آراء وافكار - مقالات الكتاب

فلسفة الكسل!!

كسل الشّخص: فتَر في أمر وتوانى، أو تثاقل عمّا لا يصحّ أن يتثاقل عنه، قصّر في أداء عمله، عكسه نشِط مثلاً تلميذ كسِل -كسِل عن أداء واجبه– وفي مثل مشهور الندامة في الكسل كالسُّمِّ في العسل.

ومن فلسفة التأخّر في المجتمعات الكسالة، فإنّ الإنسان إذا كسل لم يؤدّ حقاً، فكيف يمكن أن يكون متفوقاً؟

جاء في فترة من تاريخ الصين أن الصينيين كانوا كسالى جداً يقضون أكثر أوقاتهم في الاستراحة والنوم، فلو استيقظ أحدهم في العاشرة صباحاً مثلاً فإنه يقول: لا زال الوقت باكراً فلأعود إلى النوم، وهكذا كان أمرهم إلى أن فكرت مجموعات منهم ذات يوم ببناء وطنهم وعزموا على ذلك، وكانت النتيجة أن رفعوا مستوى بلادهم إلى مرتبة البلدان المتقدمة بسبب النشاط والعمل ليل نهار، ووصلوا إلى درجة من حب العمل والنشاط بحيث أنهم يستيقظون في وقت ما بين الطلوعين فيقولون لقد سبقنا الوقت!!.

ومن المعلوم أن جعل الله سبحانه وتعالى مثل ذلك تابع لإرادة الإنسان وتهيئته، ولذا فاللازم أن يترك الإنسان الكسل، وإذا كان كسولاً أمكن تدارك هذا الشيء بالتنوع في العمل الواحد، مثلاً الموظف في مكان عمله يمكنه ان يقدم أكثر من عمل كل يوم أو يتناوب مع زملاءه في مختلف الاعمال التي يؤدوها في مكان عملهم، أو في مطالعة كتب مختلفة في الأدب أو المجالات العلمية او الفكرية وماشابه ذلك. إن الارادة وحدها هي الكفيلة بتحويل فرد او مجتمع من حالة الكسل والركود الى حالة النشاط والحيوية وعدم الاستسلام لوسواس النفس والأخرين بعدم إمكانية التغيير والاصلاح، لأن من فلسفة التأخر الظن بإتساع الخرق وعدم القدرة على الاصلاح او علاج الامور، ولو بالتقليل من المفاسد والمشاكل.

إن من الأمور المهمة التي لابد أن نعطي لها الاهتمام الوافي في مجال تفكيرنا هي الإدارة والتخطيط؛ فالإنسان الناجح هو الذي يستفيد بشكل جيد من الزمن بحيث تكون نقطة تحركه مدروسة حتى يصل إلى أهدافه ضمن خطة منظمة، لها بعدها الزمني، حتى لو استغرق الوصول إلى النجاح مدة ليست بقصيرة، والمهم في هذه المسألة أن تكون الشؤون الحياتية مبرمجة وفق أسس متينة ابتداءً من الأسرة باعتبارها أصغر نواة في المجتمع، ومروراً بالشارع والمؤسسة التربوية وكافة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية في داخل إطار الدولة، والشباب اليوم بإستطاعتهم أن يتداركوا تأخرهم وينفضوا عن أنفسهم غبار الكسل والتكاسل، على أن يعاهدوا أنفسهم على عدم السماح للفتور ان يتغلغل الى انفسهم وأعمالهم وأهدافهم، حتى يحققوا التقدم الزاهر بالعمل الجاد والنشاط المتواصل والمستمر وعدم الاستهانة بالقدرات لأن من اكبر اسباب التأخر الاستهانة بالقدرات، في بيت شعري رائع ينسب لأمير المؤمنين (عليه السلام):

أتزعم إنك جرم صغيـــــــر......وفيك انطوى العالم الأكبر

إن الإنسان كأنه يرقد على بئر كبير من المعنويات في داخله، كفوّهة بئر النفط، اذا تفجرت خرج الى العالم الخير الكثير، ولكنها تحتاج الى الهمة والعمل المتواصل لإظهار تلك الطاقة الايجابية الكبيرة.

أعجبتني كلمة رائعة للمرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): إن الزمان قليل حقا لو لاحظنا بضعاً من الأمور، فلو أن أحدنا يعمر مئة سنة فهي قليل تجاه ما يجب عمله، فكيف وأعمارنا أقصر من ذلك؟!

عدم الاستمرارية

ومن فلسفة التأخر عن العالم أيضاً عدم الاستمرارية، بزعم أن الأمر لا ينفع، أو الكسل عن السير إلى الهدف، بينما ليس الكسل إلاّ حالة نفسية مكذوبة يمكن دفعها بتربية النفس كسائر الصفات والملكات والأحوال.

أما القول: إن الأمر لا ينفع، فمن أين ذلك؟ بل الحياة تعلّم الإنسان على الاستقامة والاستمرارية، فإن النباتات والحيوانات وكذلك الإنسان كلاً منها ينمو ويكبر ويزهر ويثمر بالاستمرار، فإذا سقيت الشجرة مرة واحدة لايكفي، بل عشرات المرات بل مئات المرّات لتثمر؟ فأحياناً يلزم أن تسقى شجرة الكمثرى مثلاً عشر سنوات حتى تعطي الثمر.

وهذا الأمر نجده حتى في الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، فإنه ربّما يدعو الإنسان ربه سنة أو أكثر حتى يستجاب دعاؤه، كالشجرة التي تسقى الماء سنة حتى تثمر.

فعدم الاستقامة في أي بعد من أبعاد الحياة دليل خور النفس وضعف الفهم، ومن سلك هذا المسلك، دلّ سلوكه على احتوائه على فلسفة التأخر التي يجب أن يتخلص منها إلى أن يصل الى الهدف المنشود.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

امير الشامي
كربلاء
مقال رائع عاشت يد كاتبها2015-01-05