درجة مئوية خلال الفترة الممتدة بين 2025 و2029، باتت الآن تبلغ 70%.
ويتوقع بالتالي يأن يبقى الكوكب عند مستويات احترار تاريخية بعد تسجيل العامين الأكثر حرّا في 2023 و2024، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة.
وقالت الأمينة العامة المساعدة للمنظمة كو باريت “شهدنا للتو أكثر عشر سنوات حرا تسجل حتى الآن. وللأسف لا يظهر تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مؤشرات على أي تراجع خلال السنوات المقبلة. ويعني ذلك تأثيرا سلبيا متزايدا على اقتصاداتنا وحياتنا اليومية وأنظمتنا البيئية وكوكبنا”.
تهدف اتفاقيات باريس للمناخ الموقعة عام 2015 إلى الحد من الاحترار العالمي بحيث تكون الزيادة أقل بكثير من درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة المسجلة ما قبل الثورة الصناعية، مع هدف 1,5 درجة مئوية إن أمكن.
وتحتسب الأهداف بناء على المعدل المسجل بين 1850 و1900 قبل أن يبدأ الإنسان بحرق الفحم والغاز والنفط بكميات صناعية والتي ينجم عن اشتعالها ثاني أكسيد الكربون وهو من الغازات الدفيئة المسؤولة إلى حد كبير عن التغير المناخي.
وأما هدف عدم تجاوز الزيادة 1,5 درجة مئوية فيرى عدد متزايد من علماء المناخ الآن أن تحقيقه مستحيل، في ظل ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأعدّ توقعات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مكتب الأرصاد الجوية البريطاني بناء على توقعات من عدة مراكز عالمية.
وتتوقع المنظمة أن يكون المتوسط العالمي لدرجة الحرارة قرب سطح الأرض لكل عام من 2025 حتى 2029 ما بين 1,2 و1,9 درجة مئوية أعلى من معدل ما قبل الثورة الصناعية.
وتفيد أن احتمال تجاوز الاحترار في الفترة ما بين 2025 و2029 معدل 1,5 درجة مئوية هو بنسبة 70%.
وعلق خبير المناخ بيتر ثورن من جامعة مينوت في ايرلندا “يتناسب ذلك تماما مع اقترابنا من تجاوز عتبة 1,5 درجة مئوية على المدى الطويل في نهاية عشرينات هذا القرن أو مطلع الثلاثينات منه”.
وأضاف “أتوقع بأن يرتفع الاحتمال إلى 100% في غضون عامين إلى ثلاثة” في إطار التوقعات لخمس سنوات.
وقدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الاحتمال يصل إلى 80% بأن يكون عاما واحدا على الأقل بين 2025 و2029 أكثر حرا من العام الأكثر حرارة المسجّل على الإطلاق (2024).
وأفاد مدير شعبة الخدمات المناخية لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية كريستوفر هيويت في مؤتمر صحافي بأنه من أجل تخفيف التقلبات المناخية الطبيعية، تُستخدم عدة وسائل لتقييم الاحترار طويل الأمد.
تجمع إحدى المقاربات البيانات من السنوات العشر الأخيرة مع توقعات للعقد التالي.
بناء عليه، تفيد التوقعات بأن معدل الاحترار لفترة 20 عاما من 2015 حتى 2034 سيبلغ 1,44 درجة مئوية.
ولا يوجد توافق بعد على الطريقة الأمثل لتقييم الاحترار على الأمد الطويل.
ويُقدّر مرصد كوبرنيكوس الأوروبي بأن الاحترار يبلغ حاليا 1,39 درجة ويتوقع أن يصل العالم إلى درجة 1,5 في منتصف العام 2029 أو حتى قبل ذلك.
وعلى الرغم من احتمال تسجيل زيادة بدرجتين ما زال متدنيا جدا (1%) إلا أن مجرد ظهور هذا الاحتمال في التوقعات الحاسوبية في سنة واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة، يعني أنه ينبغي أخذه على محمل الجد.
وقال آدم سكيف من كتب الأرصاد الجوية البريطاني “هذه أول مرة على الإطلاق نرى ذلك في توقعاتنا على الحاسوب”.
وتابع بأن “الأمر صادم” و”نتوقع أن زيادة هذا الاحتمال”.
واستذكر بأنه قبل عقد، أظهرت التوقعات في البداية احتمالا ضئيلا جدا بأن يتجاوز أي عام عتبة الدرجة ونصف الدرجة مئوية. لكن ذلك حصل عام 2024.
