فترات الركود الاقتصادي لا تأتي من العدم، إذ تسبقها أحداث عالمية كبرى تدفع لحدوث ذلك، فعلى سبيل المثال أدى غزو العراق للكويت لإحداث أزمة نفطية في التسعينيات، وفي يومنا هذا هناك مؤشرات تحذيرية قوية في جميع أنحاء العالم من احتمال حدوث الركود...

الركود هو انخفاض ملحوظ في نشاط السوق في جميع مجالات الاقتصاد ويدوم في بعض الاحيان أكثر من بضعة أشهر، ويظهر في الإنتاج الصناعي والتوظيف والدخل الحقيقي وتجارة الجملة والتجزئة إن المؤشر الفني للركود عبارة فصلين متتابعين من النمو الاقتصادي السلبي حسب مقياس الناتج المحلي الإجمالي للدولة (GDP) رغم أنه ليس من الضروري أن يدرك المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية (NBER) حدوث هذا كي يصرح عن الركو د.

مفهوم الركود

إن الركود هو جزء عادي من الدورة الاقتصادية حتى وإن كان مكروهاً، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن يؤدي وقوع الأزمات في كثير من الأحيان إلى بداية الركود جلب الركود العالمي لعام 2007-2009 قدر كبير من الاهتمام باستراتيجيات الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر التي تستخدمها المؤسسات المالية الكبيرة إلى جانب الطابع العالمي للنظام المالي نتيجة للركود العالمي واسع الانتشار عانت اقتصادات جميع البلاد المتقدمة والنامية في العالم تقريباً من انتكاسات كبيرة، ونتيجة لذلك تم تنفيذ العديد من السياسات الحكومية للمساعدة على منع حدوث أزمة مالية مماثلة في المستقبل عادة ما يستمر الركود من ستة إلى 18 شهراً، و تنخفض معدلات الفائدة عادة خلال هذه الأشهر لتحفيز الاقتصاد.

مؤشرات الركود

بصرف النظر عن الفصلين المتتابعين لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، يفرض خبراء الاقتصاد عدة مقاييس لتحديد ما إذا كان الركود وشيكاً أو يجري بالفعل، وتنقسم هذه المؤشرات إلى فئتين: المؤشرات المبكرة والمؤشرات المتأخرة تتحقق المؤشرات المبكرة قبل أن يتم التصريح عن الركود رسمياً، ربما يكون المؤشر المبكر الأكثر شيوعا هو الانكماش المالي في سوق الأسهم، وعادة تظهر الانخفاضات في مؤشرات الأسهم العامة مثل مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) ومؤشر ستاندرد اند بورز 500 (S&P) ويتضمن مؤشرات الركود المتأخرة معدل البطالة، وعلى الرغم أن الركود الكبير بدأ في ديسمبر 2007، ظل معدل البطالة يدل على التوظيف الكامل (معدل 5% أو أقل) بعد أربعة أشهر، وبدأ معدل البطالة الهبوط في مايو 2008 ولم يستعاد إلا بعد عدة أشهر من انتهاء الركود في مايو 2009.

مراحل الركود

خلال مراحلة الركود تنخفض القوة الشرائية لدي المستهلكين ويكون ذلك ملحوظاً من خلال تدني المبيعات لدى عدد كبير من المحال التجارية أو ما يسمى بتجار التجزئة، وبالتالي تنخفض طلبات المحلات التجارية من المصانع، وينعكس ذلك علي استثمارات المصانع مما يؤدي بدوره إلى تخفيض الإنتاج وفي الوقت نفسه فإن أرباح المنشآت الصناعية تنخفض فتفقد قدرتها على دفع مرتبات عمالها وموظفيها بسبب تراجع الطلب على منتجاتها وهذا يجعلها تضطر إلى التخلي عن عدد كبير منهم، وهذه الخطوة من المصنعين تؤدي إلى نتيجة حتمية أخرى وهي زيادة معدلات البطالة مما يجعل تدني القدرة الشرائية لدى المستهلكين تتفاقم أكثر وهكذا تستمر النتائج السلبية لتبعات الركود في التوالي وبصورة أكبر سوءاً من سابقتها حتى يحدث ما من شأنه أن يقلب المعادلة ويعيد للأنشطة الاقتصادية حيويتها الإيجابية.

