خلال السنوات الأخيرة تعاظم دور الإمارات العربية بشكل ملحوظ، لتظهر وجها سياسيا مختلفا عن الوجه الذي تتميز به وهو الوجه الاقتصادي التجاري، الذي عرفت به منذ استقلالها عام 1971، من خلال فتح الموانئ والمطارات والصناعة النفطية، كذلك علاقاتها الواسعة مع العديد من دول العالم حتى التي لها خلافات معها مثل إيران التي تعدها الإمارات محتلة للجزر الثلاث في الخليج، وكان دورها الدولي حينها يختص بالقضايا الإنسانية والمساعدات التي تقدمها للدول الأخرى، إضافة إلى استضافتها لأكبر جالية أجنبية في الخليج، ثم تطور دورها بعد أحداث عام 1990، ومنها دخول العراق للكويت وانهيار الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، إذ بدأت ولأول مرة من نشر قواتها خارج أراضيها في مهام قتالية في استعادة الكويت، ومهام إنسانية في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو، فقد كانت سياسة الإمارات حينها حذرة من الانغماس الواسع في القضايا الدولية، وهي سياسة نابعة من توجيهات رئيس الدولة الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، وهي سياسة هادئة وبعيدة عن التدخلات في شؤون الدول الأخرى، ولكن بعد ذلك وخاصة بعد احتلال العراق عام 2003، وثورات الربيع العربي 2011، بدأت الإمارات تحاول إن تلعب دورا في قضايا المنطقة بحجة إيجاد حلول سياسية للقضايا والملفات الإقليمية والدولية، وهناك عدة أسباب للبحث عن هذا الدور منها:
1- وفاة الشيخ (زايد آل نهيان) رئيس الدولة السابق واستلام ابنه (خليفة بن زايد) للحكم وهو من العناصر الشابة، إذ بدا الحاكم الجديد بالبحث عن دور سياسي لنظامه في المنطقة يوازي دور دولته الاقتصادي، وبدا يصبوا إلى منافسة دول الجوار في هذا الشأن ومنها السعودية، فالعناصر الشابة دائما تبحث عن السمعة والمكانة الدولية.
2- كذلك تسارع الأحداث في المنطقة والعالم بشكل دراماتيكي وسريع، ووصول الخطر إلى حدود الإمارات نفسها، خاصة بعد اكتشاف عدة خلايا للإخوان المسلمين فيها، لهذا تحركت الإمارات من اجل إفشال ثورات الربيع العربي لتحصين نظامها السياسي من الهزات في المنطقة، فعلى الرغم من مشاركتها في إسقاط أنظمة سياسية في ليبيا ومصر وتونس إلا أنها بدأت في المدة الأخيرة بمساعدة الأنظمة التي جاءت بالانقلاب على هذه الثورات مثل نظام السيسي في مصر ودعم جماعة (خليفة حفتر) في شرق ليبيا ضد الحركات الإسلامية، ودعمت الأحزاب العلمانية في تونس ضد حركة الإخوان بقيادة (الغنوشي)، كذلك منع حركات الإسلام السياسي من استلام السلطة في دول الربيع العربي، وعلى رأسهم الإخوان المسلمين التي عدت منظمة إرهابية في الإمارات، باستخدام المال ودعم عملائها في المنطقة، بل حتى التدخل العسكري، كما يحصل في اليمن أو ليبيا.
3- الاندفاع السعودي الواسع في اليمن وسوريا ومصر والعراق وليبيا، وبالقرب من الإمارات جعلها تخشى من تعاظم هذا الدور ومن كونه قد يكون ضد دول الخليج الأخرى، خاصة وان السعودية تنظر إلى دول الخليج الأخرى نظرة تابع لها ولسياساتها، بينما تريد هذه الدول إن تكون ندا ومساويا للسعودية، فقد خشيت الإمارات من إن أي نجاحات للسعودية في المنطقة سيطوق الإمارات التي لها مشاكل تاريخية معها، وقد يقوض دورها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم.
4- الوضع الدولي، إذ ان تدهور الأوضاع في سوريا واليمن والعراق وليبيا، وتدخل دول الغرب بقوة فيها، جعل هذه الدول تبحث عن حلفاء لها في المنطقة لمساعدتها ماليا في المنطقة، لهذا أعطت أمريكا ادوار لدول الخليج العربية وإظهارها بمظهر القوة الصاعدة في المنطقة، لهذا أدركت الإمارات أنها أصبحت قوة ولها دور عليها استثماره.
