q

تضمن اعلان الدول السبع الصناعية الكبرى في عام 1985 الفقرة التالية (إن الحماية لاتحل المشاكل بل تخلقها)، وقد تم التأكيد على ذلك مرة أخرى في ورقة قدمتها الحكومة البريطانية ترفض رؤية التجاريين بان التصدير أمر جيد، في حين أن الاستيراد أمر سيء، فالمنافع من تحرير التجارة يمكن أن تتأتى من كل الاستيراد والتصدير، اذن مالدافع لعودة الحمائية من جديد؟.

إن السياسة التجارية لاتُمثل برأي الأغلبية او برأي متخذ قرار بمفرده، فهي تتمخض عن مجموعات ضغط تتصارع من أجل جذب انتباه المشرعين وصانعي السياسات، ويقدم الاقتصاد السياسي شرحاً لسبب شيوع ظاهرة الحمائية من المنافسة الاجنبية، اذ هناك دافع كبير لتنسيق المواقف من قبل جماعات الضغط التي تستفيد من الحمائية، وهذا الدافع لايتوافر في حال المجموعات التي تخسر من جراء تطبيق الحمائية، فأي قيود على التجارة تنطوي على ضرر يقع على المجتمع ككل، ويحقق منافع لمجموعة صغيرة.

وعلى الرغم من أن الخسائر الاجمالية للمجتمع تزيد عن المنافع التي تحققها المجموعات المنتفعة، فأن الخسائر تكون مشتته ومبعثرة، في حين أن المكاسب تكون مركزة، ومن ثم فأن فرض قيود لدخول منتج أجنبي مثل المنسوجات يؤدي الى تخفيض الكميات المعروضة، ومن ثم يرفع سعر المنتج ويكون الخاسر الرئيسي نتيجة هذا الفعل هو المستهلك، فهد الذي يدفع السعر المرتفع، لذا فأن الخسارة تتوزع على عدد كبير من المستهلكين، اذ يدفع كل واحد منهم سعراً أعلى بمقدار بسيط، وفي معظم الحالات لايكون المستهلكون على دراية بالعلاقة بين الحمائية وارتفاع الاسعار، وبالتالي يكون لديهم حافز ضئيل لمعارضة الحمائية.

الا أن المكاسب من وراء الحمائية ليست موزعة، فالمنتجين والعمال في الصناعة المحمية، أصبحوا على مقدرة على فرض أسعار أكثر ارتفاعاً على منتجاتهم، ولذا تكون المكاسب مركزة في أيدي المصانع المحلية والاتحادات العمالية في صناعة بعينها، وتكون المكاسب معروفة ومحددة، وبالتالي يكون هناك اهتمام بالغ للمنتفعين كمجموعة في الحصول عليها، ومن ثم يكونون على استعداد للمشاركة في توحيد وبذل جهود شديدة، بل ولدفع بعض المبالغ المالية لضمان صدور تشريع يحقق المنافع لهم.

وذلك التوزيع للمكاسب والخسائر، ومن ثم اهتمام مجموعات عديدة، يشرح لماذا كانت الضغوط لتطبيق الحمائية كبيرة جداً، فهناك عدم توازن جوهري في عملية صنع السياسة التجارية، ولذا فقد بدأ المنادون بتطبيق الحمائية من جديد، وقد قام الاقتصاديون في السنوات الاخيرة، بتطوير نماذج تم تصميمها لدراسة هيكل الحمائية، وبالتحديد لشرح لماذا تحصل الصناعات على حماية كبيرة والاخرى على حماية قليلة.

الحمائية الجديدة والعودة للمحلية

لم تنجح محاولات مجموعة العشرين في محاربة "الحمائية" التجارية التي تفرضها الدول، فالتجارة العالمية تباطأت للعام الخامس على التوالي نتيجة تقييد التجارة وفرض الرسوم الجمركية، وقد طغى مفهوم التنسيق ورفض الحمائية على البيان الرسمي لاجتماع صانعي السياسة لمجموعة الدول العشرين الأخير الذي انعقد في الصين، حيث يبدو أن الحمائية أصبحت النزعة الجديدة للاقتصاد العالمي.

وأكبر الدلائل على ذلك هو "البريكست" وفوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، وأيضا ازدياد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تؤمن بالحمائية، والحمائية هي سياسة اقتصادية تقيد التجارة بين الدول، من خلال إجراءات عدة، مثل رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وتحديد كمياتها، واتخاذ إجراءات أخرى من شأنها تقليل الواردات، ومنع الأجانب من "الاستيلاء" على الأسواق المحلية والشركات.

ولكن أيضا أحد الإجراءات التي تندرج تحت سياسة الحمائية هي تقديم إعانات للتصدير، وبالتالي الحمائية تناهض العولمة وتتناقض مع حرية التجارة، وهدفها هو حماية السوق الداخلية من المنافسة الخارجية، والتشجيع على استهلاك المنتجات المحلية، ومؤخرا ازداد الأشخاص والأحزاب الذين يشجعون الحمائية، ولكن ماذا عن موقف الدول اليوم حيال هذه السياسة؟.

وعلى الرغم من تحذير الحكومات من مساوئ الحمائية، يبدو أنهم يتخذون إجراءات لزيادتها، فقد حذرت منظمة التجارة العالمية الشهر الماضي من الارتفاع القوي في الإجراءات الحمائية التي تتخذها دول مجموعة العشرين، وقد أظهرت المنظمة أن دول مجموعة العشرين أطلقت بين أكتوبر ومايو الماضيين تدابير تجارية حمائية بأسرع وتيرة منذ عام ألفين وثمانية، ما يعادل خمسة تدابير أسبوعيا، ومنذ عام 2008، فرضت دول مجموعة العشرين نحو 1600 إجراء جديد يحد من حرية التجارة، فيما أزالوا أقل من 400 قانون فقط، ما أثر على 5% من الواردات العالمية.

وقد تباطأت التجارة العالمية للعام الخامس على التوالي في 2015، ما يساهم في تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ومن الواضح أن تباطؤ الاقتصاد العالمي هو السبب والنتيجة لزيادة الإجراءات الحمائية، فقد بدأت هذه الإجراءات بالارتفاع في عام ألفين وثلاثة عشر مع بدء تباطؤ نمو الاقتصاد، كما أظهرت بيانات مركز الدراسات Global Trade Alert ،أن الهند في الصدارة من ناحية عدد الإجراءات الحمائية التي تم اتخاذها، وما كان مفاجئا هو أن الولايات المتحدة جاءت في المرتبة الثانية، ومنذ عام 2008، أتت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، فهل التاريخ يعيد نفسه وسيعود الاقتصاد العالمي للثلاثينات حين تم فرض حواجز تجارية ساهمت في مسح أكثر من نصف التجارة العالمية؟.

اضف تعليق