لا تستغرب من سماع خبر عن تشقق جدار مؤسسة يعود تاريخ بنائه الى شهور قريبة، او يخبرك مُطلّع عن بدء احدى البنيات بالنزول نتيجة عدم الاهتمام بالأساسات، وعند ظهور هذه المشاكل بعد التنفيذ يتكرر على مسامعنا ما يقطعه المسؤولين على أنفسهم بضرورة محاسبة المقصرين والمتسببين بهذا الخلل الكبير الذي يعرض أموال الدولة الى الضياع...
وفقا لمعادلة وجود المال والكوادر المتخصصة التي عادة ما يذكرها المسؤول الحكومي في اللقاءات والاجتماعات العامة والخاصة، فأن من المعيب ان نرى شارعا مخسفا بعد فترة وجيزة من انشاءه او دخوله الخدمة، ومن المعيب أيضا الحديث عن جودة المشروعات وذكر المبالغ المصروفة عليها او المرصودة لها.
تكتب امام كل مشروع مدة إنجازه والجهة المستفيدة ويضاف لها في السابق التكلفة الاجمالية، وهي غالبا ما تكون تكلفة خيالية مقارنة بالمخرجات الانشائية الموجودة على ارض الواقع، فمثلا تجد طريقا رُفعت المادة الاسفلتية بعد شهور من افتتاحه، وآخر ظهرت مشاكله قبيل الافتتاح ومع ذلك يصر المسؤول على انه نفذ وفق اعلى مواصفة وانه يصنف ضمن المشروعات العالمية.
من الغريب جدا ان تجد في العراق وفي الوقت الحالي مشروعات نُفذت بهذه الطريقة التقليدية من حيث التصميم والمساحة وغيرها من المتعلقات، ففي كثير من الأحيان بعض المنشآت الحيوية تشعر وكأنها صُممت في سبعينيات القرن المنصرم، لا تحمل أي لمسة حداثوية.
ومع هذا حين يفتتحها المسؤول يشير الى ندرة مثل هذه المواصفات والابنية التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة في المنطقة برمتها!
وفي ذلك محاولة مباشرة الى تبرير السرقات التي رافقت تنفيذ المشروع، والتي تتجاوز في حالات كثيرة قيمة نصف المبلغ الإجمالي للمشروع.
الإشكاليات كثيرة على عملية تنفيذ المشروعات في العراق، ومن أبرزها والمشخصة من قبل المراقبين الحذقين، هي مسألة تحويل المشروع الى أكثر من جهة او مقاول للتنفيذ، اذ تأخذ كل جهة حصتها محققة بذلك هامش من الأرباح لا يستهان فيه، حتى تصل المسألة عند آخر مقاول يوافق على التنفيذ بما تبقى من الأموال المخصصة للمشروع.
جميع المحطات السابقة التي يمر فيها أي مشروع تنتزع فيها جملة من المواصفات التي كان من المفترض تنفيذها او توافرها فيه، والسؤال الملح هنا.
هل يُعقل ان يكون المسؤول الحكومي او الجهات المشرفة على تنفيذ المشروعات غير ملتفته لهذا النوع من التلاعب في عملية الإحالة أكثر من مرة وقد تبلغ أكثر من عشرة إحالات؟
وبعد الانتقال من هذه المرحلة يواجهنا تحدٍ آخر وهو التنفيذ المشوه استنادا الى الأموال الضئيلة المتبقية في ميزانية المشروع الذي مر بأطوار عديدة حتى انتهى به المطاف عند الرجل الأخير الذي يضع في حساباته الشخصية ضرورة الاستيلاء على أكبر قدر من الأموال المتبقية.
يأتي هذا الاستيلاء على القدر الأكبر من المال على حساب المواصفة والمواد المستخدمة، ولذلك برزت التخسفات واضطرت الجهات المستفيدة الى إعادة رفع بعض الأجزاء من الطرقات، وكذلك الأبنية التي نفذت بطريقة بعيدة عن المواصفات القياسية والمعايير الهندسية المعتمدة في التشييد.
فلا تستغرب من سماع خبر عن تشقق جدار مؤسسة يعود تاريخ بنائه الى شهور قريبة، او يخبرك مُطلّع عن بدء احدى البنيات بالنزول نتيجة عدم الاهتمام بالأساسات.
وعند ظهور هذه المشاكل بعد التنفيذ يتكرر على مسامعنا ما يقطعه المسؤولين على أنفسهم بضرورة محاسبة المقصرين والمتسببين بهذا الخلل الكبير الذي يعرض أموال الدولة الى الضياع، عبر تشييد ابنية تفتقر الى ابسط المقومات والمستلزمات التي بموجبها تصبح مكانا مناسبا للعمل وتقديم الخدمة للمواطنين.
يحدث ذلك نتيجة سوء الرقابة واستلام الحصص او النسب قبل الشروع بالعمل، فمن يقع عليه واجب المراقبة، يسيل لعابه امام المليارات المعروضة عليه لتمرير سلفة ما او غض النظر عن خلل معين، يهدد حياة البناية ويقلل من عمرها الخدمي.
لذا لا يمكن تفسير ذلك المشهد سوى انه أسلوب متعمد لهدر المال العام، بعيدا عن المصطلحات الرنانة التي يظهرها المسؤولون عن المراقبة والمحاسبة، التي يجب ان ترافق أي مشروع او بناية عائدة الى الجهات الحكومية؛ لضمان عمرا أطول لها أولا، وترشيد في عملية الاستهلاك المادي لأغراض الصيانة والترميم ثانيا، بعيدا عن وضع الحلول طويلة الأمد لإنقاذ ما تبقى من الأموال العامة في الوقت الذي تشهده البلاد من ضيق ملموس على مستوى الانفاق.
اضف تعليق