أسباب الركود

يرى بعض علماء الاقتصاد أن هنالك عوامل نفسية كالتفاؤل والتشاؤم والتي لها دور حاسم في دفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات بزيادة الإنفاق أو الادخار، كما أن هناك نظريات اقتصادية أخرى ترجع الركود إلى التغير الطارئ على التركيبة السكانية نتيجة لزيادة المواليد أو الهجرات البشرية، فحينما تزيد نسبة المهاجرين إلى بلد ما أو تزيد نسبة المواليد في ذلك البلد فإن معدلات الإنفاق تزداد بسبب هذا النمو السكاني والعكس صحيح بينما ترى نظريات اقتصادية أخرى أن حالة الاكتفاء لدى المستهلكين من منتج معين كالتلفاز أو السيارة والثلاجة قد تكون سبباً في الركود الذي يصير إليه بسبب ذلك وترى نظريات أخرى بأن هناك علاقة بين الركود والدورة الاقتصادية، فخلال فترة الانتعاش الاقتصادي تحدث هناك طفرة كبيرة في مجال التصنيع وحينما تصل هذه الطفرة إلى ذروتها وتبدأ في التراجع يقل الإقبال على الاستثمار في الأصول الصناعية فيتراجع نشاطها عن معدلاته السابقة وتدخل في مرحلة الانكماش وهذه الحالة شوهدت بوضوح في الازمة المالية العالمية 2008 حيث أن الشركات الكبرى مثل شركة فورد وغيرها سرحت اعداد كبيرة من موظفيها مما يعني زيادة البطالة.

نتائج الأزمة على أرض الواقع والتي تؤثر بشكل مباشر على البشرية وعلى اقتصاديات العالم:

1- ارتفاع مؤشر البؤس خاصة في أميركا، وهذا المؤشر هو عبارة عن (إضافة معدل التضخم إلى معدل البطالة الحقيقي…). يقول الاقتصادي الأميركي (ريكادز)؛ وهو أحد رجال الاستخبارات الأميركية، ومتخصص في الشؤون الاقتصادية، في مقال له بعنوان: (هل العالم، وهو على أبواب 2015م، مقبل على مرحلة جديدة من الكساد الكبير أو الانهيار الكبير؟): إن البنك الفدرالي الأميركي قد طبع بتهور تريليونات من الدولارات، والبنك الاحتياطي الفدرالي قد غطَّى على مؤشر البؤس، وأنه قد بلغ درجة من الخطورة أكبر من الكساد العظيم سنة 29، وأن أميركا ستلجأ إلى رفع سعر الفائدة حوالى 2%، وهذا سيجر العالم إلى مأساة جديدة، وإلى انفجار اقتصادي جديد…

2- الركود الاقتصادي العالمي، في جميع النشاطات، وأدى ذلك إلى نتائج خطيرة أخرى في أسواق المال والأعمال… فهذا الركود هو من نتائج الأزمة الأم التي حصلت سنة 2008م، وما زالت قائمة حتى اليوم، ولم يتعافَ العالم منها، فهذه الأزمة أدت إلى ضعف الصادرات إلى الخارج، وبالتالي إلى ضعف في إنتاج الدول الصناعية، وإلى عدم تشجيع المستثمرين إلى عمليات الاستثمار في المشاريع الحيوية، وأدت كذلك إلى قلة استيراد البترول والمواد الخام من قبل الدول الصناعية الكبرى، وهذا بالتالي أدى إلى تسريح ملايين العمال بسبب ضعف الإنتاج والركود …

3- الأزمة المالية في أسواق المال والبورصة الحاصلة اليوم؛ وخاصة في أسواق الصين… فهذه الأزمة بدأت سنة 2014م، واشتدت من منتصف حزيران 2015م، وأدت إلى كوارث اقتصادية في الصين، ليس فقط في أسواق المال وإنما في الصناعات، وفي ارتفاع نسبة البطالة، وفي خسارات تقدر بحوالى 3.2 تريليون دولار من القيمة السوقية للسوق في أقل من شهر، أي حوالى ثلث قيمة الأسهم، وهذه الأزمة سببها المباشر هو الركود الاقتصادي الحاصل في أسواق الصين، والتي تسببت بها الأزمة المالية العالمية سنة 2008م، وكل الأسباب التي يتحدث عنها الاقتصاديون، مثل فتح المجال لدخول صغار المستثمرين في السوق المالي، أو تلاعب الدولة في السوق المالي؛ فهذه ليست أسباب حقيقية لأزمة بهذا الحجم المدمر، وأن القول بأن هذه الأزمة كذلك مصطنعة من قبل الحكومة الصينية، فإن هذا القول لا ينسجم مع حجم المأساة الكبيرة والدمار الذي ألحقته في كل القطاعات …