من شأن كل جزء من الدرجة من الاحترار الإضافي أن يزيد من حدة موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف وذوبان القمم الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية.
ولا يبدو أن العام الحالي سيشهد أي تحسن.
والأسبوع الماضي، سجّلت الصين درجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية في بعض المناطق بينما سجّلت الإمارات العربية المتحدة 52 درجة مئوية تقريبا فيما ضربت رياح عاتية باكستان خلفت قتلى بعد موجة حر شديدة.
وقالت خبيرة المناخ لدى كلية لندن الإمبراطورية Imperial College London فريديريكه أوتو “بلغنا فعلا مستوى خطيرا من الاحترار مع فيضانات قاتلة مؤخرا في أستراليا وفرنسا والجزائر والهند والصين وغانا وحرائق غابات في كندا”.
وأضافت أن “الاعتماد على النفط والغاز والفحم في 2025 هو جنون مطلق”.
الأعوام الثلاثة الأكثر حرا
ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاما قياسيا، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حرا على الأرض.
وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخية الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية، إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلا خفض هذا المعدل سوى بـ0,2% في العام الفائت، بحسب تقرير كوبرنيكوس.
ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1,5 درجة مئوية من الاحترار مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.
خلف هذه الأرقام، ثمة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي، إذ قضى 1300 شخص بسبب درجات الحرارة الشديدة خلال موسم الحج في مكة في حزيران/يونيو، بالإضافة إلى فيضانات تاريخية طالت غرب افريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي…
اقتصاديا، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الفائت، بحسب شركة “ميونيخ ري” لإعادة التأمين.
تقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في كوبرنيكوس سامانثا بيرجس “إنّ كل سنة من العقد الفائت كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّا على الإطلاق”.
ويستمر الاحترار في المحيطات التي تمتص 90% من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات – باستثناء المناطق القطبية – إلى مستوى غير مسبوق مع 20,87 درجة مئوية، متجاوزا الرقم القياسي لعام 2023.
بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يؤثر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية.
وتطلق البحار التي باتت أكثر احترارا مزيدا من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف.
ويشير كوبرنيكوس إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في العام 2024، إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991-2020 بنحو 5%.
وشهد العام الفائت نهاية ظاهرة ال نينيو الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة ال نينيا المعاكسة.
وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في كانون الأول/ديسمبر الفائت من أنّ ظاهرة ال نينيا ستكون “قصيرة ومنخفضة الشدة” وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.
ويتوقع بأن يواصل احترار المنطقة القطبية الشمالية تجاوز المعدل العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وتشير التوقعات إلى استمرار تراجع الجليد البحري للفترة من آذار/مارس 2025 حتى 2029 في بحر بارنتس وبحر بيرنغ وبحر أوخوتسك.
كما يتوقع أن تشهد منطقة جنوب آسيا أمطارا تتجاوز المعدل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتشير أنماط هطول الأمطار إلى أن منطقة الساحل الإفريقية وشمال أوروبا وألاسكا وشمال سيبيريا ستشهد جميعها تساقطا متزايدا للأمطار، بينما ستكون الظروف أكثر جفافا من المعدلات الطبيعية في الأمازون.
الأنهار الجليدية أكثر عرضة لتبعات تغير المناخ
وبيّنت دراسة حديثة أن الأنهار الجليدية أكثر عرضة للتغير المناخي مما كان يُعتقد سابقا، منبّهةً إلى أن ثلاثة أرباع كتلتها قد تختفي في القرون المقبلة إذا لم يتغير شيء، وهو ذوبان ستكون له عواقب وخيمة.
ترتدي هذه الأنهار الجليدية العملاقة أهمية كبيرة في تنظيم المناخ، وتؤدي دورا محوريا في توفير المياه العذبة لمليارات البشر.
غير أن ذوبانها الذي يُغذّيه ارتفاع درجات الحرارة العالمية الناجم عن الأنشطة البشرية، يُعرّض هذه الموارد للخطر، ويُفاقم ارتفاع مستوى سطح البحر، مُهدّدا بذلك عددا كبيرا من السكان.
تُقدّم الدراسة التي أجراها نحو عشرين عالما دوليا ونُشرت نتائجها في مجلة “ساينس” المرموقة، الرؤية الأكثر تفصيلا حتى الآن للمخاطر المُرتبطة بذلك.
وبيّن هذا التحليل الذي أُجري باستخدام ثمانية نماذج مناخية أن ذوبان الأنهار الجليدية العالمية سيكون أكبر بكثير من المتوقع على المدى الطويل، لا سيما إذا بقي العالم على مساره الحالي في الاحترار المناخي، مع خسارة تُقدّر بنحو 76% من كميات الجليد الحالية.