كما ان العلاقات بين الإمارات والسعودية تتسم على مر السنين بالفتور بين الحين والأخر، وهناك ملفات عديدة قد لعبت دوراً في فتور العلاقة بين الطرفين، منها العلاقة التجارية المتميزة للإمارات مع إيران، والعلاقة مع تركيا ومصر، والخلافات الحدودية القديمة، عدا الخلافات الشخصية، حيث ينظر قادة الإمارات نظرة دونية إلى حكام آل سعود، وهذا ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس في إحدى البرقيات المسربة، بأن (محمد بن زايد) سخر فيها من وزير الداخلية السعودي السابق نايف بن عبد العزيز، وهناك أسباب أخرى منها:
1- إن الإمارات كانت دائما تنظر إلى توسع الدور السعودي بريبة وخوف، فهناك خلافات عديدة بين الطرفين، وقد خاض الطرفان نزاعا على منطقة (واحة البريمي)، الذي استعادتها الإمارات بعد مساعدة بريطانيا لها، كذلك السعودية تنظر لدول الخليج الأخرى كتابع لها وليس مساوية لها، باعتبارها دولة واسعة المساحة وذات قوة عسكرية وثقل ديني في العالم الإسلامي، هذا الدور لم تتقبله عدد من الدول ومنها الإمارات وعمان التي اتخذت سياسة بعيدة عن السياسة السعودي، ومنافسة لها في بعض الأحيان.
2- مشاركة الإمارات في عاصفة الحزم، لم تكن الإمارات متحمسة للمشاركة في قوات التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن تحت مسمى "عاصفة الحزم"، وأشارت تقارير حينها أن الإمارات وبالرغم من مشاركتها بـ ٣٠ طائرة مقاتلة، وكونها ثاني أكبر قوة جوية مشاركة في التحالف السعودي، إلا انها لم تكن تريد للسعودية أن تنجح في اليمن، لاسيما وأن هذه ليست أول مرة تسيء الدولة الإماراتية للسعودية، إذ هناك علاقة بين الإمارات وأنصار الله الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وإيواءها نجله على أراضيها، كما شككت مصادر إماراتية رسمية بشكل صريح بإمكانية نجاح "عاصفة الحزم"، حيث صرح المستشار السياسي لولي عهد "أبو ظبي"، الأكاديمي الإماراتي "عبد الخالق عبد الله"، لوكالة رويترز: بأن عملية عاصفة الحزم لا تعدو سوى مغامرة سعودية، بما تعده بعد المصادر السعودية تهديدا لها.
3- إن الإمارات تخشى عملية انتقال السلطة التي ترتب لها السعودية في اليمن، وتحاول إفشال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تضم أعضاء لحزب الإصلاح (التابع لجماعة الإخوان المسلمين)، وذلك من خلال دعم (أحمد علي صالح) نجل الرئيس السابق، وقائد الحرس الجمهوري السابق وسفير بلاده لدى الإمارات، وكانت العديد من التقارير الصحفية قد أشارت إلى أنَّ الإمارات أبلغت علي عبد الله صالح ونجلَه بموعد "عاصفة الحزم"، وتُشير التقارير إلى أن ولي عهد "أبو ظبي" محمد بن زايد أبلغ تفاصيل الضربة لصالح وهو ما أدى إلى إنقاذ حياته، بعد أن غادر منزله في صنعاء الذي كان عرضة لقصف الطائرات السعودية.
4- عزت بعض المصادر إلى إن الصراع الإماراتي السعودي يعود إلى التنافس على قيادة "العالم العربي السني"، فقد ظهر الخلافات جلية في مؤتمر السنة في الشيشان في روسيا، من خلال استبعاد التيار السلفي من دائرة أهل السنة والجماعة، فبعد إن عدت الإمارات تيار الاخوان المسلمين من الجماعات الإرهابية، لاسيما دولة الإمارات التي تشن حرباً ضارية ضد ما يسمى جماعات الإسلام السياسي في المنطقة وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي الان تريد إخراج التيار السلفي المرتبط والداعم للحكم السعودي، والمذهب الرسمي له من أهل السنة والجماعة، فقد ذكرت الكثير من المصادر الدور الإماراتي الكبير في تحضيرات وعقد المؤتمر في الشيشان.
