ما يحمي نتنياهو ليس عائلته أو قبيلته أو حزبه، بل غالبية الشعب والدولة العميقة الذين يشعرون أن نتنياهو زعيم قومي يحقق لإسرائيل واليهود مشروعهم الصهيوني، وحتى قوى وأحزاب المعارضة تؤمن بذلك وهي تعارض نتنياهو للحفاظ على شكلانية الديمقراطية وتبرئة أنفسهم من المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها الجيش ونتنياهو...
سبق وأن كتبنا حول الأكاذيب التي صاحبت هذه الحرب من كل أطرافها، وحول ما هو خفي فيها والأهداف الاسرائيلية الحقيقية لاندلاعها غير ما يصرح به نتنياهو وقادة جيشه، ولكن المخادعة والكذبة الكبيرة التي يصدقها ويكررها محللون سياسيون عرب وبعض الأوساط اليهودية أن نتنياهو قام بالحرب ويطيل أمدها حتى يحافظ على الائتلاف الحكومي ولأنه متهم بالفساد ويخشى أن يؤدي وقف الحرب لسقوط الحكومة وتعرضه للمحاكمة.
المشكلة عند أصحاب هذا التفكير أنهم يتعاملون وكأن نتنياهو زعيم عربي جاء للسلطة عن طريق الانقلاب أو بالوراثة وما يهمه السلطة ومنافعها ومستعد للتضحية بالدولة والشعب حتى يحافظ على سلطته، وأن اليهود في اسرائيل مثل غالبية الشعوب العربية العلاقة بينهم وبين الحاكم علاقة راع ورعية وليس على أساس المواطنة والشراكة السياسية.
صحيح أن نتنياهو يريد تحرير المخطوفين والقضاء على القدرات العسكرية لحماس أو إضعافها كما أنه يرى في هذه الحرب فرصة لأن يستمر بالحكم ويبعد عنه الاتهامات بالفساد، ولكن كجزء من عملية كبرى وليست الهدف الرئيس للحرب وهذه الأهداف المعلنة مجرد ستار لتضليل الرأي العام العالمي وإخفاء الهدف الحقيقي للحرب.
نقولها بصراحة حتى وإن كانت مؤلمة، إن نتنياهو جاء عن طريق انتخابات وهو بنظر غالبية الاسرائيليين زعيم وبطل قومي وديني يدافع عن دولة إسرائيل، وينفذ تعاليم التوراة ورب اليهود الذي يأمر بقتل وحرق الأغيار وخصوصاً الفلسطينيين كما تذكر التوراة وهناك نصوص توراتية كثيرة تتحدث عن العداء بين بني إسرائيل والفلسطينيين وقد كتبنا حول الموضوع في ابريل 2024 مقالا تم نشره في أكثر من موقع بعنوان: (المرجعية التوراتية لحرب الإبادة على غزة). ومن هنا نلاحظ كثرة استشهاداته بنصوص التوراة منذ بداية الحرب، وكثيرون من اليهود ينظرون اليه كملك بني إسرائيل يسير على خطى سليمان وداوود ويشوع بن نون أو إنه (نتنياهو التوراتي).
نتنياهو يتصرف عن قناعة بما يفعل وقد سبق وأن عبر عن قناعاته ورؤيته للصراع في المنطقة مع العرب والفلسطينيين في كتابه (مكان تحت الشمس) والصادر عام ١٩٩٥ بعد مؤتمر مدريد للسلام ١٩٩١ وبعد توقيع اتفاقية أوسلو ١٩٩٣، وهذه الرؤية والتصور الاجرامي والعنصري المتطرف كان حاضراً في كل تاريخه العسكري والسياسي وخلال توليه منصب زعيم حزب الليكود ورئاسة الحكومة أكثر من مرة.
في سنوات ماضية كان يوجد في إسرائيل وعند اليهود عموماً قوى يسار ومعتدلين، وحتى الجيش والسلطة القضائية والكنيست كان يُراهن عليهم أحياناً كقوة كبح لاعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، أما اليوم فكل يهود إسرائيل تقريباً يمين متطرف، وعنف وارهاب الجيش واجرامه يفوق عنف وارهاب المستوطنين، حتى السياسيين والدبلوماسيين الإسرائيليين يبررون إجرام وارهاب الجيش وقطعان المستوطنين والجيش ويدافعون عنها في المحافل الدولية.
ما يحمي نتنياهو ليس عائلته أو قبيلته أو حزبه، بل غالبية الشعب والدولة العميقة الذين يشعرون أن نتنياهو زعيم قومي يحقق لإسرائيل واليهود مشروعهم الصهيوني، وحتى قوى وأحزاب المعارضة تؤمن بذلك وهي تعارض نتنياهو للحفاظ على شكلانية الديمقراطية وتبرئة أنفسهم من المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها الجيش ونتنياهو وفي إطار الصراع على السلطة وليس على موقفه من التعامل مع الفلسطينيين، وهذا يفسر استمرار شعبية نتنياهو داخل إسرائيل وعند يهود الشتات حيث لم يبرز أي زعيم يهودي ينافسه على الزعامة والقيادة.
وفي استطلاع للرأي في إسرائيل الشهر المنصرم قال ٨٢% من الجمهور أنهم مع تهجير سكان قطاع غزة بينما قال ٥٢% أنهم مع تهجير فلسطينيي الداخل أو الخط الأخضر الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
ما نريد الوصول اليه، ضرورة الخروج من وقع تأثير التفسيرات والتأويلات السطحية للحرب الجارية وتروج لها بعض الفضائيات والمحللون السياسيون، والتي تختزل المشكلة في نتنياهو، وكأن غيابه عن المشهد سيغير المعادلة وتعود إسرائيل دولة سلام مع الفلسطينيين والعرب.
الخلل في هذا التفكير إنه يتجاهل الأبعاد الاستراتيجية للصراع والحرب وهي أبعاد تتجاوز نتنياهو وحتى حكومة اليمين، فهي حرب تشنها اليهودية والصهيونية العالمية بعد أن أعدت لها جيداً طوال سنوات وعقود لتصفية القضية الفلسطينية وما إفشال كل جهود التسوية منذ أوسلو ثم مبادرة السلام العربية وخطة خارطة الطريق إلى المفاوضات الحالية لوقف إطلاق النار على جبهة غزة إلا جزءً من هذا المخطط والهدف الصهيوني، ولا يُعقل أنه لو كانت المشكلة في شخص نتنياهو الذي يعمل من أجل مصالحه ويعرض دولة إسرائيل للخطر كما يزعمون، فلا يستطيع المجتمع اليهودي والدولة العميقة إزاحته من السلطة؟!
نتنياهو الذي يريد فرض رواية التوراة في حرب الإبادة وعلى العالم لا يشكل فقط خطراً على الوجود الوطني الفلسطيني، بل أيضاً يعرض دولة الكيان لخطر الزوال كما زالت دولتهم المزعومة المنصوص عليها في كتبهم الدينية المزعومة قبل حوالي 3 آلاف سنة.
اضف تعليق