q
تعود بعض الأسباب إلى عقود مضت، مثل فشل التنمية الصناعية وسياسات التصدير التي خلفت عجزا تجاريا مستمرا. وتسبب تسعير العملة المحلية بأعلى من قيمتها الحقيقية وضعف حقوق الملكية والمؤسسات وهيمنة الدولة والجيش في إعاقة الاستثمار والمنافسة. كما تسببت برامج الدعم في استنزاف ميزانية الدولة لفترة طويلة رغم تخفيضها...

أعلنت وزارة البترول المصرية زيادة أسعار المحروقات والمنتجات البترولية في السوق المحلية بنسب وصلت إلى 20% بسبب "تذبذب سعر صرف الجنيه"، في ظل أزمة نقص في العملة الصعبة ومعدلات تضخم مرتفعة.

وأفاد بيان وزارة البترول أن "في ظل تذبذب أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية ... تعديل سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة اعتبارا من الساعة الثانية صباح (الخميس)".

وبحسب البيان أصبح سعر لتر بنزين 80 يبلغ 8,75 جنيه (حوالي 0,3 دولار) بدلا من 8 جنيه سابقا، وارتفع سعر لتر بنزين 92 ليسجل 10,25 جنيه بدلا من 9,25، فيما زاد سعر لتر بنزين 95 إلى 11,50 جنيها مقابل سعر سابق 10,75.

كما ارتفع سعر غاز تموين السيارات ليصبح 4,50 جنيه للمتر المكعب بدلا من 3,75، بينما ثبت سعر لتر السولار عند 7,25 جنيه.

وتعنى لجنة التسعير التلقائي بمتابعة وتعديل أسعار المنتجات البترولية بشكل ربع سنوي وفق أسعار النفط العالمية.

وتدعم الحكومة المصرية بشكل جزئي أسعار بعض المحروقات إذ أنها منذ العام 2016 تنفذ برنامجا للاصلاح الاقتصادي شمل ازالة الدعم الحكومي عن المواد البترولية تدريجيا.

وعلى أثر الظروف الاقتصادية التي يشهدها المصريون، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جولة تفقدية لمشروعات محافظة المنيا جنوب البلاد، "أتابع عن كثب شواغل الرأي العام المصري واستمع لكل الأصوات"، موجها الحكومة لتنفيذ عدة اجراءات اعتبارا من مطلع نيسان/ابريل.

وكان على رأسها زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة بحسب درجاتهم وزيادة المعاشات بنسبة تصل إلى 15%، إلى جانب زيادة الدرجات المالية للمستفيدين من برنامج المساعدات الاجتماعية تكافل وكرامة بنسبة 25%.

وأكدت مصر من جديد التزامها بالمضي قدما في رفع أسعار الوقود لتلقي حزمة دعم مالي توصلت إليها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر كانون الأول.

وكانت البلاد تمضي في جعل أسعار الوقود أقرب للمستويات العالمية لكن قرارات خفض قيمة العملة قوضت العملية على مدى العام الماضي. وفقد الجنيه المصري نحو 50 بالمئة من قيمته مقابل الدولار خلال الاثني عشر شهرا الماضية. (الدولار = 30.58 جنيه مصري)

وقال ألين سانديب من نعيم للسمسرة إن سعر السولار الآن أقل بنحو 50 بالمئة من الأسعار العالمية وبنزين 95 أقل بنحو 40 بالمئة.

وحذر محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي بالمجموعة المالية هيرميس من أن تلك الزيادات قد تزيد التضخم في المدن بما يتراوح بين 0.2 و0.3 نقطة مئوية. وسجل التضخم أعلى مستوى في خمس سنوات عند 25.8 بالمئة في يناير كانون الثاني.

وقال أبو باشا "ارتفعت أسعار البنزين لكن سعر السولار لم يتغير. لذا ينبغي ألا يكون له تأثير كبير على التضخم".

وزاد ارتفاع أسعار السلع العالمية، بما في ذلك القمح والنفط، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، من الضغوط على الأوضاع المالية لمصر، مما دفعها إلى السعي للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

وفي يوليو تموز 2022، أعلنت الحكومة زيادة نادرة في سعر السولار لكنها قالت إنها لا تزال تدعم الوقود بحوالي 55 مليار جنيه سنويا.

ومنذ عام 2019، يجري تحديد أسعار الوقود في إطار المراجعات الفصلية التي تأخذ في الاعتبار الأسواق العالمية وسعر الصرف بما يتماشى مع الالتزامات السابقة لصندوق النقد الدولي.

تحسين الاجور

كما وجّه السيسي بتحسين أجور العاملين بالجهاز الاداري للدولة وأصحاب الكوادر الخاصة بزيادة أجورهم بقيمة ألف جنيه على الأقل شهريا.

وقررت الحكومة المصرية العودة إلى العمل بالتوقيت الصيفي الذي يعني تغيير الساعة مرتين سنويا من أجل "ترشيد استهلاك الطاقة" اعتبارا من يوم الجمعة الأخير من شهر نيسان/ابريل حتى يوم الجمعة الأخير من تشرين الأول/أكتوبر كل عام، وهو تقليد كانت الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان تخلت عنه قبل قرابة عشر سنوات.

وتسعى مصر، وهي واحدة من 5 دول في العالم تعد الأكثر عرضة للعجز عن سداد ديونها الخارجية، إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز وبالتالي زيادة مواردها بالدولار.

وفي هذا الصدد أيضا عرضت الحكومة العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع إذ أن القرض الذي حصلت عليه القاهرة نهاية 2022 من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار كان مصحوبا بشروط من بينها خصخصة العديد من الشركات العامة والإبقاء على سعر صرف مرن للجنيه المصري حتى يعكس قيمته الحقيقية.

ما مدى عمق مشكلات مصر الاقتصادية؟

تعرض الاقتصاد المصري لضغوط شديدة خلال العام المنصرم مع انخفاض قيمة الجنيه وشُحّ العملات الأجنبية وارتفاع التضخم.

ما سبب مشكلات مصر الاقتصادية؟

تعود بعض الأسباب إلى عقود مضت، مثل فشل التنمية الصناعية وسياسات التصدير التي خلفت عجزا تجاريا مستمرا.

وتسبب تسعير العملة المحلية بأعلى من قيمتها الحقيقية وضعف حقوق الملكية والمؤسسات وهيمنة الدولة والجيش في إعاقة الاستثمار والمنافسة. كما تسببت برامج الدعم في استنزاف ميزانية الدولة لفترة طويلة رغم تخفيضها الآن.

وأدى ضعف الاستثمار الأجنبي خارج قطاع النفط والغاز، إلى الاعتماد بشكل أساسي على إيرادات السياحة والتحويلات المالية ورسوم عبور قناة السويس.

وكثيرا ما يلقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالمسؤولية في المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد على الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011 والنمو السكاني السريع. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فإن النمو السكاني ارتفع على أساس سنوي في 2021 بمقدار 1.7 بالمئة. ومنذ عام 2020، تحدثت السلطات عن الصدمات الاقتصادية التي أحدثتها مشكلات خارجية، منها جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.

لكن المحللين قالوا إن هناك أخطاء سياسية أدت إلى هذا الوضع الاقتصادي، من بينها إنفاق الكثير لمساندة العملة المحلية والاعتماد على استثمارات المحافظ الأجنبية المتقلبة وعدم تنفيذ إصلاحات هيكلية.

إلى أي مدى أصبح الوضع سيئا؟

ينمو الاقتصاد نموا مطردا لكن تأثير هذا النمو الذي تشير التوقعات إلى أنه سيتراوح بين أربعة وخمسة بالمئة في العام الحالي لا يجاري الزيادة السكانية التي تشهدها مصر. وتقول أعداد كبيرة من المصريين إن مستوى معيشتهم قد تدهور.

ومنذ مارس آذار 2022، انخفضت قيمة الجنيه المصري نحو 50 بالمئة مقابل الدولار. وأدى النقص الحاد في الدولار إلى تقليل الواردات وتراكم البضائع في الموانئ، مما كان له تأثير سلبي على الصناعة المحلية.

وارتفع التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 25.8 بالمئة في يناير كانون الثاني، وهو أعلى مستوى منذ خمس سنوات، بحسب البيانات الرسمية. وزادت أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية بصورة أسرع.

وأفادت البيانات الرسمية بأن معدل الفقر بلغ نحو 30 بالمئة من السكان قبل جائحة كوفيد-19، فيما يقول المحللون إن معدل الفقر ارتفع منذ ذلك الحين. وتشير التقديرات إلى أن 60 بالمئة من سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو بالقرب منه.

وانخفض معدل البطالة إلى ما يزيد قليلا على سبعة بالمئة، لكن نسبة القادرين على المشاركة في سوق العمل شهدت انخفاضا مطردا أيضا في الفترة من 2010 حتى 2020. وتعاني بعض أجزاء منظومة التعليم الحكومي من حالة انهيار. وتسعى أعداد كبيرة من الخريجين للعمل في الخارج حينما يتسنى لهم ذلك.

ما الدعم الذي يمكن لمصر أن تعتمد عليه؟

تنظر الدول الغربية ودول الخليج إلى مصر في عهد السيسي على أنها ركيزة للأمن في منطقة مضطربة.

وبسبب الصدمة الاقتصادية التي أحدثتها الحرب الأوكرانية على مصر، تلقت القاهرة ودائع واستثمارات بمليارات الدولارات من حلفائها من دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات.

لكن دول الخليج بدأت في وضع شروط قاسية لضخ أموال جديدة على الرغم من تجديدها لودائعها الحالية في مصر، وتسعى على نحو متزايد إلى الاستثمارات التي تدر عائدا.

وفي مارس آذار 2022، قالت الحكومة إنها بدأت محادثات بشأن أحدث حزمة مالية من صندوق النقد الدولي، وأكدت في نهاية الأمر حصولها على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار يرتبط بإجراء بعض الإصلاحات مثل تقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد.

هل ديون مصر مستدامة؟

عبء الديون في مصر آخذ في الارتفاع لكن المحللين يختلفون حول مدى الخطر الذي تمثله هذه الديون.

وتتوقع الحكومة أنه بحلول نهاية السنة المالية في يونيو حزيران ستصل الديون إلى 93 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يظهر ارتفاع معدل الدين خلال السنوات القليلة الماضية والذي تريد الحكومة خفضه إلى 75 بالمئة بحلول عام 2026.

وأدت أعباء المديونية الثقيلة وارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة إلى زيادة تكلفة خدمة الدين. ومن المتوقع أن تبتلع مدفوعات الفوائد على الديون أكثر من 45 بالمئة من إجمالي الإيرادات في السنة المالية التي تنتهي في يونيو حزيران.

وتؤدي مدفوعات الديون الخارجية وفوائدها إلى فجوة كبيرة في التمويل الخارجي. وتمثل الفجوة التمويلية الفرق بين العرض والطلب فيما يتعلق بالتمويل بالعملة الأجنبية. ويجب على مصر أن تسدد لصندوق النقد الدولي وحده 11.4 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

كيف يتم إنفاق الأموال؟

بخلاف النفقات العادية التي تشمل الرواتب والخدمات العامة، أنفقت مصر الكثير على البنية التحتية في عهد السيسي.

وشملت أوجه الإنفاق أيضا مشاريع الإسكان وإقامة عدد من المدن الجديدة وبناء طرق سريعة. وأبرز هذه المشاريع الضخمة هو العاصمة الجديدة الجاري إنشاؤها في الصحراء شرق القاهرة والتي قال أحد المسؤولين إن الدولة تحاول دفع تكلفتها المقدرة بنحو 58 مليار دولار من خلال بيع الأراضي والاستثمارات.

وقال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن واردات مصر من الأسلحة ارتفعت خلال العقد الماضي، مما يجعلها ثالث أكبر مستورد على مستوى العالم.

ويقول المسؤولون إنهم زادوا حجم الإنفاق على البرامج الاجتماعية للفقراء، بما في ذلك برنامج المساعدات النقدية الذي يغطي خمسة ملايين أسرة لكن منتقدين يقولون إن الرعاية الاجتماعية غير كافية لحماية مستويات المعيشة.

اضف تعليق