اخلع حذاءك عند الباب

لتحصين منزلك من الأوساخ المرئية والـقاذورات الرقمية

هناك عدو يتسلل الى منازلنا من حيث لا نعلم، لا يحمل سلاحا ولا يحطم الابواب لكنه قادر على هدم البيوت من الداخل بيتا بعد بيت دون ان يوجه له الاتهام. هذا النوع من الاعداء يحتاج الى وعي وتركيز لان تأثيره خفي ومتواصل. منذ ظهور الهواتف الذكية واجتياح مواقع التواصل...

يعتبر البيت هو الحرم الآمن لكل افراد العائلة. حرم آمن حتى للكائنات التي تعيش فيه. 

للقطط المدللة وللفراشات وللحشرات الصغيرة التي تجد في الحديقة مأمنا لها.

كل من يعيش داخل سياج هذا البيت يشعر بالأمان والاستقرار.

ولكي نحافظ على منازلنا آمنة علينا ان نفهم ان خلع الحذاء عند عتبة الباب وحده لا يكفي، علينا الدخول بأقدام نظيفة وافكار أنظف من خلال خلع التعلق بهواتفنا عند الباب، وكذلك المشاكل والضغوطات التي تواجهنا خارج المنزل. يجب ان لا نسمح لهذه المشاكل بالتسلل الى غرف نومنا وسرقه خصوصيتنا التي هي أغلى ما نملك. وما جدوى بيت بلا خصوصية.

عدو داخلي 

هناك عدو يتسلل الى منازلنا من حيث لا نعلم، لا يحمل سلاحا ولا يحطم الابواب لكنه قادر على هدم البيوت من الداخل بيتا بعد بيت دون ان يوجه له الاتهام. هذا النوع من الاعداء يحتاج الى وعي وتركيز لان تأثيره خفي ومتواصل. 

منذ ظهور الهواتف الذكية واجتياح مواقع التواصل الاجتماعي لحياة الكوكب، تحولت تلك الأجهزة من ادوات للترفيه الى أعظم اسباب للتوتر والغضب.

اذكر انني في فترة ما كنت منشغلا بقضيه مصيرية، اتابع اخبارها ليلا ونهارا بشغف وقلق شديدين. لكنني لاحظت لاحقا انني اصبحت أكثر عصبية وتوترا وأفرغ غضبي على من في البيت دون وعي.

وحين جلست مع نفسي متأملا سبب غضبي وقلقي المتواصلين. تبين السبب يكمن في إدماني على الشاشة وانغماسي المفرط في احداث لا املك القدرة على تغييرها.

لقد اصبحت القاذورات الرقمية أخطر من وحل الأحذية على عتبات المنازل، فهي لا تلوث الارض فحسب، بل لوثت النفوس والعلاقات وافسدت سكينة الكثير من البيوت الآمنة.

شركاء لا اعداء 

قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.

بهذه الآية الكريمة وضع الله قاعدة يقوم عليها الاستقرار الانساني للبشرية. فالحياة لا تبنى على الصراع والتنافس. بل على السكن والمودة والرحمة. الانسان كائن اجتماعي خلق ليأنس ويؤنس. الزواج ليس ميدانا للمنافسة ولا ساحة لإثبات من المنتصر او الاقوى! 

بل هو تحالف بين رجل وامراة لمواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها. 

يحدثنا الامام علي عليه السلام عن حياته مع الزهراء عليها السلام قائلا: 

(فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان).

كانت حياة قائمة على الاحترام والتفاهم لا على الغلبة والجدال...

منزلك ام منزلهم 

احد اصدقائي المقربين كان متزوجا منذ أكثر من 15 عاما وله طفلان جميلان. لكنه كان يعيش معاناة تسرق منه طعم الاستقرار، كان يقول لي دائما عندما اعود من العمل الى البيت أشعر وكأنني ذاهب الى واجب عسكري جديد لا الى منزلي. 

كان يحزن عند عودته الى منزله رغم اشتياقه لأطفاله، ويفرح حين يلتحق بالعمل كأنه ذاهب في اجازة! والسبب كان مؤلما، فزوجته لا تترك لحظة تمر دون مقارنة حياتها بحياة الأخريات، ورغم انه كان يوفر لها كل وسائل الراحة لم تظهر على وجهها اية ملامح للرضا!

تحول منزلهم الى جحيم من الداخل، فلا صوت فيه الا صوت المقارنات، والاطفال كانوا الضحية الأكبر، فقد كانت تنتقص من ابنها المتفوق دائما عندما تقارنه بأبناء اقاربها حيث تقول له "ابن فلان حصل على درجات اعلا منك بدرجتين". 

لم يعد البيت ملكا لهم بل صار منزل الآخرين الذين يقارنون انفسهم بهم. هذا ما يحدث عندما تقارن عائلتك بعائلة اخرى. وهذا يعني انك تسمح للآخرين ان يشاركوك بيتك ويعبثوا به.

من اجل استرجاع هدوء بيوتنا علينا ان ننظفها من الاوساخ غير المرئية التي تتسلل بصمت. 

علينا ان نحرص على تنظيف عقولنا من القاذورات الإلكترونية التي اصابت عقول الملايين بالعفن. فهي أخطر من كل طين عالق في الأحذية، لانها تلوث القلوب وتهدم البيوت من الداخل. 

واخيرا لا أحد في هذه الحياة يستحق ان تدخله معك الى عائلتك ليؤثر سلبا على حرمك الآمن..

اضف تعليق