التناقضات تعيش في الفكر وما يجول في فكري يمكنني أن أحوله إلى نص شعوري وعاطفي ذات مرة مؤلم وأنا لم أشعر بأي ألم فقد يكون ماضي ومرة نص سعيد وأنا في لحظتها أجهش بالبكاء وأدعو أن أرزق بالسكينة يمكنني في لحظة واحدة أناقض نفسي وحتى شعوري فكانت الكتابة هي المأمن...
في زمنٍ يتقاطع فيه الألم بالجمال، ويضيق فيه الواقع بأحلامٍ مؤجلة، تكتب زينب مطر كتابها "أفانين" كأنها تنسج حوارًا صامتةً بين الروح العراقية وندوبها الغائرة. بين إشارات النور والظلام، والغرق والجوع، والتمرد والإيمان، تمضي صفحات الكتاب بلا خريطة زمنية واضحة، وكأنها تحاول أن تلتقط شتات الذات في مرايا مشروخة تعكس ما لا يُقال.
نلتقي اليوم مع الكاتبة زينب مطر لنغوص في أعماق "أفانين"، هذا النص الذي يُشبه ترنيمة داخلية تعبر عن هشاشة الإنسان وقوته، عن المرأة التي تكتب لتشفى، وتخلق من جراحها مرافئ ضوء. كيف تحولت الكتابة إلى ملاذٍ ومرآة، وكيف عبّرت كلماتها عن التناقض العراقي بصدقٍ نادر؟
هنا نفتح أبواب الحكاية، ونصغي لما بين السطور.
كيف تعكس إشاراتُ الظلام والنور في الكتاب تناقضات الواقع العراقي، خاصة مع إيحاءات الجوع والغرق التي تطفو بين السطور؟
ينعكس كل ذلك بأسلوب سهل ومبسط يمكن أن ترجوا أحيانًا ومرة أخرى قد يختفي فذلك الواقع الذي نحتمي بين طياته قد يتناقض معنا ذاته مرة يكون محبب للجميع فتنظر إلى رمز السعادة يتسع الافق وتذكره الكلمات في ذات النصوص وأخرى من الألم المؤذي والذي يشتد بين فرد وأخر تراه يتمنى ان ينتهي فالفرد ذات نفسه يتناقض مع عقله فكيف بواقع كبير كانت النصوص تعبر ما يتزامن في مخيلة كل فرد بين الحين والأخر في لحظة في أعلى محطات الشعور بالحب ولحظة ثانية محطة مؤذية جدًا.
نصُّ "في عالمي أنت خالقي" يدمج العبوديةَ بالتمرد، كيف يُعيد الإيمانُ تشكيلَ قوة الإنسان حين ينهار، وهل هو انعكاسٌ لتجربتكِ مع اليأس والأمل؟
إن يتراود في الذهن ذكر الخالق قد يعبر عنه بأنه خوف العبادة لكن أن تحبه ومن حبك تنير المسير ذلك ما يجعلك تنظر إلى زاوية اخرى لا يركز فيها أي فرد ولا تلاحظها العين كأنك في عمق البصيرة التجأت إلى شعور داخلي أحيا كل شيء من جديد وجعل من ما يمكن أن يستحيله العقل تدركه الأبصار، المزاجية بين اليأس والأمل في ذاتي الحقيقية كأنها غرابة كبيرة حتى أنا لم استطيع فهمها تشبه المزيج الذي يخلطه الفرد الهندي بين الشاي والحليب فمرة تجد الحليب يأخذ المساحة الأكبر وفي كثير من المرات الشاي يكون كثير، قد تراني أسير بكامل القوة في الطريق وعندما أصل إلى المتر الأخير أكون انتهيت فلا يمكنني أن أكمل.
الزمنُ في الكتاب "معتوهٌ" ومتقطع، هل هذا الانزياح هروبٌ من واقع العراق، أم محاولةٌ لفكِّ شفرته بلغةٍ مختلفة؟
قد يعتبر محاولة لفك الشفرة، فالهروب ليس حلا سهلا في بعض الأحيان يأخذنا إلى أسوء من زمن الكتاب، لم أستطع أن أرهن النصوص التي ذكرت في زمن معين، فمرة تجدها تنتمي إلى العصر القديم والأخرى تجدها تعبر عما يجول في يومك الحالي أو حتى شعور الآني، نحن جميعنا في ذات المشاعر، الحزن والحب والسعادة والامل جميعها في داخلنا تسكن ما يحدث هو من يثير دهشتها للخروج مرحبا بما يسمعه من تعبير.
"ألتفت إلى المرآة لأرى بكائي فخجلت من ذاتي"، هل هذا الخجلُ نقدٌ لذاتكِ أم للمجتمع الذي يُجبر الإنسان على إخفاء هشاشته؟
يعتبر نقد، أن تخجل من ذاتك يعني أن تنتهي لتوقف كل حياتك وتقف في ركن منزوي في وحدتك المعتوه دون سبب للاستمرار أقسى فعل يفعله المرء إلى نفسه، إن يشعر بالخجل منها، فما أن ترتكب جريمة شنيعة، أن أقوى فعل يمكن أن أفعله خطأ هو عدم المواجهة، فكيف لي أن أخجل منها؟ أنه لكل لحظة تعيشها في مجتمع يطلب منك الاستمرار وأنت أن تقف، تحاول أن تجلس أحيانًا بين الجموع وتغمض عينك لتعيش في مخيلتك دون كلام، لكنك لا تستطيع، تريد أن تهمس في روحك، فينظر الجميع، أنه نقد للمجتمع الذي يريدك أن تكون شامخ ومثمر وفي جذورك لم يروى الماء وبدأت أن تستسلم.
