كثيرا ما أنصح الشباب الذين التقيهم بالتوقف عن تدمير شبابهم بهذه العادة السيئة، الا ان كلامي يذهب أدراج الرياح، وليس له من صدى في نفوسهم وعقولهم، وبالرغم من هذه العقود المتواصلة بالتدخين شابا وكهلا، ولكن لم يحدث أن دخنت يوما أمام أساتذتي اطلاقا حتى عندما كنت زميلا لهم في الجامعة...

قد لا أجد لها تفسيرا منطقيا، أي مقبول عقليا، أن تكون الفكرة التي تشغل بالك هي نفسها التي تشغل بال زميلك وفي الاسبوع نفسه تقريبا، بالرغم من عدم حدوث أي لقاء بينكما على مدى سنوات، وهذا ما حدث أمس حين قرأت عمودا لأستاذنا زيد الحلي بعنوان (اعترافات مدخن النركيلة) نشره في جريدة الصباح، في حين شغلتني فكرة الكتابة عن التدخين منذ اسبوع حتى اني ثبّت في مفكرتي عنوانها (من عاداتي السيئة)، هل هي صدفة ام تخاطر؟

وقبل أن أباشر بكتابة مقالي كنت ترددت كثيرا لاعتبارات معينة، عموما عادت بي هذه الصدفة الى تذكر بعض ما ورد في كتاب الكاتب الانكليزي كولن ولسن الذي حمل عنوان (الانسان وقواه الخفية) الذي اطلعت عليه قبل ما يقرب من الأربعين عاما يوم كنت طالبا جامعيا تستهويه مثل هذه الكتب اللافتة ككتابه اللامنتمي الذي صدمنا حينها بفكرته ووجدنا لاحقا ان اللانتماء تتسع مساحته بتقدم سنوات عمرك وما تشهده ثقافتك وحصيلتك العلمية من تطور، فقد تطرق كتاب ولسن لمثل هذه الموضوعات. 

لكن الشخصيات التي حدث بينها تخاطر ترتبط بعلاقات معينة بعضها حميما، فمع ان علاقتي الثقافية بالحلي طويلة وتعود الى عقود من خلال متابعتي لكتاباته، الا ان لقاء شخصيا لم يتحقق بيننا باستثناء فعالية ثقافية نظمتها جريدتنا الحبيبة الزمان ولم تتح لنا فرصة الحديث المنفرد مع امنيتي بتحقق ذلك، فما عرفته من كتاباته، وما سمعته عن خلقه الرفيع وتواضعه الجم، وعلاقاته النوعية بالشخصيات الصحفية والثقافية، وتاريخه الصحفي الثر، وذاكرته المتوقدة تجعل أي شخص يرغب بلقائه. لكن المشاغل المتراكمة حالت دون ذلك .

أعود للحديث عن أبرز عاداتي السيئة والمتمثلة بالتدخين الذي رافقني نصف عمري تقريبا، وفشلت في الاقلاع عنه مرات عديدة وما زلت أحاول، مع ان كثيرا من الأصدقاء نصحوني بالإقلال وعدم الاقلاع عنه فجأة، اذ قد يسبب ذلك بعض المشكلات الصحية، ولا أدري مدى صحة قولهم علميا، وبالرغم من أخطاء كثيرة ارتكبتها في حياتي، لكني لم أندم على شيء بقدر ندمي على خطأين: أحدهما عدم اجادتي للغة الانكليزية، وثانيهما: تعلم التدخين الذي بسببه تردت حالتي الصحية. 

وكثيرا ما أنصح الشباب الذين التقيهم بالتوقف عن تدمير شبابهم بهذه العادة السيئة، الا ان كلامي يذهب أدراج الرياح، وليس له من صدى في نفوسهم وعقولهم، وبالرغم من هذه العقود المتواصلة بالتدخين شابا وكهلا، ولكن لم يحدث أن دخنت يوما أمام أساتذتي اطلاقا حتى عندما كنت زميلا لهم في الجامعة، وصار شكلي وليس عمري مقاربا لأشكالهم، وأبدوا أحيانا أكبر من الكثير منهم. 

هكذا علمونا الأدب الذي لم نعد نراه اليوم، طبعا التدخين صار ظاهرة مفجعة بما في ذلك الوسط الجامعي، وفشلت جميع اجراءاتنا في الحد منه، وامتنعنا نحن الاساتذة عن التدخين امتثالا لتك التوجيهات وتصديا للظاهرة، لكن الطلبة لا يستحون من التدخين على مرأى أساتذتهم، بل يعدون ذلك أمرا طبيعيا، كما لم يتعلم طلبتنا النهوض احتراما للأستاذ عندما يمر من أمامهم، ليسوا متقصدين عدم الاحترام، بل يعتبرون الأمر عاديا، وفي نهاية الدرس سرعان ما يخرجون قبله من القاعة.

ومن الظواهر اللافتة والمزعجة ونحن نخوض امتحانات نهاية السنة ان الادارة الجامعية تقدم لهم كل سبل الراحة كتوفير القاعات المكيفة والماء البارد الا ان غالبية الطلبة ان لم أقل جميعهم يتركون مخلفاتهم كقناني المياه الفارغة وأوراق الكلنكس تحت مقاعدهم من دون الالتفات لها الا تحت ضغط المراقبين، ما يعني تراجعا في الذوق العام، يتعذر سرد الظواهر السلبية لكثرتها، كل هذا يحدث، بينما نتحدث عن الاعتمادية الدولية، والانشغال بدخول التصنيفات العالمية، ومع الأهمية البالغة لهذا الدخول، لكن قبل ذلك علينا أن نضبط مخرجاتنا تربويا، اما علميا فأحيانا تشعر انك في درس للأمية .

اضف تعليق