4- الأزمات المتتالية في منطقة اليورو، وكان آخرها التراكمات التي حصلت على ديون اليونان وعجزها عن السداد، وتهديد منطقة اليورو بإخراجها منها، وبالتالي خروج دول أخرى كإيطاليا، والبرتغال وإسبانيا وغيرها فهذه الأزمة أيضاً سببها الأزمة الأم التي أدت إلى عجز هذه الدول عن توفير المال لسداد المديونية التي أخذتها من أجل رفع مستواها الاقتصادي كي يؤهلها لدخول منطقة اليورو…

5- ما جرى ويجري في روسيا الاتحادية بسبب الهبوط العالمي لأسعار البترول إلى حوالى النصف… فروسيا دولة تعتمد في دخلها على عائدات البترول والغاز بنسبة عالية، وهذا بالتالي أدى إلى انخفاض الدخل لميزانية روسيا حوالي 60%، وأدى إلى كارثة اقتصادية بالنسبة لروسيا، حيث إن خسائر روسيا، جراء انخفاض أسعار النفط، يتراوح ما بين 90 – 100 مليار دولار سنوياً، وهبط سعر الروبل أمام الدولار حوالى 60% من قيمته، وأدى أيضاً إلى ارتفاع في نسبة البطالة، وهبوط حاد في الأسعار…

هذه الأعراض وغيرها تحصل بصورة متدحرجة، وتزداد يوماً بعد يوم، وتنضم إليها أعراض جديدة، لكن الأخطر كما يقول الاقتصاديون لم يأتِ بعد في هذه الأزمات، حيث يتوقع عدد من الاقتصاديين أن تنفجر هذه الأزمة بشكل مروِّع بحيث تتسبب بكوارث اقتصادية تؤدي إلى انهيار دول بأكملها، بل إلى انهيار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإلى كوارث رهيبة أشد مما حصل سنة 1929م، في الكساد الكبير الذي ظل العالم يعاني من آثاره…

ما الذي يمكن أن يدفع الاقتصاد إلى الركود؟

فترات الركود الاقتصادي لا تأتي من العدم، إذ تسبقها أحداث عالمية كبرى تدفع لحدوث ذلك، فعلى سبيل المثال أدى غزو العراق للكويت لإحداث أزمة نفطية في التسعينيات، وفي يومنا هذا هناك مؤشرات تحذيرية قوية في جميع أنحاء العالم من احتمال حدوث الركود، حيث أشار سلوك أسواق السندات الأمريكية مؤخراً إلى خطر حدوث تباطؤ اقتصادي في الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك أن 9 دول رئيسية في العالم تقف على حافة الركود.

وكانت بيانات ألمانية أظهرت تراجع الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام الجاري، ويعد ذلك انكماشا وليس ركوداً، كذلك قدمت الصين معطيات اقتصادية مخيبة للآمال، ما أثار مخاوف من أن ذلك قد يدفع الولايات المتحدة أيضا إلى الركود، وتسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين وحرب ترامب التجارية في الكثير من حالة عدم اليقين في جميع أنحاء العالم، وهذا يعني أن الشركات تنتظر وتراقب تطور الأحداث، بدلا من المضي قدما في الاستثمار.

لكن بنك "كريدي سويس" عمل على طمأنة عملائه بشأن الاقتصاد الأمريكي، حيث قال في مذكرة إن" المؤشرات الرئيسية مثل البطالة والائتمان ما زالت سليمة للغاية"، ويقوم البنك بمتابعة 7 مؤشرات رئيسية، منها التضخم وأداء الائتمان وسوق العقارات والسندات، لتقيم أداء الاقتصاد في الولايات المتحدة وتحديد ما إذا كان يتجه نحو الركود، وجاء تقرير البنك اليوم بعدما انقلب منحنى عائد السندات الأمريكية، وهي ظاهرة تسبق الركود، إلا أن "كريدي سويس" قال إن تراجع عائد السندات كان المؤشر الوحيد من بين هذه المؤشرات السبعة الذي أشار إلى الركود.

ووفقا للبنك فإن سوق العمل قوي، إذ بلغ إجمالي القوى العاملة رقما قياسيا بلغ 163.4 مليون، بحسب تقرير الوظائف الصادر عن وزارة العمل في يوليو، كما أن معدلات التضخم قريبة من المستوى المستهدف من قبل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، والبالغ 2%. كذلك نحو 75% من الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" حققت أرباحا، لكن تقرير "كريدي سويس" أشار إلى أن بيانات قطاع الصناعات التحويلية كان محايداً، وتتجه أنظار الأسواق الآن إلى خطاب من المقرر أن يلقيه، جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، والذي ستجري دراسته عن كثب.

...................................
المصادر
- ويكيبيديا
- RT
- المتداول العربي
- أرقام
- موضوع
- الفوركس وسوق العملات والبورصة
- مجلة الوعي

اضف تعليق