q
القطار على وشك التحطم في سوق النفط، وسيكون هناك ضحايا. ولم تعد روسيا والسعودية، اللتان تعاونتا سابقاً للتأكد من وصول إمدادات النفط إلى السوق العالمية، قادرتان على الاتفاق حول كيفية تقاسم الفوائد. فقد أعلنت الرياض أنها سترفع إنتاجها إلى مستوى قياسي يبلغ 12,3 مليون برميل...
بقلم: سايمون هندرسون

القطار على وشك التحطم في سوق النفط، وسيكون هناك ضحايا. ولم تعد روسيا والسعودية، اللتان تعاونتا سابقاً للتأكد من وصول إمدادات النفط إلى السوق العالمية، قادرتان على الاتفاق حول كيفية تقاسم الفوائد.

فقد أعلنت الرياض في العاشر من آذار/مارس أنها سترفع إنتاجها إلى مستوى قياسي يبلغ 12,3 مليون برميل يومياً في نيسان/أبريل، ومعظم هذا الإنتاج معدٌّ للتصدير. بيد أن المملكة لا تستطيع فعلياً إنتاج هذه الكمية، فالإنتاج اليومي بلغ الأسبوع الماضي 9,7 مليون برميل، ولا يمكن ببساطة فتح الصنابير لإنتاج إضافي يزيد عن مليون برميل بشكل مفاجئ. لذلك ستأتي هذه الكمية من المخزون، على الأقل في المرحلة الأولية، وعلى الأرجح من ناقلات النفط الراسية في بعض أرجاء العالم في مواقع قريبة من الأسواق المهمة.

وتعمل روسيا أيضاً على زيادة إنتاجها، إلّا أن هذا الحجم الإضافي أصغر [من نظيره السعودي]. إنها لعبة خداع وتحايل حول مَن سيصمد لوقتٍ أطول، ونحن المتفرجون.

والعامل الجوهري هنا هو السعر. فخلال الأسبوع الماضي، تراوح سعر برميل النفط ضمن نطاق الخمسين دولاراً، ولكنه انخفض في 9 آذار/مارس إلى نطاق يبلغ ما بين 20 و25 دولارًا في المستوى المنخفض وما بين 26 و 30 دولاراً في المستوى الأعلى. ولكل جانب نقاط ضعفه وقوته. ففي حين تستطيع روسيا تلبية متطلبات الميزانية بسعر أقل للبرميل من السعودية، إلا أن المملكة تستطيع إنتاج النفط بكلفة أقل بكثير من روسيا.

أليسَت أسعار النفط المنخفضة مفيدة لاقتصاد الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى؟ نعم، هذا صحيح، ولكنها ليست مفيدة إذا كُنتَ تعمل في شركة نفط، ولا سيما إحدى الشركات المختصة بالزيت الحجري التي غيّرت وجه الإنتاج الأمريكي في السنوات الأخيرة لتصبح الولايات المتحدة دولة مصدرة صافية. وبما أن الكثير من شركات الزيت الحجري هي عبارة عن عمليات تجارية هامشية، فإن بعضها سيصمد، لكن قد لا يتمكن الكثير منها من مواجهة مرحلة غير مربحة.

وهنا تصحّ مقولة "ما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع"، والعكس بالعكس. والهدف الرئيسي للسعودية وروسيا من هذه التكتيكات هي استعادة قدر من السيطرة على السوق لكي تتمكنا من البيع بالسعر الذي تريدانه. ومن المرجح أن يكون هذا السعر -بحكم تعريفه نوعاً ما- أعلى مما نريده نحن المستهلكون العاديون.

ولعل هذه الطرائف من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تُعتبر مفاجئة. ولكن، ألا يفترض بالسعودية أن تكون حليفة للولايات المتحدة؟ كان المسار المتبع في السابق -على الأقل بعد الأزمة التي أوقفت خلالها السعودية صادرات النفط إلى الولايات المتحدة خلال الحرب العربية -الإسرائيلية عام 1973- هو أن تحرص المملكة على إمداد الاقتصاد العالمي بالكميات المناسبة من النفط بأسعار معقولة.

وفي بعض الأحيان، فسّرت الرياض مبدأ "السعر المعقول" بـ"السعر الواقعي". لكن هذه السلاسة الدبلوماسية قد زالت اليوم. فقد أصدرت وزارة الطاقة الأمريكية في التاسع من آذار/مارس بيانًا جاء فيه: "هذه المحاولات من جانب الجهات الفاعلة الحكومية للتلاعب بأسواق النفط والتسبب بصدمة فيها...". قد تكون هذه اللغة طبيعية في التعامل مع موسكو، ولكنها جديدة في التواصل مع الرياض - على الأقل علناً. وفي العاشر من آذار/مارس قال البيت الأبيض أن الرئيس ترامب تحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم الاثنين بشأن أسواق الطاقة العالمية.

متى تنتهي هذه الأزمة؟ وكيف ستكون النهاية؟ من الصعب الإجابة على السؤال الأول، فهي قد تنتهي غداً إذا قررت إيران إطلاق وابل آخر من الصواريخ على منشآت النفط السعودية كما فعلت في أيلول/سبتمبر الماضي. ولكن على افتراض أن تبقى الأزمة مجرد صراع بين الطموحات المتنافسة للرئيس بوتين وطموحات الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبر الحاكم الفعلي للسعودية، فمن المتوقع أن تكون هذه معركة على حافة السكين [أي معركة شرسة]. فكلا الرجلين ثابت العزم وعديم الرحمة. يمكن للمرء أن يجادل من هو أكثر دهاء منهما. شخصياً، أعرف على مَن سأضع رهاني.

* سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق