أهم خطوة ينبغي الانطلاق منها اذا نشدنا الاصلاح في مؤسساتنا العلمية، ومن ثم اصلاح كل ما يحتاج الى اصلاح وتصحيح المسار، احياء التقاليد الجامعية التي باتت مغيبة في مؤسساتنا العلمية والتعليمية.

والتقاليد الجامعية هي تقاليد نشأت من خلال المسيرة العلمية والتعليمية والبحث العلمي، أملاها تاريخ المسيرة العلمية الرصينة والواقع الذي زاوله علماء الجامعة فتحولت أعرافا تحترمها الأجيال من الاكاديميين، لأنها أعراف أكاديمية موروثة، كالأعراف الاجتماعية التي يتمسك بها المجتمع وان لم تنص عليها القوانين. وكما قال تعالى: (خذ بالعرف)، من ذلك احترام الألقاب والدرجات العلمية العالية، فلا يجوز تقديم حامل لقب علمي أدنى على الأعلى، أو اسناد المسؤولية لطالب دراسات عليا حديث التخرج على أساتذته لكونه منتميا الى حزب أو جهة سياسية، لا يجوز حتى ينال اللقب العلمي الأعلى، لكن للأسف أن انتهاك حقوق الألقاب العلمية العالية أصبح تقليدا جامعيا بسبب تدخل الأحزاب السياسية، من أجل هذا كله تتطلب الجامعة الاستقلالية التامة عن الأحزاب السياسية، لأن العلم لا يمكن أن ينهض إلا إذا كان حرا مستقلا، والعالم لا يعد عالما إلا إذا كان مستقلا في علمه وعمله. فلا مناص من استقلال الجامعة استقلالا علميا واداريا،، والنأي بها عن المحاصصة السياسية. فان السياسة مهما بدت رصينة، فانها لا ترى خصوصية للتقاليد الجامعية والمعايير العلمية في الجامعات.

ان تدخل حزب أو جهة سياسية أو دينية من خلال ترشيح عميد أو رئيس جامعة خلاف التقاليد الجامعية والمعايير العلمية، يعد ذلك فقدانا لمستقبل التعليم في العراق. وينبغي أن يكون دور السياسة والسياسيين رعاية التقاليد الجامعية والمعايير العلمية من غير التدخل في خصوصيتها. ذلك ان التصدي للمناصب العلمية له خصوصية. فلا بد من أن يكون خاضعا لتقاليد علمية تتاح لكل من هو مؤهل لها من غير محسوبية أو تدخلات خارج التقاليد الجامعية والمعايير العلمية. وفي ذلك تتحقق المصلحة العامة والعدالة ووضع الشخص المناسب في مكانه المناسب، ويتحسن مستقبل التعليم، فضلا عن الجوانب الايجابية للمصلحة العامة منها تنمية الشعور بالانتماء، ناهيك عما سيحققه هذا الاجراء من قوة لمن يتصدى للمسؤولية في التعليم العالي والبحث العلمي وهيبة للمؤسسة العلمية، وينأي به عن الصفقات والوساطات فبعضهم تربّع على كراسي المناصب العلمية بقرارات خارجيّة عليا وصفقات ومحسوبية ومجاملات بعيدا عن التقاليد الجامعية. وهذه التعيينات الخارجية لا تدفع إلى هرم المناصب الإدارية الجامعية الأكفاء من الأساتذة المتميزين عقلا وحكمة ومعرفة وتخصصا وبحثا جادا، بل قد تدفع ببعض الأشخاص غير الجديرين إلى إدارة التعليم، تأسيسا على علاقات شخصيّة ليس لها علاقة بالقيم العلمية أو حضارية أو أكاديمية. مما يؤدي الى تخلّف التعليم العالي عندنا؟

وقد تفننت هذه الجهات في الاستيلاء على الكليات والجامعات بأساليب غريبة منها سياسة التأنيث في بعض الكليات مدعين الحفاظ على الطالبات، مما يعد اهانة للأساتذة العلماء، وفي الوقت نفسه يعينون الرجال الشباب اذا دعتهم المحسوبية الى ذلك.

ان الأستاذ الجامعي العالم في أي تخصص كان يرقى فوق هذه الأفكار، وهو أحق من غيره بالرعاية والاحترام لمسيرته العلمية الحافلة، ولكونه قائدا للمجتمع نحو التقدم والبناء، قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). فينبغي رعاية علماء العراق والكفاءات على وفق معايير عادلة. واتاحة الفرص أمامهم، وتشجيعهم في نشر كتبهم والمشاركة بالمؤتمرات. وتفعيل بعض التعليمات المعلقة مثل الدكتوراه العليا التي تمنح التدريسي المتميز امتيازات الدرجات الخاصة على الرغم من كثرة شروطها العلمية وصعوبتها لا أن يغيبوا، فوسائل الاعلام العراقية مثلا تعنى بالسياسي عناية تفوق العناية بالعلماء.

لذلك أدعو الى تشكيل لجنة تحقيقية لمساءلة الذين وانتهكوا التقاليد الجامعية على حساب العدالة في منح الفرص لمستحقيها مما يعدّ فسادا وجرما قانونيا. فقد استغلوا الفرص للارتقاء الى المناصب العلمية من غير حق بمساعدة الوساطات والمجاملات والمحاصصة الحزبية، ومن ثم يرقى علميا بغير حق باستغلال منصبه في التأثير على الموظفين. ومن يقدم خدمات لجهات نافذة فتكون المنفعة متبادلة. مستغلين مراكزهم للمصلحة الشخصية كالصفقات السياسة والتجارية.

* كلية التربية للبنات-جامعة بغداد

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق