إن كتاب كريس دوران.."الاجندة النيوليبرالية لغزو العراق" واحد من أهم الكتب المعرفية والوثائقية التي تشير إلى الممارسات الاستعمارية التي ناء بها العراق لسنوات طويلة ومن ثم جاءت المعلومات الواردة فيه جديرة بالإطلاع والانتباه إلى الدور الحقيقي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد العراق، كما جاءت ترجمة رغد قاسم واضحة وسليمة وعلمية...

عندما دعا ودرو ويلسون الأمريكيين عام 1917 إلى الانضمام الى الحرب من أجل الديمقراطية، لم يكن صادقا، في حين كانت أغنية بيلي براج "نحن هنا للدفاع عن الثروات، لنجعل العالم آمنا للرأسمالية" كان صادقا.

هذه الدعوة نفسها، وهذه الأغنية نفسها، تصح تمامًا على الحال في خطابات ترامب الراهنة ودعوته الى تحويل غزة الى مدينة سياحية أو تحقيق السلام بالقوة.. بدليل سعيه الى احتلال غزة وإبعاد سكانها الأصليين لتكون مدينة سياحية استثمارية له لا لأهل غزة الحقيقيين.

وعندما يريد السلام بين اوكرانيا وروسيا، لا يريد إلا تحقيق صفقة تجارية تتعلق بثروات اوكرانية من الذهب الأبيض والصلب، ومساومة روسيا لإقناع ايران بالتخلي عن سلاحها الدفاعي. أما السعودية ودول الخليج والعراق فلا شأن له بها وإنما بذهبها الأسود، ولا يريد من سوريا إلّا كسب ود تركيا لتكون حليفًا قويًا لها في منطقة الشروق الأوسط.

من هنا نتبيّن أنّ "المشروع الأمريكي" قائم على ابتزاز الشعوب ونهب ثرواتها ونشر الفوضى فيها ومن ثم الهيمنة عليها.

ولو تيسّرت لقرائنا الاطلاع على كتاب: "الاجندة النيوليبرالية لغزو العراق" تأليف كريس دوران ترجمة رغد قاسم، ومن اصدار دار المأمون. لتبيّنا أنّ العقلية الامريكية لا تختلف بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأن السياسة واحدة لا تختلف بين الحزبين إلا في طرق التنفيذ، فإذا كانت "الليبرالية" تعني "الحرية" فإن "النيوليبرالية" تعني "الحرية الاقتصادية الجديدة" بمعنى انتشار القطاع الخاص، وألا يكون هناك أي دور للقطاع العام الذي يدعو إليه الفكر الاشتراكي.

وجدة هذه الليبرالية الجديدة تكمن في اتخاذ شتى السبل لنهب ثروات الشعوب، وهذا ما فعلته السياسة الاستعمارية عندما غزت العراق عام 2003 حيث عملت على ترويج معلومة تضليلية، حيث قالت إنّ العراق يمتلك سلاحًا نوويًا فتاكًا ومحرّمًا دوليًا، وذلك بهدف إعطاء شرعية أمميّة لهذا الغزو، ومن ثمّ جعل العراق تحت طائلة العقوبات والضغوط الماليّة عليه عن طريق بيع النفط بالدولار وبإشراف من الخزانة الامريكية.

في حين كانت هذه السياسة تدعم السلطة السابقة وتزود العراق بمختلف الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيمياويّة أثناء الحرب مع ايران (1980ـ 1988).

ومع أنّ العراق خرج من هذه الحرب منهكًا، بل مدمّرًا، إلا أن استراتيجية أمريكا كانت وستظل تحول دون "صعود أي منافس محتمل لقوتها العظمى" ص17

وأصبحت "النية واضحة": "خلق مستوى من الرعب المطلق ليؤمن السكان أن ليس لديهم ملاذ سوى قبول النيوليبرالية المفروضة من قبل الولايات المتحدة عن طريق نظام التجارة الحرة حيث الشركات المستثمرة وحتى النهب والربح". والتي عرفت بـ "عقيدة الصدمة" وهي العبارة التي وردت في كتاب نعومي كلاين بالعنوان نفسه والصادر عام 2007/ ص22.

هذه "الاستراتيجية" كنا قد تبيناها في العام 1973 عندما تم اسقاط حكومة الليندي في تشيلي وهيمنة الشركات الامريكية عليها وصار الحاكم بينوتشه مستثمرًا لصيد الأسماك واستثمار الاخشاب، فيما تحولت المدارس ورياض الأطفال من قطاع الدولة الى القطاع الأهلي!

هذه "النيوليبرالية" هي حقيقة الايديولوجية الامريكية والتي جعلتها تتلاعب بأسعار النفط عن طريق الدولار وارتفاع هذه العملة وتخفيضها وإلزام الدول المنتجة للنفط حتى يكون لها احتياطي يخدم الآلة الامريكية، وباتت سياسة "البترو دولار" هي السائدة في العالم كله.

ويشير الاقتصادي البارز جوزيف ستيجليتز الحائز جائزة نوبل الى "هيمنة وترسيخ الهيمنة الحالية ـ النيوليبرالية ـ على اقتصاد بلد تلو الآخر في السبعينات" ص66.

وهذا ما نتبيّنه في الصحراء الافريقية وكينيا على وجه الخصوص، حيث الفقر المدقع والمديونية العالمية العالية حتى أصبحت "أمريكا مسؤولة عن وجود أفقر دول العالم، عالقة في دائرة لا نهاية لها من الفقر" ص70.

 إذن لم تكن أمريكا تريد أن يكون العراق لاعبًا إقليميًا بجيش قوي وثروة نفطية وتعليم عالٍ ومعيشة جيدة واستقرار أمني.. لذلك.. لم يكن هناك سوى سببين موثوقين لغزو العراق "هما السيطرة على النفط والحفاظ على الدولار كعملة لاحتياط النقد في العالم" كما يقول تشابان ـ المساعد لوزير الخدمة المدنية البريطاني ص85 .

ولم تفلح سياسة العراق في العهد السابق عندما عمد إلى بيع نفطه باليورو حيث عملت أمريكا على وأد هذا المخطط بأساليب شتى وعمدت بريطانيا من ناحيتها ومنذ العام 1921 الى اضعاف العراق ص104 عبر مكونات الشعب العراقي، في حين لعبت أمريكا دورا بارزا بإسقاط حكومة محمد مصدق اليسارية في ايران عام 1953 بسبب تأميمها للنفط، ومن ثم المجيء بحكومة الشاه العميلة.

وعنما قام العراق بتأميم نفطه عام 1973 بدعم من الاتحاد السوفيتي السابق نظرت أمريكا الى هذا الاجراء كما لو انه تهديد لسيطرتها على المنطقة. وباتت أمريكا تعمل على صياغة وثيقة تقول ان الولايات المتحدة "عملاق يراقب العالم ويفرض ارادته" ص 146 وذلك من خلال هذا التقرير أصبحت أمريكا.. " تنظر الى العراق على انه ليس أكثر من ألعوبة لا غير للسوق الحرة النيوليبرالية التي يمكنهم التصرف بها كما يحلو لهم" ص167 وتم استبعاد العراقيين انفسهم من الاستفادة اقتصاديا من إعادة اعمار بلدهم. والعمل على "الاستثمار الأجنبي وخاصة الأمريكي والسيطرة على مياه العراق لأهميته الاستراتيجية للسيطرة على النفط" ص246.

إن كتاب كريس دوران.."الاجندة النيوليبرالية لغزو العراق" واحد من أهم الكتب المعرفية والوثائقية التي تشير إلى الممارسات الاستعمارية التي ناء بها العراق لسنوات طويلة ومن ثم جاءت المعلومات الواردة فيه جديرة بالإطلاع والانتباه إلى الدور الحقيقي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد العراق، كما جاءت ترجمة رغد قاسم واضحة وسليمة وعلمية. 

اضف تعليق