5- عدم ثقة الإمارات بالسياسة السعودية تجاه الإخوان المسلمين، فالعداء الإماراتي التقليدي للإخوان المسلمين هو غير الخلاف السعودي مع الإخوان، حيث تخشى الإمارات من تنامي نفوذ الإخوان في المنطقة في سوريا واليمن ومصر والعراق وليبيا، واحتمال تناغمهم مع السياسة السعودية في المنطقة وقبولهم الأجندات السعودية، كما وان نشوب أي خلاف بين نظام (السيسي) في مصر والسعودية، خاصة بعد المشادات الكلامية بين الطرفين حاليا بعد مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر الشيشان، والخلاف حول جزر تيران، كذلك سياسة الإخوان المتلونة والمهادنة معروفة عبر الزمن من خلال مهادنتهم أنظمة الحكم ذات التوجه السلفي، قد تدفع هذه الأسباب بعودة العلاقات بين الإخوان والسعودية، عندها سيحظى الإخوان بدعم سعودي سخي، يكون المتضرر منه دول الخليج الأخرى وعلى رأسها الإمارات العربية.
6- المنافسة الاقتصادية، إذ تخشى الإمارات من المشاريع السعودية في المنطقة، ومنها مدينة النور في عدن، ويتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وأفريقيا، مما يشكل ممراً تجارياً عالمياً هاماً، قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي، وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات. حيث تخشى الإمارات أن تفقد أهم ركائزها الاقتصادية المعتمدة علي ميناء ومطار دبي، كذلك الصراع على ارض ونفط اليمن، حيث تسعى السعودية للسيطرة على مدينة حضرموت اليمنية جنوب السعودية وعلى حقل "واعد" النفطي الممتد من الجوف وحتى صحراء الربع الخالي، ويقع في معظمه ضمن الأراضي اليمنية، وهو عبارة عن بحيرة نفطية هي الأكبر في الجزيرة العربية تقع ما بين محافظات مأرب والجوف وحضرموت وشبوة وأبين، وتضم ثالث اكبر حقل نفطي في العالم، فإذا تم استثمار هذه المنطقة فانه بإمكان اليمن إن يصدر ما مقداره (5.2 ) مليون برميل من هذه المنطقة لوحدها، وان السيطرة على بحيرة النفط التي وصفتها التقارير بالعظمى، حيث سيكون بمقدور السعودية من زيادة إنتاجها النفطي، كما إن هناك مساعي سعودية أخرى خفية في اليمن وهي السيطرة على الممر الاستراتيجي لعبور النفط إلى بحر العرب، وهو إقليم حضرموت الذي يمثل نصف المساحة الجغرافية لدولة اليمن و70% من منتجاتها السمكية والنفطية والمعدنية والزراعية، لهذا تطمح الإمارات هي الأخرى للسيطرة على نفط جنوب اليمن، وقد تمركزت بالفعل القوات اليمنية في جنوب اليمن في المكلا عاصمة حضرموت بعد انسحاب القاعدة منها، وتوسعت نحو ابين وزنجبار وهي مناطق تضم حقول نفطية مهمة في اليمن.
7- سعي الإمارات الى تقسيم اليمن، منذ اللحظة التي انطلقت فيها الأحداث في اليمن فقد تبنت الإمارات خطا مغايرا لأغلب دول الخليج، وهو دعم تقسيم اليمن إلى يمن شمالي يسيطر عليه الحوثيون وصالح وجنوبي علماني بعيد عن الإخوان المتمثل بحزب الإصلاح، وعن القاعدة وأنصارها، إذ اختارت الإمارات اليمن الجنوبي كمركز لعملياتها وأهدافها، فهي داعم رئيسي للحراك الجنوبي الذي يطالب بالاستقلال، كما أنها تدعم العمليات التي تستهدف قيادات حزب الإصلاح في جنوب اليمن من خلال تصفيتهم، لأنهم من المعارضين لتقسيم اليمن، مع الإبقاء على وسيلة اتصال مع اليمن الشمالي من خلال استضافة ابن الرئيس السابق علي عبد الله صالح كسفير لليمن على أراضيها، وهو أمر مخالف ومرفوض من اقوي دولة خليجية وهي السعودية، التي لا تريد تقسيم اليمن بهذه الطريقة لأنه ضد مصالحها، كما أنها تأخذ على الإمارات استضافة (احمد علي عبد الله صالح) على أراضيها.