غير أن هذه التوقعات القاتمة للغاية تترافق مع “رسالة أمل”، على ما أكّد أحد المشاركين في إعداد الدراسة، عالم الجليد هاري زيكولاري من جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا، لوكالة فرانس برس.
ويوضح زيكولاري أنه إذا تمكنت البشرية من حصر الاحترار المناخي عند عتبة درجة مئوية ونصف درجة مقارنة بمعدلات الحرارة في عصر ما قبل الصناعة، وهو ما تنص عليه اتفاقية باريس المناخية، فسيتم الحفاظ على أكثر من نصف الكتلة الحالية للأنهار الجليدية، وفق توقعات معدّي الدراسة.
وبحسب المجتمع العلمي، ارتفعت درجة حرارة العالم بما لا يقل عن 1,2 درجة مئوية، وقد يصل الارتفاع إلى 2,7 درجة مئوية بحلول عام 2100 في ظل سياسات المناخ الحالية.
ينعكس هذا الارتفاع في درجات الحرارة بشكل غير متناسب على الارتفاعات العالية، إذ إن الزيادة في معدل درجة حرارة الهواء فوق الأنهار الجليدية أكبر بنسبة 80% من الزيادة الإجمالية، وفق الدراسة.
وتحذّر الدراسة من أن الآثار الضارة لهذا الارتفاع في الحرارة ستستمر على المدى الطويل جدا. وبذلك، حتى لو أوقف العالم انبعاثاته الملوثة فورا، ستستمر الأنهار الجليدية في الذوبان بشكل ملحوظ، إذ تُقدّر الدراسة فقدان الجليد العالمي في مثل هذا السيناريو بنسبة 39%.
وفقدت الأنهار الجليدية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم ما يقرب من 5% من حجمها منذ بداية القرن، مع تفاوتات إقليمية كبيرة: من تراجع بنسبة 2% في أنتركتيكا إلى انحسار 40% في جبال الألب.
في هذه السلسلة الجبلية الأوروبية، كما الحال في جبال روكي في الولايات المتحدة وكندا، تُعدّ الأنهار الجليدية أكثر عُرضة للخطر، لا سيما بسبب موقعها وحجمها وارتفاعها. وقد انهار نهر جليدي في سويسرا الأربعاء إثر تساقط صخور دمّرت قرية جزئيا. ولا تزال أسباب هذا الحدث اللافت غير معروفة، وقد تكون جيولوجية أو مناخية.
وفقا للدراسة، قد تفقد الأنهار الجليدية معظم جليدها، مع خسارة تقديرية في الحجم تتراوح بين 85% و90% إذا أُبقي ارتفاع درجة الحرارة دون درجتين مئويتين، وهو أحد الأهداف الاحتياطية لاتفاقية باريس. ومن المتوقع أن تختفي الأنهار الجليدية الواقعة في الدول الاسكندنافية تماما.
ستكون لهذه العتبة عواقب متفاوتة في أماكن أخرى، حتى داخل القارة نفسها. على سبيل المثال، يُقدّر أن يكون التأثير شديدا جدا على الأنهار الجليدية في وسط وجنوب شرق آسيا، والتي قد تفقد 75% من جليدها الحالي، وبدرجة أقل على سلسلة جبال هندوكوش الواقعة في أفغانستان وباكستان، والتي من المتوقع أن تشهد خسارة بنسبة 40%.
ولكن على أي حال، أكدت ، المشاركة في إعداد الدراسة ليليان شوستر، وهي باحثة في جامعة إنسبروك النمسوية لوكالة فرانس برس، أن “كل عُشر درجة إضافية من الاحترار له أهميته”.
ويصحّ ذلك خصوصا وأن آثار هذه الظواهر واسعة النطاق من ذوبان الجليد بدأت تظهر بالفعل، وتتمثل خصوصا في اختلال النظم البيئية، وتهديد الأمن الغذائي وإنتاج الطاقة الكهرومائية في مناطق بأكملها، ومساهمتها في ارتفاع مستوى سطح البحر.
من جهة أخرى حالت ملايين الأمتار المكعبة من الصخور والجليد التي دمرت قرية صغيرة في جبال الألب السويسرية الأربعاء إضافة إلى عدم استقرار الجبل دون أي تدخل للحد من خطر الفيضانات في الوادي، إلا أن السلطات المحلية استبعدت الاحتمال الأسوأ، ولا تخطط لإجلاء السكان من المصب في الوقت الراهن.
