ولأجل تعزيز حماية العمال الأجانب فلابد من سلك السبل الناجعة وأولها تعزيز الرقابة والتفتيش العمالي حيث يجب توفير المزيد من الموارد لدوائر التفتيش العمالي لضمان التحقق من ظروف عمل الأجانب ومحاسبة المخالفين، وثانيها التوعية والتثقيف فيجب إطلاق حملات توعوية للعمال الأجانب حول حقوقهم القانونية، بالتعاون مع المنظمات الدولية والجمعيات...
يُعتبر استغلال العمال الأجانب إحدى القضايا المهمة في سوق العمل العراقي، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على العمالة الوافدة في مختلف القطاعات، وإن كانت الوقائع الآن هي (حالات) لكنها في المستقبل القريب ستغدو (ظاهرة) إن لم تتحجم وتكافح، لما يواجه هؤلاء العمال من تحديات عديدة، منها ظروف العمل غير العادلة، تدني الأجور، غياب الحماية القانونية، والاتجار بالبشر.
ولذلك، سعى المشرّع العراقي إلى تنظيم أوضاع العمال الأجانب وحمايتهم من الاستغلال من خلال القوانين والتشريعات ذات الصلة، وفي هذا السياق يهدف المقال إلى تسليط الضوء على الإطار القانوني الذي يحكم عمل الأجانب في العراق، وتحليل مدى كفاءة التشريعات الحالية في مكافحة استغلالهم، مع تقديم بعض التوصيات لتعزيز الحماية القانونية لهذه الفئة.
ولدى الاطلاع على الإطار القانوني لعمل الأجانب في العراق نجد في مقدمة القوانين ذات الصلة قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 حيث يُعدّ قانون العمل العراقي من أهم التشريعات التي تنظم عمل الأجانب، حيث يضع ضوابط وإجراءات لمنح تصاريح العمل لهم، ويُلزم أصحاب العمل بتوفير حقوق متساوية للعمال العراقيين والأجانب في بعض الجوانب.
ومن أبرز أحكامه المتعلقة بحماية العمال الأجانب: المادة 30 تمنع تشغيل أي عامل أجنبي دون الحصول على إذن رسمي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والمادة 40 تنص على حق العمال الأجانب في الأجر العادل، وتضمن لهم الحد الأدنى للأجور والمزايا الاجتماعية، أما المادة 42 تُلزم أصحاب العمل بعدم تشغيل العمال الأجانب في ظروف قسرية أو استغلالية.
أما ثاني هذه القوانين هو قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 حيث يعتبر هذا القانون حجر الأساس في مكافحة استغلال العمال الأجانب، حيث يجرّم أي شكل من أشكال الاتجار بالبشر، بما في ذلك استغلال العمالة الأجنبية من خلال العمل القسري، أو حجز الوثائق الرسمية، أو إساءة استخدام ظروفهم الاقتصادية حيث نص في المادة الاولى/أولًا منه على انه: "اولا : يقصد بالإتجار بالبشر لأغراض هذا القانون تجنيد اشخاص او نقلهم او ايوائهم او استقبالهم, بوساطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او بإعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة او ولاية على شخص اخر بهدف بيعهم او استغلالهم في اعمال الدعارة او الاستغلال الجنسي او السخرة او العمل القسري او الاسترقاق او التسول او المتاجرة بأعضائهم البشرية او لأغراض التجارب الطبية."، وكذلك نص قانون الإقامة رقم 76 لسنة 2017 الذي يحدد شروط دخول وإقامة الأجانب في العراق، كما يفرض عقوبات على من يستخدم العمال الأجانب دون تصاريح قانونية، مما يحدّ من تشغيلهم في ظروف غير قانونية تؤدي إلى استغلالهم.
هذا فيما يتعلق بالاطار القانوني أو الجنبة التشريعية، أما مظاهر استغلال العمال الأجانب في العراق من أبرزها:
1. العمل القسري: إجبار العمال على العمل لساعات طويلة دون راحة أو بأجور متدنية.
2. حجز الوثائق: احتفاظ بعض أصحاب العمل بجوازات سفر العمال لمنعهم من مغادرة العمل.
3. عدم دفع الأجور: تأخير أو الامتناع عن دفع رواتب العمال الأجانب، خاصة في القطاعات غير الرسمية.
4. سوء ظروف السكن والمعيشة: إجبار العمال على العيش في مساكن غير صحية وغير ملائمة.
وتقع هذه المظاهر ضمن جملة من النتائج المترتبة على تحديات تطبيق التشريعات العراقية في مكافحة استغلال العمال الأجانب منها ضعف الرقابة والتفتيش حيث تعاني أجهزة التفتيش العمالي من نقص في الموارد البشرية والمادية، مما يحدّ من قدرتها على مراقبة ظروف عمل الأجانب والتأكد من تطبيق القوانين، بالإضافة إلى عدم وعي العمال الأجانب بحقوقهم فقد يواجه العديد من العمال الأجانب صعوبات في فهم حقوقهم بسبب الحواجز اللغوية والثقافية، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال، كما أنّ ضعف تنفيذ العقوبات على الرغم من وجود عقوبات قانونية ضد استغلال العمال الأجانب، إلا أن تنفيذها يواجه تحديات بسبب الفساد الإداري وضعف تطبيق القانون في بعض الحالات.
ولأجل تعزيز حماية العمال الأجانب فلابد من سلك السبل الناجعة وأولها تعزيز الرقابة والتفتيش العمالي حيث يجب توفير المزيد من الموارد لدوائر التفتيش العمالي لضمان التحقق من ظروف عمل الأجانب ومحاسبة المخالفين، وثانيها التوعية والتثقيف فيجب إطلاق حملات توعوية للعمال الأجانب حول حقوقهم القانونية، بالتعاون مع المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية، أما ثالثها تشديد العقوبات فينبغي تغليظ العقوبات على أصحاب العمل الذين يستغلون العمال الأجانب، لضمان الامتثال للقوانين، وأخيرًا يجب تسهيل إجراءات الشكاوى عبر إنشاء آليات فعالة وسهلة لتمكين العمال الأجانب من تقديم الشكاوى ضد أصحاب العمل الذين يستغلونهم، مع ضمان حمايتهم من أي انتقام.
ختامًا- يمثل استغلال العمال الأجانب في العراق مشكلة خطيرة تستدعي جهوداً قانونية وإدارية مكثفة لمكافحتها، ورغم أن التشريعات العراقية تتضمن أحكامًا مهمة لحماية هذه الفئة، إلا أن التحديات العملية تعرقل تنفيذها بفعالية، لذا، فإن تعزيز الرقابة، وزيادة الوعي، وتشديد العقوبات، كلها إجراءات ضرورية لضمان بيئة عمل أكثر عدالة وإنصافا للعمال الأجانب في العراق.
اضف تعليق