سياسة الانفتاح التي ينتهجها العراق في الوقت الحالي يجب أن تحظى بدعم من قبل الجميع من الشركاء في العملية السياسية، فهي "سياسة الانفتاح" البوابة التي يمكن أن يطل من خلالها العراق على محيطه الإقليمي والدولي، وهي الفرصة الحقيقية المتاحة الآن لتعزير فرص التعاون على مختلف الأصعدة، وجذب الاستثمارات الاقليمية والدولية...

كثرت زيارات رؤساء الحكومات المتعاقبة الى الولايات المتحدة والصين في السنوات الماضية، باعتبارهما اهم القوى التي تمثل المحاور الدولية، وفي الأيام القليلة المنصرمة أنهى رئيس الحكومة الحالية السيد محمد شياع السوداني زيارته الى واشنطن التي ناقش فيها جملة من الملفات من بينها ملف الكهرباء.

يسعى العراق وفي كل موقف ان يوضح انه يريد الانفتاح على الآخرين، وهنا المقصود بالآخرين هو المجتمع الدولي، ولكن بقي هذا الانفتاح يدور في حلقة الولايات المتحدة مع التواصل الحذر مع الأطراف الدولية الأخرى، ما يعني ان انفتاح العراق هو انفتاح مغلق.

جميع رؤساء الحكومات بما فيهم السوداني يعرف ان أي انفتاح يريده العراق يبقى انفتاح مغلق لجملة من الأسباب، أولها ان الولايات المتحدة وقد يكون من المستحيل ان تسمح لغيرها من القوى الدولية بأن تأخذ غير المساحة التي تخصصها للحركة المقيدة او المشروطة.

فهل يعقل ان تعطي الضوء الأخضر للشركات الألمانية مثل سيمينز وغيرها ان تؤهل منظومات الكهرباء ونصب المحطات الإنتاجية؟

بالطبع لا، وان وصل الامر الى اسقاط حكومات والاتيان بغيرها، كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي، الذي مد يده للجانب الصيني لغرض المساعدة، ولم يكن يعلم ان الثمن هو الإقصاء من الحكم، وصار عبرة لجميع الرؤساء الذين خلفوه، لا أحد يجرؤ على الاقتراب من محور دولي لا ترغب فيه أمريكا.

أمريكا لا تريد ان ينفتح العراق مع الآخرين الذين يشكلون مصدر ازعاج بالنسبة لوجودهم في البلاد على جميع المستويات، فهي تعرف ان الحكومة العراقية تعتمد وبنسبة كبيرة على الغاز الإيراني في توليد الطاقة، وتحاول ان تقلل هذا الاعتماد من خلال حث اصدقاءها في المنطقة من الدول العربية الوقوف الى جانبها في مسعاها.

وتمثل هذا الاجراء بالربط الكهربائي مع الأردن والسعودية، في عهد حكومة الكاظمي، ومن المؤمل ان ترى هذه الخطوط النور في الاشهر القادمة، مالم تؤثر عليها الاحداث والمواقف الدولية التي ترسم الخارطة النهائية وفق المزاج والمصلحة الشخصية للأطراف اللاعبة.

ومع هذا كله لا تزال بغداد تسعى أن تنفتح على العالم، وتستقبل الشخصيات السياسية المختلفة وتستضيف عشرات الدبلوماسيين في مدنها وقصورها الرئاسية، حيث ما انفكت تروج لسياستها الآخذة بالنمو الدائم، واخذت بالتعافي تدريجيا، وربما يكون هذا التعافي شرط من شروط الانفتاح على المجتمع الدولي الذي يبحث عن بيئة مستقرة للتعامل والتعاون معها.

وقد لا يصل العراق الى الانفتاح المرضي او المطلوب، والمتمثل في عدم التحرج من التعامل سياسيا واقتصاديا وتجاريا مع أي دولة على مستوى المحيط الإقليمي والدولي، فمتى ما استطاع العراق ان برم اتفاقيات امنية مع دولة تختلف مع الولايات المتحدة في المصالح والسياسية، ومتى ما ابرم عقود تسليح مع دول في المحور المعادي للمحور الغربي حينها يمكن القول ان العراق خرج من انغلاقه على نفسه.

وانفتح فعليا على العالم الخارجي، فهو مع جميع الجهود المبذولة التي يريد ان يثبت جديته في الانفتاح يبقى منغلقا على نفسه، وليس امامه سوى قطبين للتعامل في اطر مختلفة، وهما في المرتبة الأولى أمريكا، وتأتي بعدها إيران، وفي أحيان كثيرة تأتي الأخيرة في المقام الأول.

تعزيز علاقات العراق الخارجية، والانفتاح على دول العالم والمنطقة له أكثر من غاية وهدف، فقد عانى هذا البلد، ولسنوات طويلة من عزلة تامة، وحصارات على أكثر من صعيد، وقد آن الأوان للخروج من هذه القوقعة السياسية، والتفاعل مع محيطه الاقليمي والمجتمع الدولي، لكي يحظى الدعم الدولي للعراق بتأييد أوسع، ومن ثم تعزيز مكانة العراق إقليماً ودولياً.

سياسة الانفتاح التي ينتهجها العراق في الوقت الحالي يجب أن تحظى بدعم من قبل الجميع من الشركاء في العملية السياسية، فهي "سياسة الانفتاح" البوابة التي يمكن أن يطل من خلالها العراق على محيطه الإقليمي والدولي، وهي الفرصة الحقيقية المتاحة الآن لتعزير فرص التعاون على مختلف الأصعدة، وجذب الاستثمارات الاقليمية والدولية، بعد أن ثبُت فشل الطروحات والرؤى القديمة في استحداث خطط تنموية حقيقية ومستدامة.

اضف تعليق