وكانت السلطات لا تزال تلحظ الخميس إمكان حصول انهيار مفاجئ لسد الأنقاض الطبيعية، ما يجعل مياه البحيرة الاصطناعية الآخذة في الارتفاع تغمر الوادي.
لكنّ ستيفان غانزر، رئيس إدارة الأمن في كانتون فاليه، حيث وقعت الكارثة، قال خلال مؤتمر صحافي مساء الخميس “تلقينا معلومات من جيولوجيين ومتخصصين يُرجّحون أن مثل هذا الحدث مستبعد”.
وأضاف غانزر أن الإفراغ الاستباقي لحوض السد الاصطناعي في بلدة فيردن الواقع على مستوى أدنى من الوادي يتيح “توفير منطقة عازلة تمنع تدفق المياه إلى السهل”.
وشرح أن “من غير المرجح أن تتسبب البحيرة فجأة وبقوة بتحطيم هذه الكتلة الضخمة من الحطام الناتج عن الانهيار” الذي وقع الأربعاء، لكنه في الوقت نفسه أقرّ بأن “ما هو مستبعد (…) قد يصبح واردا”.
ومن هذا المنطلق، تُدرس خطط إجلاء، وقد أُبلغت البلديات والسكان بالاستعداد لأي طارئ، بحسب غانزر.
وأفاد كريستيان ستودر من دائرة المخاطر الطبيعية في الكانتون بأنّ ثمة سيناريوهين هما الأكثر رجحانا نظرا إلى تكوين الأنقاض وتركيبتها.
وأوضح أن السيناريو الأول يتمثل في “تآكل تدريجي” للأنقاض بفعل مياه البحيرة، بينما السيناريو الثاني، “الواقعي نوعا ما”، هو أن “تزداد الأنقاض سيولةً تدريجيا وتتدفق بعيدا”.
لكن غانزر شدد على أن السلامة تأتي في المقام الأول، وقال “لدينا شخص مفقود، ولا نريد المزيد من المفقودين أو القتلى في هذه الكارثة المروعة”.
جفاف ربيعي استثنائي في بريطانيا
وفقا لمكتب الأرصاد الجوية، هطلت 80,6 ميليمترا من الأمطار في المملكة المتحدة منذ بداية الربيع في آذار/مارس، وهو أقل بكثير من أدنى مستوى تاريخي بلغ 100,7 ميليمتر سُجِّل عام 1852.
وقالت الهيئة لوكالة فرانس برس إن هذا “الربيع هو الأكثر جفافا حتى الآن منذ أكثر من قرن”.
في هذا البلد المعروف بمناخه المحيطي، يؤثر نقص الأمطار وأشعة الشمس القياسية بشكل خاص على اسكتلندا وشمال إنكلترا، حيث مستويات مخزونات المياه “منخفضة بشكل خاص، إن لم تكن استثنائية”، بحسب وكالة البيئة.
عقدت هذه الأخيرة اجتماعا لفريقها العامل المعني بالجفاف الشهر الماضي، وحثّت شركات المياه على “بذل المزيد من الجهود للحفاظ” على احتياطيات بريطانيا المائية.
لا تزال ذكرى صيف عام 2022، الذي تجاوزت فيه درجات الحرارة في المملكة المتحدة مستوى 40 درجة مئوية للمرة الأولى، حاضرة في أذهان الجميع.
مع تغير المناخ، “يتزايد احتمال حدوث موجات جفاف”، ما يؤثر على كمية المياه في الخزانات والأنهار، على ما تقول مديرة الجمعية الملكية للأرصاد الجوية ليز بنتلي لوكالة فرانس برس.
وقد ارتفع هذا الاحتمال من موجة جفاف شديدة كل 16 عاما إلى موجة جفاف كل خمس سنوات في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، قبل أن يرتفع إلى موجة جفاف كل ثلاث سنوات في العقود المقبلة.
وقد بدأ بعض المزارعين بالري مبكرا، على ما أفاد الاتحاد الوطني للمزارعين، وهو الاتحاد الزراعي الرئيسي الذي يدعو إلى الاستثمار لتركيب خزانات تخزين مباشرة في المزارع.
وأصدرت نائبة رئيس الاتحاد رايتشل هالوس بيانا قالت فيه إن “الظروف الجوية القاسية تؤثر على قدرتنا على إطعام البلاد (…) ويجب على الحكومة أن تدرك أهمية المياه لإنتاج الغذاء” في أوقات الندرة.
اضف تعليق