شخصياتك تتراوح بين القوة والضعف، هل هذا التناقض محاولة لتقديم الإنسان الحقيقي بعيدًا عن صورة "البطل" المزيفة؟
في جميع مراحل حياتي لم تثيرني شخصية البطل، كيف يمكن أن يكون مثاليًا وفي ذات النمط دائمًا إلا يمكن للإنسان إن يضعف قليلًا، إن يستراح من الركض المستمر، أن يظهر ضعفه للجميع لا يمكنك أن تبتسم رغم العراقيل التي تهزم داخلك ذلك يجعلك منك مجنونًا مثقفًا، وهذا أعلى مراحل الجنون، الإنسان الحقيقي، يتراوح بين القوة والضعف يعيش الحب والكره أيضًا يمكن أن يشمز وينبهر لا يكون دائمًا متغافلًا ولا جيدًا.
كيف حولتِ الكتابة جراحكِ إلى نورٍ كما في إهدائكِ: "إلى العقبات التي نصرتني"؟
يمكنك أن تجعل الجرح مثيرًا وتخلق منه رسومات مختلفة لتبهر الجميع فلا يلاحظ أحدهم ما كان خلف تلك الرسمة، هكذا نحن من لا ننهزم منه لا نستطيع أن نكمل به ونجعله شيء مثير، أن لم تختلط في عمقي كل تلك المشاعر كيف لي أن أكتبها؟ أو حتى أن أجعل أحدهم يفهمها.
رغم عدم التصريح بالنوع الاجتماعي، النصوص تحمل حساسيةً أنثوية هشة، هل هذا تحدي لصورة المرأة "الصلبة" التي يفرضها المجتمع؟
الأنثى هي كائن لطيف وهش ما يغلبها هي عاطفتها في مختلف مراحلها العمرية، قد تبدوا في كثير من المرات صلبة وما يطلق عليها لكن في ذات الوقت يمكن أن تنكسر من كلمة ويمكن أن يتخلل مخيلتها الفلسفة الجنونية التي تهزم الذات العاطفية، عندما يريد أحدهم أن يعيش ضعفها ينظر إلى عاطفتها وعندما هي ترد ان تهزم الخلل تقوم بقتل العاطفة فتصبح لا تنظر بالحب يمكن أن تنزل المشاعر سيلا مستمر ولكنها في لحظة واحدة تستطيع أن تتخلص منها وكأنها لم تكن أبدًا.
مزجك بين الشعر والنثر بإيقاعٍ شبيه بالترانيم، هل هو محاولة لتهدئة القارئ أم لتكثيف تأثير المشاعر؟
انه محاولة لخلط المشاعر المختلفة فتجدك متزاحم بين تكون أو لا تكون فالقارئ ينظر إلى الهدوء في بعض النصوص ويرى في نصوص أخرى كأن هناك عواصف تنطلق كبيرة لم يعلن عنها لكنها ذكرت بشاعرية هادئة.
كيف أصبحت الكتابة ملاذًا لكِ من التناقضات العاطفية، خاصة مع إشارتكِ إلى أنكِ قد "لا تنطقين بكلمةٍ غدًا؟
التناقضات تعيش في الفكر وما يجول في فكري يمكنني أن أحوله إلى نص شعوري وعاطفي ذات مرة مؤلم وأنا لم أشعر بأي ألم فقد يكون ماضي ومرة نص سعيد وأنا في لحظتها أجهش بالبكاء وأدعو أن أرزق بالسكينة يمكنني في لحظة واحدة أناقض نفسي وحتى شعوري فكانت الكتابة هي المأمن لفرز كل ذلك الاختلاط المربك.
ختام الكتاب يعد بـ “النور"، لكن كيف تحافظين على الأمل دون وقعٍ في تفاؤلٍ سطحيٍّ وسط معاناة العراقيين؟
لا يمكن أن أبني الأمل على مجهول ولا شيء يشبه الفكرة في العقل فهذا يجعلك في دوامة الخوف المستبد، بين أن تحصل عليه أو لا تحصل، هل الوقت الذي تضيعه في أمل زائف وفي شيء لا يعلمه أحد غير الخالق شيء جيد؟ أن تكون على يقين بخالقك تلك نعمة لكن أن تكون على أمل في وهم أنه جريمة ارتكبتها بحق ذاتك.
في حديثنا مع زينب مطر، لم نكتشف فقط كواليس أفانين، بل وجدنا أنفسنا أمام روحٍ تنبض بكل التناقضات التي نحياها، وتكتبها بصدق لا يجامل، وبحسّ أنثوي لا يخشى هشاشته. كانت كلماتها امتدادًا لكتابها؛ مزيجًا من التأمل والاحتراق، من اليأس الذي يتعلم كيف ينهض، ومن الإيمان الذي لا يتزيّن بل يواجه.
"أفانين" ليس مجرد نصوص، بل مرآة لذواتنا التائهة، واعتراف صريح بأننا لا نحتاج دومًا إلى أجوبة، بل إلى صوت يشبهنا، يرافقنا في العتمة، ويخبرنا أن النور ممكن، ولو في جملةٍ واحدة، في لحظة واحدة.
نشكر زينب مطر على هذا الحوار الذي لم يكن مجرد لقاء، بل رحلة نحو الداخل، حيث تسكن الحقيقة، وتُولد الكتابة.
اضف تعليق