8- تراجع الدور السعودي الدولي والإقليمي، فمع كل الأموال التي دفعتها السعودية ولا زالت تدفعها في سوريا واليمن وليبيا، إلا أنها لم تحقق ما كانت تصبو إليه، يل ان السياسة المتطرفة التي اتبعتها السعودية في المنطقة والعالم قد جلبت عليها ردود فعل قوية من دول العالم الأخرى، فارتباط اغلب المجموعات المسلحة الإرهابية بالتيار السلفي الوهابي، وارتكابها العديد من المجازر ضد الأبرياء، إضافة إلى تنفيذها أعمال إرهابية في دول الغرب، قد جعل من السعودية تتحمل أعمال هذه المجموعات، وجاء النقد للسعودية من اقرب حلفاءها الغربيين وعلى رأسهم أمريكا، فقد اصدر الكونغرس الأمريكي تقريرا كبيرا حول أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، التي ضربت مدينة نيويورك الأمريكية، وقد شرع قانونا يسمح لذوي الضحايا من مقاضاة الدول التي تسببت بالكارثة، وإلزامها على دفع تعويضات لهم، فقد استطاع الكونغرس من رفض فيتو الرئيس الأمريكي على القانون، وهنا فان دور السعودية بعد هذا القرار سوف يتعرض إلى هزة قوية، وسيكون للإمارات دورا مؤثرا لان تدخلها في أحداث المنطقة كان بعيدا عن العنف والإرهابية، كذلك محاربتها ورفضها الأفكار المتطرفة علنا جعل منها طرفا مقبولا من بعض الدول في المنطقة.
9- إن خلافاتها لم تقتصر على السعودية بل امتدت إلى دول أخرى، فهناك مثلا خلاف مع عمان على الأراضي، فقد بدأت الإمارات سياسة مثيرة للريبة مع عمان من خلال شراء أراضي قرب الحدود مع الإمارات وخاصة في منطقة (مدحاء) وهي أراضي عمانية تقع داخل الإمارات، وفي محافظة رأس مسندم على مضيق هرمز، كذلك تقوم بتحريض بعض القبائل على السلطة المركزية في مسقط من خلال مدهم بالأموال، هذا الأمر اثار حفيظة عمان وخلق نوع من التوتر معها.
على الرغم من الاندفاع القوي للإمارات للبحث عن دور إقليمي ودولي لها، ومنافسة السعودية، إلا إنها لا تملك المقومات الأساسية لهذا الدور، لان دورها يبقى محدودا وخاصة في الأمور السياسية، فقط في الأمور التجارية فان دورها يفوق نظيراتها في الخليج، إذ لا يمكن لدولة لا تملك مقومات القوة وخاصة القوة والصناعة العسكري من ان تلعب دورا هاما في السياسة الدولية، فلو كان المال يصنع القوة لكانت مثلا قطر وغيرها من دول العالم الغنية اقوي من فرنسا أو بريطانيا، لهذا يبقى التوافق والتعاون بين الإمارات والسعودية هو سيد الموقف في المستقبل القريب لان كلا الطرفين بحاجة للطرف الأخر، كما إن السياسة الأمريكية الحالية تريد الاستقرار في الخليج وعدم فتح أكثر من جبهة، وتريد الانتهاء من أزمة سوريا بتحقيق نتائج بمعاونة دول الخليج في هذه المرحلة، كما إن الوقت لم يحين بعد لكي تدخل دول الخليج في مرحلة الفوضى الدولية التي تريدها أمريكا وبريطانيا في المنطقة.
كما إن هذا الدور الإماراتي وان جاء نتيجة ضرورات واستجابة للتحديات حولها، إذ لا تستطيع الوقوف على الحياد وترى النيران تدور حولها، فانه في نفس الوقت يحمل ايجابيات وسلبيات، فهي في الوقت الذي تقوم بعمل يحميها من هذه التطورات، ويجعلها بعيدا عن الخطر، فانه قد يجعلها هدفا محتملا للأعمال الإرهابية، ففي الوقت الحاضر هي بعيدة نوعا ما عن هذه الأعمال قياسا بدول أخرى مثل السعودية والكويت. كذلك إن هذا الدور قد يكون بدفع من جهات خارجية، وخاصة بريطانيا التي لها علاقات قوية معها، من اجل جعل الإمارات كواجهة لها لتحقق أهدافها في المنطقة.
اضف تعليق